الإسلام بعيون يهودية
‏(مقالة "الإسلام" فى الموسوعة اليهودية)‏
د. إبراهيم عوض


تبدأ مقالة "الإسلام" فى "الموسوعة اليهودية" بتفسير هذا ‏المصطلح بأنه "الخضوع لله"، وليس فى هذا ما يحتاج إلى تعقيب، فالمسلم ‏يعمل فعلا على أن يخضع لأوامر الله ويبتعد عن نواهيه. بَيْدَ أن قول ‏الكاتب بعد ذلك إن لفظ "إسلام" هو مصدرُ فعلٍ ينصب مفعولين ‏‏(‏factitive‏) هو قول يحتاج إلى تعقيب. فهذا المصدر بالمعنى الذى بين ‏أيدينا الآن مصدرُ فعلٍ لازمٍ. ذلك أن هذا الفعل فى قولنا مثلا: ‏‏"أسلمتُ"، أى دخلت فى الإسلام، أو "أسلمتُ لله رب العالمين"، أى ‏خضعت له سبحانه، لا يأخذ مفعولا به، فضلا عن أن يأخذ مفعولين ‏اثنين. ولقد استخدم الكاتب الكلمة على النحو التالى: "‏submission ‎to God‏"، بما يفيد أن الفعل لازم. صحيح أن الفعل فى قولنا: "أسلمتُ ‏الطفلَ إلى أمه" يتعدى إلى مفعول، وأننا إذا أسقطنا حرف الجر فقلنا: ‏‏"أسلمتُ الطفلَ أمَّه" تعدَّى إلى مفعولين، إلا أن معناه هنا يختلف عن معناه ‏الذى نحن بصدده كما هو بَيِّن. ‏
ثم يتحدث الكاتب عن بداية الدعوة الإسلامية قائلا إن الرسول ‏بدأ بدعوة أهل مكة، ثم انتقل من ذلك إلى دعوة بلاد العرب كلهم، ثم بعد ‏وفاته انتشر الإسلام على نطاق واسع خارج حدود الجزيرة. وهذا أيضا لا ‏تعليق لنا عليه، اللهم إلا قوله فى خلال ذلك إن الإسلام قد حقق هذا ‏الانتصار بفضل السيف. ذلك أنه كانت هناك فتوح، لا نكران لذلك، ‏وهذه الفتوح قد وسّعت الأرض الخاضعة للدولة الجديدة، بيد أن هذا ‏القول شىء، والقفز منه إلى أن الإسلام قد انتشر بالسيف شىء مختلف ‏تماما. لكن الكاتب لا يبالى بهذه التفرقة التى من المؤكد أنه على وعى تام ‏بها. ولو كان الأمر كما زعم لرأينا الشعوب التى فتح العرب بلادها تُكْرَه ‏إكراها على اعتناق دين محمد عليه الصلاة والسلام كما حدث للمسلمين ‏على يد النصارى فى بلاد الأندلس غِبَّ انتصارهم عليهم وقضائهم على ‏دولتهم التى كانت موئلا للحرية الدينية، وكما حدث فى الأمريكتين حيث لم ‏يعد هناك إلا النصرانية الوافدة بعد أن كان للهنود الحمر دينهم المختلف. ‏
لكننا ننظر فنجد أن دخول تلك الشعوب فى الإسلام لم يكن ‏فوريا، كما لم يتم تحت تهديد السيف، بل تم بمطلق حريتها، وأَخَذَ وقتا. ‏فالإسلام لا يعرف الإكراه فى الدين، وقد نصت آياته على ذلك وأعلنتها ‏صريحة مدوية: "لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ" (آل عمران/ ‏‏256)، "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآَمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ ‏حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ" (يونس/ 99)، "قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ ‏رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا ‏عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ" (يونس/ 108)، "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا ‏يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ" (هود/ 118)، ‏‏"وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ" (الكهف/ 29)، ‏‏"فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ (22)" (الغاشية)... ‏
ولو كان هذا الذى يقوله الكاتب صحيحا لما قبل النبى من اليهود ‏والنصارى الذين كانوا يساكنونه بلاد العرب إلا اعتناق دينه أو إعمال ‏السيف فى رقابهم. بالعكس لقد كتب صلى الله عليه وسلم غداة ‏وصوله إلى يثرب ما يسمى بـ"الصحيفة" بينه وبين يهود معطيا إياهم ذات ‏الحقوق التى أعطيت لأتباعه، وموجبا عليهم نفس الواجبات التى حُمِّلها ‏هؤلاء الأتباع. كما أنه لم يجبر على اعتناق الإسلام نصارى نجران حين أَتَوْا ‏إلى المدينة ودخلوا معه فى مفاوضات وجدالات انتهت بتركه إياهم على ‏ما هم عليه من دين وشعائر، وعادوا إلى بلادهم على هذا الوضع دون أن ‏يتعرضوا منه لما يمس دينهم فى جليل أو حقير. وكان كل ما فعله معهم أنْ ‏دعاهم إلى المباهلة، فلم يستجيبوا وخافوا أن ينزل الله عليهم عقابا من ‏لدنه، مع إيثارهم فى ذات الوقت البقاء فى مناصبهم والمزايا التى تستتبعها ‏هذه المناصب، فأقرهم النبى عليه السلام على ما أرادوا. ‏
بل إن المسلمين مأمورون بحكم دينهم ونصوص كتابهم أن يكون ‏جدالهم مع أهل الكتاب بالتى هى أحسن ما داموا لا يتعرضون لهم بظلم: ‏‏"اُدْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ ‏أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ" ‏‏(النحل/ 125)، "وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ‏ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آَمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ ‏وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ" (العنكبوت/ 46). ويوصى الرسول أتباعه قائلا: "ألا ‏من ظلم معاهَدًا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير ‏طِيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة"، "من آذى ذِمِّيًّا فأنا خَصْمُه". على ‏أن الأمر لا يقف هنا، بل يعلن القرآن أنه لا ينهى المسلمين عن بر الكفار ‏والإقساط والإحسان إليهم ما داموا لا يقاتلوننا فى الدين ولم يخرجونا من ‏ديارنا: "لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ ‏دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ ‏اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى ‏إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9)" (الممتحنة).‏
بل إن الكافر ذاته إذا استجار بالمسلمين فعليهم أن يجيروه حتى ‏يسمع كلام الله ثم يبلغوه مأمنه معزَّزا مكرَّما: "وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ‏اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا ‏يَعْلَمُونَ" (التوبة/ 6). صحيح أننا نقرأ فى القرآن المجيد مثل قوله تعالى: ‏‏"فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ ‏وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ ‏فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ" (التوبة/ 5)، لكننا ينبغى أن نعلم أن ‏هذه الآية وأمثالها إنما تتعلق بالمشركين الذين كانت بينهم وبين المسلمين ‏عهود ثم غدروا بها، فهى إذن حالة حرب، وليس فى الحرب إلا غالب أو ‏مغلوب، أو قاتل أو مقتول. ورغم هذا كان الإسلام أكثر من كريم معهم، إذ ‏أعطاهم مهلة أربعة أشهر يسيحون خلالها فى الأرض براحتهم التامة قبل ‏أن يعاملهم المسلمون بما يستحقونه بغدرهم وخيانتهم وتقتيلهم الأبرياء ‏منهم. ورغم هذا أيضا كان الإسلام معهم أكثر جدا جدا من كريم لأنه لم ‏ينفذ تهديداته هذه، بل كان قصده من ورائها التخويف أكثر منه التطبيق. ‏وكانت النتيجة أنْ غزا الإسلام القلوب الجاسية وليَّن من قساوتها وكسبها ‏لقضيته مكسبا عبقريا. أما الذين لم يخونوا العهود والمواثيق فعلى المسلمين ‏أن يُوَفُّوهم عهودهم إلى مدتها: "إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ ‏يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ ‏إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ" (التوبة/ 4)، "كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ ‏وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ ‏فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ" (التوبة/ 7).‏
ولست أظن أن المسلم يمكن أن يفكر فى إكراه أحد على اعتناق ‏الإسلام، إذ إن دين محمد يقوم على خلوص النية، ولا يعتد بمظاهر ‏الأشياء. نعم لا بد من استصحاب النية فى كل عمل يقوم به الواحد منا ‏كى يكون مقبولا ومأجورا: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى. ‏فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت ‏هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه"، و"رُبَّ ‏صائمٍ ليس له من صيامه إلا الجوع، ورُبَّ قائمٍ ليس له من قيامه إلا ‏السهر". وعلى هذا فليس من المفيد إجبار أحد على اعتناق الإسلام فى ‏الوقت الذى نعرف أنه غير مخلص فى هذا الإسلام. بل لقد أتى على ‏المسلمين حينٌ من الزمن كان بعضهم لا يرحب باعتناق غير المسلمين دينهم ‏لتأثير هذا على دخل الخزينة كما حدث فى عصر عمر بن عبد العزيز، ‏وهو ما أثار ثائرة الخليفة الورع على هذا الموقف القبيح من بعض رجال ‏دولته، إذ كتب إليه حيّان عامله على مصر: إن الناس قد أسلموا فليس ‏جزية. فكتب إليه عمر: أبعد الله الجزية! إن الله بعث محمدًا هاديًا، ولم ‏يبعثه جابيًا للجزية.‏
وحين يتناول كاتب المقالة مهمة النبى والدوافع التى حملته على ‏الدعوة للدين الجديد نراه يقول: "‏The preaching of Mohammed ‎as the messenger of God ("rasul Allah") owed its ‎origin to the prophet's firm conviction of the ‎approach of the Day of Judgment ("Yaum al-Din") ‎and to his thorough belief in monotheism‏". فمرجع ‏الأمر، حسبما يقول الكاتب، هو اقتناعه عليه الصلاة والسلام باقتراب يوم ‏القيامة وإيمانه بالوحدانية فقط لا أنه اختير من الله سبحانه وتعالى لهذه ‏المهمة اختيارا. فكأن الأمر أمر اقتناع شخصى بعد تفكير فى الأمر ‏وتخطيط للدعوة. وهذا طبعا، رغم ما يبدو على ظاهره من مديح له ‏صلى الله عليه وسلم، هو تكذيب لنبوته. ويمضى الكاتب فى عزف هذه ‏النغمة التى تلح على أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن نبيا، بل مصلحا ‏ساءته الأوضاع التى كان يراها من حوله فنهض يدينها ويدعو إلى تغييرها. ‏وهذا كل ما هنالك، فلا نبوة إذن ولا يحزنون. وأنا، حين أقول هذا، لا ‏أصادر حق الكاتب فى أن يقول ما يشاء أو يعتقد ما يشاء، بل أريد أن ‏أبين للقارئ المسلم كيف يفكر ذلك الرجل ومن أين يأتيه الخطأ، أو كيف ‏نكشف زيف كلامه للناس ونبين ثغرات المنطق فيه وتنكبه للمنهج العلمى.‏
ولا يكتفى الكاتب بهذا، بل يمضى خطوة أبعد تكشف ما فى ‏نفسه، إذ يزعم أن محمدا قد استمد دعوته من اليهودية والنصرانية، من ‏بيئته المحيطة به ومن أسفاره خارج بلاد العرب على السواء: "‏through ‎Jewish and Christian influences, to which he was ‎subjected in his immediate surroundings as well as ‎during the commercial journeys undertaken by him ‎in his youth‏"، ليضيف بعد قليل أن معلّميه من أهل هاتين الديانتين هم ‏رهبانٌ ويهودٌ نصفُ متعلمين، ومن ثم جاءت معرفته بهما ناقصة ومشوشة ‏فاسدة.‏
‏ وعبثا نسأل عن الدليل الذى يعتمد عليه الكاتب فى هذه ‏الدعوى، إذ لا دليل البتة. ولو كان هذا الدليل موجودا لساق لنا الكاتب ‏وقائع معينة بما دار فيها من حوارٍ ومَنْ حضَرها من شهود وما رُوِىَ عنها ‏من حكايات. لكنه لم يورد لنا شيئا من ذلك. والسبب ببساطة شديدة ‏أنه لم يحدث على الإطلاق شىء من ذلك. كما أن الوحدانية فى دين ‏الإسلام هى وحدانية صافيةٌ نقيةٌ بِكْرٌ لم تمتد إليها يد بالعبث، وليس فيها ‏شىء مسىء إلى الله ورسوله مما يحتويه العهد القديم فى كثير من المواضع. ‏
لقد أسلمت الجزيرة العربية كلها والشام والعراق وفارس، وكان من ‏بين من دخلوا فى الإسلام آنذاك، ولا يزال، كثير جدا من القساوسة ‏والأحبار، وهو ما يعنى أنهم لم يجدوا عليه ريبة، وإلا ما أسلموا. وحتى ‏الذين كانوا يكذّبونه ويتهمونه فى البداية قد أثبتوا بإسلامهم هذا أن الرسول ‏صادق أمين تمام الصدق والأمانة. كذلك كان هناك منافقون ويهود ‏ونصارى فى كل مكان من بلاد العرب، بالإضافة إلى المرتدين بعد وفاته ‏وعلى رأسهم الأنبياء الكذبة وقوادهم العسكريون، ومع هذا لم نسمع من ‏أحدهم كلمة يتيمة تقول عنه ما يقوله الكاتب المضلِّل. لقد كان كل ما قَدَر ‏عليه اليهود فى عصره أنْ وضعوا أيديهم فى أيدى الوثنيين قائلين لهم: إن ‏دينكم خير من دينه. وهكذا يكون الإخلاص اليهودى لقضية التوحيد ‏الذى يزعم كاتبنا أن محمدا قد استقاه من يهود! كما نَكَلَ زعماء نصارى ‏نجران عن مباهلة النبى حين طلب منهم ذلك حسما للخلاف بينه وبينهم، ‏مُؤْثِرين دفع الجزية، إذ خافوا أن يعاقبهم الله جزاء كفرهم بمحمد، الذى ‏كانوا يعرفون أنه نبى حقيقى، لكنهم لم يشاؤوا رغم ذلك أن يتنازلوا عن ‏الامتيازات التى كانوا يرفلون فى نعيمها بسبب رئاستهم الدينية. ‏
ثم لماذا لم يظهر أى شخص رغم توفر كل الدواعى التى تلح على ‏ظهوره من هؤلاء الذين تعلم محمد على أيديهم ويقول: إننى أنا الذى علمته ‏ما كان يجهل، أو إننى أنا الذى كان كثيرا ما يسألنى فأجيبه. الواقع أنه ‏ليست هناك إلا رواية واحدة عن لقائه وهو صبى صغير ببحيرا الراهب ‏على حدود بلاد العرب، وكل ما جرى حسب تلك الرواية هو تحذير ‏الراهب لأبى طالب من غدر يهود بالطفل ونصيحته إياه أن يعود به أدراجه ‏إلى مكة تجنبا لشرهم لو عرفوا أنه هو النبى المنتظر. ولقد أذكر أن توماس ‏كارلايل كتب فى كتابه: "عن الأبطال وعبادة الأبطال: ‏On Heroes ‎and Hero Worship‏" يسخر من الأمر كله، إذ كيف لصبى لا يزيد ‏عمره عن أربع عشرة سنة أن يتعلم دينا من الأديان كالإسلام فى مثل ذلك ‏اللقاء العابر القصير، وبخاصة أنه لم تكن هناك لغة مشتركة بين الصبى ‏ومعلمه المزعوم يمكن أن يتفاهما بها؟ وإنى لأهدى هذا السؤال إلى كاتبنا، ‏وإن كنت أعرف الجواب سلفا، وهو أنه ليس لديه أى جواب! وهذا نص ‏ما قاله كارلايل فى أصله الإنجليزى:‏
‎ "I know not what to make of that "Sergius, the ‎Nestorian Monk," whom Abu Thaleb and he are said ‎to have lodged with; or how much any monk could ‎have taught one still so young. Probably enough it ‎is greatly exaggerated, this of the Nestorian Monk. ‎Mahomet was only fourteen; had no language but ‎his own".‎‏ ‏
وها نحن أولاء قد مر علينا حتى الآن أكثر من أربعة عشر قرنا ‏من الزمان ولم نسمع إلا السخافات التى لا تقنع طفلا، مثل أن محمدا لم يكن ‏إلا راهبا تمرد على الكنيسة بسبب من طموحه الشديد للزعامة واخترع ‏مذهبا نصرانيا جديدا سماه: "الإسلام"، أو أنه صلى الله عليه وسلم مات ‏فى نَوْبة سُكْرٍ بَيِّنٍ وأن جسده وُجِد مُلْقًى على كوم من الرَّوْث وقد أكلت ‏منه الخنازير. ولا يقلّ عن هذا وذاك سخفًا ورقاعةً ما قرأناه فى السنوات ‏الأخيرة من أنه صلى الله عليه وسلم لا وجود تاريخى له، بل هو مثل ‏شرلوك هولمز، وكما أن هولمز ليس سوى نتاج قصصى خيالى فكذلك ‏محمد، أو أن تعبير "الحور العين" المشهور ليس معناه النساء الجميلات ‏اللاتى سيفوز بهن المؤمنون فى الجنة ويَفُزْنَ بهم، بل معناه "الزبيب ‏الأبيض". يريد قائل هذا الكلام المضحك أن يشمت بالمجاهدين الذين ‏يحاربون أمريكا وأتباعها من القوى الغربية فى بلاد العرب والمسلمين وأن ‏يقول لهم إنهم سوف يأخذون مقلبا سخنا بعد أن يكونوا قد فقدوا حياتهم ‏دون أن يحصلوا على شىء مما كانوا يتطلعون إلى الفوز به. ‏
أما ما يدّعيه الكاتب على النبى الكريم من أن معرفته باليهودية ‏والنصرانية مشوشة وفاسدة وناقصة لاستمداده إياها من أنصاف المتعلمين ‏من رهبان ويهود فهى جرأة منقطعة النظير، إذ ما من شىء خالف فيه ‏القرآن الكتاب المقدس إلا وكان الحق فى جانبه هو: خذ مثلا تصوير ‏الكتاب المقدس لله على أنه قد خلق الكون فى ستة أيام شمسية وكأنه ‏سبحانه وتعالى يعيش على الأرض معنا، أو كأن الشمس والقمر كانا قد ‏خُلِقا وقتذاك، وهو ما لم يكن قد حدث، وأنه عز وجل يحتاج إلى ‏الاستراحة بعد التعب الذى شعر به جَرّاء هذا الخلق، وأنه يندم وأن له ‏أبناء وأنه يتجسد وأنه يتصارع مع عباده، أو أن أنبياءه يرتكبون جرائم الزنا ‏ومضاجعة المحارم والقتل بدم بارد والغدر والحقد والدياثة وتسهيل عبادة ‏الأصنام، ثم تعال إلى القرآن وانظر كيف يصحح هذا كله، وغيره كثير، بناءً ‏على ما يقتضيه العقل والحق، ثم قل لنفسك: أى الكتابين يعطيك الصورة ‏الصحيحة؟ وليس هذا كله سوى غَيْضٍ من فَيْض! ‏
ومما يقوله الكاتب من أباطيل أيضا زعمه أن الرسول عليه الصلاة ‏والسلام عند هجرته إلى المدينة قد بدأ بالتودد إلى اليهود طمعا فى ‏إسلامهم، إلا أنه انقلب عليهم حين لم يستجيبوا لهذا التودد على النحو ‏الذى كان يأمله. ومن مظاهر التودد المزعوم اتخاذه بيت المقدس قبلة ‏للصلاة وصومه يوم عاشوراء. والواقع أن الكاتب يهرف بما يعرف أنه ‏أكاذيب. ذلك أن الاتجاه إلى بيت المقدس فى الصلاة يرجع إلى ما قبل ‏الهجرة. كل ما فى الأمر أنه صلى الله عليه وسلم كان يجعل الكعبة بينه ‏وبين ذلك البيت. ‏
وأما صوم عاشوراء فهو لم يفعله توددا إليهم، وإلا ما قال إن ‏المسلمين أحق بصيامه منهم، وإن موسى لو كان حيًّا ماوسعه إلا اتباعه، ‏وهو كلام يعبر بكل وضوح وحسم عن لامبالاته بهم: "لما قدم النبي صلى ‏الله عليه وسلم المدينة وجد اليهود يصومون عاشوراء، فسئلوا عن ذلك، ‏فقالوا: هذا اليوم الذي أظفر الله فيه موسى وبني إسرائيل على فرعون، ‏ونحن نصومه تعظيما له. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نحن أولى ‏بموسى منكم. ثم أمر بصومه"، "والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حيا ‏ما وسعه إلا اتباعي". كذلك فالقرآن يعجّ فى المرحلة المكية بالهجوم على ‏اليهود ويفضح خزيهم، فكيف يقول الكاتب إن الرسول بدأ حياته فى يثرب ‏بالتودد إليهم؟ ترى ما الذى كان يمثله اليهود للنبى عليه الصلاة والسلام ‏حتى يقال إنه كان يتودد إليهم؟ ‏
كذلك فالزعم بأنه صلى الله عليه وسلم جرى فى إثرهم وحرّم ‏لحم الخنزير كما يحرمونه هو كذب مفضوح، إذ إن تحريم الخنزير يرجع إلى ما ‏قبل الهجرة، أى قبل اتصاله عليه السلام باليهود كما يدَّعِى الكاتب. وها ‏هى ذى آيات سورتى "الأنعام" و"النحل" على التوالى تقول ذلك بلسان ‏واضح لا يحتمل لبسا ولا شرحا، وهى من الوحى المكى: "قُلْ لا أَجِدُ فِي ‏مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا ‏أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ ‏وَلا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145) وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ‏ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ ‏الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (146) فَإِنْ ‏كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ‏‏(147) سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آَبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا ‏مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ ‏عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَخْرُصُونَ (148)"، "إِنَّمَا ‏حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ ‏غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (115) وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ ‏أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ ‏يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (116) مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ‏‏(117) وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ ‏وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (118)". وغنىٌّ عن البيان أن القرآن قد أعلن ‏أنه لا يوافق على ما يحرّمه اليهود على أنفسهم مما لم ينزل بتحريمه نص ‏سماوى، بل يوافق فقط على ما حرمه الله سبحانه عليهم. أقول هذا لأن ‏الكاتب يزعم أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان فى بداية هجرته إلى ‏المدينة يحرم ما يحرمه اليهود، لكنه انقلب عليهم حين وجد منهم عنادا ‏ورفضا لنبوته. وهذا كله غير صحيح البتة. ‏
وبعد عدة فقرات سوف يعود الكاتب إلى هذا الموضوع فيزعم ‏مرة أخرى أن الرسول قد استعار كثيرا من شعائر اليهودية وتشريعاتها، ثم ‏يحيل القارئ إلى القرآن للتأكد من صدق ما يقول، لكن دون تحديد سورة ‏أو آية معينة، بل القرآن بإطلاق. وهو يفعل هذا بثقة يُحْسَد عليها وكأن ‏القرآن يقول فعلا إن الرسول كان يأخذ من اليهود أشياء يضعها فى دينه ثم ‏يزعم أنها من عند الله! ومع هذا فنحن نوافقه على أن كثيرا من الروايات ‏اليهودية قد تسربت فيما بعد إلى الكتابات الإسلامية عن طريق اليهود ‏الذين اعتنقوا الإسلام، وهو ما يسمى بـ"الإسرائيليات"، فلا أحد يُشَاحّ فى ‏هذا. إلا أن علماء المسلمين يقفون لمثل تلك الروايات بالمرصاد فينصّون ‏عليها ويوصون بإهمالها. على أنه لا بد من التنبيه رغم هذا إلى أن الإسلام ‏لا يمكن أن يخالف العهد القديم فى كل شىء، إذ لم يقل أحد إنه لم يبق فى ‏ذلك الكتاب شىء على أصله السماوى. وما دام الإسلام هو من عند الله ‏فلا بد أن تكون هناك أشياء مشتركة بين الديانتين، وهى الأشياء التى لم ‏تمتد إليها يد التحريف من جهة، ولم تُنْسَخ فى شريعتنا من جهة أخرى.‏
كذلك تحدث الكاتب عن السبت فقال، ويا ليته ما قال، إن ‏الرسول اعترض على مراعاة اليهود ليوم السبت. والحقيقة أن القرآن، على ‏العكس، قد شن عليهم حملة تفضح نفاقهم ومراوغتهم وعدم التزامهم ‏بحرمة السبت، وكان ذلك منذ المرحلة المكية. أقول هذا حتى لا يسارع ‏الكاتب إلى الزعم كالعادة بأن الرسول إنما فعل ذلك ردا على كفر اليهود ‏برسالته. وها هى ذى النصوص المكية تقول ذلك بأجلى بيان: "قُلْ يَا أَيُّهَا ‏النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالارْضِ لا إِلَهَ ‏إِلا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الامِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ ‏وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158) وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ ‏وَبِهِ يَعْدِلُونَ (159) وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَى ‏مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا ‏عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ ‏الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ ‏يَظْلِمُونَ (160) وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ ‏وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ ‏‏(161) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ ‏رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ (162) وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ ‏حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا ‏وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163) وَإِذْ قَالَتْ ‏أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً ‏إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ ‏عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165) ‏فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (166) وَإِذْ تَأَذَّنَ ‏رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ ‏الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (167) وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الارْضِ أُمَمًا مِنْهُمُ ‏الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ‏‏(168) فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا ‏الادْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ ‏مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الاخِرَةُ ‏خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (169) وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا ‏الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (170) وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ ‏وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ‏‏(171)" (الأعراف)، "إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ ‏لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ" (النحل/ 124). صحيح ‏أنه عليه السلام حين اختار يوما أسبوعيا للمسلمين قد اختار الجمعة، لكن ‏هذه مسألة أخرى. ‏
كذلك لا داعى للرد على زعم الكاتب أن الرسول قد استلهم ‏صلوات اليهود الثلاث عندما شرع الصلوات الخمس بعد أن أضاف إليها ‏صلاتين أخريين أخذهما من الفارسيين. ذلك أننى لو مضيت أرد على كل ‏زعم يزعمه دون أدنى دليل فلن أنتهى. ويبقى قوله إن اليهود يعظمون ‏السبت لأنه اليوم الذى استراح الله فيه من خلق الكون. ولا تعليق لى على ‏هذا الكلام الذى لا يليق به جل وعلا، والذى يقوله العهد القديم ذاته، ‏ودعنا من أنه لم يكن هناك سبت ولا أحد، لأن الأفق الإلهى لا يخضع ‏للتقويم الأرضى كما يفهم ذلك كل عاقل، فضلا عن أن الواحد من الأيام ‏الستة التى خلق الله فيها الكون لا يقاس بالساعات، بل يستغرق أحقابا ‏متطاولة.‏
ومن العجيب أن ينسب الكاتب ما يقوله كثير من المسلمين من أن ‏الذبيح الذى أراد إبراهيم أن يذبحه هو ابنه إسماعيل لا إسحاق، إلى يهودى ‏ماكر دخل فى الإسلام وأراد التزلف إلى رفاقه الجدد. إى والله هكذا ‏يقول الكاتب، وكأن الأمر بحاجة إلى مكر وتزلف، وليس موجودا فى العهد ‏القديم ذاته، الذى نطالع فيه ما يلى: "1وَحَدَثَ بَعْدَ هذِهِ الأُمُورِ أَنَّ اللهَ ‏امْتَحَنَ إِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ لَهُ: «يَا إِبْرَاهِيمُ!». فَقَالَ: «هأَنَذَا». 2فَقَالَ: «خُذِ ‏ابْنَكَ وَحِيدَكَ، الَّذِي تُحِبُّهُ، إِسْحَاقَ، وَاذْهَبْ إِلَى أَرْضِ الْمُرِيَّا، وَأَصْعِدْهُ ‏هُنَاكَ مُحْرَقَةً عَلَى أَحَدِ الْجِبَالِ الَّذِي أَقُولُ لَكَ». 3فَبَكَّرَ إِبْرَاهِيمُ صَبَاحًا ‏وَشَدَّ عَلَى حِمَارِهِ، وَأَخَذَ اثْنَيْنِ مِنْ غِلْمَانِهِ مَعَهُ، وَإِسْحَاقَ ابْنَهُ، وَشَقَّقَ ‏حَطَبًا لِمُحْرَقَةٍ، وَقَامَ وَذَهَبَ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي قَالَ لَهُ اللهُ. 4وَفِي الْيَوْمِ ‏الثَّالِثِ رَفَعَ إِبْرَاهِيمُ عَيْنَيْهِ وَأَبْصَرَ الْمَوْضِعَ مِنْ بَعِيدٍ، 5فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ لِغُلاَمَيْهِ: ‏‏«اجْلِسَا أَنْتُمَا ههُنَا مَعَ الْحِمَارِ، وَأَمَّا أَنَا وَالْغُلاَمُ فَنَذْهَبُ إِلَى هُنَاكَ ‏وَنَسْجُدُ، ثُمَّ نَرْجعُ إِلَيْكُمَا». 6فَأَخَذَ إِبْرَاهِيمُ حَطَبَ الْمُحْرَقَةِ وَوَضَعَهُ عَلَى ‏إِسْحَاقَ ابْنِهِ، وَأَخَذَ بِيَدِهِ النَّارَ وَالسِّكِّينَ. فَذَهَبَا كِلاَهُمَا مَعًا. 7وَكَلَّمَ ‏إِسْحَاقُ إِبْرَاهِيمَ أَبِاهُ وَقَالَ: «يَا أَبِي!». فَقَالَ: «هأَنَذَا يَا ابْنِي». فَقَالَ: ‏‏«هُوَذَا النَّارُ وَالْحَطَبُ، وَلكِنْ أَيْنَ الْخَرُوفُ لِلْمُحْرَقَةِ؟» 8فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: ‏‏«اللهُ يَرَى لَهُ الْخَرُوفَ لِلْمُحْرَقَةِ يَا ابْنِي». فَذَهَبَا كِلاَهُمَا مَعًا. 9فَلَمَّا أَتَيَا ‏إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي قَالَ لَهُ اللهُ، بَنَى هُنَاكَ إِبْرَاهِيمُ الْمَذْبَحَ وَرَتَّبَ الْحَطَبَ ‏وَرَبَطَ إِسْحَاقَ ابْنَهُ وَوَضَعَهُ عَلَى الْمَذْبَحِ فَوْقَ الْحَطَبِ. 10ثُمَّ مَدَّ إِبْرَاهِيمُ ‏يَدَهُ وَأَخَذَ السِّكِّينَ لِيَذْبَحَ ابْنَهُ. 11فَنَادَاهُ مَلاَكُ الرَّبِّ مِنَ السَّمَاءِ وَقَالَ: ‏‏«إِبْرَاهِيمُ! إِبْرَاهِيمُ!». فَقَالَ: «هأَنَذَا» 12فَقَالَ: «لاَ تَمُدَّ يَدَكَ إِلَى الْغُلاَمِ ‏وَلاَ تَفْعَلْ بِهِ شَيْئًا، لأَنِّي الآنَ عَلِمْتُ أَنَّكَ خَائِفٌ اللهَ، فَلَمْ تُمْسِكِ ابْنَكَ ‏وَحِيدَكَ عَنِّي». 13فَرَفَعَ إِبْرَاهِيمُ عَيْنَيْهِ وَنَظَرَ وَإِذَا كَبْشٌ وَرَاءَهُ مُمْسَكًا فِي ‏الْغَابَةِ بِقَرْنَيْهِ، فَذَهَبَ إِبْرَاهِيمُ وَأَخَذَ الْكَبْشَ وَأَصْعَدَهُ مُحْرَقَةً عِوَضًا عَنِ ‏ابْنِهِ. 14فَدَعَا إِبْرَاهِيمُ اسْمَ ذلِكَ الْمَوْضِعِ «يَهْوَهْ يِرْأَهْ». حَتَّى إِنَّهُ يُقَالُ الْيَوْمَ: ‏‏«فِي جَبَلِ الرَّبِّ يُرَى»". فها نحن أولاء نقرأ أن الابن الذى يأمره الله ‏سبحانه بأخذه وذبحه هو "وحيده". وهذه الكلمة لا يمكن أن تنطبق على ‏إسحاق لأن إسحاق حين وُلِد كان هناك قبله إسماعيل ببضعة عشر عاما ‏فلم يكن "وحيد" أبيه فى أى يوم من الأيام، بخلاف إسماعيل، الذى كان ‏‏"وحيد" أبيه طيلة هذه المدة. فهو إذن الوحيد الذى ينطبق عليه القول ‏بأنه هو "الذبيح". ‏
وبالنسبة إلى "النسخ" الذى يَعْزُوه كاتبنا إلى ما يقول إنه مخالفة ‏النبى لبعض تشريعات التوراة، أى نسخ الإسلام لها، نقول إن الأناجيل قد ‏ذكرت أن المسيح سبق إلى هذا عندما قال: قد سمعتم أنه قيل للقدماء ‏كذا وكذا، لكنى أقول كيت وكيت. بمعنى أن التشريعات الفلانية التى ورد ‏النَّصّ عليها فى التوراة قد أتى هو صلى الله عليه وسلم فبدّلها إلى ‏تشريعات أخرى. لكن الكاتب كدَيْدَنه يتجاهل مثل تلك الحقائق التاريخية ‏ظنا منه أن باستطاعته النيل من الرسول محمد ودينه. وبعد المسيح نرى ‏بولس يعمل نفس الشىء فيبدل بعض التشريعات بدوره. ‏
كذلك يتجاهل الكاتب حقائق التاريخ كما تسجلها آيات القرآن ‏فنراه يدعى أن الرسول بدأ رسالته بوصفه نبيا عربيا، ثم انتهى فى المدينة ‏بإعلان نفسه نبيا عالميا. ووجه الضلال فى هذا أن الآيات المكية تنص ‏على عالمية الرسالة المحمدية منذ وقت بعيد كما سبق بيانه، ومن ثم فلا ‏لزوم لإيراد تلك النصوص التى لا أظنه إلا يعلمها تمام العلم، لكنه يتجاهلها ‏ظنا منه أن بمستطاعه التشويش على الحقائق التى لا تقبل الجدال. وبالمثل ‏لا لزوم لإعادة الاستشهاد بالآيات التى تدل دلالة قاطعة على أن الإسلام لا ‏يعرف الحرب من أجل فرض العقيدة على أحد، بل للرد فقط على من ‏يعتدون على المسلمين وبلادهم. ذلك أنه قد سبق أيضا الاستشهاد بعدد ‏من تلك الآيات آنفا. ومما يضحك الثكالى قول الكاتب إن صورة الصلاة ‏بعدد ما فيها من ركوع وسجود لم تستقر على هذا الوضع الذى نعرفه إلا ‏بعد زمن طويل من وفاة الرسول يبلغ قرنا كاملا. وهو ادعاء لا أصل له ولا ‏فصل. ‏
وهناك أيضا زعمه أن الفقه الإسلامى قد تاثر تأثرا كبيرا بالفقهين ‏الرومانى واليهودى. وهذا بدوره كلام مرسل لا دليل، أىّ دليل، عليه. ‏ومن المعيب أن يكون هذا هو المستوى العلمى لمقالة على هذا النحو من ‏الأهمية فى موسوعة عالمية كان ينبغى أن تُسْنِد كتابة تلك المقالة لعالم يضن ‏بالمنهجية العلمية أن تُنْتَهَك بهذا الشكل المزرى. ولقد تعرضتُ بالنقد ‏المفصَّل لدعوى تأثر الفقه الإسلامى بفقه الرومان فى كتابى: "دائرة المعارف ‏الإسلامية الاستشراقية- أضاليل واباطيل"، فيمكن أن يرجع إليه من يشاء ‏للوقوف على ما قلته فى تلك القضية. ‏
ورغم ذلك كله نرى المؤلف يبدى دهشته الشديدة (المبطنة ‏بشعور الإعجاب، أو بالأحرى: بشعور الحسد) لما يراه بحق شيئا لا مثيل ‏له فى التاريخ، ألا وهو هذا الانتشار البَرْقِىّ للإسلام حتى لقد غطى ‏المساحة الممتدة من أقصى شرق آسيا إلى أقصى الشمال الغربى من ‏أفريقيا، فضلا عن شبه جزيرة أيبريا فى أوربا وغيرها من البلاد، فى بضع ‏عشرات من الأعوام. إلا أن القلب ينفطر حين يتطلع الإنسان منا حوله ‏فيجد هذا الخمول الضارب بأطنابه فى العالم العربى والإسلامى، والذى ‏أغرى وما زال يغرى كلاب الاستعمار بالوثوب على بلاد المسلمين واحتلالها ‏كلما واتتهم الفرصة واستذلالهم وتكبيلهم بالقيود الـمُشِلَّة. لكن ماذا نقول، ‏وتلك الأيام يداولها الله بين الناس كما يقول القرآن الكريم؟ ومع ذلك فإن ‏هذا القانون الإلهى لا يعطى للمسلمين الحق فى العذر لأنه إنما يعكس نتائج ‏عملنا أو خمولنا، وجِدّنا أو هزلنا، ولا يُفْرَض فرضا من قِبَل السماء. ‏هذا، ولا أدرى السر فى أن الكاتب حين أراد أن يعطينا إحصائية عن ‏عدد المسلمين فى العالم عاد القهقرى إلى عام 1897م حيث لم يكونوا أزيد ‏عن ربع المليار إلا قليلا. ومعروف أنهم فى الوقت الحالىّ لا يقصّرون كثيرا ‏عن المليارين كما تم توضيحه فى غير هذا الموضع من الكتاب الحالىّ.‏
ومرة أخرى يعود كاتبنا إلى الحديث عن العلاقة بين الإسلام ‏واليهودية فيقول إن القرآن كثيرا ما يصب لعنته على اليهود. وسبب ذلك ‏فى نظره هو رفضهم الانضواء تحت رايته. وهذا غير صحيح، فإن القرآن ‏المكى، أى قبل أن يتصل بهم الرسول فى المدينة بعد هجرته إليها، لا ‏يعطينا أبدا صورة مشرقة عنهم. ومعنى ذلك أن هذا هو رأى الإسلام فى ‏اليهود على الدوام. إنه رأى مبدئى لا صلة بينه وبين الأحداث التى وقعت ‏بين الطرفين فى المدينة. كما أن لعن القرآن لهم إنما سببه تطاولهم على الله ‏سبحانه لا مجرد كفرهم به، كقولهم: "إن الله فقير ونحن أغنياء"، أو "يد ‏الله مغلولة"، أو قولهم عن كفار قريش وما هم عليه من وثنية: "هؤلاء ‏أهدى من الذين آمنوا سبيلا". وإذا كان الشىء بالشىء يُذْكَر فلم يحدث ‏قط أن حَمِدَ شعب من الشعوب أمة اليهود بعدما بَلاَ أخلاقها وسلوكها ‏وعقيدتها فى نفسها وفى الآخرين. ويكفى أنهم ينظرون إلى غيرهم ‏نظرتهم إلى حيوانات لا قيمة لها ولا حق، وأنهم يعدون الله ربا خاصا بهم ‏دون سواهم من العالمين. ‏
ولماذا نذهب بعيدا، وها هو ذا العهد القديم يجلجل فى كثير من ‏صفحاته تقريبا بلعن بنى إسرائيل وسبهم ووصفهم بأشنع الصفات؟ ترى ‏أكان لمحمد عليه السلاوة والسلام دخل فى ذلك؟ أبدا، ذلك أن اللاعنين ‏أو موصّلى اللعنة الإلهية إلى بنى إسرائيل إنما هم أنبياء بنى إسرائيل ‏أنفسهم وليس أى شخص آخر. ثم جاء عيسى عليه السلام، فلم يكن ‏حظهم معه أفضل من حظهم مع من سبقه من أنبياء، فها هى ذى الأناجيل ‏الأربعة تدمدم بكلمات الغضب النارى المنصب من فمه الطاهر الشريف ‏صلى الله عليه وسلم على يوافيخهم الصلبة المتمردة؟ أولا يعرف الكاتب ‏ذلك كله؟ بلى يعرف ذلك وأكثر من ذلك، إلا أنه يظن بنفسه الذكاء ‏واللوذعية والمقدرة على خداع الناس، ولكن هيهات، فحقائق التاريخ ‏والحياة لا يمكن التعفية عليها مهما تكلف فى ذلك المتكلفون!‏
وهذه هى بعض النصوص التى ترينا ماذا يقول الكتاب المقدس ‏ذاته بعهديه القديم والجديد عنهم: "9فَكَلَّمَ مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ هكَذَا (أى ‏كما أمره ربه لاستنقاذهم من استعباد فرعون)، وَلكِنْ لَمْ يَسْمَعُوا لِمُوسَى ‏مِنْ صِغَرِ النَّفْسِ، وَمِنَ الْعُبُودِيَّةِ الْقَاسِيَةِ" (خروج/ 6)، "9وَقَالَ الرَّبُّ ‏لِمُوسَى: «رَأَيْتُ هذَا الشَّعْبَ وَإِذَا هُوَ شَعْبٌ صُلْبُ الرَّقَبَةِ. 10فَالآنَ ‏اتْرُكْنِي لِيَحْمَى غَضَبِي عَلَيْهِمْ وَأُفْنِيَهُمْ، فَأُصَيِّرَكَ شَعْبًا عَظِيمًا»" (خروج/ ‏‏32)، "5وَكَانَ الرَّبُّ قَدْ قَالَ لِمُوسَى: «قُلْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: أَنْتُمْ شَعْبٌ صُلْبُ ‏الرَّقَبَةُِ. إِنْ صَعِدْتُ لَحْظَةً وَاحِدَةً فِي وَسَطِكُمْ أَفْنَيْتُكُمْ...»" (خروج/ ‏‏33)، "23فِي تِلْكَ الأَيَّامِ أَيْضًا رَأَيْتُ الْيَهُودَ الَّذِينَ سَاكَنُوا نِسَاءً أَشْدُودِيَّاتٍ ‏وَعَمُّونِيَّاتٍ وَمُوآبِيَّاتٍ. 24وَنِصْفُ كَلاَمِ بَنِيهِمْ بِاللِّسَانِ الأَشْدُودِيِّ، وَلَمْ يَكُونُوا ‏يُحْسِنُونَ التَّكَلُّمَ بِاللِّسَانِ الْيَهُودِيِّ، بَلْ بِلِسَانِ شَعْبٍ وَشَعْبٍ. 25فَخَاصَمْتُهُمْ ‏وَلَعَنْتُهُمْ وَضَرَبْتُ مِنْهُمْ أُنَاسًا وَنَتَفْتُ شُعُورَهُمْ" (نحميا/ 13)، "1رُؤْيَا ‏إِشَعْيَاءَ بْنِ آمُوصَ، الَّتِي رَآهَا عَلَى يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ، فِي أَيَّامِ عُزِّيَّا وَيُوثَامَ ‏وَآحَازَ وَحِزْقِيَّا مُلُوكِ يَهُوذَا: 2اِسْمَعِي أَيَّتُهَا السَّمَاوَاتُ وَأَصْغِي أَيَّتُهَا الأَرْضُ، ‏لأَنَّ الرَّبَّ يَتَكَلَّمُ: «رَبَّيْتُ بَنِينَ وَنَشَّأْتُهُمْ، أَمَّا هُمْ فَعَصَوْا عَلَيَّ. 3اَلثَّوْرُ يَعْرِفُ ‏قَانِيَهُ وَالْحِمَارُ مِعْلَفَ صَاحِبِهِ، أَمَّا إِسْرَائِيلُ فَلاَ يَعْرِفُ. شَعْبِي لاَ يَفْهَمُ». ‏‏4وَيْلٌ لِلأُمَّةِ الْخَاطِئَةِ، الشَّعْبِ الثَّقِيلِ الإِثْمِ، نَسْلِ فَاعِلِي الشَّرِّ، أَوْلاَدِ ‏مُفْسِدِينَ! تَرَكُوا الرَّبَّ، اسْتَهَانُوا بِقُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ، ارْتَدُّوا إِلَى وَرَاءٍ...»" ‏‏(إشعيا/ 1)، "1« قَائِلاً: إِذَا طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ فَانْطَلَقَتْ مِنْ عِنْدِهِ وَصَارَتْ ‏لِرَجُل آخَرَ، فَهَلْ يَرْجعُ إِلَيْهَا بَعْدُ؟ أَلاَ تَتَنَجَّسُ تِلْكَ الأَرْضُ نَجَاسَةً؟ أَمَّا ‏أَنْتِ فَقَدْ زَنَيْتِ بِأَصْحَابٍ كَثِيرِينَ! لكِنِ ارْجِعِي إِلَيَّ، يَقُولُ الرَّبُّ. 2اِرْفَعِي ‏عَيْنَيْكِ إِلَى الْهِضَابِ وَانْظُرِي، أَيْنَ لَمْ تُضَاجَعِي؟ فِي الطُّرُقَاتِ جَلَسْتِ لَهُمْ ‏كَأَعْرَابِيٍّ فِي الْبَرِّيَّةِ، وَنَجَّسْتِ الأَرْضَ بِزِنَاكِ وَبِشَرِّكِ. 3فَامْتَنَعَ الْغَيْثُ وَلَمْ ‏يَكُنْ مَطَرٌ مُتَأَخِّرٌ. وَجَبْهَةُ امْرَأَةٍ زَانِيَةٍ كَانَتْ لَكِ. أَبَيْتِ أَنْ تَخْجَلِي. ‏‏4أَلَسْتِ مِنَ الآنَ تَدْعِينَنِي: يَا أَبِي، أَلِيفُ صِبَايَ أَنْتَ؟ 5هَلْ يَحْقِدُ إِلَى ‏الدَّهْرِ، أَوْ يَحْفَظُ غَضَبَهُ إِلَى الأَبَدِ؟ هَا قَدْ تَكَلَّمْتِ وَعَمِلْتِ شُرُورًا، ‏وَاسْتَطَعْتِ!»" (إرميا/ 3).‏
‏ "1وَكَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلاً: 2«يَا ابْنَ آدَمَ، اجْعَلْ وَجْهَكَ نَحْوَ ‏جِبَالِ إِسْرَائِيلَ وَتَنَبَّأْ عَلَيْهَا 3وَقُلْ: يَا جِبَالَ إِسْرَائِيلَ، اسْمَعِي كَلِمَةَ السَّيِّدِ ‏الرَّبِّ. هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ لِلْجِبَالِ وَلِلآكَامِ، لِلأَوْدِيَةِ وَلِلأَوْطِئَةِ: هأَنَذَا أَنَا ‏جَالِبٌ عَلَيْكُمْ سَيْفًا، وَأُبِيدُ مُرْتَفَعَاتِكُمْ. 4فَتَخْرَبُ مَذَابِحُكُمْ، وَتَتَكَسَّرُ ‏شَمْسَاتُكُمْ، وَأَطْرَحُ قَتْلاَكُمْ قُدَّامَ أَصْنَامِكُمْ. 5وَأَضَعُ جُثَثَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ‏قُدَّامَ أَصْنَامِهِمْ، وَأُذَرِّي عِظَامَكُمْ حَوْلَ مَذَابِحِكُمْ. 6فِي كُلِّ مَسَاكِنِكُمْ تُقْفَرِ ‏الْمُدُنُ، وَتَخْرَبُ الْمُرْتَفَعَاتُ، لِكَيْ تُقْفَرِ وَتَخْرَبَ مَذَابِحُكُمْ، وَتَنْكَسِرَ وَتَزُولَ ‏أَصْنَامُكُمْ، وَتُقْطَعَ شَمْسَاتُكُمْ، وَتُمْحَى أَعْمَالُكُمْ، 7وَتَسْقُطُ الْقَتْلَى فِي ‏وَسْطِكُمْ، فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ. 8«وَأُبْقِي بَقِيَّةً، إِذْ يَكُونُ لَكُمْ نَاجُونَ مِنَ ‏السَّيْفِ بَيْنَ الأُمَمِ عِنْدَ تَذَرِّيكُمْ فِي الأَرَاضِي. 9وَالنَّاجُونَ مِنْكُمْ يَذْكُرُونَنِي ‏بَيْنَ الأُمَمِ الَّذِينَ يُسْبَوْنَ إِلَيْهِمْ، إِذَا كَسَرْتُ قَلْبَهُمُ الزَّانِيَ الَّذِي حَادَ عَنِّي، ‏وَعُيُونَهُمُ الزَّانِيَةَ وَرَاءَ أَصْنَامِهِمْ، وَمَقَتُوا أَنْفُسَهُمْ لأَجْلِ الشُّرُورِ الَّتِي فَعَلُوهَا ‏فِي كُلِّ رَجَاسَاتِهِمْ، 10وَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ، لَمْ أَقُلْ بَاطِلاً إِنِّي أَفْعَلُ بِهِمْ هذَا ‏الشَّرَّ" (حزقيال/ 6).‏
‏"1وَكَانَتْ إِلَيَّ كَلِمَةُ الرَّبِّ قَائِلَةً: 2«يَا ابْنَ آدَمَ، عَرِّفْ أُورُشَلِيمَ ‏بِرَجَاسَاتِهَا، 3وَقُلْ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ لأُورُشَلِيمَ: مَخْرَجُكِ وَمَوْلِدُكِ ‏مِنْ أَرْضِ كَنْعَانَ. أَبُوكِ أَمُورِيٌّ وَأُمُّكِ حِثِّيَّةٌ. 4أَمَّا مِيلاَدُكِ يَوْمَ وُلِدْتِ فَلَمْ ‏تُقْطَعْ سُرَّتُكِ، وَلَمْ تُغْسَلِي بِالْمَاءِ لِلتَّنَظُّفِ، وَلَمْ تُمَلَّحِي تَمْلِيحًا، وَلَمْ تُقَمَّطِي ‏تَقْمِيطًا. 5لَمْ تَشْفُقْ عَلَيْكِ عَيْنٌ لِتَصْنَعَ لَكِ وَاحِدَةً مِنْ هذِهِ لِتَرِقَّ لَكِ، بَلْ ‏طُرِحْتِ عَلَى وَجْهِ الْحَقْلِ بِكَرَاهَةِ نَفْسِكِ يَوْمَ وُلِدْتِ. 6فَمَرَرْتُ بِكِ وَرَأَيْتُكِ ‏مَدُوسَةً بِدَمِكِ، فَقُلْتُ لَكِ: بِدَمِكِ عِيشِي، قُلْتُ لَكِ: بِدَمِكِ عِيشِي. ‏‏7جَعَلْتُكِ رَبْوَةً كَنَبَاتِ الْحَقْلِ، فَرَبَوْتِ وَكَبُرْتِ، وَبَلَغْتِ زِينَةَ الأَزْيَانِ. نَهَدَ ‏ثَدْيَاكِ، وَنَبَتَ شَعْرُكِ وَقَدْ كُنْتِ عُرْيَانَةً وَعَارِيَةً. 8فَمَرَرْتُ بِكِ وَرَأَيْتُكِ، وَإِذَا ‏زَمَنُكِ زَمَنُ الْحُبِّ. فَبَسَطْتُ ذَيْلِي عَلَيْكِ وَسَتَرْتُ عَوْرَتَكِ، وَحَلَفْتُ لَكِ، ‏وَدَخَلْتُ مَعَكِ فِي عَهْدٍ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، فَصِرْتِ لِي. 9فَحَمَّمْتُكِ بِالْمَاءِ، ‏وَغَسَلْتُ عَنْكِ دِمَاءَكِ، وَمَسَحْتُكِ بِالزَّيْتِ، 10وَأَلْبَسْتُكِ مُطَرَّزَةً، وَنَعَلْتُكِ ‏بِالتُّخَسِ، وَأَزَّرْتُكِ بِالْكَتَّانِ، وَكَسَوْتُكِ بَزًّا، 11وَحَلَّيْتُكِ بِالْحُلِيِّ، فَوَضَعْتُ ‏أَسْوِرَةً فِي يَدَيْكِ وَطَوْقًا فِي عُنُقِكِ. 12وَوَضَعْتُ خِزَامَةً فِي أَنْفِكِ وَأَقْرَاطًا ‏فِي أُذُنَيْكِ وَتَاجَ جَمَال عَلَى رَأْسِكِ. 13فَتَحَلَّيْتِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، ‏وَلِبَاسُكِ الْكَتَّانُ وَالْبَزُّ وَالْمُطَرَّزُ. وَأَكَلْتِ السَّمِيذَ وَالْعَسَلَ وَالزَّيْتَ، وَجَمُلْتِ ‏جِدًّا جِدًّا، فَصَلُحْتِ لِمَمْلَكَةٍ. 14وَخَرَجَ لَكِ اسْمٌ فِي الأُمَمِ لِجَمَالِكِ، لأَنَّهُ ‏كَانَ كَامِلاً بِبَهَائِي الَّذِي جَعَلْتُهُ عَلَيْكِ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ. 15«فَاتَّكَلْتِ عَلَى ‏جَمَالِكِ، وَزَنَيْتِ عَلَى اسْمِكِ، وَسَكَبْتِ زِنَاكِ عَلَى كُلِّ عَابِرٍ فَكَانَ لَهُ. ‏‏16وَأَخَذْتِ مِنْ ثِيَابِكِ وَصَنَعْتِ لِنَفْسِكِ مُرْتَفَعَاتٍ مُوَشَّاةٍ، وَزَنَيْتِ عَلَيْهَا. ‏أَمْرٌ لَمْ يَأْتِ وَلَمْ يَكُنْ. 17وَأَخَذْتِ أَمْتِعَةَ زِينَتِكِ مِنْ ذَهَبِي وَمِنْ فِضَّتِي الَّتِي ‏أَعْطَيْتُكِ، وَصَنَعْتِ لِنَفْسِكِ صُوَرَ ذُكُورٍ وَزَنَيْتِ بِهَا. 18وَأَخَذْتِ ثِيَابَكِ ‏الْمُطَرَّزَةَ وَغَطَّيْتِهَا بِهَا، وَوَضَعْتِ أَمَامَهَا زَيْتِي وَبَخُورِي. 19وَخُبْزِي الَّذِي ‏أَعْطَيْتُكِ، السَّمِيذَ وَالزَّيْتَ وَالْعَسَلَ الَّذِي أَطْعَمْتُكِ، وَضَعْتِهَا أَمَامَهَا رَائِحَةَ ‏سُرُورٍ. وَهكَذَا كَانَ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ. 20«أَخَذْتِ بَنِيكِ وَبَنَاتِكِ الَّذِينَ ‏وَلَدْتِهِمْ لِي، وَذَبَحْتِهِمْ لَهَا طَعَامًا. أَهُوَ قَلِيلٌ مِنْ زِنَاكِ 21أَنَّكِ ذَبَحْتِ بَنِيَّ ‏وَجَعَلْتِهِمْ يَجُوزُونَ فِي النَّارِ لَهَا؟ 22وَفِي كُلِّ رَجَاسَاتِكِ وَزِنَاكِ لَمْ تَذْكُرِي ‏أَيَّامَ صِبَاكِ، إِذْ كُنْتِ عُرْيَانَةً وَعَارِيَةً وَكُنْتِ مَدُوسَةً بِدَمِكِ. 23وَكَانَ بَعْدَ ‏كُلِّ شَرِّكِ. وَيْلٌ، وَيْلٌ لَكِ! يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، 24أَنَّكِ بَنَيْتِ لِنَفْسِكِ قُبَّةً ‏وَصَنَعْتِ لِنَفْسِكِ مُرْتَفَعَةً فِي كُلِّ شَارِعٍ. 25فِي رَأْسِ كُلِّ طَرِيق بَنَيْتِ ‏مُرْتَفَعَتَكِ وَرَجَّسْتِ جَمَالَكِ، وَفَرَّجْتِ رِجْلَيْكِ لِكُلِّ عَابِرٍ وَأَكْثَرْتِ زِنَاكِ. ‏‏26وَزَنَيْتِ مَعَ جِيرَانِكِ بَنِي مِصْرَ الْغِلاَظِ اللَّحْمِ، وَزِدْتِ فِي زِنَاكِ لإِغَاظَتِي" ‏‏(حزقيال/ 16).‏
‏"7فَلَمَّا رَأَى كَثِيرِينَ مِنَ الْفَرِّيسِيِّينَ وَالصَّدُّوقِيِّينَ يَأْتُونَ إِلَى مَعْمُودِيَّتِهِ، ‏قَالَ لَهُمْ:«يَاأَوْلاَدَ الأَفَاعِي، مَنْ أَرَاكُمْ أَنْ تَهْرُبُوا مِنَ الْغَضَب الآتِي؟ ‏‏8فَاصْنَعُوا أَثْمَارًا تَلِيقُ بِالتَّوْبَةِ. 9وَلاَ تَفْتَكِرُوا أَنْ تَقُولُوا فِي أَنْفُسِكُمْ: لَنَا ‏إِبْراهِيمُ أَبًا. لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ اللهَ قَادِرٌ أَنْ يُقِيمَ مِنْ هذِهِ الْحِجَارَةِ أَوْلاَدًا ‏لإِبْراهِيمَ. 10وَالآنَ قَدْ وُضِعَتِ الْفَأْسُ عَلَى أَصْلِ الشَّجَرِ، فَكُلُّ شَجَرَةٍ لاَ ‏تَصْنَعُ ثَمَرًا جَيِّدًا تُقْطَعُ وَتُلْقَى فِي النَّارِ. 11أَنَا أُعَمِّدُكُمْ بِمَاءٍ لِلتَّوْبَةِ، وَلكِنِ ‏الَّذِي يَأْتِي بَعْدِي هُوَ أَقْوَى مِنِّي، الَّذِي لَسْتُ أَهْلاً أَنْ أَحْمِلَ حِذَاءَهُ. هُوَ ‏سَيُعَمِّدُكُمْ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ وَنَارٍ. 12الَّذِي رَفْشُهُ فِي يَدِهِ، وَسَيُنَقِّي بَيْدَرَهُ، ‏وَيَجْمَعُ قَمْحَهُ إِلَى الْمَخْزَنِ، وَأَمَّا التِّبْنُ فَيُحْرِقُهُ بِنَارٍ لاَ تُطْفَأُ»" (متى/ 3).‏
‏"13«لكِنْ وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تُغْلِقُونَ ‏مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ قُدَّامَ النَّاسِ، فَلاَ تَدْخُلُونَ أَنْتُمْ وَلاَ تَدَعُونَ الدَّاخِلِينَ ‏يَدْخُلُونَ. 14وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تَأْكُلُونَ بُيُوتَ ‏الأَرَامِلِ، ولِعِلَّةٍ تُطِيلُونَ صَلَوَاتِكُمْ. لِذلِكَ تَأْخُذُونَ دَيْنُونَةً أَعْظَمَ. 15وَيْلٌ لَكُمْ ‏أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تَطُوفُونَ الْبَحْرَ وَالْبَرَّ لِتَكْسَبُوا ‏دَخِيلاً وَاحِدًا، وَمَتَى حَصَلَ تَصْنَعُونَهُ ابْنًا لِجَهَنَّمَ أَكْثَرَ مِنْكُمْ مُضَاعَفًا. ‏‏16وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْقَادَةُ الْعُمْيَانُ! الْقَائِلُونَ: مَنْ حَلَفَ بِالْهَيْكَلِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، ‏وَلكِنْ مَنْ حَلَفَ بِذَهَب الْهَيْكَلِ يَلْتَزِمُ. 17أَيُّهَا الْجُهَّالُ وَالْعُمْيَانُ! أَيُّمَا أَعْظَمُ: ‏أَلذَّهَبُ أَمِ الْهَيْكَلُ الَّذِي يُقَدِّسُ الذَّهَبَ؟ 18وَمَنْ حَلَفَ بِالْمَذْبَحِ فَلَيْسَ ‏بِشَيْءٍ، وَلكِنْ مَنْ حَلَفَ بِالْقُرْبَانِ الَّذِي عَلَيْهِ يَلْتَزِمُ. 19أَيُّهَا الْجُهَّالُ وَالْعُمْيَانُ! ‏أَيُّمَا أَعْظَمُ: أَلْقُرْبَانُ أَمِ الْمَذْبَحُ الَّذِي يُقَدِّسُ الْقُرْبَانَ؟ 20فَإِنَّ مَنْ حَلَفَ ‏بِالْمَذْبَحِ فَقَدْ حَلَفَ بِهِ وَبِكُلِّ مَا عَلَيْهِ! 21وَمَنْ حَلَفَ بِالْهَيْكَلِ فَقَدْ حَلَفَ بِهِ ‏وَبِالسَّاكِنِ فِيهِ، 22وَمَنْ حَلَفَ بِالسَّمَاءِ فَقَدْ حَلَفَ بِعَرْشِ اللهِ وَبِالْجَالِسِ ‏عَلَيْهِ. 23وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تُعَشِّرُونَ النَّعْنَعَ ‏وَالشِّبِثَّ وَالْكَمُّونَ، وَتَرَكْتُمْ أَثْقَلَ النَّامُوسِ: الْحَقَّ وَالرَّحْمَةَ وَالإِيمَانَ. كَانَ ‏يَنْبَغِي أَنْ تَعْمَلُوا هذِهِ وَلاَ تَتْرُكُوا تِلْكَ. 24أَيُّهَا الْقَادَةُ الْعُمْيَانُ! الَّذِينَ يُصَفُّونَ ‏عَنِ الْبَعُوضَةِ وَيَبْلَعُونَ الْجَمَلَ. 25وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! ‏لأَنَّكُمْ تُنَقُّونَ خَارِجَ الْكَأْسِ وَالصَّحْفَةِ، وَهُمَا مِنْ دَاخِل مَمْلُوآنِ اخْتِطَافًا ‏وَدَعَارَةً. 26أَيُّهَا الْفَرِّيسِيُّ الأَعْمَى! نَقِّ أَوَّلاً دَاخِلَ الْكَأْسِ وَالصَّحْفَةِ لِكَيْ ‏يَكُونَ خَارِجُهُمَا أَيْضًا نَقِيًّا. 27وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! ‏لأَنَّكُمْ تُشْبِهُونَ قُبُورًا مُبَيَّضَةً تَظْهَرُ مِنْ خَارِجٍ جَمِيلَةً، وَهِيَ مِنْ دَاخِل مَمْلُوءَةٌ ‏عِظَامَ أَمْوَاتٍ وَكُلَّ نَجَاسَةٍ. 28هكَذَا أَنْتُمْ أَيْضًا: مِنْ خَارِجٍ تَظْهَرُونَ لِلنَّاسِ ‏أَبْرَارًا، وَلكِنَّكُمْ مِنْ دَاخِل مَشْحُونُونَ رِيَاءً وَإِثْمًا. 29وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ ‏وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تَبْنُونَ قُبُورَ الأَنْبِيَاءِ وَتُزَيِّنُونَ مَدَافِنَ الصِّدِّيقِينَ، ‏‏30وَتَقُولُونَ: لَوْ كُنَّا فِي أَيَّامِ آبَائِنَا لَمَا شَارَكْنَاهُمْ فِي دَمِ الأَنْبِيَاءِ. 31فَأَنْتُمْ ‏تَشْهَدُونَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنَّكُمْ أَبْنَاءُ قَتَلَةِ الأَنْبِيَاءِ. 32فَامْلأُوا أَنْتُمْ مِكْيَالَ ‏آبَائِكُمْ. 33أَيُّهَا الْحَيَّاتُ أَوْلاَدَ الأَفَاعِي! كَيْفَ تَهْرُبُونَ مِنْ دَيْنُونَةِ جَهَنَّمَ؟ ‏‏34لِذلِكَ هَا أَنَا أُرْسِلُ إِلَيْكُمْ أَنْبِيَاءَ وَحُكَمَاءَ وَكَتَبَةً، فَمِنْهُمْ تَقْتُلُونَ وَتَصْلِبُونَ، ‏وَمِنْهُمْ تَجْلِدُونَ فِي مَجَامِعِكُمْ، وَتَطْرُدُونَ مِنْ مَدِينَةٍ إِلَى مَدِينَةٍ، 35لِكَيْ يَأْتِيَ ‏عَلَيْكُمْ كُلُّ دَمٍ زكِيٍّ سُفِكَ عَلَى الأَرْضِ، مِنْ دَمِ هَابِيلَ الصِّدِّيقِ إِلَى دَمِ زَكَرِيَّا ‏بْنِ بَرَخِيَّا الَّذِي قَتَلْتُمُوهُ بَيْنَ الْهَيْكَلِ وَالْمَذْبَحِ. 36اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ هذَا ‏كُلَّهُ يَأْتِي عَلَى هذَا الْجِيلِ! 37«يَا أُورُشَلِيمُ، يَا أُورُشَلِيمُ! يَا قَاتِلَةَ الأَنْبِيَاءِ ‏وَرَاجِمَةَ الْمُرْسَلِينَ إِلَيْهَا، كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلاَدَكِ كَمَا تَجْمَعُ ‏الدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا، وَلَمْ تُرِيدُوا! 38هُوَذَا بَيْتُكُمْ يُتْرَكُ لَكُمْ ‏خَرَابًا. 39لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ لاَ تَرَوْنَني مِنَ الآنَ حَتَّى تَقُولُوا: مُبَارَكٌ الآتِي ‏بِاسْمِ الرَّبِّ!»" (متى/ 23). وأحسب القارئ قد استبان له الآن تماما ‏مقدار ما فى كلام الكاتب من أباطيل.‏
وهذا يجرنا إلى ما عرفه الفكر السياسى باسم "المسألة اليهودية: ‏The Jewish Question, La Question Juive‏"، تلك المسألة ‏التى يعرّفها د. عبد الوهاب المسيرى فى "الموسوعة اليهودية" بقوله: ‏‏"المسألة اليهودية مصطلح يتواتر في الكتابات الصهيونية وفي غيرها بصيغة ‏المفرد، وهو مصطلح يفترض أن ثمة مشاكل محدَّدة ثابتة لا تختلف تقريبا ‏باختلاف الزمان والمكان يواجهها اليهود وحدهم ولا يواجهها غيرهم من ‏أعضاء الجماعات أو الأقليات الدينية أو الإثنية. ولذا‎ ‎تتم الإشارة إليها ‏بعبارة "المسألة اليهودية" (الواحدة) لا "المسائل اليهودية"‏‎ ‎‏(المتنوعة بتنوع ‏تجارب أعضاء الجماعات اليهودية عبر الزمان والمكان). وحَلُّ هذه ‏المسألة يكون عن طريق التخلص من اليهود: إما عن طريق تهجـيرهم إلى ‏وطنهم القومي اليهودي، وهـذا هو (الحل الصهيوني)، أو عن طريق طردهم ‏‏(الحل المعادي لليهود)، أو‎ ‎إبادتهم (الحل النازى)". ‏
صحيح أن د. المسيرى سرعان ما يضيف بعد قليل قوله: "لكل ‏هذا يكون مصطلح "المسألة اليهودية" الذي يَفترض أن هناك مسألة يهودية ‏واحدة، عالمية‎ ‎وعامة، مصطلحا منافيا تماما للحقائق المتعيِّنة للتاريخ، ومن ‏ثم فإن قيمته التصنيفية والتفسيرية ضعيفة إلى أقصى حد. ومن الأفضل ‏استخدام صيغة الجمع والتحدث عن "مسائل يهودية". وحين يُسْتَخْدَم ‏المصطلح في صيغة المفرد فإنه يشير، في واقع الأمر، إلى المشاكل التي ‏واجهها أعضاء الجماعات اليهودية (في القرن التاسع عشر) في أوربا، ‏وبخاصة في شرقها، وبذلك تُستبعَد الجماعات اليهودية الأخرى كافة. ‏وهذا التحديد الزماني المكاني يعطي المصطلح مضمونا حقيقيا ودلالة ‏ومقدرة تفسيرية وتصنيفية‎ ‎عالية". إلا أن هذا لا ينفى رغم ذلك أن تكون ‏هناك مسألة يهودية واحدة عامة تصدق على اليهود أينما ومتى وُجِد ‏اليهود، إذ هى ذات صلة فى المقام الأول بنفسيتهم الملتوية الشاذة أيا ما ‏كانت الظروف السياسية والاجتماعية المتغيرة التى تحيط بهم. فهم دائما ‏ما يثيرون القلاقل والفتن ويتلذذون بشقاء الآخرين متصورين أنهم شعب الله ‏المختار مهما ارتكبوا من كفر وعصيان، وأن الله إلههم هم وحدهم، وأن ‏بقية البشر حيوانات أوأقل من الحيوانات. وهم سريعو الخنوع إذا ما ‏وجدوا ضعفا فى أنفسهم، لكنهم سرعان ما يتحولون وحوشا مفترسة ‏حالما يأنسون من أنفسهم قوة وبأسا، وهما قوة وبأس مستعاران عادة، إن لم ‏نقل: دائما. وهم لا يتعلمون الدرس أبدا، ولهذا يحيق بهم النكال كل حين ‏من الدهر منذ أن كان لهم كيان فى التاريخ حتى وقت قريب، إذ لا يمكن ‏لمن كان فى مثل ظروفهم وقلة عددهم وكراهيتهم للبشر وكراهية البشر من ‏ثَمَّ لهم أن يحوز لفترة طويلة ود الآخرين، فضلا عن إمكان حيازته أسباب ‏الانتصار عليهم. وإذا كانوا الآن فى أوج قوتهم وبطشهم فلسوف يتغير ‏الميزان آجلا أو عاجلا وتعود الأمور إلى ما كانت طول الدهر عليه فينتقم ‏المظلومون من ظالميهم الجبناء الذين ينتفشون كلما شاموا من حولهم معونة ‏وتعضيدا، ناسين أن ذلك كله إلى زوال وأن تصرفاتهم وأفكارهم البشعة ‏التى تستفز الحقد فى النفوس لن تتأخر طويلا فى إعطاء ثمرتها السامة.‏
وقد يدلّ على صدق ما نشير إليه ذلك المقال الذى ترجمه ونشره ‏‏"المركز الدولى لدراسات أمريكا والغرب" (‏ICAWS‏) بتاريخ 25/ 1/ ‏‏1430هـــ، وأعاد عدد من الجرائد العربية والمواقع المشباكية نشره، وهو ‏بقلم دانيال شوفنتال، وهذا نصه: "اليهود في غرب أوروبا أصبحوا ‏يتعرضون للمزيد من الهجمات بعد أن بدأت إسرائيل في شن هجومها ‏العسكري على قطاع غزة المحاصَر الذي يعيش سكانه البؤس والشقاء. ‏تركزت هذه الهجمات على المعابد اليهودية في بريطانيا وبلجيكا وألمانيا. ‏وقد اعتقلت الشرطة البلجيكية عددا من المتظاهرين الذين أرادوا دخول ‏الحي اليهودي في مدينة أنتويرب. وقد اعتذرت بعض المدارس الدنماركية ‏عن تسجيل طلاب يهود قائلة إنها لا تضمن سلامتهم. وفي فرنسا هاجمت ‏مجموعة من المراهقين فتاة يهودية تبلغ من العمر 15 عاما وأشبعوها ركلا ‏ووصفوها بأنها «يهودية قذرة». وقد ارتفعت هتافات غير مألوفة في ألمانيا ‏وهولندا مثل «حماس، حماس. وليذهب اليهود إلى أفران الغاز». وفي ‏أمستردام شارك عضوان في البرلمان الهولندي منهما زوجة أول رئيس ‏للبيت المركزي الأوروبي في تظاهرة كانت تهتف باسم الانتفاضة ‏الفلسطينية و«لفلسطين الحرة». وتعد هذه التظاهرة هادئة إذا ما قورنت ‏بتظاهرات أخرى ارتفعت فيها هتافات تدعو إلى محرقة يهودية جديدة.‏
العداء لليهود في أوروبا بدأ يلفت الأنظار حيث أعدت محطة ‏‏«سي. إن. إن» تقريرا حول تنامي هذه الظاهرة في أوروبا وفي الدول ‏العربية والإسلامية. فرنسا أيضا لم تنج من هذه الظاهرة حيث شهدت ‏مدينة تولوز حرق سيارة أمام معبد يهودي مما دعا الرئيس الفرنسي لإصدار ‏بيان تطرق فيه للأوضاع المأساوية القائمة في قطاع غزة. وقد استنكر ‏ساركوزي «الإرهاب» الذي تمارسه حماس والاستخدام المفرط للقوة الذي ‏تقوم به إسرائيل ضد سكان القطاع. وأشار الرئيس الفرنسي إلى أن ‏العنف في فرنسا ليس سببه المسلمون فقط بل اليهود أيضا. من بيان ‏ساركوزي يمكن الاستنتاج أن ينسب تنامي المشاعر المقاومة للسامية في ‏أوروبا إلى الصراع الدائر في الشرق الأوسط. وتفجرت مشاعر الكراهية ‏لليهود في الشرق الأوسط مع قيام دولة إسرائيل وما صاحبه من تشريد ‏وطرد للسكان الفلسطينيين.‏
مع تنامي الوعي الإسلامي ظهر إلى الوجود الكثير من المنظمات ‏والحركات الإسلامية مثل حماس وحزب الله، وغيرهما الكثير. وهي ‏حركات تستخدم الخطاب الديني ولا تخفي كراهيتها لإسرائيل على اعتبار ‏أنها قامت على وطن لشعب عربي مسلم. الثورة الإعلامية ساهمت ‏بدورها في توصيل الآراء المتعارفة إلى عامة الشعب الفلسطيني الذين ‏يعانون بدورهم مشاكل حياتية لا عد لها من غلاء للمعيشة وبطالة ‏وتضييق على الحريات المدنية. أصبح البث التليفزيوني ذو الخطاب ‏الإسلامي يصل إلى كافة أرجاء المعمورة. وقد ردت بعض الدول الأوروبية ‏بمنع بث قنوات مثل «المنار» التابعة لحزب الله وتلك التابعة لحماس على ‏اعتبار أنها تعمل على بث المشاعر المعادية لليهود. ولا يزال باستطاعة ‏المشاهدين العرب والمسلمين متابعة برامج هذه القنوات التي تبث عبر أقمار ‏صناعية لا يسيطر عليها الأوروبيون. أوردت دراسة نشرها معهد «بيو» ‏في سبتمبر الماضي مجموعة مذهلة من الحقائق التي لم تكن معروفة للكثيرين، ‏فحوالي 25% من الألمان و20% من الفرنسيين يكنون مشاعر الكراهية ‏لليهود. أما في إسبانيا فإن هذه النسبة تصل الى 46%.‏
وهناك جماعات يهودية تتهم الإعلام الإسباني الخاص والحكومي ‏على حد سواء بالعداء لليهود. وكانت إسبانيا قد شهدت أكبر تظاهرة ‏في أوروبا الأسبوع الماضي للاحتجاج على الهجمات الاسرائيلية على غزة، ‏وشارك فيها ما يزيد على 100 ألف متظاهر. ومع استمرار حرب غزة ‏وما يصاحبها من طوفان من المناظر المؤلمة لمعاناة المدنيين استمرت المشاعر ‏المقاومة لإسرائيل واليهود في التنامي. وسيواجه اليهود في أوروبا أوقاتا ‏صعبة في المستقبل القريب. فهل تتعظ إسرائيل؟". ‏
على أن كاتب الموسوعة اليهودية، بدلا من الإقرار بأن مسؤولية ‏الكراهية التى يلقاها اليهود من المسلمين، مثلما يَلْقَوْنها من كل الشعوب فى ‏كل زمان ومكان، إنما ترجع إليهم، يزعم أن المسلمين إنما يبغضون اليهود ‏على الدوام دون أى سبب من جانبهم وأنهم مأمورون بنص القرآن ألا ‏يوالوهم أبدا. وهو بهذا يتجاهل السياق الذى نزل فيه مثل ذلك النهى. ‏ولو قرأنا الآيات التالية لاتضح لنا السر فى ذلك: "لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ ‏قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ‏وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (181) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ ‏بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (182) الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى ‏يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ ‏فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (183) فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ ‏قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ (184)" (آل عمران)، "وَقَالَتْ ‏طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آَمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ ‏وَاكْفُرُوا آَخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (72) وَلا تُؤْمِنُوا إِلاَّ لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ ‏الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ ‏إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (73) يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ ‏مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (74) وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ ‏بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ ‏قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ‏وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (76) ‏إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُولَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي ‏الآَخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ‏‏(77) وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ ‏مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ‏الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (78)" (آل عمران)، "مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ ‏عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا ‏بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا ‏لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (46) يَا ‏أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آَمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ ‏وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ ‏اللَّهِ مَفْعُولاً (47) إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ‏وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ ‏أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (49) انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ ‏عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا (50) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ ‏الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ ‏الَّذِينَ آَمَنُوا سَبِيلاً (51) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ ‏نَصِيرًا (52)" (النساء)، "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى ‏أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ ‏الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى ‏أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى ‏مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52) وَيَقُولُ الَّذِينَ آَمَنُوا أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا ‏بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ (53) يَا ‏أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ ‏وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا ‏يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54) إِنَّمَا ‏وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ ‏رَاكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ ‏الْغَالِبُونَ (56) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا ‏وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ ‏مُؤْمِنِينَ (57) وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا ‏يَعْقِلُونَ (58) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلا أَنْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ ‏إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ (59) قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ‏ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ ‏وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ ‏‏(60) وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ ‏أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ (61) وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ‏وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (62) لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ ‏عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (63) وَقَالَتِ الْيَهُودُ ‏يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ ‏يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ ‏الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ ‏وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64) وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ‏الْكِتَابِ آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلادْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (65) ‏وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لاكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ ‏تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ (66) يَا أَيُّهَا ‏الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ ‏يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ ‏لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ ‏وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ ‏الْكَافِرِينَ (68)" (المائدة)، "وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا ‏وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا (25) وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ ‏مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ ‏وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا (26)" (الأحزاب). وهو، كما نرى معا، سياق تآمرٍ ‏وتطاولٍ على الرسول والمسلمين وتمادٍ فى الغَىّ من جانب اليهود، الذين لا ‏يعرفون شيئا اسمه الارعواء أبدا. فكان لا بد أن يحذّر القرآن المسلمين من ‏خطرهم ويلحّ على تجنب مودتهم. وليس فى هذا أدنى افتئات عليهم، ‏وإلا فهل كان مطلوبا من القرآن أن يزبن للمسلمين إهمال هذا الخطر الداهم ‏الذى يريد اقتلاعهم هم ودينهم من الحياة؟ ‏
إذن فقول الكاتب إن محمدا قد أظهر بعض الليونة تجاه اليهود ‏وأهل الكتاب عموما مقابل دفعهم الجزية هو كلامٌ ملتوٍ صوابه أنه عليه ‏الصلاة والسلام قد بدأ بمعاملة اليهود معاملة راقية تقوم على تسويتهم ‏بالمسلمين تمام التسوية ودون أن يكلفهم شيئا البتة على ما هو واضح من ‏بنود الصحيفة التى كتبها بين الفريقين غداة هجرته إلى يثرب. إلا أنهم، ‏كعادتهم دائما فى مقابلة الخير بالشر، والجميل بالقبيح، قد شرعوا يتآمرون ‏عليه وعلى دينه وأتباعه منذ اللحظة الأولى، فأعطاهم صلى الله عليه ‏وسلم الفرصة تلو الفرصة دون أن يؤاخذهم على غدرهم المؤاخذة ‏الحاسمة المطلوبة، إلى أن زادت الأمور عن حدها ولم يعد فى قوس الصبر ‏منزع، فكان لا بد من آخر العلاج، وهو البتر، حتى تستقيم الأمور، بعد أن ‏اتضح أن القوم ليس لهم صلاح ولا لمرضهم النفسى والأخلاقى شفاء، وأن ‏المشكلة تكمن فى شخصيتهم ذاتها، تلك الشخصية التى لا تنطوى على ‏خير لأحد. واضح إذن أن الكاتب لا يريد أن يبصر الحقائق ويُؤْثِر أن يظل ‏مغلقا عينيه. وهو فى هذا حر، إلا أننا أيضا أحرار كما هو حر، وملزمون ‏بكشف الزيف الذى يريد تسويقه لقراء مقاله ووضع النقاط على الحروف ‏حتى تستقيم الأمور. ‏
أما إشارته إلى الصَّغَار الذى ينبغى أن يذيقه المسلمون أهل ‏الكتاب لَدُنْ أخذهم الجزية منهم والذى نصت عليه الآية التاسعة ‏والعشرون من سورة "التوبة" فهو غير عام، ولا يُقْصَد به إلا من كانوا ‏يريدون بالمسلمين شرا وأمكن الله منهم، وإلا فماذا يريد الكاتب من ‏المسلمين؟ أيريد منهم أن يصفقوا لمن يعمل على تدمير كيانهم السياسى ‏ويقضى على دينهم؟ وهذا هو نص الآية: "قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا ‏بِالْيَوْمِ الآَخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ ‏الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ". والمقصود ‏هنا هم الروم، الذين جيشوا على حدود العرب جيشا جرارا يريدون به ‏غزوهم والقضاء على دولتهم ودينهم، فأمر الله المسلمين بتأديبهم وعقابهم ‏بالجزية والصَّغَار، وهو أقل شىء يمكن عمله فى هذه الحالة. ‏
وكيلا يستغرب مرامىَ كلامى من لا يعرف الحقيقة أُحِيله على ما ‏جاء فى العهد القديم من التشريع الواجب على اليهود اتباعه فى الحرب مع ‏الأمم المجاورة. ألا وهو الاستئصال التام لكل إنسان دون أى استثناء، ‏ودون أية شفقة لشيخ أو امرأة أو طفل حتى لو كان طفلا رضيعا. هذه ‏هى الحقيقة التى يتكتمها الكاتب ثم ينخرط فى فواصل متتالية من النصح ‏والإرشاد لنا نحن المسلمين، مع أننا كنا ولا نزال أرحم مَنْ عامَل اليهود ‏وأعطاهم الفرصة للعيش الآمن الكريم بين أَظْهُرنا رغم ماضيهم الغادر فى ‏التعامل معنا منذ أيام النبى عليه السلام.‏
وهذا هو نص التشريع اليهودى فى الحروب، وما يهمنا منه هو ما ‏يخص حروب اليهود مع الأمم المجاورة لهم لأننا من هذه الأمم بطبيعة ‏الحال. وهو موجود فى الإصحاح العشرين من سفر "التثنية": "10«حِينَ ‏تَقْرُبُ مِنْ مَدِينَةٍ لِكَيْ تُحَارِبَهَا اسْتَدْعِهَا إِلَى الصُّلْحِ، 11فَإِنْ أَجَابَتْكَ إِلَى ‏الصُّلْحِ وَفَتَحَتْ لَكَ، فَكُلُّ الشَّعْبِ الْمَوْجُودِ فِيهَا يَكُونُ لَكَ لِلتَّسْخِيرِ ‏وَيُسْتَعْبَدُ لَكَ. 12وَإِنْ لَمْ تُسَالِمْكَ، بَلْ عَمِلَتْ مَعَكَ حَرْبًا، فَحَاصِرْهَا. ‏‏13وَإِذَا دَفَعَهَا الرَّبُّ إِلهُكَ إِلَى يَدِكَ فَاضْرِبْ جَمِيعَ ذُكُورِهَا بِحَدِّ السَّيْفِ. ‏‏14وَأَمَّا النِّسَاءُ وَالأَطْفَالُ وَالْبَهَائِمُ وَكُلُّ مَا فِي الْمَدِينَةِ، كُلُّ غَنِيمَتِهَا، فَتَغْتَنِمُهَا ‏لِنَفْسِكَ، وَتَأْكُلُ غَنِيمَةَ أَعْدَائِكَ الَّتِي أَعْطَاكَ الرَّبُّ إِلهُكَ. 15هكَذَا تَفْعَلُ ‏بِجَمِيعِ الْمُدُنِ الْبَعِيدَةِ مِنْكَ جِدًّا الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ مُدُنِ هؤُلاَءِ الأُمَمِ هُنَا. ‏‏16وَأَمَّا مُدُنُ هؤُلاَءِ الشُّعُوبِ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ نَصِيبًا فَلاَ تَسْتَبْقِ مِنْهَا ‏نَسَمَةً مَّا، 17بَلْ تُحَرِّمُهَا تَحْرِيمًا: الْحِثِّيِّينَ وَالأَمُورِيِّينَ وَالْكَنْعَانِيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ ‏وَالْحِوِّيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ، كَمَا أَمَرَكَ الرَّبُّ إِلهُكَ". و"التحريم" هنا معناه الإبادة ‏والاستئصال.‏
وفى تناول الكاتب لموضوع الكتابات الإسلامية الجدلية ضد ‏اليهود حسب قوله نراه يشير أول ما يشير إلى ما جاء فى القرآن من أن ‏بعض اليهود يقولون بأن عُزَيْرًا ابن الله، نافيا أن يكون الأمر كذلك، ومؤكدا ‏أنهم إنما كانوا يبجّلونه ليس إلا. يريد أن يقول إن الرسول قد أخطأ فنسب ‏إلى اليهود ما لم يقولوه. وإلى القارئ أولا ما قاله القرآن المجيد فى هذا ‏الموضوع: "وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ‏ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى ‏يُؤْفَكُونَ" (التوبة/ 30). ويُفْهَم من النص أن من يهود المدينة من كان يقول ‏ذلك عن عُزَيْر. ولو كان ما يقوله القرآن خطأً لسمعنا اليهود يردون عليه ‏ويخطئونه ويسخرون منه ومن النبى الذى أتى به، وهم الذين كانوا ‏يسخرون ويتهكمون من الإسلام والمسلمين بالباطل لا يكفون عن ذلك ‏أبدا. فلماذا سكتوا هنا إذا لم يكونوا فعلا يؤلهون عزيرا مع أن السكوت ‏يثبّت التهمة عليهم؟ إنهم لم يكونوا ليفلتوا هذه الفرصة لفضح النبى وكسره ‏كسرة لا تقوم له قائمة بعدها لو كان ما قاله القرآن غير صحيح. وفى ‏بعض الروايات أن ابن عباس باحث فى هذه المسألة ذات يوم عبد الله بن ‏سلام، وهو صحابى يهودى الأصل، فأجابه ابن سلام بما كان من كتابة ‏عزير التوراة من ذاكرته وقول بنى إسرائيل حينئذ: لم يستطع موسى أن يأتينا ‏بالتوراة إلا فى كتاب، أما عُزَيْر فقد جاء بها من غير كتاب. فغَلَتْ فيه ‏طوائف منهم وقالوا إنه ابن الله. كذلك ذكر الجاحظ، فى "رسالة الرد ‏على النصارى"، أنه كان فى عصره بقايا فى الشام واليمن وبعض بلاد الروم ‏من اليهود القائلين ببنوة عزير لله. ثم هناك المناظرة التى انعقدت بين الفخر ‏الرازى وأحد القساوسة الذى أقر بأن هناك فعلا يهودا يؤمنون بذلك، إلا ‏أنه اعترض على ما ظنه تعميما من القرآن لهذا على اليهود جميعا، فبين له ‏الرازى أن التعميم ليس بلازم. وما قاله الرازى صحيح، إذ قد يُطْلَق الكل ‏ويُرَاد به الجزء فقط لغرض من الأغراض البلاغية كما هو معروف. ويجد ‏القارئ هذا الكلام فى كتاب الرازى: "مناظرة فى الرد على النصارى". ‏وفى "تفسير عثمانى" (باللغة الأوردية) للشيخ شبير أحمد عثمانى أن عالما ‏هنديا هو الحاج أمير شاه خان لقى فى سفرته إلى فلسطين قبل بضعة ‏عقود يهودا من "العُزَيْرِيّين" لا يزالون يعتقدون أن عزيرا ابن الله. وبالمثل ‏أشار د. عبد المنعم الحفنى فى "الموسوعة النقدية للفلسفة اليهودية" إلى ‏جماعة من اليهود يزعمون أن عزيرا ابن الله. نخرج من هذا كله بأن الكاتب ‏إنما يريد تخطئة القرآن بأى طريق! وقد سبق أن عالجت هذه القضية ‏بتفصيل أكثر فى كتابى: "مع الجاحظ فى رسالة الرد على النصارى" فى ‏الفصل الموسوم بــ"عُزَيْر".‏
ثم يعود الكاتب إلى ما سبق أن تحدث عنه من أن المسلمين يقولون إن ‏الذبيح هو إسماعيل لا إسحاق، ولكنْ فى سياقٍ آخَرَ هو رده على اتهامهم ‏لليهود بتحريف التوراة. وقد مَرَّ قبل قليل أن العهد القديم فى هذه النقطة، ‏كما فى كثير غيرها، يرد على نفسه بنفسه ولا يحتاج إلى قول من المسلمين. ‏وعلى كل حال هل يعقل مثلا أن يقول الله سبحانه وتعالى عن نفسه إنه ‏استراح من عمله بعد أن خلق السماوات والأرض، وكأنه يجوز عليه التعب ‏والإرهاق ويحتاج إلى التقاط أنفاسه وتجديد حيويته حسبما جاء فى ‏الإصحاح الأول من سِفْر "التكوين"؟ أم هل يعقل أن يقول إن له أبناء مثلما ‏للناس بنات، وإن أبناءه قد ذهبوا إلى بنات الناس واتخذوهن زوجات لهم ‏كما جاء فى الإصحاح السادس من ذات السِّفْر: "1وَحَدَثَ لَمَّا ابْتَدَأَ النَّاسُ ‏يَكْثُرُونَ عَلَى الأَرْضِ، وَوُلِدَ لَهُمْ بَنَاتٌ، 2أَنَّ أَبْنَاءَ اللهِ رَأَوْا بَنَاتِ النَّاسِ أَنَّهُنَّ ‏حَسَنَاتٌ. فَاتَّخَذُوا لأَنْفُسِهِمْ نِسَاءً مِنْ كُلِّ مَا اخْتَارُوا "؟ أم هل يعقل أن ‏يكون سِفْر "الخروج"، وهو عن موسى وبنى إسرائيل، قد كتبه ذلك النبى ‏عليه السلام، على حين أن الضمير المستخدم فى السِّفْر كله من أوله إلى ‏آخره هو ضمير الغائب، فى الوقت الذى نجد السفر كثيرا ما يحكى أشياء ‏وقعت قبل مجىء موسى إلى العالم وأشياء أخرى وقعت فى غيابه حينما ‏كان فوق الجبل لميقات ربه مثلا، وأنه ينتهى بحكاية موت موسى ودفنه فى ‏الموضع الذى دُفِن فيه؟ ترى هل يمكن أن أقص أنا مثلا خبر موتى ‏ودفنى؟ كذلك هل يعقل أن يخطئ الوحى الإلهى فيقول إن أم موسى ‏وضعته وهو رضيع فى سَفَطٍ كانت قد طَلَتْه بالـحـُمَر والزفت ثم أعطته ‏إلى أخته، وإن تلك الأخت قد حملته طوال الطريق حتى بلغت قبالة قصر ‏فرعون فوضعته بين الحلفاء هناك على شاطئ النهر؟ فلم إذن طلت أم ‏موسى السَّفَط بالـحُمَر والزفت إذا لم تكن النية متجهة إلى وضع السَّفَط فى ‏النهر كما يقول القرآن المجيد؟ ولكيلا ينبرى أحد فيزعم أن النية قد تكون ‏شيئا ثم تأتى الأحداث فتفرض شيئا آخر أقول إن ابنة فرعون، التى يذكر ‏كاتب السِّفْر أنها هى التى التقطت السَّفَط من بين الحلفاء، قالت إنها ‏انتشلته من الماء. ترى كيف تكون انتشلته من الماء فى الوقت الذى يقول ‏الكاتب إنها وجدته بين نبات الحلفاء حيث وضعته أخته؟ وبالمثل كيف ‏يمكن أن نصدق ما عزاه كاتب السفر إلى هارون، وهو الرسول الكريم، من ‏صنع العجل لبنى إسرائيل وبناء مذبح له كى يعبدوه من دون الله ويرقصوا ‏حوله عرايا كما ولدتهم أمهاتهم؟ هل يمكن أن يكون هذا الكلام وحيا ‏إلهيا؟ أم هل يمكن أن يقع الوحى السماوى فى غلطة مضحكة كتلك التى ‏يقول فيها كاتب سفر "أخبارالأيام الثانى" (فى نهاية الإصحاح الحادى ‏والعشرين وأول الثانى والعشرين) إن الملك يهورام كان أصغر من ابنه ‏الأصغر أَخَزْيا بعامين؟ فبكم من الأعوام يا ترى كان يصغر جلالته ابنَه ‏الأكبر إذن؟ ‏
أم كيف لنا أن نصدّق أن سفر "نشيد الإنشاد"، وكله فى الغزل ‏الشهوانى العنيف، هو وحى سماوى نزل على سيدنا سليمان عليه ‏السلام؟ وإلى القارئ بعضا مما يحتويه هذا السفر من غزل: "1نَشِيدُ الأَنْشَادِ ‏الَّذِي لِسُلَيْمَانَ: 2لِيُقَبِّلْنِي بِقُبْلاَتِ فَمِهِ، لأَنَّ حُبَّكَ أَطْيَبُ مِنَ الْخَمْرِ. 3لِرَائِحَةِ ‏أَدْهَانِكَ الطَّيِّبَةِ. اسْمُكَ دُهْنٌ مُهْرَاقٌ، لِذلِكَ أَحَبَّتْكَ الْعَذَارَى. 4اُجْذُبْنِي ‏وَرَاءَكَ فَنَجْرِيَ. أَدْخَلَنِي الْمَلِكُ إِلَى حِجَالِهِ. نَبْتَهِجُ وَنَفْرَحُ بِكَ. نَذْكُرُ حُبَّكَ ‏أَكْثَرَ مِنَ الْخَمْرِ. بِالْحَقِّ يُحِبُّونَكَ... 12مَا دَامَ الْمَلِكُ فِي مَجْلِسِهِ أَفَاحَ ‏نَارِدِينِي رَائِحَتَهُ. 13صُرَّةُ الْمُرِّ حَبِيبِي لِي. بَيْنَ ثَدْيَيَّ يَبِيتُ... 11اُخْرُجْنَ ‏يَا بَنَاتِ صِهْيَوْنَ، وَانْظُرْنَ الْمَلِكَ سُلَيْمَانَ بِالتَّاجِ الَّذِي تَوَّجَتْهُ بِهِ أُمُّهُ فِي يَوْمِ ‏عُرْسِهِ، وَفِي يَوْمِ فَرَحِ قَلْبِهِ... 1هَا أَنْتِ جَمِيلَةٌ يَا حَبِيبَتِي، هَا أَنْتِ ‏جَمِيلَةٌ! عَيْنَاكِ حَمَامَتَانِ مِنْ تَحْتِ نَقَابِكِ. شَعْرُكِ كَقَطِيعِ مِعْزٍ رَابِضٍ عَلَى ‏جَبَلِ جِلْعَادَ. 2أَسْنَانُكِ كَقَطِيعِ الْجَزَائِزِ الصَّادِرَةِ مِنَ الْغَسْلِ، اللَّوَاتِي كُلُّ ‏وَاحِدَةٍ مُتْئِمٌ، وَلَيْسَ فِيهِنَّ عَقِيمٌ. 3شَفَتَاكِ كَسِلْكَةٍ مِنَ الْقِرْمِزِ، وَفَمُكِ حُلْوٌ. ‏خَدُّكِ كَفِلْقَةِ رُمَّانَةٍ تَحْتَ نَقَابِكِ. 4عُنُقُكِ كَبُرْجِ دَاوُدَ الْمَبْنِيِّ لِلأَسْلِحَةِ. ‏أَلْفُ مِجَنٍّ عُلِّقَ عَلَيْهِ، كُلُّهَا أَتْرَاسُ الْجَبَابِرَةِ. 5ثَدْيَاكِ كَخِشْفَتَيْ ظَبْيَةٍ، ‏تَوْأَمَيْنِ يَرْعَيَانِ بَيْنَ السَّوْسَنِ. 6إِلَى أَنْ يَفِيحَ النَّهَارُ وَتَنْهَزِمَ الظِّلاَلُ، أَذْهَبُ إِلَى ‏جَبَلِ الْمُرِّ وَإِلَى تَلِّ اللُّبَانِ. 7كُلُّكِ جَمِيلٌ يَا حَبِيبَتِي لَيْسَ فِيكِ عَيْبَةٌ... 1مَا ‏أَجْمَلَ رِجْلَيْكِ بِالنَّعْلَيْنِ يَا بِنْتَ الْكَرِيمِ! دَوَائِرُ فَخْذَيْكِ مِثْلُ الْحَلِيِّ، صَنْعَةِ ‏يَدَيْ صَنَّاعٍ. 2سُرَّتُكِ كَأْسٌ مُدَوَّرَةٌ، لاَ يُعْوِزُهَا شَرَابٌ مَمْزُوجٌ. بَطْنُكِ صُبْرَةُ ‏حِنْطَةٍ مُسَيَّجَةٌ بِالسَّوْسَنِ. 3ثَدْيَاكِ كَخَشْفَتَيْنِ، تَوْأَمَيْ ظَبْيَةٍ. 4عُنُقُكِ كَبُرْجٍ ‏مِنْ عَاجٍ. عَيْنَاكِ كَالْبِرَكِ فِي حَشْبُونَ عِنْدَ بَابِ بَثِّ رَبِّيمَ. أَنْفُكِ كَبُرْجِ لُبْنَانَ ‏النَّاظِرِ تُجَاهَ دِمَشْقَ. 5رَأْسُكِ عَلَيْكِ مِثْلُ الْكَرْمَلِ، وَشَعْرُ رَأْسِكِ ‏كَأُرْجُوَانٍ. مَلِكٌ قَدْ أُسِرَ بِالْخُصَلِ. 6مَا أَجْمَلَكِ وَمَا أَحْلاَكِ أَيَّتُهَا الْحَبِيبَةُ ‏بِاللَّذَّاتِ! 7قَامَتُكِ هذِهِ شَبِيهَةٌ بِالنَّخْلَةِ، وَثَدْيَاكِ بِالْعَنَاقِيدِ. 8قُلْتُ: «إِنِّي ‏أَصْعَدُ إِلَى النَّخْلَةِ وَأُمْسِكُ بِعُذُوقِهَا». وَتَكُونُ ثَدْيَاكِ كَعَنَاقِيدِ الْكَرْمِ، ‏وَرَائِحَةُ أَنْفِكِ كَالتُّفَّاحِ، 9وَحَنَكُكِ كَأَجْوَدِ الْخَمْرِ. لِحَبِيبِي السَّائِغَةُ الْمُرَقْرِقَةُ ‏السَّائِحَةُ عَلَى شِفَاهِ النَّائِمِينَ. 10أَنَا لِحَبِيبِي، وَإِلَيَّ اشْتِيَاقُهُ. 11تَعَالَ يَا ‏حَبِيبِي لِنَخْرُجْ إِلَى الْحَقْلِ، وَلْنَبِتْ فِي الْقُرَى. 12لِنُبَكِّرَنَّ إِلَى الْكُرُومِ، لِنَنْظُرَ: ‏هَلْ أَزْهَرَ الْكَرْمُ؟ هَلْ تَفَتَّحَ الْقُعَالُ؟ هَلْ نَوَّرَ الرُّمَّانُ؟ هُنَالِكَ أُعْطِيكَ ‏حُبِّي. 13اَللُّفَّاحُ يَفُوحُ رَائِحَةً، وَعِنْدَ أَبْوَابِنَا كُلُّ النَّفَائِسِ مِنْ جَدِيدَةٍ وَقَدِيمَةٍ، ‏ذَخَرْتُهَا لَكَ يَا حَبِيبِي". والعجيب أن الكاتب بعد ذلك كله، وما ذلك كله ‏إلا غَيْضٌ من فَيْض، يتهم القرآن بأنه أخطأ فى اتهام اليهود بتحريف كتابهم!‏
ويتعلق بهذا إشارته إلى ما يقوله علماء المسلمين من أن فى العهد ‏القديم نبوءات خاصة بنبوة محمد عليه السلام وتأكيده أن علماء اليهود قد ‏فنّدوا هذا الادعاء مبينين أنه لا صلة بين نصوص العهد القديم المرادة وبين ‏نبوة محمد. ولكن ماذا يقول عن الأحبار والرهبان والقساوسة من كل بلاد ‏العالم الذين قالوا ما يقوله علماء المسلمين فى تفسير هذه النصوص، ثم ‏زادوا على ذلك أنْ تصرفوا التصرف المنطقى فى هذه الحالة، وهو الدخول ‏فى الإسلام؟ وقائمة أولئك الناس جِدُّ طويلةٍ، وكثير من أسمائها أوروبى ‏وأمريكى. وأولهم عبد الله بن سلام، الحبر الذى أسلم فى حياة النبى فى ‏قصة شائقة عجيبة تدلك على خلائق اليهود وما هم عليه من عناد ‏وتصلب رقاب ونفاق، وأصبح بعدها واحدا من كبار الصحابة. وما زال ‏العدّاد مستمرا لا يتوقف، ولن يتوقف بمشيئة الله. وقد أورد الكاتب اسم ‏واحد من هذه الأسماء هو السَّمَوْأَل بن يحيى المغربى (الحبر اليهودى السابق ‏شموائيل بن يهوذا بن آبوان، الذى سماه كاتبنا بــ"المرتدّ")، وكان متضلعا من ‏اللغة العبرية والتاريخ والطب، فضلا عن علوم الرياضيات، التى ترك فيها ‏مؤلفات بلغت القمة فى أهميتها...إلخ. ولم يكتف السموأل باعتناق ‏الإسلام، بل كتب يفضح ويفنِّد الأخطاء الموجودة فى ديانته الأولى، مشيرا ‏إلى مواضع العبث والتحريف فى العهد القديم. وهذا موجود فى كتابه: ‏‏"إفحام اليهود". ومِثْلُ السموأل من علماء يهود القدامى فى ترك اليهودية ‏واعتناق دين محمد عليه الصلاة والسلام: هبة الله علي بن الحسين بن ‏ملكا، وسعيد بن الحسن الإسكندراني (في القرنين السابع والثامن ‏الهجريين). وفى الختام أجد لزاما علىّ أن أشير إلى وقوف كاتبنا بعض ‏الوقت أمام اسم رائد الدراسات الدينية المقارنة الإمام العظيم ابن حزم ‏وتراثه الذى خلّفه لنا فى تبيين ما يعجّ به الكتاب المقدس من أخطاء ‏وتناقضات، وعلى رأسه "الفِصَل فى المِلَل والأهواء والنِّحَل". والحق أن ‏ابن حزم عقلية جبارة وعبقرية شاهقة ليس من السهل العثور على مثيل ‏لها. وإنى لأهتبل هذه السانحة فأدعو الله أن يسكنه عُلْيَا الفراديس وأن ‏يُغْدِق عليه شآبيب كرمه العميم.‏
ومما تناوله الكاتب فى هذا السياق أيضا الاتهام الذى وجهه ‏علماء المسلمين إلى اليهودية بأنها تجسد الله وتشبّهه من ثم بالبشر. وأنا لن ‏أصنع شيئا هنا سوى إيراد بعض النصوص التى تُجَسِّد الله فعلا، حاصرا ‏نفسى فى السِّفْر الأول فقط من العهد القديم. وعلى القارئ أن يقيس ما لم ‏نتطرق إليه على ما تطرقنا: "1فَأُكْمِلَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ وَكُلُّ جُنْدِهَا. ‏‏2وَفَرَغَ اللهُ فِي الْيَوْمِ السَّابعِ مِنْ عَمَلِهِ الَّذِي عَمِلَ. فَاسْتَرَاحَ فِي الْيَوْمِ السَّابعِ ‏مِنْ جَمِيعِ عَمَلِهِ الَّذِي عَمِلَ. 3وَبَارَكَ اللهُ الْيَوْمَ السَّابعَ وَقَدَّسَهُ، لأَنَّهُ فِيهِ ‏اسْتَرَاحَ مِنْ جَمِيعِ عَمَلِهِ الَّذِي عَمِلَ اللهُ خَالِقًا" (تكوين/ 1)، "8وَسَمِعَا ‏صَوْتَ الرَّبِّ الإِلهِ مَاشِيًا فِي الْجَنَّةِ عِنْدَ هُبُوبِ رِيحِ النَّهَارِ، فَاخْتَبَأَ آدَمُ ‏وَامْرَأَتُهُ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ الإِلهِ فِي وَسَطِ شَجَرِ الْجَنَّةِ. 9فَنَادَى الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ ‏وَقَالَ لَهُ: «أَيْنَ أَنْتَ؟». 10فَقَالَ: «سَمِعْتُ صَوْتَكَ فِي الْجَنَّةِ فَخَشِيتُ، ‏لأَنِّي عُرْيَانٌ فَاخْتَبَأْتُ»" (تكوين/ 3)، "1وَحَدَثَ لَمَّا ابْتَدَأَ النَّاسُ يَكْثُرُونَ ‏عَلَى الأَرْضِ، وَوُلِدَ لَهُمْ بَنَاتٌ، 2أَنَّ أَبْنَاءَ اللهِ رَأَوْا بَنَاتِ النَّاسِ أَنَّهُنَّ ‏حَسَنَاتٌ. فَاتَّخَذُوا لأَنْفُسِهِمْ نِسَاءً مِنْ كُلِّ مَا اخْتَارُوا. 3فَقَالَ الرَّبُّ: «لاَ ‏يَدِينُ رُوحِي فِي الإِنْسَانِ إِلَى الأَبَدِ، لِزَيَغَانِهِ، هُوَ بَشَرٌ. وَتَكُونُ أَيَّامُهُ مِئَةً ‏وَعِشْرِينَ سَنَةً». 4كَانَ فِي الأَرْضِ طُغَاةٌ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ. وَبَعْدَ ذلِكَ أَيْضًا ‏إِذْ دَخَلَ بَنُو اللهِ عَلَى بَنَاتِ النَّاسِ وَوَلَدْنَ لَهُمْ أَوْلاَدًا، هؤُلاَءِ هُمُ الْجَبَابِرَةُ ‏الَّذِينَ مُنْذُ الدَّهْرِ ذَوُو اسْمٍ" (تكوين/ 6)، "5وَرَأَى الرَّبُّ أَنَّ شَرَّ الإِنْسَانِ ‏قَدْ كَثُرَ فِي الأَرْضِ، وَأَنَّ كُلَّ تَصَوُّرِ أَفْكَارِ قَلْبِهِ إِنَّمَا هُوَ شِرِّيرٌ كُلَّ يَوْمٍ. ‏‏6فَحَزِنَ الرَّبُّ أَنَّهُ عَمِلَ الإِنْسَانَ فِي الأَرْضِ، وَتَأَسَّفَ فِي قَلْبِهِ" (تكوين/ ‏‏6)، "6وَاجْتَازَ أَبْرَامُ فِي الأَرْضِ إِلَى مَكَانِ شَكِيمَ إِلَى بَلُّوطَةِ مُورَةَ. وَكَانَ ‏الْكَنْعَانِيُّونَ حِينَئِذٍ فِي الأَرْضِ. 7وَظَهَرَ الرَّبُّ لأَبْرَامَ وَقَالَ: «لِنَسْلِكَ أُعْطِي ‏هذِهِ الأَرْضَ». فَبَنَى هُنَاكَ مَذْبَحًا لِلرَّبِّ الَّذِي ظَهَرَ لَهُ" (تكوين/ 12)، ‏‏"1وَلَمَّا كَانَ أَبْرَامُ ابْنَ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً ظَهَرَ الرَّبُّ لأَبْرَامَ وَقَالَ لَهُ: «أَنَا اللهُ ‏الْقَدِيرُ. سِرْ أَمَامِي وَكُنْ كَامِلاً، 2فَأَجْعَلَ عَهْدِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ، وَأُكَثِّرَكَ كَثِيرًا ‏جِدًّا». 3فَسَقَطَ أَبْرَامُ عَلَى وَجْهِهِ. وَتَكَلَّمَ اللهُ مَعَهُ قَائِلاً:... 22فَلَمَّا فَرَغَ ‏مِنَ الْكَلاَمِ مَعَهُ صَعِدَ اللهُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ" (تكوين/ 17)، "1وَظَهَرَ لَهُ الرَّبُّ ‏عِنْدَ بَلُّوطَاتِ مَمْرَا وَهُوَ جَالِسٌ فِي بَابِ الْخَيْمَةِ وَقْتَ حَرِّ النَّهَارِ، 2فَرَفَعَ ‏عَيْنَيْهِ وَنَظَرَ وَإِذَا ثَلاَثَةُ رِجَال وَاقِفُونَ لَدَيْهِ. فَلَمَّا نَظَرَ رَكَضَ لاسْتِقْبَالِهِمْ مِنْ ‏بَابِ الْخَيْمَةِ وَسَجَدَ إِلَى الأَرْضِ، 3وَقَالَ: «يَا سَيِّدُ، إِنْ كُنْتُ قَدْ وَجَدْتُ ‏نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ فَلاَ تَتَجَاوَزْ عَبْدَكَ. 4لِيُؤْخَذْ قَلِيلُ مَاءٍ وَاغْسِلُوا أَرْجُلَكُمْ ‏وَاتَّكِئُوا تَحْتَ الشَّجَرَةِ، 5فَآخُذَ كِسْرَةَ خُبْزٍ، فَتُسْنِدُونَ قُلُوبَكُمْ ثُمَّ ‏تَجْتَازُونَ، لأَنَّكُمْ قَدْ مَرَرْتُمْ عَلَى عَبْدِكُمْ». فَقَالُوا: «هكَذَا تَفْعَلُ كَمَا ‏تَكَلَّمْتَ». 6فَأَسْرَعَ إِبْرَاهِيمُ إِلَى الْخَيْمَةِ إِلَى سَارَةَ، وَقَالَ: «أَسْرِعِي بِثَلاَثِ ‏كَيْلاَتٍ دَقِيقًا سَمِيذًا. اعْجِنِي وَاصْنَعِي خُبْزَ مَلَّةٍ». 7ثُمَّ رَكَضَ إِبْرَاهِيمُ ‏إِلَى الْبَقَرِ وَأَخَذَ عِجْلاً رَخْصًا وَجَيِّدًا وَأَعْطَاهُ لِلْغُلاَمِ فَأَسْرَعَ لِيَعْمَلَهُ. 8ثُمَّ ‏أَخَذَ زُبْدًا وَلَبَنًا، وَالْعِجْلَ الَّذِي عَمِلَهُ، وَوَضَعَهَا قُدَّامَهُمْ. وَإِذْ كَانَ هُوَ وَاقِفًا ‏لَدَيْهِمْ تَحْتَ الشَّجَرَةِ أَكَلُوا... 22وَانْصَرَفَ الرِّجَالُ مِنْ هُنَاكَ وَذَهَبُوا نَحْوَ ‏سَدُومَ، وَأَمَّا إِبْرَاهِيمُ فَكَانَ لَمْ يَزَلْ قَائِمًا أَمَامَ الرَّبِّ... 33وَذَهَبَ الرَّبُّ ‏عِنْدَمَا فَرَغَ مِنَ الْكَلاَمِ مَعَ إِبْرَاهِيمَ، وَرَجَعَ إِبْرَاهِيمُ إِلَى مَكَانِهِ" (تكوين/ ‏‏18)، "22ثُمَّ قَامَ (أى يعقوب بن إسحاق) فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ وَأَخَذَ امْرَأَتَيْهِ ‏وَجَارِيَتَيْهِ وَأَوْلاَدَهُ الأَحَدَ عَشَرَ وَعَبَرَ مَخَاضَةَ يَبُّوقَ. 23أَخَذَهُمْ وَأَجَازَهُمُ ‏الْوَادِيَ، وَأَجَازَ مَا كَانَ لَهُ. 24فَبَقِيَ يَعْقُوبُ وَحْدَهُ، وَصَارَعَهُ إِنْسَانٌ حَتَّى ‏طُلُوعِ الْفَجْرِ. 25وَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ، ضَرَبَ حُقَّ فَخْذِهِ، فَانْخَلَعَ ‏حُقُّ فَخْذِ يَعْقُوبَ فِي مُصَارَعَتِهِ مَعَهُ. 26وَقَالَ: «أَطْلِقْنِي، لأَنَّهُ قَدْ طَلَعَ ‏الْفَجْرُ». فَقَالَ: «لاَ أُطْلِقُكَ إِنْ لَمْ تُبَارِكْنِي». 27فَقَالَ لَهُ: «مَا اسْمُكَ؟» ‏فَقَالَ: «يَعْقُوبُ». 28فَقَالَ: «لاَ يُدْعَى اسْمُكَ فِي مَا بَعْدُ يَعْقُوبَ بَلْ ‏إِسْرَائِيلَ، لأَنَّكَ جَاهَدْتَ مَعَ اللهِ وَالنَّاسِ وَقَدَرْتَ». 29وَسَأَلَ يَعْقُوبُ وَقَالَ: ‏‏«أَخْبِرْنِي بِاسْمِكَ». فَقَالَ: «لِمَاذَا تَسْأَلُ عَنِ اسْمِي؟» وَبَارَكَهُ هُنَاكَ. ‏‏30فَدَعَا يَعْقُوبُ اسْمَ الْمَكَانِ «فَنِيئِيلَ» قَائِلاً: «لأَنِّي نَظَرْتُ اللهَ وَجْهًا لِوَجْهٍ، ‏وَنُجِّيَتْ نَفْسِي». 31وَأَشْرَقَتْ لَهُ الشَّمْسُ إِذْ عَبَرَ فَنُوئِيلَ وَهُوَ يَخْمَعُ عَلَى ‏فَخْذِهِ. 32لِذلِكَ لاَ يَأْكُلُ بَنُو إِسْرَائِيلَ عِرْقَ النَّسَا الَّذِي عَلَى حُقِّ الْفَخِْذِ إِلَى ‏هذَا الْيَوْمِ، لأَنَّهُ ضَرَبَ حُقَّ فَخْذِ يَعْقُوبَ عَلَى عِرْقِ النَّسَا" (تكوين/ 32)، ‏‏"9وَظَهَرَ اللهُ لِيَعْقُوبَ أَيْضًا حِينَ جَاءَ مِنْ فَدَّانَِ أَرَامَ وَبَارَكَهُ. 10وَقَالَ لَهُ اللهُ: ‏‏«اسْمُكَ يَعْقُوبُ. لاَ يُدْعَى اسْمُكَ فِيمَا بَعْدُ يَعْقُوبَ، بَلْ يَكُونُ اسْمُكَ ‏إِسْرَائِيلَ». فَدَعَا اسْمَهُ «إِسْرَائِيلَ». 11وَقَالَ لَهُ اللهُ: «أَنَا اللهُ الْقَدِيرُ. أَثْمِرْ ‏وَاكْثُرْ. أُمَّةٌ وَجَمَاعَةُ أُمَمٍ تَكُونُ مِنْكَ، وَمُلُوكٌ سَيَخْرُجُونَ مِنْ صُلْبِكَ. ‏‏12وَالأَرْضُ الَّتِي أَعْطَيْتُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ، لَكَ أُعْطِيهَا، وَلِنَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ ‏أُعْطِي الأَرْضَ». 13ثُمَّ صَعِدَ اللهُ عَنْهُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي فِيهِ تَكَلَّمَ مَعَهُ. ‏‏14فَنَصَبَ يَعْقُوبُ عَمُودًا فِي الْمَكَانِ الَّذِي فِيهِ تَكَلَّمَ مَعَهُ، عَمُودًا مِنْ حَجَرٍ، ‏وَسَكَبَ عَلَيْهِ سَكِيبًا، وَصَبَّ عَلَيْهِ زَيْتًا. 15وَدَعَا يَعْقُوبُ اسْمَ الْمَكَانِ ‏الَّذِي فِيهِ تَكَلَّمَ اللهُ مَعَهُ «بَيْتَ إِيلَ»" (تكوين/ 35)، "3وَقَالَ يَعْقُوبُ ‏لِيُوسُفَ: «اللهُ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ظَهَرَ لِي فِي لُوزَ، فِي أَرْضِ كَنْعَانَ، ‏وَبَارَكَنِي. 4وَقَالَ لِي: هَا أَنَا أَجْعَلُكَ مُثْمِرًا وَأُكَثِّرُكَ، وَأَجْعَلُكَ جُمْهُورًا مِنَ ‏الأُمَمِ، وَأُعْطِي نَسْلَكَ هذِهِ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِكَ مُلْكًا أَبَدِيًّا... »" (تكوين/ ‏‏48).‏