بسم الله الرحمن الرحيم



النصر لا يرتبط بأشخاص

يقول الله تعالى: “ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً” (الأحزاب:23). و نحن نخجل أن نخص قائدا بعينة بالرثاء وحتى ولو كان القائد سعيد صيام طيب الله ثراه و جعل الجنة مثواه ، أبى إلا أن يلتحق بقافلة الشهداء و سطر بدمة ملحمة بطولية خالدة ، و نقول له ولكل الشهداء الأبرار بغزة هاشم إنكم انتصرتم و رب الكعبة و إنكم اليوم بمقعد صدق عن مليك مقتدر .

جاء في التحرير والتنوير لابن عاشور: “أعقب الثناء على جميع المؤمنين الخلص على ثباتهم ويقينهم واستعدادهم للقاء العدو الكثير يومئذ، وعزمهم على بذل أنفسهم، ولم يُقدَّر لهم لقاؤه، كما يأتي في قوله وكفى الله المؤمنين القتال، بالثناء على فريق منهم كانوا وفوا بما عاهدوا الله عليه وفاء بالعمل والنية، ليحصل بالثناء عليهم بذلك ثناء على إخوانهم الذين لم يتمكنوا من لقاء العدو يومئذ، ليعلم أن صدق أولئك يؤذن بصدق هؤلاء لأن المؤمنين يد واحدة. إن الله تعالى يثيب الطائعين، ويكتب لهم الأجر العظيم، وهذا ما كان يدفع المؤمنين الصادقين إلى العمل والبذل والتضحية والجهاد في سبيل الله تعالى، وصدق الله تعالى إذ يقول: “إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ” ( التوبة:111).

وانظر إلى آل ياسر في غزة هاشم وهم يقتلون ويحرقون و يضطهدون و ينزفون على الحصى والرمل والصخر و روابي القطاع المنكوب الحار، ما كان يثبتهم وهم في استضعاف تحت نيران المجرمين و مهما طال و تنوع التعذيب والقتل و الإبادة، إلا أن الوعد بالثواب من الله عز وجل: “صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة”.
تأبي الرماح إذا اجتمعن تكسرا ً وإذا افترقن تكسرت آحادًا

و نقول لإهلنا بغزة و نخص قادة الفكر و السياسة و الجهاد و على راسهم مجدد الأمل بالقدرة على الثبات و تحمل الصدمة هنية إن كنتم تألمون فإنهم يألمون و لكنكم ترجون من الله عز وجل ما لا يرجون و لكم ولنا بتاريخ القادة الشجعان عبرة وهذه سنة الله تبارك وتعالى في خلقه، أيًا كان هؤلاء الأشخاص ، قديما وحديثا، وأيًا كانت مواقعهم، ولنا في التاريخ الإسلامي على مر العصور إسوة حسنة.
فهذا نور الدين محمود زنكي الملك العادل ليث الإسلام، وحامل رايتي العدل والجهاد، شجاع وافر الهيبة، قاد الجموع، وانتزع من الكفار نيفاً وخمسين مدينةً وحصناً، قال: لما التقينا بالعدو خفت على الإسلام فانفردت ونزلت ومرغت وجهي على التراب وقلت: يا سيدي- يخاطب الله عز وجل - من محمود .. الدين دينك، والجند جندك، وهذا اليوم افعل ما يليق بكرمك، قال: فنصرنا الله عليهم.

وفي المعركة قال له الفقيه الشافعي النيسابوري: بالله لا تخاطر بنفسك، فإنك لو قتلت قتل جميع من معك، وأخذت البلاد، وفسد حال المسلمين، فقال نور الدين: اسكت يا قطب الدين إن قولك إساءة أدب على الله، ومن هو محمود؟ من كان يحفظ الدين والبلاد قبلي غير الذي لا إله إلا هو؟ ومن هو محمود؟.. فبكى من كان حاضراً .. رحمه الله تعالى رحمة واسعة.

فانظر إلى قوله: من كان يحفظ الدين والبلاد قبلي غير الذي لا إله إلا هو، فالنصر لا يتعلق بأشخاص، إنما النصر من عند الله تعالى، وحينما تتضح هذه الحقيقة في نفوس الأتباع والجنود والقادة، تثبت النفوس، وتطمئن القلوب، وترتفع المعنويات.

إن الإسلام كالشمس، إن غربت في جهة طلعت من جهة أخرى، فلا تزال طالعة، وإن مات فرد من أفراده أقام الله من المسلمين من يجبر النقص ويسد الثغرة: “يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ” “الصف:8”.

إن هذه الأمة قادرة بإذن الله على تعويض النقص الذي يطرأ عليها، ولقد تبدلت أحوال وبقيت هذه الأمة، لو أن أمةً أخرى شُنَّت عليها الغارات الدموية التي شنت على هذه الأمة لاندثرت منذ زمن بعيد، ومع ذلك فإن مصير الإسلام غير مربوط برجال أو أفراد معينين، ولا جماعات معينة، إنه دين أنزله الله ليبقى لا ليندثر وليظهر لا لينمحي، وقد يموت شخص فتحيا أمة:

إذا مـات فينا سيد قام سيد قئول لما قال الكرام فعول

إن هذه الأمة معطاءة ولود، إذا سكت منها صوت خلفه أصوات، وإذا مات خطيب خلفه خطباء، وإذا استشهد مجاهدٌ خلفه من يحمل الراية ويهاجم الأعداء، وهذا وعد الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم: “إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها” (حديث صحيح)، فيحيي ما اندرس من الدين ويعيده صافياً نقياً. واليوم أعلنها من هنا من اقصى الكرة الأرضية أن مجدد الدين اليوم هو إسماعيل هنية ثبته الله و أعانه و قوى به عزة الإسلام والمسلمين.

وقال عليه الصلاة والسلام مبيناً أن الله يجعل في الأجيال من يقوم بالدين: “لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرساً يستعملهم في طاعته” (رواه الإمام أحمد، هو حديث صحيح). وقوله (لا يزال) أي أن هناك توالي في العملية، وهناك شباب قادمون وأجيال ستأتي، غرس يغرسه الله عز وجل: “وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ” “محمد:38”. نعم جاء المجدد من غزة هاشم.

المحرقة فشلت في تحقيق أهدافها

إن المحرقة الصهيونية في غزة تتواصل ليومها الثالث و العشرين رغم الإداء الصهيوني بوقف العدوان احادي الجانب و هو جزء من محاولةٍ خبيثة لكسر إرداة شعبنا بقطاع غزة، وفرض شروط صهيونية على المجاهدين بعد أن فشلت في تحقيق أهدافها العسكرية على الأرض، وما لم نُعطه تحت الحصار و لم نُعطيه تحت القصف والدمار والمحارق” ، لن تعطية خلال وقف إطلاق النار وهو كما يقال : ذر الرماد بالعيون.

لا يمكن لعاقل الحديث عن أية تهدئةٍ قبل الوقف الفوري للعدوان الشامل ضد شعبنا الأبي الصامد وانسحاب كامل للعدو الصهيوني من قطاع غزة وإنهاء الحصار وفتح المعابر بشكلٍ كامل ودائم، وفي مقدمتها معبر رفح، مؤكدًين أن التهدئة الدائمة يجب أن تكون من خلال قرار مشترك توقع علية القيادة الميدانية للمقاومة وليس من يتسولون القرار السياسي من عدوهم والتي تصادر حقهم في المقاومة، وحينما وُجِدَ الاحتلال وُجدت المقاومة؛ حيث إن القضيةَ ليست إنسانية فحسب، فهناك احتلال ويجب أن يزول بشكل دائم و بدون شروط مذلة.

و ما قامت به قوات الإحتلال من مجازر بغزة ليس ردا على تصاعد إطلاق صواريخ المقاومة و على تهريب السلاح و لكنه جزء من لعبة سياسية دولية وإقليمية، لإحباط صمود وثبات شعبنا واستبسال المقاومة وهو دليل واضح على قيام الحملة العسكرية والمحرقة الثانية بضرب المقاومة بهذه الكثافة غير المسبوقة و بعد مرور اكثر من ثلاثة اسابيع لم تحقيق آلة الحرب الصهيونية كآفة أهدافها؛ مما دفع الاحتلال إلى التخبط السياسي والميداني و أخيرا إعلان وقف إطلاق النار آحادي الجانب.

و اليوم نرى أن مؤسسات المجتمع المدني و الحقوقيين و جماهير الناس تطالب الأمم المتحدة وقادة العالم بتقديم قادة الاحتلال والمسؤولين عن المحرقة بغزة إلى محكمة جرائم الحرب الدولية على ما ارتكبوه من جرائم ومحارق ضد شعبنا وخاصة من الأطفال و النساء والشيوخ.

الحقيقة التي يجب أن تقال أن العدو الصهيوني نجح جزئيا بتحقيق أهدافه المعلنة وغير المعلنة من خلال عدوانه المتواصل على القطاع ، حيث وجدنا أن قادتنا العرب حريصون على استمرار معاهدات عدم الإعتداء و تحيد آلتهم العسكرية من الصراع الدائر. كما اكد لنا أن قرار الحرب و السلم موجود بواشنطن و يوقع بيد كونداليزا رايس كآخر قرار سياسي تختم به حياتها السياسية. و نجح بشق الصف العربي الرسمي و تباعدت الهوة بين الشعوب و قادتها السياسيين. نجح العدو بكسب تأيد شريحة من الفلسطينيين الذين تمنوا لها النصر المؤزر على حماس.
و رغم أن الجيش الصهيوني فقد القدرة على تحقيق أيه من أهدافه العسكرية على الأرض، ولم يبق أمامه إلا هدف واحد وأساسي وهو كيف يخرج من ورطة غزة دون هزيمة واضحة ومعلنة أمام شعبه. يقوم اليوم رئيس أكبر دولة عربية بالدعوة لمؤتمر سياسي بشرم الشيخ يشارك به من يرفض الجلوس مع اصحاب القرار على ارض غزة و من يريد أن يوقف تهريب السلاح للمقاومين مقابل مساعدات إنسانية لشعبنا الذبيح بغزة.


كيف نتعامل مع ما بعد العدوان على غزة؟

لا تزال الحرب الصهيونية القذرة تدور رحاها على أرض غزة الصامدة، ولا يزال العدو الصهيوني يطلق حممه من البر والبحر والجو على شعبنا الجريح، ولا تزال المقاومة صامدة، وهي تقاتل العدو من مكان إلى آخر، وتكبده خسائر جسيمة في العدد والعتاد وما زالت الصواريخ تطلق.
ومع هذه الحرب غير المتكافئة و المفروضة على المقاومة، يحلو للبعض من اهلنا بفلسطين و خارجها أن يطلق شكوكه بقصد ومن دون قصد ليشكك في المقاومة الإسلامية والوطنية وجدواها، ويرى أنها لم تقدم شيئًا، ولا يزال بعض قادتنا السياسيين يصف صواريخها بالعبثية، أو الألعاب النارية، أو بالتي لا تثقب حائطًا، فكيف لها أن تتعامل مع الأحداث الجارية؟ وكيف تقبل المقاومة أن يعود هؤلاء ليتحكموا بالمعابر و قوت الناس؟ و ننصح قادة الرأي والفكر والسياسة و الدين بغزة أن يوظفوا هذه الأحداث لتقوية وحدة الصف الداخلي و يدمجوا شرفاء فتح بالقرار السياسي بغزة من خلال تشكيل حكومة مصالحة وطنية يمتد اثرها ليشمل الضفة الغربية. ونتمنى على الشعوب و الدول أن تقف مع إخواننا في المقاومة على أرض غزة و عموم أرض فلسطين؟

و نتوجه بالشكر و الإعتزاز و التقدير لكل من شارك بالدعاء لهم، والجهاد بالمال لدعم مسرتهم، ونصرتهم في وسائل الإعلام من خلال المسيرات والإعتصامات و التحركات الشعبية، و نرجو من قادة الرأي والسياسة عدم تخذيلهم، والدفاع عن أعراضهم، وعدم التشكيك بمصداقيتهم .


لا لنشر الأخبار السيئة
كنت في خطابي السياسي اشبه حال اهلنا بغزة بحال صحابة رسول الله بالمدينة المنورة و هم يلتفون حول رسول الله ينتظرون ما لا يحمد عقباة و هم خلف الخندق محاصرون و اليهود بين ظهرانيهم يتوثبون لمهاجمتهم من خلفهم و كان لسان حالهم يقول: يا رسول الله متى نصر الله؟

يقول ابن هشام في قصة غزوة الأحزاب: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث السعدين سعد بن عبادة و سعد بن معاذ، قال: “انطلقوا حتى تنظروا أحقٌ ما بلغنا عن هؤلاء القوم – اليهود- من نكث العهد، فإن كان حقاً فالحنوا لي لحناً أعرفه، ولا تفتوا في أعضاد الناس، وإن كانوا على الوفاء فيما بيننا وبينهم فاجهروا به للناس”.

فالواجب أن نتلقى المعلومات من مصادرها الصحيحة الموثوق بها، ولا نسمع لما يردده إعلام العدو، أو المتآمرين والمتواطئين معه، وخاصة إعلام بعض قنواتنا العربية المأجور، أو حتى بعض الذين لا يفهمون طبيعة المعركة بيننا وبين العدو الصهيوني من الدعاة والسياسيين والمثقفين.

تفاؤل لا تشاؤم فيه
يقول الله تعالى: “ ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون “(الأنبياء: 105).
ولقد كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يتفاءل دوماً ويقول: “ الطيرة شرك، الطيرة شرك، الطيرة شرك “ (رواه أبو داود).
وكان عبد الله بن عباس ( رضي الله عنه ) يقول: كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يتفاءل ولا يتطير وكان يحب الاسم الحسن “ (رواه أحمد وصححه الألباني).

وبعد غزوة الأحزاب قال النبي صلى الله عليه وسلم: “الآن نغزوهم ولا يغزوننا، نحن نسير إليهم” (رواه البخاري).

وعندما علم النبي صلى الله عليه وسلم أن هوازن قد جمعوا له في حنين، وخرجوا عن بكرة أبيهم بعَددهم وعُددهم ونعمهم وشائهم حتى الغنم والنساء والأولاد، قال وهو يتبسم؟ “تلك غنيمة المسلمين غداً إن شاء الله” (صحيح أبي داود).
واحمل بعزم الصدق حملة مخلص متجــرد للـه غيـر جبــان
واثبت بصبرك تحت ألويـة الهدى فإذا أصبت ففي رضـا الرحمـن
والحق منصـور وممتحـن فـلا تعجـب فهذي ســنـة الرحمن
لكنمـا العقبـى لأهـل الحق إن فاتت هنا كانــت لدى الديـان

بشِّروا ولا تنفروا
و اليوم نرى البشائر تأتي من النبي صلى الله عليه وسلم لإخوانه المجاهدين والصابرين والمحتسبين في غزة وهم يحاصرون و يذبحون و يضطهدون، يرفع بآيات الله معنوياتهم، ويطمئن بها قلوبهم، ويثبت بها أقدامهم، و يقول خباب بن الأرت رضي الله عنه: “شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، قلنا له: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو الله لنا ؟ قال: “كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض، فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين، وما يصده ذلك عن دينه . ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله، أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون” (رواه البخاري).و أنتم اليوم يا اهلنا بغزة تعانون ما عاناة من كان قبلكم و نردد قوله صلى الله عليه وسلم ، والله ليتمن هذا الأمر فلا تستعجلوا وانتظروا الفرج والنصر من الله.


إحسان الظن بالله تعالى
فمن واجبات الإيمان وكمال التوحيد أن يحسن العبد المؤمن الظن بالله رب العالمين، أن الله ناصر هذا الدين ومعز أولياءه ومذل أعداءه، وحسن الظن بالله مبني على العلم بالله عز وجل ومعرفة أسمائه وصفاته العلى.

يقول الله تعالى في الحديث القدسي: “أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حين يذكرني”. ( رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه). وفي صحيح مسلم وغيره عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، أنه سمع النبي ( صلى الله عليه وسلم) قبل موته بثلاثة أيام يقول: “ لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل “. و من باب التذكير و ليس الشماته نقول:
لقد ذم الله نفراً من المنافقين تخلفوا عن الجهاد في أُحد وقالوا لمن رزقه الله الشهادة من المؤمنين لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا، كما ذم الله تعالى الذين دارت بهم الظنون حينما وقع ما وقع من الهزيمة فقال جل وعلا فيهم: ﴿... وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾”آل عمران:154”.

وقد ذكر الله عز وجل أن المشركين والمنافقين هم أصحاب الظنون السيئة بالله عز وجل وبدينه ورسوله وأوليائه، حيث يظنون بأن الله سبحانه لا ينصر رسوله والمؤمنين وأنهم سيقتلون وأن أمرهم سيضمحل ويزول وذلك لكراهيتهم للحق والإيمان ولكثرة ما يرون من الأعداء الذين يحاربون الإسلام والقرآن والرسول فيظنون بالله الظن السيئ، قال تعالى عنهم: ﴿ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً ﴾”الفتح:6-7”.

لقد قال بعض المنافقين حين رأوا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ذاهباً إلى عمرة الحديبية مع أصحابه رضوان الله عليهم: “أيظن محمد أنه سينجو من قريش، وإذا هادنته قريش فإن القبائل المحيطة به لن تتركه ثم من ورائهم قوى كسرى وقيصر”. فقال سبحانه راداً على هذا الظن السيئ: ﴿ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ... ﴾”الفتح: 7”.

وقد بين الله تعالى في سورة الفتح هذا المعنى الذي يعتلج في صدور المنافقين والمشركين فقال: ﴿ بَلْ ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنتُمْ قَوْماً بُوراً. وَمَن لَّمْ يُؤْمِن بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيراً﴾ “الفتح:12-13”.

فمن ظن أن الله لا يعز جنده ولا ينصر أولياءه بغزة و عموم فلسطين والعراق و افغانستان فقد ظن بالله ظن السوء، ومن ظن أن قوى البغي والعدوان والإستكبار العالمية اليوم لن تنهزم وتزول وأن سيطرة الصهاينة و اليمين المسيحي المتطرف على القرار السياسي بالغرب سيستمر على حساب المسلمين إلى الأبد فقد ظن بالله ظن السوء، ومن ظن أن التمسك بالدين وتنفيذ أحكامه تعصب وهوس لا معنى له، وأن ذلك يجلب عليهم المصائب والكوارث دون طائل، وأنه سيغضب أمريكا وأوروبا وإسرائيل فقد ظن بالله ظن السوء، ومن ظن بأن العزة والنصر والظفر تنال من غير الله عز وجل ومن خلال مؤتمرات الدول المارقة والمسماه بالمانحة، فقد ظن بالله ظن السوء و العاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين.

المهندس محمود الدبعي
رئيس إتحاد مسلمي السويد
aldebee@yahoo.se