لقد أعادت أحداث ومجريات الحرب العنصرية الإسرائيلية على غزة العربية الفلسطينية , والتي اندلعت مع نهاية العام 2008م إثبات الكثير من الحقائق التاريخية الغائبة الحاضرة , وواحدة من تلك الحقائق التي أعيد تجديد البراهين عليها , هي الولاء الاميركي المطلق لمستعمرة الإرهاب والإجرام الصهيوني , بل واستمرار الدعم المعنوي والمادي اللامحدود لجميع التصرفات الإجرامية والإرهابية الإسرائيلية , في وقت تدعي فيه الولايات المتحدة الاميركية أنها امة الديموقراطية والعدالة وحقوق الإنسان , بل وتسعى بكل طاقتها – بحسب ما تدعي وتروج – لتعميم تلك الحقوق الإنسانية والقانونية على جميع المستضعفين والمظلومين والمقهورين في كل أرجاء الأرض بلا استثناء0
لذا فإننا ومن خلال هذا الطرح , سنحاول قدر المستطاع إعادة رسم تلك الحقائق التاريخية , بطريقة تثبت لبعض المراهنين من العرب , ان إسرائيل ستظل الحليف التاريخي الاستراتيجي للولايات المتحدة الاميركية , والذي لا يمكن بحال من الأحوال ان تستبدله بحلفائها من العرب مهما كانت الظروف , بل وستبقى المستعمرة الإسرائيلية الكبرى دائما وابدأ الابن المدلل للولايات المتحدة الاميركية , والذي لا يمكن إغضابه او اهانة كرامته او الإنقاص من قدره ومكانته لإرضاء بعض الشوارب والذقون العربية التي لا تعتبر من التاريخ0
كذلك من خلال إثبات ان الادعاءات الاميركية المتكررة لحضانتها وحمايتها ورعايتها لحقوق الإنسان والديمقراطية والعدالة في مختلف أرجاء الأرض , والتي يراهن عليها بعض الانهزاميين من العرب الذين لا يقلون عمالة وخيانة عنها , ليست سوى مجرد أكاذيب وادعاءات وكلمات منمقة لا أساس لها من الصحة , لعل ذلك يعيد صياغة وكتابة بعض الحسابات الانهزامية الخاسرة على الرهان الاميركي , وخصوصا لتلك الشريحة من المتشبثين بذيل لطف العم سام عليهم عند حدوث أي مأزق او معضلة مع مستعمرة الإرهاب الصهيوني , بالرغم من كثرة الأدلة والبراهين التاريخية على ان الولايات المتحدة الاميركية , كانت ولا زالت وستظل الرهان العربي الخاسر لمناصرة القضايا العربية 0
وبداية فليس اقل من قول : ان الولايات المتحدة الاميركية أعطت الضوء الأخضر منذ البداية لكيان مستعمرة الإرهاب الصهيوني لشن عدوانها العنصري على غزة الفلسطينية المسلمة العربية , وذلك من خلال تواطئها بل ومساهمتها في تفعيل وتشجيع النيات الإسرائيلية المبيتة أصلا لتلك الجريمة الإرهابية البشعة , والتي علمت بها الحكومة الاميركية السابقة وحتى الراهنة قبل شنها بفترة طويلة , كما لا يخفى على احد ان هناك الكثير من الوثائق والأدلة على أن إسرائيل تقدمت بطلب للولايات المتحدة الاميركية في شهر سبتمبر – أي – قبل العدوان بأقل من 3 أشهر , وذلك لشراء عدة أنواع من الأسلحة , ومن بين تلك الأسلحة القنابل المخصصة لقصف الأنفاق والأعماق من نوعية gbu -39 , كتلك التي استخدمتها إسرائيل في حربها ضد لبنان في يوليو من العام 2006 م , والتي يرجح المحللون العسكريون أن إسرائيل كانت تخطط لاستخدامها في غزة ضد البنية العسكرية التحتية لحماس , وحصل الطلب على موافقة الكونجرس في شهر أكتوبر من العام 2008م 0
وليس ذلك فقط , فبالإضافة الى ما سبق , فقد كان للولايات المتحدة الاميركية دور كبير في استمرار العدوان الإرهاب الصهيوني على غزة , وذلك من خلال تصريحات الرئيس الاميركي السابق جورج بوش الابن , حيث قال هذا الأخير بكل إجرام وعنصرية : إنه " يتفهم رغبة إسرائيل في حماية نفسها "، مشيراً في أول تصريح تلفزيوني له بعد الهجوم البري الإسرائيلي على قطاع غزة ، إلى أن الأزمة الإنسانية في القطاع تسببت فيها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) , وأضاف بوش أنه لن يحصل وقف لإطلاق النار ما لم تتوقف حماس عن إطلاق الصواريخ 0
وهذا بالطبع ليس بجديد على الولايات المتحدة الاميركية , فقد كانت هذه الأخيرة من جهة , الراعي الدائم والمبرر القانوني والمحامي الرسمي لمختلف التصرفات الصهيونية العدوانية الإجرامية على فلسطين ولبنان وسوريا وغيرها من الدول العربية , بل كانت الولايات المتحدة الاميركية وبالأدلة والبراهين التاريخية والقانونية والعينية الواضحة من يمول الإرهاب الصهيوني بالأسلحة والعتاد والمال عبر التاريخ , بل ويطلق رصاصة البداية لذلك العدوان , أما من جهة أخرى فقد كان دفاعها المستميت وتشويهها الحقائق وتحريفها لها في مختلف المحافل والأماكن لتكون في صف المجرم المعتدي على حساب الضحية المعتدى عليها , الدليل الآخر على ذلك التواطؤ والمشاركة في الجرائم الصهيونية التاريخية على الشعب والأرض الفلسطينية , وفي حال غزة الأخير , فكما واشرنا سابقا فقد كانت الولايات المتحدة الاميركية السند والعون لإسرائيل على إطلاق شرارة العدوان ومساندتها بتلك التصريحات العنصرية الإجرامية التي تبرر لها محارقها وإرهابها , وإمدادها بالأسلحة والذخائر المحرمة دوليا كالفسفور الأبيض الحارق واليورانيوم المستخدم في القنابل الانشطارية 0
وتاريخيا فقد ساهمت الولايات المتحدة الاميركية بطريقة او بأخرى بأغلب الاعتداءات والجرائم الصهيونية العنصرية الإرهابية على فلسطين منذ الانتفاضة الأولى في العام 1881 م وحتى يومنا هذا , وليس من المتوقع ان يتغير أي شي بشكل مطلق في سياسات الولايات المتحدة الاميركية تجاه المستعمرة الإسرائيلية الكبرى , وواحد من تلك الأمثلة التاريخية على ذلك الدعم اللامحدود لإجرام المستعمرة الإسرائيلية من قبل الولايات المتحدة الاميركية هو سيناريو أحداث الانتفاضة الفلسطينية الكبرى والتي انفجرت يوم 9 / ديسمبر / 1987 , حيث لم يتوانى إسحاق رابين وزير الدفاع آنذاك من الأخذ بنصيحة وزير الخارجية الاميركي وقتها هنري كيسينجر بطريقة قمعها وذلك باستخدام أقصى وسائل العنف والخوف والقسوة والوحشية , وهو ما أطلق عليه في ذلك الوقت بسياسة " كسر العظام " 0
إذ ورد في صحيفة النيويورك تايمز بتاريخ 3 / 5 / 1988 م , ان كيسينجر قد اقترح على إسرائيل ان تخمد الانتفاضة " في أسرع وقت ممكن وبكل قوة ووحشية وسرعة , إذ لابد من قمعها في الحال ", مؤكدا على انه سيكون هناك انتقاد دولي لهذه الخطوة , ولكنه سرعان ما سيتلاشى , وأضاف : انه لا توجد مكافآت للخسارة بسبب الاعتدال , كما أكد على ذلك الدعم الإجرامي وفي نفس السياق السابق ريتشارد شيفتر – مساعد وزير الخارجية الاميركي لحقوق الإنسان – 1985 / 1992 م – حيث قال هذا الأخير : ( من الواضح في رأينا ان إسرائيل ليست فقط صاحبة الحق في إعادة النظام او المحافظة عليه في الأراضي المحتلة , واستخدام القوة بالصورة الملائمة لتحقيق ذلك , بل هي ملزمة بذلك الحق ) 0
وهكذا سقطت أوراق الديموقراطية والعدالة الاميركية التي طالما صمت بها آذان العالم من جديد , وخصوصا دول العالم الثالث " النائم " في الحرب الصهيواميركية على غزة الفلسطينية المسلمة العربية , كما سقطت قبل ذلك في لبنان وغيرها من الدول العربية التي لم تسلم من عدوان المستعمرة الصهيونية على سيادتها وأمنها القومي, فهل من رهان خاسر بعد كل ذلك من الرهان العربي على الولايات المتحدة الاميركية لتحقيق العدالة وحقوق الإنسان في الأراضي العربية بوجه عام وفي فلسطين على وجه الخصوص ؟ 0
وأخيرا ومما لابد من عدم تغافله هنا وبناء على المعطيات التاريخية والعينية السابقة , ضرورة عدم تكرار المراهنات العربية الرسمية الخاسرة على الحكومة الاميركية الجديدة بقيادة أوباما , و ومهما لانت او هادنت او جاملت العرب في وقت من الأوقات , وواقع الحال التاريخي يؤكد بما لا يدع مجالا للشك بأنها لن تكون أفضل حالا من سابقتها , فلا إسرائيل ستجعل لها أي اعتبار او احترام او تقدير لمكانتها وخصوصا في حال انساقت بعيدا عن رغباتها او متطلباتها , ولا هي – أي – حكومة باراك أوباما منطقيا ستقدر ان تجازف بخسارة او مواجهة قوى الضغط الصهيوني في الداخل الاميركي لإرضاء بعض الانهزاميين العرب 0
• صحفي مستقل – سلطنة عمان
• باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية
المفضلات