الاحزاب الدينية فرسان هذا الزمن
الجزء الاول..

لقد تزامت فترة الغزو والاحتلال الغربي لبلداننا العربية مع سقوط قلاع المضمون الاسلامي على الرقعة العربية انذاك ،فالحملات الاوروبية على بلداننا العربية بدات بعد تهتك الدولة العثمانية بمحتواها الاسلامي الذي اطر الاقاليم التابعة للباب العالي،وعلى الخلاف منه كانت تلكم الغزوات ذات طابع علماني يملأه عنفوان الثورة الصناعية التي الهمت العالم الغربي قوة السلاح والاقتصاد الموردان الاساسيان في صناعة النصر وتحقيق الفوز بسواعد بشرية قليلة مقابل جحافل جماهيرية عريضة فقيرة والسمات الاخيرة كانت وسما اساسيا لبقايا دولة الخلافة .
لم تستطع آلة الاحتلال الغربية تصدير الفكر التبشيري- بشكل مباشر-الى دول كانت ناقمة على التواجد العثماني بشكله الاسلامي،وشعوب اعتبرت ان كل ماكان يحمله ذاك (الاحتلال) كان زائفا وشعارات تصب في استعبادها،وهذا حال طبيعي عندما تشعر الشعوب بالملل والمعاناة مع كهولة المستعمر لاسيما ان الحكم العثماني للبلاد العربية -خصوصا- دام قرابة الاربع قرون ولذلك ساهم الغرب في دعم كل الايديولوجيات المناهضة للمنظور الاسلامي في الوطن العربي بعد ان استطاع استقطاب مجاميع كثيرة من الشباب المتحمسة للتغيير الى اراضيه عن طريق البعثات الدراسية والتثقيفية لغرض عكس حالة النجاح على المجتمعات العربية المتخلفة.ولكن الهوة الكبيرة مابين العالمين الغربي والشرقي العربي المسلم كانت هائلة ولاتسمح باي تقارب او تفاهم يوصل الى حالة موحدة تتلاقى فيها الاهداف ومما زاد الامر سوء ذلك الموقف الغربي السلبي من قضايانا على طول الخط.
وبعد التحرر وعصر الثورات ضد التواجد الغربي (المباشر)في بلداننا ومصالحه التي قيدت شعوبنا،دخلت المجتمعات العربية في طور فكري جديد توشح بالعلمانية واتخذ من شعارات بعيدة عن الدين خياما ينضوي تحت قبابها ملايين المؤيدين والمقعقعين ابتداءا من القومية ووصولا الى الفكر الماركسي وحتى الشوفيني احيانا.
سيطر القوميون العرب على مقاليد السلطة وكانت مصر ابا كريما لكل حركات التحرر العربي مع وجوب الحفاظ على صدى الفكر القومي في كل ثورة او مظاهرة او تجمع جماهيري واستطاعت مصر ان تقود لعدة عقود متوالية الى ان بدا الضعف يدب في مفاصل الجسد القومي بعد موت جمال عبد الناصر وتولي انور السادات اسلوب دعائي وعملي مغاير لما كان عليه سلفه لحين ظهور جبهة عربية قومية قوية بقيادة صدام حسين الذي استطاع كسب تعاطف الشارع العربي طيلة فترة حربه القومية ضد( الفرس) حسب ماكان يطبل (عربيا) لتلك الحرب الطاحنة آنذاك،في حين ان الاعلام الغربي كان ينظر لها برؤى مغايرة باعتبارها حربا مابين الدولة الدينية الايرانيةالمتشددة والدولة العلمانية المعتدلة بالاضافة لمنظورهم الاهم تجاه الاب الروحي والمادي في المنطقة الا وهو النفط.
وفي اوائل التسعينيات من القرن الماضي دُق المسمار الاخير في نعش القومية العربية عندما اجتاح صدام حسين الكويت واستباح ارضها وثرواتها،ومنذ ذلك الحين بدا فنانوا السياسية برسم لوحة اخرى بريش مختلفة تاطرت بتحالفات ومضاربات جديدة.اما الجسد القومي فصار محبطا يكبله السكون بانتظار رصاصة الرحمة عندما تسقط دمشق تلك القلعة الضعيفة بعد سقوط الجامعة العربية ليشيع جثمان القومية الى نعشه المنجور سابقا.
ان تجارب الحكم التي اعقبت عقدي الثورات العربية في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي اثبتت فشلها ايضا بسبب طول فترة الحكم وعدم تحقيق الاهداف حيث ان العديد من البلدان العربية لازالت تحكمها نفس العوائل التي قامت بثورات التحرر ولكن بمنهاج مغاير عما كانت تلهج به السنتهم قبيل الجلوس على كراسي الحكم وان مجمل التغيرات هو النسبة مابين الدكتاتورية والحرية في اتخاذ القرار وفرضه على الشعوب.
ان المسالة ليست مسالة كره للمبدا والمضمون فاغلب الافكار الثورية كتبت لاجل التغيير نحو الافضل ولكنه كره لاشخاص حكموا بهذا المضمون وتسموا بمسمياته وتمسحوا واستوزروا باهدافه. وبسبب القصور الفكري لاغلب العوام ينعكس هذا الكره لتلك المبادئء، والتي قد يكون افراد الدولة الحاكمة بعيدين كل البعد عن مبادئها النبيلة و تعتق وطول فترة الحكم،وكما هو معروف ان طيلة فترة حكم نظام ما تصيبه بالعيوب والممارسات الخاطئة نتيجة تسلقه من قبل الوصوليين واصحاب الرغبات والمصالح الخاصة،فيتجسد مثلا له جسم الانسان الذي عاش حينا من الدهر وظهرت به العيوب جراء تجارب مرت به من امراض وضربات و.....الخ.
وهذا التهتك والانحلال والفساد بكل انواعه بالاضافة للنهب السلطوي لموارد البلد مقابل حالات تكاد تكون عامة من الفقر والجوع والتشرد في المجتمعات العربية ساهم في البحث عن منقذ جديد شريطة ان لايكون غريبا وشاذا عن المكون الرئيس في المجتمع.ومع بروز الخليج العربي كقوة اقتصادية ذو طابع اجتماعي اسلامي ساهم العديد من افراده في دعم التوجه الديني في المجتمعات الاخرى بعد تجربة التحرير الناجح لافغانستان من الاحتلال السوفييتي وانهيار الاخير الذي كان رمزا للعلمانية الالحادية الداعمة لحركات التحرر الغير دينية.
وبطبيعة المجتمعات الشرقية هو ميلها باتجاه التعبد والخالق في كل ازمة يمر بها الفرد او المجتمع،مما ساعد كثيرا في حملة التسويق للاحزاب الدينية وترشيحها كمنقذ ينتشل المجتمع من هوة الفساد والدكتاتورية الحكومية التي ماكانت لتحدث لولا المعتقدات الفاسدة التي اباحت لهم الحي والميت في نطاق سلطانهم.
لذلك ان كان لابد من تغيير او شبح ثورات قادمة فانها لن تكون الا بشعارات وقيادات دينية،والتي-حسب اعتقادي-ستؤول الى ماآلت عليه تلك الثورات العلمانية وربما اسوأ اذا ماطالت فترة حكمها وتسلقها الصبيان والسفهاء ومثل أولئك شبيها.
ان الاحتمال الذي ذكر انفا من الممكن ان يكون امرا واقعا اذا مابقيت عليه موازين القوة العالمية بصيغتها الحالية المتمثلة بالولايلات المتحدة واوروبا،ولكن حال حدوث أي تغيير في هذا المكيال ستكون الامور غير ذلك تماما،أي عندما تستلم السلطة احزابا دينية فان فترة حكمها ستدوم الى اجل بعيد اضعاف اضعاف ماسبقها من اطر حكم علمانية،لان تغيير هذا الاطار يتطلب انتزاعه وتمزيق جزء من اللوحة التي ياطرها،وهذا لايكون الا بغزو خارجي آخر قوي على غرار الغزو الغربي واحتلاله للارض العربية سابقا.
وبالتالي فان شكل وفترة التغيير القادم سيعتمد على طبيعة وتوجهات ومصالح القوة العظمى في منطقتنا العربية الاسلامية.
والسؤال المطروح:في حال تمكنت الاحزاب الدينية من تسلق المشهد السياسي والوصول الى السلطة فباي مذهب ومنهاج ستحكم البلاد..؟
تشير الوقائع التي تمخر سفن الفوضى في العراق الى تجربة شيعية ناجحة تحاول ايران ان تنثر لقاحها على طلوع الشارع العربي المحتدم تجاه كل اشكال الحكم الفاشلة المتوجة بالظلم والطغيان والاستحلال والاستعباد باسم الديمقراطية.
وفي حال تمكنت ايران من فرض سلطتها على العراق او قبول الشريك الامريكي لها،فان موازين القوى الفكرية والاقتصادية ستشهد انعطافا قويا قد يؤدي الى انقلاب جذري لاتحمد عقباه على العراق والخليج خصوصا والمنطقة العربية عموما.

للبحث بقية.........