الانتخابات الوشيكة ولعبة الشعب المنوم

لله در السياسة مااقذرها لاسيما اذا ماحلقت في سماء العراق الجديد.فرابطة الحناجر عندنا ملعلعة تحت قبة البرلمان وخارجه.وفيها كل شيء وارد ومعقول وكل قذر مستحسن وزكي.قد يتصالح القاتل والمقتول وابتسامة الغدر تحيي وجوههم،ورغبة القتل تعتري أيديهم.فمع ساسة العراق الجديد ممكن ان ترى العقرب وردة والحمامة صقر والغراب بعير.ومعهم تكون لدغة الافعى قبلة في ثغر حسناء.
كما يبدو ان دهاء دهاقنة قريش كان ومازال متسيدا في عقول مردة الشيطان من ساسة العراقيين الجدد متنورين بالمقولة القديمة المتجددة:اجمعوا من كل قبيلة رجل واقتلوه فيضيع دمه بين القبائل.وهذا ماتحاول الكتل السياسية تطبيقه حرفيا.فبعد ان قتلوا الشعب يحاولون اليوم التنصـل من دمه ومسح آثار الدماء عن قميص يوسف الذي مزقته الذئاب ولم يعد له وجود.
لقد شهدت الساحة السياسية العراقية مؤخرا تحالفات ومضاربات وانفصامات جديدة وغريبة لكنها في الواقع تصب في البودقة القديمة نفسها،وما الرتوش الجديدة الا اخفاءا لعيوب الصورة القديمة ومسح لقطرات الدم التي لطخت شخوصها.
نأتي بداية لقائمة الائتلاف الموحد بشكلها الحاكم الحالي باعتبارها القائمة الكبرى الاكثر تاثيرا ونفوذا وذات الرصيد الجماهيري الاول بحكم التركيبة السكانية لناخيبيها،والتي قد يتصور الكثيرون انها قد افلست مما تقدم ذكره.
يحاول المالكي جناح حزب الدعوة الانفصال حاليا عن المجلس الاعلى بقيادة عبد العزيز الحكيم واضفاء ملامح شخصية مستقلة على حزبه في الانتخابات القادمة،وهذه المحاولة هي رافد تغذية حقيقي للطرفين كلاهما.
فبعد ان ذاق الشعب العراقي مرارة وقسوة وبطش وتجويع هذا التحالف الموحد لم تعد هذه اللعبة لتنطلي عليه اذا ماعاودت هذه القائمة الظهور بنفس وجهها السابق،لانها ايقنت بان ناخبها العراقي على وعي تام بان هذه القائمة بـ(شكلها الاتحادي) القديم مسؤولة عن كل مآسيه الانسانية والخدمية والمادية،وبالتالي فلابد للحربة ان تغير لونها مستغلة حالة عمى الالوان التي ألَمّت بالشعب العراقي جراء ماغزل له رموز هذه القائمة سابقا.ولكي يتنصل رموزها عما الحقوه بهذا الشعب من مآسي ومحن كان لابد من الانفصال لخلق حالة من التوهان وتضييع المسائلة وتعليقها على شماعة الاسم القديم الذي لاوجود له فيما بعد الانتخابات المقبلة وهو(قائمة الائتلاف العراقي الموحد)،وقد نجح كلا الطرفان (المالكي وعبد العزيز الحكيم)بخلق هذه الرؤية لدى الشارع التابع لهما.
فالمالكي بطل (الحرب) ضد الارهاب و(السلام)مع السنة،إذا مااريد له ان يتحَمـل مسؤولية جرائم حكومته تتيح له هذه التشكيلة الجديدة التملص منها والصاقها بالميليشات التي استغلت انشغاله بمكافحة الارهاب والتي(لاعلم له بها!) ،باعتباره من المساكين المغلوبين على امرهم لان (السادة) من المجلس الاعلى والصدريين وفيلق بدر هم من كانوا يتحملون مسؤولية الادارة للاجهزة الامنية الحكومية التي استغلت سلطاتها ابشع استغلال.اما هو فلم تستتب له الامور ولم تمنح له السلطة الكافية(سابقا) في ظل سيطرة(السادة)وقوات الاحتلال الامريكي،خاصة وانه قد انشغل بامور مهمة استنفذت كل وقته وقدراته كترسيخ الامن في المناطق السنية ومراقبة عمل الصحوات(خطية هوايه عليه)،وهذا الامر كان في غاية الاهمية في كسب عملية التسابق الدعائي في شارع الناخب لقائمة المالكي.
ان هذا الاسلوب الدعائي هو نفسه لتيار عبد العزيز الحكيم ولكن بتغيير المسميات فقط.والحجة لديه جاهزة دائما،فالمسكين كان ايضا مغلوبا على امره والقطة تاكل عشاه وهو راقدا في مستشفيات طهران للعلاج من مرضه،بالاضافة الى محاولته المعتادة بالصاقه الجرائم في الجنوب والوسط على لوح الصداميين والبعثيين والتكفريين التي ترن بها خطبه ولقاءاته وكأن العراق ليس فيه من المجرمين- بنظره- الا هؤلاء،ولاننسى مصطلحه الخاص(عصابات البعث المقنعة)باشارة تمويهية لمشاغبات الصدريين في كربلاء،والتي حاول استغلالها اعلاميا لاطول وقت ممكن،بالاضافة لمشاكله مع حزب الفضيلة واتهاماته المموهة لهم في سرقة نفط العراق لان (كاك النفط بالبصرة مالتهم)وكأنه المسكين (كاعد بدربونة) معزولة عن العالم ومرتبطة مع الهه بخيط اخضر معلق بين السماء والارض.
اما الصدريين ولعبة (اليويو)الجديدة القديمة،في بسط الاذرع وقبضها فلم تعد تنطلي إلا على المساكين الفقراء من مؤيديهم المخدوعين.وصارت لعبة التشويش والمعارضة في البرلمان من اختصاص هذا التيار مستغلا مصادقة اغلب الكتل السياسية في البرلمان على الاتفاقية الامنية في محاولة ذكية لانتشال مؤيديه في الشارع العراقي بعد ان ارتسمت ملامح هذا التيار بالدموية والعنف ضد كل من يعارضه وتشهد له احداث كربلاء والنجف ضد ابناء جلدته وعمليات الابادة الطائفية التي صارت رمزا له.لذلك يحاول هذا التيار بين الفينة والاخرى ان يكون صوتا للمغلوبين على امرهم في محاولة لكسب اكبر عدد من النقاط لصالحه في لعبة الانتخابات المقبلة.
ان ورقة الصدريين هي القوة التي تلوح بها ايران سرا وعلانية لارباك الوضع الاعرج في العراق ومحاولة تسقيطه.فما مهزلة العرقلة المفتعلة للمصادقة على الاتفاقية الأمنية التي قام بها الصدريون داخل البرلمان وخارجه الا تمهيدا واضحا لاحتمالية وقوع تمرد مسلح واعمال عنف ضد القوات الامريكية في العراق. فايران تمسك بالعصا من الوسط فهي من جهة تعطي الضوء الاخضر للائتلاف الموحد للمصادقة على الاتفاقية الامنية وفي الوقت ذاته تستخدم الورقة الميليشياوية العسكرية المتمثلة بالصدريين للتهديد باستخدام القوة.وهذه التفاتة غاية في الذكاء السياسي.
ففي حالة اندلاع موجات شغب ضد الاحتلال وحكومته فسرعان ما ستلصق بالصدريين وتبعد الشبهة تماما عن الميليشيات الايرانية الاخرى كفيلق القدس اللاعب القيادي الاساسي في ادارة دفة الموت في العراق.
وعموما فان التيار الصدري استغل معارضته لتمرير الاتفاقية الامنية باسلوب دعائي متمرس يمنحه عددا لا باس به من الناخبين قد تجعله يحافظ على عدد المقاعد في البرلمان.
اما الكتل السنية في البرلمان والتي اثبتت فشلها الذريع في تحقيق مصالح ناخبيها لابل ساهمت في زيادة عدد المعتقلين السنة في سجون الاحتلال وحكومته ذهبت الى الخفاء والكواليس المظلمة باحثة عن اتفاقيات اقل مايقال عنها انها خسيسة،فقد تسربت في الاونة الاخيرة وثيقة هامة تبين تعاطي الحزب الاسلامي مع قيادات اسرائيلية بشكل مباشر مقابل الاعتراف بالاخيرة كدولة شريطة دعم هذا الحزب في الانتخابات المقبلة والسعي في مساعدته للسيطرة على مقاليد السلطة في الاقليم السني المزعوم انشاءه في حالة انجاز المشروع الانفصالي الفدرالي في العراق.
بالاضافة الى ان الحزب الاسلامي يواجه مصارعا مهما في حلبته ومن ابناء مناطقه الا وهي قوات وتشكيلات مايسمى بالصحوة،فهي الاخرى تحاول السيطرة على زمام الامور وعدم فسح المجال للاخر بازاحتها بعد ان حققت انتصاراتها على ارض الواقع في طرد تنظيم القاعدة من المناطق التي كانت تشكل خطرا استراتيجيا على القوات الامريكية وحكومة احتلاله بالاضافة لتخليص الاهالي –الورقة الانتخابيةالاساسية- من خطر واضطهاد التنظيم ذاته في الوقت الذي كانت فيه القيادات العليا للحزب الاسلامي تفر من مواجهة هذا التنظيم فرار الفأرة من القط،.
وبالتالي فان انجازات تشكيلات قوات الصحوة تعد الاكثر اهمية وتاثيرا خلال مدة قياسية،وهذا مالا يمتلكه الحزب الاسلامي خالي الوفاض جماهيريا واليدين عمليا.
فاذا مااثمرت تلك الاتفاقيات السرية مع الاكراد في المقايضة على عروبة كركوك والجزء الايسر من الموصل وضرب كل انواع المقاومة أو التعاون المطلق مع اسرائيل والاعتراف بها كدولة اواعطاء الضوء الاخضر وامدادها باللازم للميليشيات الايرانية والحكومية في اختراق المناطق المستعصية عليها فان الحزب سيحافظ بالتاكيد على مقاعده في صناديق الاقتراع (المجهزة مسبقا بإسمه).
اما التيار العلماني الوطني المستقل وبالاخص تيار د.اياد علاوي المتمثل بالقائمة العراقية،فمما لاشك فيه بان هذه القائمة صار لها تاييد واسع في الشارع العراقي،بعد ان اثبتت القوائم المستندة على اساس طائفي فشلها الذريع في ادارة دفة الحكم لابل المساهمة في نقض ماتبقى من اطلال حضارة بلاد الرافدين.
ولكن المشكلة في ان الشعب العراقي سُيـّر في دوامة توهان اعادته الى نقطة الصفر عند المفترق الطائفي وان النزعة الطائفية مازالات مرتسمة على وجوه العراقيين وتغذى بشكل مستمر في محاولة دؤوبة على تجذيرها تمهيدا للمشروع الاكبر المتمثل بتقسيم العراق على اساس طائفي وقومي وعرقي.
وليكن معلوما للجميع ان المراهنة على الخيل الاسود في سباق التسلح الطائفي مازالت مستمرة ومازالت موقدا وهاجا يغذي الاحزاب الدينية المتسابقة لنهش الفريسة العراقية المحتضرة.فهذه الاحزاب تعزف على اكثر الاوتار طربا ألا وهو وتر العاطفة الدينية في مجتمع أثقلته الهموم والجراحات.ولايمكن تصور مجتمع عراقي بتركيبته الحالية الجغرافية والسكانية دون سيطرة الاحزاب الدينية وتسلطها الروحي على الكثير من افراده وخاصة في الجنوب العراقي ذو الطاعة العمياء لرجل الدين.
اما كعكعة الحكم للقيادات الكردية البارزة سياسيا فلا يمكن انقاص عدد قضماتها او قطعها.فالناخب الكردي لايجد بدا من انتخاب احد القائمتين الكرديتين لمسعود او جلال لان مسالة التخوف من التسلط العربي على رقاب الشعب الكردي هاجسا قديما يتجدد مع كل رسالة تهديد عربية موجهة ضدهم،وقد ساهم المالكي (المحسوب على العرب العراقيين) في كسب تاييد الشارع الكردي لقياداته القومية في العراق.فالتلويح بورقة تشكيل مجالس الاسناد للعشائر العربية في الاماكن المتاخمة لكردستان العراق ألهم الحملة الانتخابية للاكراد واعاد لها بهجتها وتمسكها واصرارها على امام جلال او كاكا مسعود.
عموما ان الاخطاء التي ارتكبتها الكتل السياسية الحاكمة قد استغلت بشكل مباشر او غير مباشر لصالح الكتل الاخرى،خصوصا وان هذه الكتل صارت قادرة على ادارة الدعايات الانتخابية المتسمة بالكذب والتضليل بطريقة جيدة تساعدها على تحقيق مآربها بسهولة، لاسيما وأن احد الاطراف مدعوم بالآلة الاعلامية الامريكية الضخمة والاخر مدعوم بالألة الفكرية الايرانية.بالاضافة لعامل مهم وهو انعدام الثقة بين اطياف الشعب العراقي،لدرجة قبول الكثير بذل ممثليهم وعدم القبول بانتخاب عضوا في الطرف الاخر او للطائفة الاخرى
ان مجمل التغيرات في عدد وشكل الناخبين اذا ماحدث في الانتخابات المقبلة ستكون تغييرات طفيفة ليست ذات تاثير ملموس،والتغيير الحقييقي المحتمل حدوثه سيكون في دائرة الكتل السنية والتطاحن الرحوي مابين الحزب الاسلامي والصحوة.وكالعادة سوف يخرج العرب السنة بخفي حنين.
قد تكون تلك التحالفات والمضاربات مابين المتضادات السياسية في العراق محض صدفة وقد تكون نتاج لاجتماعات واتفاقيات ومصالح مشتركة تساعد كل الاطراف على البقاء في مناصبهم طالما انهم يملأون الجيوب والبنوك ويخدمون اسيادهم في الخارج والداخل.وان غدا لناظره لقريب.


مروان الدوسري
Wdert_2003@yahoo.com