آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 20 من 46

الموضوع: ستة وثلاثون بحثًا في المقطوع والموصول

العرض المتطور

  1. #1
    باحث إسلامي في علوم القرآن واللغة الصورة الرمزية أبو مسلم العرابلي
    تاريخ التسجيل
    26/04/2007
    العمر
    67
    المشاركات
    3,024
    معدل تقييم المستوى
    21

    ستة وثلاثون بحثًا في المقطوع والموصول

    سأبدأ اليوم إن شاء الله تعالى في تنزيل ستة وثلاثين بحثًا في المقطوع والموصول على التوالي.
    وكل كلمة بعدد المكررات منها، وبمقطوعها وموصولها هي بحث مستقل بذاته عن غيره.
    وتنزيلها سيأخذ وقتًا لأنها لا تنزل كما هي منسقة بل تحتاج إلى إعادة التنسيق لها
    نرجو الله تعالى أن يجعل فيها منفعة في فهم الرسم القرآني
    والدفاع عن رسمه أمام الجاهلين لحقيقة هذا الرسم
    وقد تعهدت من قبل بنشر مائة بحث في كل من العلوم الثلاثة التي أعلنت عنها
    وها أنا أضيف هذه الأبحاث إلى قائمة ما سبق نشره في أسرار الرسم القرآني
    والتي فضلت التركيز عليها أولا حتى أنجز أكبر قدر منها
    قبل الانتقال إلى بقية العلوم إن شاء الله تعالى

    التعديل الأخير تم بواسطة أبو مسلم العرابلي ; 01/07/2009 الساعة 11:41 PM

  2. #2
    باحث إسلامي في علوم القرآن واللغة الصورة الرمزية أبو مسلم العرابلي
    تاريخ التسجيل
    26/04/2007
    العمر
    67
    المشاركات
    3,024
    معدل تقييم المستوى
    21

    قطع ووصل أن لا

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الكلمة الأولى: قطع ووصل أن لا
    جاء القطع والوصل في الرسم القرآني تبعًا للمعاني الواردة في الآيات، وموافقًا لها.
    ونريد أن نقف مع الآيات وقفات نبين فيها سبب القطع أو الوصل الوارد في كل آية.
    فلفظ (أن لا) ورد: (58) مرة؛ قطع في (11) موضعًا منها؛
    في قوله تعالى: (وَقَالَ مُوسَى يـاـفِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبّ الْعَـاـلَمِينَ(104) حَقِيقٌ عَلَى أن لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إلا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِي بَنِي إِسْرَاءِيلَ(105) الأعراف.
    وفي قوله تعالى: (أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَـاـقُ الْكِتَـاـبِ أن لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إلا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ(169) الأعراف.
    قطعت (أن) عن (لا) في هذين الموضعين؛ لأن الأصل قطع نسب القول إلى الله تعالى؛ سواءً كان هذا القول من عامة الناس، أومن الأنبياء والرسل، إلا ما أمر الله به على الاستثناء؛ (إلا الحق)، والحق هو قول الله وأمره وما نسب إليه على الحقيقة وكان من الله.
    وفي قوله تعالى: (وَعَلَى الثَّلـاـثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمْ الأرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أن لا مَلْجَأَ مِنْ اللَّهِ إلا إِلَيْهِ(118) التوبة.
    قطعت "أن لا" في هذا الموضع؛ لأنه لا ملاجئ للعباد من عذاب الله، إلا اللجوء إلى الله بالتوبة والاستغفار والعمل الصالح، وعلى ذلك جاء الرسم بالقطع.
    وفي قوله تعالى: (فَإِلَمْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأن لا إِلَهَ إلا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ(14) هود.
    عجز الكفار المدعين بأن القرآن الكريم مفترى؛ بأن يأتوا بمثل القرآن .. آية على أن القرآن نزل بعلم الله، وانعدام وجود آلهة كما يدعون، وأنه لا إله إلا الله، فلو كان هناك آلهة لأتوا لهم بمثل هذا القرآن؛ وعلى ذلك جاء الرسم بالقطع موافقًا لعجزهم، وانعدام الآلهة إلا الله تعالى.
    وفي قوله تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ(25) أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ(26) هود.
    خشية نوح عليه السلام على قومه بقوله: (إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ)؛ علامة على أنهم قطعوا العبادة الخالصة لله بما تلبسوا به من شرك بغير الله، فكان الرسم بالقطع موافقًا لحالهم في قطع عبادتهم لله، وطلب قطعهم عبادة غير الله.
    وفي قوله تعالى: (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَـاـتِ أن لا إِلَهَ إلا أَنْتَ سُبْحَـاـنَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّـاـلِمِينَ(87) الأنبياء.
    وافق القطع في نداء يونس عليه السلام؛ براءته من إله غير الله تعالى يرجوه في إخراجه من ظلمات جوف الحوت الذي التقمه وهو مليم.
    وفي قوله تعالى: (وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أن لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ(26) الحج.
    وافق القطع نشأت بيت خلص بناءه لله تعالى من أول يوم أسس فيه، ليظل الشرك مقطوعًا عنه .. فالتحذير من الشرك كان من زيادة الحرص على الإخلاص في التوحيد والعبادة لله، وفي هذا القطع براءة من الله لإبراهيم مما فعله المشركين بالبيت بعد ذلك.
    وفي قوله تعالى: (وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (59) أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَـاـبَنِي ءادَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَـاـنَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) ... هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (63) يس.
    هذا الخطاب يوم القيامة في تذكير المجرمين بعهد الله لهم في الدنيا بقطع العبادة عن الشيطان؛ بمن أرسله إليهم من الأنبياء والرسل، وما أنزله من الكتب. فوافق الرسم بالقطع حال الطلب منهم بالقطع، وانقطاع تلبسهم بعبادة الشيطان لزوال الحياة الدنيا بما فيها.
    وفي قوله تعالى: (وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيم (17) أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (18) وَأن لا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي ءاتِيكُمْ بِسُلْطَـاـنٍ مُبِينٍ(19) الدخان.
    وافق القطع دعوة موسى عليه السلام لفرعون وقومه؛ بقطع علوهم على أمر من الله لم يسبق لهم التبليغ به من قبل، وقطع استعبادهم لبني إسرائيل بالسماح له بالخروج بهم.
    وفي قوله تعالى: (يَـاـأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَـاـتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أن لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلـاـدَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَـاـنٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ(12) الممتحنة
    يوافق هذا القطع في الرسم مبايعة النساء للرسول صلى الله عليه وسلم على القطع عن المذكور في الآية وعلى رأسها وأولها الشرك بالله الذي تخلين عنه.
    وفي قوله تعالى: (فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَـاـفَتُونَ(23) أن لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ(24) القلم.
    وافق هذا القطع عزم أصحاب الجنة حرمان المساكين من ثمار الجنة وقطع أيديهم عنه؛ بقطع ثمارها قبل علمهم بذلك؛ لئلا يسألوهم منه شيئًا ... فكان الحرمان والقطع لهم جميعًا.
    القطع في هذه المواضع أبقى نون النزع قائمًا ولم تدغم بلام الالتصاق، وهذه الصورة في الرسم توافق ما عليه النزع والقطع المذكور في هذه الآيات.

    أما وصل "أن لا" فقد جاء في (47) موضعًا سنرجع إليها لاحقًا لإضافتها بعد تصنيفها بما يقصر الشرح عنها خشية الإطالة فيها.
    وقد تم بحمد الله تعالى إضافتها في نهاية الموضوع كله

    التعديل الأخير تم بواسطة أبو مسلم العرابلي ; 12/03/2009 الساعة 09:47 AM

  3. #3
    باحث إسلامي في علوم القرآن واللغة الصورة الرمزية أبو مسلم العرابلي
    تاريخ التسجيل
    26/04/2007
    العمر
    67
    المشاركات
    3,024
    معدل تقييم المستوى
    21

    قطع ووصل من ما

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الكلمة الثانية: قطع من ما
    قطعت "من ما" في ثلاثة مواضع، ووصلت في (122) موضعًا، ولبيان سبب القطع نقارن مواضع القطع بالمواضع المثيلة لها في الوصل:
    الموضع الأول :في قوله تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنكِحَ الْمُحْصَنَـاـتِ الْمُؤْمِنَـاـتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـاـنُكُمْ مِنْ فَتَيَـاـتِكُمْ الْمُؤْمِنَـاـتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَـاـنِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أهْلِهِنَّ وَءاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ (25) النساء.
    يبين الله تعالى لمن لم يستطع أن ينكح المحصنات المؤمنات، أن ينكح مما ملكت الأيمان، ولكن مما ملكت يمين غيره، وليس مما ملكت يمينه هو، فهي مقطوعة عنه؛ ولأن وضع ملك اليمين هو كوضع الزوجة، ولو كانت متصلة به لما كان الخطاب موجهًا له، لذلك قطعت في الرسم كما هي مقطوعة عنه في الواقع.
    أما وصلها في قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَـاـبَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَـاـنُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَءاتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي ءاتَـاـكُمْ (33) النور
    فهذا مما ملكت يمين المخاطب في هذه الآية من الفتيان وليست من الفتيات، وأراد أن يكاتب مولاه على التحرر من العبودية؛ فوصلت لما كان هذا مما ملكت يمينه هو، وملك يمينه موصول به. فجاء الرسم موافقًا للحال الذي عليه ملك اليمين مع المخاطبين بشأنه.
    الموضع الثاني: في قوله تعالى: (ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـاـنُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَـاـكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَـاـتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ(28) الروم
    فهذا سؤال: هل يوجد مِلك يمين شريكاً لمالكه في ملكه؟
    فكيف يكون شريكًا له وهو مُلك لصاحبه؟!
    فهل يقبل مالك أن يكون مُلك يمينه شريكًا له؟
    لذلك قطعت في هذا الموضع لعدم وجود مالك يقبل ذلك.
    فكيف يكون لله شريكًا له من عبيده إذا كان البشر لا يقبل شراكة عبيدهم لهم؟!
    فقطعت لذلك في الرسم كما هي مقطوعة في الواقع.
    الموضع الثالث: في قوله تعالى: (وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَـاـكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنْ الصَّـاـلِحِينَ(10) المنافقون.
    يطلب سبحانه وتعالى في هذه الآية من عباده الإنفاق مما رزقهم الله قبل مجيء الموت، فيندم على عدم إنفاقه، فيطلب تأخير أجله لكي يتصدق من المال الذي تركه خلفه، وانفصل عنه بالموت ... وهيهات أن يؤخر الأجل له؛ (إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (4) نوح،
    فجاءت "من ما" في هذه الآية مفصولة؛ لأن طلب الإنفاق كان من المال الزائد عن الحاجة، المفصول عنه بالموت، والباقي بعده لمن لا يدري في أي باب خير أو شر ينفق.
    أمّا اتصالها في قوله تعالى: (فَلْيُنفِقْ مِمَّا ءاتَـاـهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا ءاتَـاـهَا (7) الطلاق
    وقوله تعالى: (وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ(7) الحديد،
    وقوله تعالى: (وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَـاـهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً (29) فاطر
    وغير ذلك من المواضع فكلها فيها طلب الإنفاق من المال الذي بين أيدينا، ومتصل بنا، غير مقطوع عنا، ولم يربط بذكر الموت؛ فجاء الرسم فيها متصلاً لاتصال المال المنفق منه بمالكيه.

    التعديل الأخير تم بواسطة أبو مسلم العرابلي ; 10/04/2009 الساعة 06:58 AM

  4. #4
    باحث إسلامي في علوم القرآن واللغة الصورة الرمزية أبو مسلم العرابلي
    تاريخ التسجيل
    26/04/2007
    العمر
    67
    المشاركات
    3,024
    معدل تقييم المستوى
    21

    قطع ووصل إنّ ما

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الكلمة الثالثة: قطع ووصل: إنّ ما
    ورد لفظ "إنّ مَا" موصولاً في (146) موضعًا، ومقطوعًا في موضعٍ واحدٍ فقط؛
    في قوله تعالى: (إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ(134) الأنعام.
    ويرجع القطع في هذا الموضع إلى أن الموعود به هو أمر سيحدث في المستقبل؛ فزمنه مقطوع عنا في الحاضر؛ فالوعد باليوم الآخر والحساب والجنة والنار ... كل ذلك سيكون في زمن مستقبل، علمه عند الله، وقدومه مجهول لدى كل البشر.
    وأمّا اتصالها في قوله تعالى: (إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ(5) الذاريات.
    وفي قوله تعالى: (إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ(7) المرسلات.
    فيرجع ذلك إلى أن الآية تقرر أن الوعد صدق وأن الوعد ثابت وحق، لا تراجع عنه، والآيتان لا تتحدثان عن زمن الموعود وقدومه، كما في الآية التي قطعت (إنما) فيها.
    وأمّا اتصال "إنَّما" في بقية المواضع فهو لتأكيد وتقرير وتوثيق وتثبيت ما ارتبطت به، فكان حقها الوصل لا الفصل؛
    كما في قوله تعالى: (إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَـاـنَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ(171) النساء
    وفي قوله تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ(11) البقرة.
    وفي قوله تعالى: (وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَـاـطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِءُونَ (14) البقرة.
    وفي قوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا(20) الجن.
    وإذا كانت "ما" زائدة فزيادتها جاءت من جواز الاستغناء عنها؛
    إنَّما الله إله واحد = إنَّ الله إله واحد.
    ولما كانت "ما" تفيد العموم والإبهام؛ فإن ذكر المعرف بعدها يكون تعظيمًا له، وشدة تأكيد له، فكأن هذا العموم اختزل فيه.
    وإذا كانت "ما" مصدرية؛ قل إنَّما أدعو = قل إنَّ دعائي
    فإنها أعم وأثبت لكونها؛ مصدرًا وكونها اسمًا، فتعطي ثباتًا للفعل المتجدد الحدوث؛ لا يتأتى ذلك من كونه فعلاً لوحده.

    التعديل الأخير تم بواسطة أبو مسلم العرابلي ; 10/04/2009 الساعة 06:54 AM

  5. #5
    باحث إسلامي في علوم القرآن واللغة الصورة الرمزية أبو مسلم العرابلي
    تاريخ التسجيل
    26/04/2007
    العمر
    67
    المشاركات
    3,024
    معدل تقييم المستوى
    21

    قطع ووصل عن من


    بسم الله الرحمن الرحيم
    الكلمة الرابعة: قطع ووصل عَنْ مَنْ
    قطع حرف الجر(عَنْ) عن (مَنْ)الموصولة في موضعين، وليس في القرآن غيرهما؛
    في قوله تعالى: (وَيُنَزِّلُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَـاـرِ(43) النور.
    فقد وافق القطع في هذا الموضع خبر قطع المطر وصرفه عنهم، ومنع وصوله إليهم.
    وفي قوله تعالى: (فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَيَواةَ الدُّنْيَا(29) النجم
    فقد وافق القطع في هذا الموضع أيضًا؛ طلب الإعراض عمن هو معرض عن ذكر الله تعالى، وقاطع للوصل به، وليس بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبينهم إلا باب الدعوة لهم إلى الله، لأنه أرسل إليهم، وكان عليه واجب التبليغ بما أرسل به إليهم.


  6. #6
    باحث إسلامي في علوم القرآن واللغة الصورة الرمزية أبو مسلم العرابلي
    تاريخ التسجيل
    26/04/2007
    العمر
    67
    المشاركات
    3,024
    معدل تقييم المستوى
    21

    قطع ووصل عن ما

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الكلمة الخامسة: قطع ووصل عن ما
    ورد لفظ "عَمَّا" (48) مرة في القرآن الكريم؛ قطع في موضعٍ واحد فقط؛
    في قوله تعالى: (فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَـاـسِـ(ءِ)ـينَ(166) الأعراف.
    ويرجع القطع في هذا الموضع لانقطاعهم عن أمر النهي عن الصيد يوم السبت، وعدم الأخذ به، لا عن انقطاعهم عن معصيتهم فهم مستمرون عليها ومتصلون بها.
    وأمّا وصلها كما في قوله تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَـاـثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(73) المائدة.
    فذلك لاتصالهم بالقول مستمرين عليه: بأن الله ثالث ثلاثة، فهم لم يتوقفوا ولم ينقطعوا عن قولهم بذلك.
    وكما في قوله تعالى: (قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَـاـدِمِينَ(40) المؤمنون. فما أنذورا به سيصبح واقعًا ملتصقًا بهم، لا انفكاك لهم منه، نادمين على استبعاد حدوث ذلك لهم.
    وكذلك وردت "عَمَّا" متصلة في مواضع كثيرة اقتضى تنزيه الله تعالى عنها؛
    كما في قوله تعالى: (سَبْحَـاـنَهُ وَتعَـاـلَى عَمَّا يَصِفُون(100) الأنعام.
    ففيها تنزيه لله عن وصفهم الذي يصفون الله عز وجل به في (7) آيات؛ بأن له ولدا، أو بنين وبنات، أو شريكًا في الملك، وهم لا يَدَعون وصفهم هذا.
    وفي قوله تعالى: (سَبْحَـاـنَهُ وَتَعَـاـلَى عَمَّا يَشْرِكُون(67) الزمر.
    ففيها تنزيه لله في (12) آية عن الشريك الذي يشركون الله تعالى به، ولا ينقطعون عن ادعاء وجود أو اتخاذ الشريك لله فيها.
    وباقي المواضع وصلها كمثل السابقات؛ يعود إلى وجود اتصال وارتباط والتصاق للقول أو العمل أو الوصف بأصحابه.

    التعديل الأخير تم بواسطة أبو مسلم العرابلي ; 10/04/2009 الساعة 06:49 AM

  7. #7
    أستاذ كرسي القراءات القرآنية بكلية الآداب بالرباط و بمسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء الصورة الرمزية الدكتور التهامي الهاشمي
    تاريخ التسجيل
    19/07/2007
    العمر
    87
    المشاركات
    130
    معدل تقييم المستوى
    17

    رد: ست وثلاثون بحثًا في المقطوع والموصول

    بسم الله الرحمن الرحيم و الصلاة و السلام على رسول الله و آله و صحبه
    تحية طيبة للأستاذ الفاضل السيد أبي مسلم الذي نشكره على هذه الجهود التي يبذلها لتوضيح أسرار الرسم القرآني؛ و لا شك أن سيادته يعلم أن المغلربة الذين يهتمون بالرسم يحرصون على حفظ هذه المسائل في ذاكرتهم بنظم يسمونه هم " الأنــصــاص " يتداولونها جيلاً عن جيل لــكن في كثير من الأحيان بلهجتهم الغربية، فـهـم، مثلاً يقــولــون عن اللفظ الأول و هو { ان لا }:

    أنْ لاَ بِالنُّـون مـْـعـَـرَّقْ أوَ لـَمْ يـَـهـْدِ مـْـحـَـقـَّـقْ * و اسـْـاَلـْـهـُـمْ غـَـادِ مـْـقـَـلـَّـقْ لـَـقـَـدْ تـَـابَ وَافـْـهـَـمـْـنـِـي
    دَابـَّـةُ الـْـفـَـريــقـَــيـْــنِ و ذَا الــنـّـُـونِ هـَـــذَانِ * ألـَــمْ أعـْــهـَـدْ خـَـصـْـمـَـانِ جـَـاءَ عـِــيــسـَى يـَـشـْـفـِـنـِـي
    عـَسـَى اللهْ فـَـطـَافْ يـَا احـْـفـِـظـْهـَا و لا تـنـْسَ * نـُـقـَـطْ الألِـفْ بــَـعــْـدَ الــْـيــاء يــَـاربِّ لا تــَــنــْـســَاهــَا

    يشير الناظم إلى الأماكن التي توجد فيها هذه الحروف:
    ــ يوجد الأول في { ألــم يــهــد } ــ و يوجد الثاني في { و ســئــلهم } ــ و الثالث في { لقد تاب }
    ـــ و الرابع في { و ما من دابة } ــو الخامس في { الفريقين } ــ و السادس في { و ذا النون } ــ و السبع في { هاذان } ــ و الثامن في { ألم أعهد } ــ و التاسع في { جاء عيسى } ــ و العاشر في { عسى الله } ــ و الحدي عشر في { فطـاف }.
    ربما بعض الناس يحتاجون إلى هذه الطريقة لاتقان رسم القرآن الكريم.
    مع فائق التقدير و الاحترام
    الدكتور التهامي الراجي الهاشمي

    التعديل الأخير تم بواسطة أبو مسلم العرابلي ; 22/02/2009 الساعة 05:42 PM

  8. #8
    باحث إسلامي في علوم القرآن واللغة الصورة الرمزية أبو مسلم العرابلي
    تاريخ التسجيل
    26/04/2007
    العمر
    67
    المشاركات
    3,024
    معدل تقييم المستوى
    21

    قطع أنَّ مَا

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الكلمة التاسعة: قطع أنّ ما
    وردت "أنَّ ما" في القرآن الكريم في واحد وعشرين موضعًا؛ وصلت في تسعة عشر موضعًا منها، وقطعت في موضعين فقط؛
    في قوله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَـاـطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ(62) الحجّ.
    وفي قوله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَـاـطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ(30) لقمان.
    في الآيتين تقرير من الله تعالى بنفس النص؛ بأن الذي يدعونه من دون الله تعالى هو باطل لا حقيقة له، ولا وجود له، وهو من اختلاقهم، وفساد عقولهم.
    فكيف يكون وصل مع لا وجود له، فـ "أنَّ" جاءت تأكيدًا على أنه باطل، وليس تأكيدًا على صحة وجوده.
    فجاء القطع صورة لما عليه واقع انقطاع أهل الكفر والشرك عن باطل يدعونه من دون الله عز وجل.
    أما وصل "أَنَّمَا" في بقية المواضع فعائد إلى لزوم الأمر أو الوصف وما لا يمكن نقضه؛ كألوهية الله تعالى ووحدانيته؛
    في قوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ (110) الكهف.
    وفي قوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (108) الأنبياء.
    وفي قوله تعالى: (وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ (52) إبراهيم.
    وفي قوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ (6) فصلت.
    وأن الرسول صلى الله عليه وسلم نذير، وعليه البلاغ بالحق الذي أنزل عليه من ربه؛
    كما في قوله تعالى: (إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلاَّ أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (70) ص.
    وفي قوله تعالى: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلـاـغُ الْمُبِينُ (92) المائدة.
    وفي قوله تعالى: (أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى (19) الرعد.
    وفي قوله تعالى: (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ (14) هود.
    وأن الأموال والغنائم وما يمدهم الله به في أيدي الناس هو ملتصق بهم، وأكثره فتنة لهم في الحياة الدنيا؛
    كما في قوله تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ ... (41) الأنفال.
    وفي قوله تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلـاـدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (28) الأنفال.
    وفي قوله تعالى: (أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (55) المؤمنون.
    وفي قوله تعالى: (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ (178) آل عمران.
    وفي قوله تعالى: (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَواةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلـاـدِ (20) الحديد.
    وأنه لا راد لما يريده الله بالكافرين من العذاب؛
    في قوله تعالى: (فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ (49) المائدة.
    وان الكافرين يتبعون أهواءهم التي تصرفهم عن الحق ويتمسكون بها؛
    في قوله تعالى: (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ (50) القصص.
    وأن داود عليه السلام قد وقع فعلاً في الفتنة، فاستغفر وخر راكعًا، فغفر الله له؛
    في قوله تعالى: (وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّـاـهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (24) ص.
    وأن الشجر لا ينفك اتصاله بالأرض؛
    في قوله تعالى: (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلـاـمٌ (27) لقمان.
    وأن نسبة الخلق إلى الله ثابتة لا منكر لها، وإن حدث إنكار للسبب والبعث؛
    في قوله تعالى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَـاـكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ (115) المؤمنون.
    والتصاق الدعوة بهم إلى ما ليس له دعوة في الدنيا والآخرة؛ فكان جزاؤهم نار يعرضون عليها غدوًا وعشيًا؛
    في قوله تعالى: (لا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلا فِي الآَخِرَةِ (43) غافر.

    التعديل الأخير تم بواسطة أبو مسلم العرابلي ; 10/04/2009 الساعة 09:09 AM

  9. #9
    باحث إسلامي في علوم القرآن واللغة الصورة الرمزية أبو مسلم العرابلي
    تاريخ التسجيل
    26/04/2007
    العمر
    67
    المشاركات
    3,024
    معدل تقييم المستوى
    21

    قطع ووصل أم من

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الكلمة العاشرة: أم من
    أم: حرف عطف يستعمل لطلب التعيين لأحد الاثنين؛ وردا بلفظين أو جملتين.
    وهو مكون من؛
    الهمزة التي تفيد الامتداد المتصل، فهي تدل على وجود آخر متصل بالأول.
    والميم التي تفيد الإحاطة، ولذلك لا تدغم الميم إلا في مثلها،
    والإحاطة هنا بالأول والثاني وهما كل المذكور.
    لذلك كان استعمال "أَمْ" لطلب تعيين أحد الاثنين؛ ولا يكون ذلك إلا بمعرفة الاثنين، والإحاطة بأحوالهما.
    والتعيين سيكون لواحد منهما؛
    :إما الأول الذي يعرض أولاً، وتسبق المعرفة به والإشارة إليه، وهو المعطوف عليه،
    :وإمَّا الثاني الذي يعرض تاليًا ويعطف على الأول.
    وكان سبب عرض الثاني هو عدم إقرار الأول، أو بيان فضل الأول من مقارنته بغيره، أو عطفه على مثله.
    والتعيين لأحدهما يقتضي أن كلاً منهما يخالف الآخر، أو أن أحدهما دون الآخر.
    فقد يساوى بين أمرين مختلفين، أو يكون أحدهما في حالة الإثبات والآخر في حالة النفي، وعند ذلك يؤتى بلفظ سواء وغيرها، وهمزة التسوية أو المعادلة؛
    كما في قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ ءَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (6) البقرة.
    وقد جاء الرسم القرآني في فصل وقطع "أمْ مَّنْ" تبعًا للمعنى؛
    فإن كان التعيين لما بعد "أم"؛ أي المعطوف، وقرر هو دون المعطوف عليه، أو مما اتصلوا به وتعلقوا به، ولو كان باطلاً؛ اتصلت الكلمتان وأصبحتا كلمة واحدة "أمَّنْ".
    وإن كان التعيين لما قبل "أم"، وليس للمعطوف بعدها، أو كان العطف على منفي مثله؛ تقطع الكلمتان ولا يتم وصلهما.


    ذُكرت "أمَّنْ" في القرآن الكريم في خمسة عشر موضعًا؛ قطعت في أربعة مواضع:
    في قوله تعالى: (هَـاـأَنْتُمْ هَـاـؤُلاءِ جَـاـدَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَواةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَـاـدِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَـاـمَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً(109) النساء.
    المعطوف عليه: من يجادل الله عنهم يوم القيامة؟ ... لا أحد
    المطوف: من يكون عليهم وكيلا؟ ... لا أحد
    فلا وكيل ولا شفيع ولا صديق ولا حميم يتصل بهم يوم القيامة ويدافع عنهم، ويشفع لهم، بل المرء يفر من أقرب الناس إليه؛ لذلك قطعت في الرسم بما يوافق حال القطع الذي هم عليه يوم القيامة.
    وفي قوله تعالى: (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَـاـنَهُ عَلَى تَقْوَى مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَـاـنَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّـاـلِمِينَ(109) التوبة.
    المعطوف عليه؛ من أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان؛ هو خير؟ ... نعم
    المعطوف: من أسس بنيانه على شفا جرف هار ..؛ هو خير؟ .... لا
    من أسس بنيانه على جرف هار لا يثبت هو ولا بنيانه، وكذلك من بنى عقيدة فاسدة على هوى وضلال؛ فإنه ينهار هو وبناؤه في نار جهنم.
    فعلى ذلك كان الرسم بالقطع يوافقه الحال الذي عليه المتأخر من القطع وعدم الثبات.
    وفي قوله تعالى: (فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَـاـهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ(11) الصافات.
    المعطوف عليه: هل الناس هم أشد خلقًا؟ .... نعم
    المعطوف : هل الملائكة والجن أشد خلقًا .... لا
    كانت النظرة الأولى أن جواب الأول سيكون: لا ، وجواب الثاني: نعم.
    وعند النظر في الآية لوجود هذا القطع الذي يوجب مراجعة الإجابة؛ أن تغيرت الإجابة
    فأشد خلقًا ليست هي مرادفة لأشد قوة.
    ومن خلق من مادة جامدة وسائلة هو أشد خلقًا وأثقل ممن خلق من نار أو نور.
    وشدة الشيء هي قوة تماسك أجزائه وترابطها، نقول هذا حجر قاسٍ وهذا أشد منه قسوة.
    وقد جاءت هذه الآية بعد ذكر تمكن الشياطين لخفتهم من استراق السمع في السماء، وقذفهم بالشهب التي أغلبها ذرات كذرات الرمل؛ تحترق لسرعتها العالية عند دخول جو الأرض.
    وكان ختم الآية؛ (إِنَّا خَلَقْنَـاـهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ(11) هو بيان لسر هذا القطع. وأن المذكور بعد "أم" ليس هو المعين كما يبدو في ظاهره.

    وفي قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي ءايَـاـتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي ءامِنًا يَوْمَ الْقِيَـاـمَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(40) فصلت.
    المعطوف عليه: هل من يلقى في النار هو خير؟ ... لا
    المعطوف : هل من يأتي آمنًا يوم القيامة هو خير؟ .... نعم
    ولكن لماذا كان القطع في هذا الموضع، وليس الوصل؟
    السؤال بطريقة أخرى؛ من هو خير من اتصل بالنار ووقع فيها
    أم من انقطع عن النار وأمن من العذاب فيها؟
    الجواب: من انقطع عن النار وتجاوزها هو خير ممن وقع فيها، وظل متصلا بها.
    فكان القطع في الرسم موافقًا للانقطاع عن النار الذي تحقق للآمن.

    ووصلت "أمَّنْ" في أحد عشر موضعًا،
    في الآيات الست التالية؛ المعين فيها بعد "أم"؛ الله عز وجل؛
    وعلى ذلك كان وصلها؛
    في قوله تعالى: (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَـاـرَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنْ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ(31) يونس.
    وفي قوله تعالى: (أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَـاـوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَءِلَـاـهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ(60) النمل.
    وفي قوله تعالى: (أَمَّنْ جَعَلَ الأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَـاـلَهَا أَنْهَـاـرًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَءِلَـاـهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ(61) النمل.
    وفي قوله تعالى: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَءِلَـاـهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ(62) النمل.
    وفي قوله تعالى: (أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَـاـتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَـاـحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَءِلَـاـهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ(63) النمل.
    وفي قوله تعالى: (أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَءِلَـاـهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَـاـنَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَـاـدِقِينَ(64) النمل.
    فهو سبحانه وتعالى الذي يملك السمع والبصر، وهو الذي خلق السموات والأرض، وهو الذي جعل الأرض قرارًا، وهو الذي يجيب المضطر ويكشف السوء، وهو الذي يهدي في ظلمات البر والبحر، وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده؛ فكان الوصل لأن هذه الأعمال من أفعاله سبحانه وتعالى.
    ووصلت في قوله تعالى: (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(22) الملك.
    فالمعين فيها في أمر موجب وقع بعد "أم"؛ وهو الذي يمشي سويًا على صراط مستقيم.
    ووصلت في قوله تعالى: (أَمَّنْ هُوَ قَـاـنِتٌ ءانَاءَ الَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَـاـبِ(9) الزمر.
    فالمعين فيها في أمر موجب وقع بعد "أم"؛ من هو قانت آناء الله، وليس كمن يعبد الله عندما يمسه الضر، وينساه مع النعمة الوارد ذكره في الآية السابقة.
    ووصلت في قوله تعالى: (أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَكُمْ يَنصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَـاـنِ إِنْ الْكَـاـفِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ(20) الملك.
    وفي قوله تعالى: (أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ(21) الملك.
    فما وقع بعد "أم" هو من تعلقوا به ورجوا نصرته في الآية الأولى، ورجوا منه الرزق في الآية الثانية، ولذلك وصفوا بأنهم في غرور، وأنهم لجوا في عتو ونفور؛ لشدة ارتباطاهم بضلالاتهم.
    ووصلت في قوله تعالى: (قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلْ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ(35) يونس.
    فما وقع بعد "أم" هو من تعلقوا به، وجعلوه شريكًا لله؛ من رؤوس الكفر والضلالة والداعين إليها، كم قال تعالى: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَـاـنَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ (31) التوبة، ومن تعلقوا به على حال لا يهتدي حتى يُهدى؛ فاستنكر الله تعالى عليهم هذا الانحطاط الذي هم عليه العباد برب العباد؛ بقوله: (فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ(35) يونس.

    التعديل الأخير تم بواسطة أبو مسلم العرابلي ; 11/04/2009 الساعة 09:13 PM

  10. #10
    باحث إسلامي في علوم القرآن واللغة الصورة الرمزية أبو مسلم العرابلي
    تاريخ التسجيل
    26/04/2007
    العمر
    67
    المشاركات
    3,024
    معدل تقييم المستوى
    21

    قطع لات حين

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الكلمة الحادية عشرة : قطع لات حين
    وردت لات حين مرة واحدة؛
    في قوله تعالى: (كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ(3) ص.
    قطعت التاء عن حين في ولا تحين، لتصبح في الرسم؛ "ولات حين"
    والتاء أحد حروف المضارعة الأربعة المجموعة في كلمة "نأتي"
    وسر استخدام هذه الحروف للمضارعة مبني على معانيها؛
    فنون النزع استعملت علامة للمتكلم الجمع، لأنهم ينزعون أنفسهم عن البقية؛ نحن نزرع، نعمل، ...
    وهمزة الامتداد المتصل؛ استعملت علامة للمتكلم الفرد؛ لأن المتكلم يضيف بكلامه وبفعله شيئًا جديدًا يظل متصلا به ومنسوبًا إليه؛ أنا أكتب، أقرأ، أفعل كذا، .....
    وياء التحول استعملت علامة للمذكر الغائب، لأن المذكر هو المكلف بالعمل، وعدم وجوده في مكانه أو منزله هو بسبب التحول لعمل يؤديه بعيدًا عن أعين الحاضرين، هو يحرث، يسافر،..
    وتاء التراجع استعملت علامة للمؤنث الغائب، لأن تحول الأنثى هو تراجع لها إلى بيتها الذي خرجت منه فظهرت بحضورها،
    والقول في لات أنها مشبهة بليس؛ واسمها محذوف؛ أي ولات الحين أو أحياننا حين مناص
    وأن لا النافية للجنس زيدت عليها التاء.
    وجاء في تفسير القرطبي لهذه الآية: "وكان الكسائي والفراء والخليل وسيبويه والأخفش يذهبون إلى أن «وَلاَتَ حِينَ» التاء منقطعة من حين، ويقولون معناها وليست".
    ومعنى ولات حين مناص: لا وقت للفرار والنجاة، ولا وقت للتوبة والرجوع عن الذنوب.
    وبهذا الرسم القائم على قطع التاء تحصل فوائد عديدة؛
    - أن استقلال التاء وحدها ثم جعلها مع لا؛ أفادت النفي المطلق للتراجع؛ أي أنه لا تراجع لهم ينجيهم، لا بالفرار ولا بالتوبة.
    - وبقطع التاء عن الفعل المضارع (تحين) الدال على تجدد الحدث، حوله إلى اسم ثابت (حين)، فالعذاب ثابت وقوعه بهم ولا مفر لهم منه، وهو مسلط عليهم في الآخرة ولا مخرج لهم منه، ولن يأتي حين يكون فيه مناص لهم في الدنيا ولا في الآخرة.

    التعديل الأخير تم بواسطة أبو مسلم العرابلي ; 11/04/2009 الساعة 09:18 PM

  11. #11
    باحث إسلامي في علوم القرآن واللغة الصورة الرمزية أبو مسلم العرابلي
    تاريخ التسجيل
    26/04/2007
    العمر
    67
    المشاركات
    3,024
    معدل تقييم المستوى
    21

    قطع لام الجر عن مجرورها

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الكلمة الثانية عشرة: قطع لام الجر عن مجرورها
    حرف اللام حرف يستعمل للقرب والإلصاق في جذور اللغة، وفي حروف المعاني،
    واستعمالات لام الجر كثيرة؛ للاختصاص وللاستحقاق، وللملك، وشبه الملك، وللتمليك، وشبه التمليك، والتعليل، والتبيين، والقسم، والتعدية، والصيرورة، والتعجب، والتبليغ، وتضمن معاني إلى، وفي، وعن، وعلى، وعند، وبعد، ومع، ومن، ولام الاستغاثة به، ولام المدح والذم، والزائدة.
    وحيثما استعملت اللام، فإن استعمالها هو مبني على استعمالها للقرب والإلصاق، وحقها الاتصال بما بعدها.
    وقد استعملت اللام كحرف جر في القرآن الكريم مرات كثيرة جدًا؛ إلا أنها لم تقطع عن مجروها إلا في أربعة مواضع فقط؛
    وفي قوله تعالى: (وَوُضِعَ الْكِتَـاـبُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَـاـوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَـاـبِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَـاـهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا(49) الكهف.
    وسبب هذا القطع مبني على المعنى؛ لأن المجرمين يصدمون بحصر الكتاب لجميع أعمالهم، وإغلاق أبواب العتب والاعتذار والنجاة أمامهم، فهم يريدون بقولهم هذا أن تقطع عن الكتاب صفته في دقة رصد أعمالهم وحصرها عليهم، فجاء الرسم موافقًا لما قصدوا من قولهم.
    وقطعت اللام في قوله تعالى: (وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ لَوْلا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا(7) الفرقان.
    ويرجع هذا القطع لما أراده الكفار؛ بأن ينفصل الرسول صلى الله عليه وسلم عن حاجته لأكل الطعام، والسعي في الأسواق؛ ليصح أن يكون رسولاً عندهم؛ فقطعت اللام بما يوافق ما أرادوه بقولهم هذا. فهم لم يأتوا بذكر أكل الطعام والمشي في الأسواق لأجل تقريره، بل لأجل بيان أن من يتصف بالأكل والسعي في الأسواق لا يصح أن يكون رسولاً في رأيهم.
    وقطعت اللام في قوله تعالى: (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمْ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا(78) النساء.
    ويرجع قطعها في هذا الموضع إلى أن الله تعالى يريد منهم أن ينفصلوا عن هذا الجهل، وعدم الفقه الذي هم عليه، وأن الأمور كلها؛ بخيرها وشرها بيد الله عز وجل، فمن مات أو قتل إنما كان موته بقدر من الله عز وجل، وليس لأنه كان في حرب، وأن قدر الله الذي قدره له بالموت سيلحق به أينما حل وأقام.
    وقطعت اللام في قوله تعالى: (فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ(36) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ (37) أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (38) المعارج.
    مُهْطِعِينَ: مسرعين نحوك، مادّي أعناقهم إليك، مقبلين بأبصارهم عليك.
    عِزِينَ: فرقا شتى كل فرقة من ثلاثة أو أربعة، كانوا يجتمعون حول الرسول صلى الله عليه وسلم، ويستهزئون بما جاء به. فاستنكر تعالى عليهم فعلهم، على قصد تركه وقطعه؛ فكان الرسم موافقًا لما أراد الله تعالى من ذكر ذلك عنهم.
    وقد جاءت اللام في خبر "ما" حيث ما؛ اسم استفهام في محل رفع مبتدأ، وكان الاستفهام في هذه المواضع هو استفهام استنكاري.
    فلم يكن مجيء اللام في هذه المواضع الأربعة التي قطعت فيها؛ لأجل إقرار الخبر وتوكيده، بل لأجل الرغبة في قطعه وإبعاده، وعدم الاتصاف به، وعلى ذلك كان الرسم بالقطع.

    التعديل الأخير تم بواسطة أبو مسلم العرابلي ; 14/03/2009 الساعة 09:54 AM

  12. #12
    باحث إسلامي في علوم القرآن واللغة الصورة الرمزية أبو مسلم العرابلي
    تاريخ التسجيل
    26/04/2007
    العمر
    67
    المشاركات
    3,024
    معدل تقييم المستوى
    21

    افتراضي رد: ست وثلاثون بحثًا في المقطوع والموصول

    بارك الله في الأخ الكريم الفاضل الدكتور التهامي الهاشمي وأحسن الله إليه
    وأشكر لكم هذا المرور الكريم وأرجو ان يكون له صدى عندكم
    وإن شاء الله تعالى مع بداية الشهر القادم سيكون عندنا دورة في أسرار هذا الرسم في أحد المراكز الإسلامية
    وللعلم فإن ترتيب هذه المواضيع أخذته من كتاب "جامع البيان في معرفة رسم القرآن" لعلي إسماعيل السيد الهنداوي / المدرس بقسم الدراسات القرآنية بكلية إعداد المعلمين بالرياض، مع قليل من الإضافة والتعديل عليه.
    وهو يشرح فيه منظومة "المورد الظمآن" لأبي عبد الله الشريسي الشهير بالخراز، ومما أضيف عليها من قبل الشراح لها

    التعديل الأخير تم بواسطة أبو مسلم العرابلي ; 22/02/2009 الساعة 06:21 PM

  13. #13
    عـضــو
    تاريخ التسجيل
    07/10/2006
    المشاركات
    200
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي رد: ست وثلاثون بحثًا في المقطوع والموصول

    بسم الله الرحمن الرحيم
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    الاخ الكريم ابو مسلم
    كما يقال الخير بتمامه: هلا تكرمت وجمعتها في ملف واحد حتى يسهل الاستفاده منها لان نقلها يحتاج لوقت طويل واحيانا الحاسوب يرفض نقل اجزاء منها.
    جهد كبير وفائده عظيمه بعون الله ارجوا لك دوام الصحه والعطاء المتواصل وبارك الله بك وزادك خيرا.
    اخوكم عبد الله محمود


  14. #14
    باحث إسلامي في علوم القرآن واللغة الصورة الرمزية أبو مسلم العرابلي
    تاريخ التسجيل
    26/04/2007
    العمر
    67
    المشاركات
    3,024
    معدل تقييم المستوى
    21

    رد: ست وثلاثون بحثًا في المقطوع والموصول

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالله محمود مشاهدة المشاركة
    بسم الله الرحمن الرحيم
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    الاخ الكريم ابو مسلم
    كما يقال الخير بتمامه: هلا تكرمت وجمعتها في ملف واحد حتى يسهل الاستفاده منها لان نقلها يحتاج لوقت طويل واحيانا الحاسوب يرفض نقل اجزاء منها.
    جهد كبير وفائده عظيمه بعون الله ارجوا لك دوام الصحه والعطاء المتواصل وبارك الله بك وزادك خيرا.
    اخوكم عبد الله محمود
    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
    بارك الله فيك يا أخي الكريم
    جمعها في ملف واحد أظن أنه لا يمكن لكثرة المكتوب
    وسيطلب تجزئته
    لكنني سأحاول بعد اكتمال التنزيل
    أرى تفريقها على أبواب منفردة أسهل في الرجوع إليها
    ويستطيع القارئ أن يختار ما يريده
    لقد كتبت في المقطوع والموصول قبل سنوات ... ولكنني لم أجد له أثرًا إلا ملفات قليلة
    فأين ذهب؟!
    وها أنا أعيد الكتابة مرة أخرى .. مع كثرة المناسبات وارتفاع الضغط .. نسأل الله تعالى العافية
    وسأنزل بقيته إن شاء الله تعالى قريبًا ولو على دفعات


  15. #15
    باحث إسلامي في علوم القرآن واللغة الصورة الرمزية أبو مسلم العرابلي
    تاريخ التسجيل
    26/04/2007
    العمر
    67
    المشاركات
    3,024
    معدل تقييم المستوى
    21

    وصل وقطع أينما

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الكلمة العشرون: وصل وقطع أينما
    وردت أينما (12) مرة؛ قطعت في (8) مواضع، ووصلت في (4) مواضع؛
    فقد وصلت في قوله تعالى: (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ(115) البقرة.
    الصلاة تصل إلى الله، ولا يقطعها بعد مكان إقامتها عن المسجد الحرام، ولا الجهة التي يقع فيها المسجد الحرام، وعلى ذلك كان الوصل على تأكيد بلوغ صلاتك لربك الذي تصلى له.
    ووصلت في قوله تعالى: (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمْ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ (78) النساء.
    الموت موصول بالإنسان، ولا مفر لأحد منه إلى أي مكان قد يوجد فيه أو ينتقل إليه، وعلى ذلك كان الرسم بالوصل لا القطع، فلا مفر لمخلوق من إدراك الموت له.
    ووصلت في قوله تعالى: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلـاـهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهُّ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ (76) النحل.
    لا يغير حال الأبكم الكَلَّ على مولاه تغير الجهة التي يوجه إليها، وعجزه يظل متصلاً، وملصقًا به، وعلى ذلك كان الوصل في الرسم لا القطع.
    ووصلت في قوله تعالى: (مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً(61) الأحزاب.
    اللعنة تلاحق المنافقين والمرجفين أينما ثقفوا؛ أي أينما وجدوا وأي مكان ينطلقون إليه أو يدخلون متسللين فيه؛ فإن تثقيف السهم هو لتسهيل دخوله في الرمية ومروقه منها، وعلى ذلك كان الرسم بالوصل لا القطع لوصول اللعنة إليهم.

    وقطعت في قوله تعالى: (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمْ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(148) البقرة.
    الجمع والإتيان يكون لما هو متفرق ومتباعد، وليس لما هو مجموع ومتقارب؛ وعلى ذلك جاء الرسم بالقطع لا الوصل.
    وقطعت في قوله تعالى: (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلاَّ بِحَبْلٍ مِنْ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنْ النَّاسِ (112) آل عمران

    التفرق يلحق بأهله الذل والهوان، وقد قضى الله تعالى على بني إسرائيل التفرق أمما مشتتين في الأرض، إلا ما استثناه الله تعالى لبعض منهم؛ وعلى ذلك كان القطع لارتباط الذل بالتفرق.
    وقطعت في قوله تعالى: (حَتَى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَـاـفِرِينَ(37) الأعراف.
    سؤال عما عبدوهم في الحياة الدنيا، ولا وجود له في الآخرة؛ فكان الرسم بالقطع موافقًا لما لا وجود له في الآخرة عند السؤال عنه.
    وكان القطع لنفس السبب في آيتي الشعراء وغافر؛
    في قوله تعالى: (وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ(92) الشعراء.
    وفي قوله تعالى: (ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ(73) غافر.

    وقطعت في قوله تعالى: (وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَـاـنِي بِالصَّلَواةِ وَالزَّكَواةِ مَا دُمْتُ حَيًّا(31) مريم.
    البركة لعيسى عليه السلام ليست محصورة بمكان ولادته، وأرض قومه؛ بل هي ملازمة له أينما انتقل ورحل، وتباعد عن قومه، وأرضهم؛ فجاء القطع موافقًا لما أخبر به عليه السلام عن نفسه.
    وقطعت في قوله تعالى: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(4) الحديد.
    بسبب طبع الإنسان، وضروريات الحياة؛ فإنه لا يظل محصورًا في مكان واحد، وعليه الانتقال في الأرض، والانتشار فيها، وعلى ذلك كان الرسم بالقطع؛ وتظل معية الله لنا قائمة حيث كنا.
    وقطعت في قوله تعالى: (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَـاـثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا(7) المجادلة.
    سبب القطع في هذا الموضع هو نفسه في الآية السابقة؛ مع زيادة في التفصيل؛ قل عددهم في أماكن تواجدهم أم كثر، جهروا بصوتهم، أم تناجوا بينهم؛ فالله السميع البصير هو معهم.

    التعديل الأخير تم بواسطة أبو مسلم العرابلي ; 14/03/2009 الساعة 10:12 AM

  16. #16
    باحث إسلامي في علوم القرآن واللغة الصورة الرمزية أبو مسلم العرابلي
    تاريخ التسجيل
    26/04/2007
    العمر
    67
    المشاركات
    3,024
    معدل تقييم المستوى
    21

    وصل وقطع بئسما

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الكلمة الحادية والعشرون : وصل وقطع بئسما
    بئسما بالقطع والوصل كلها وردت في أهل الكتاب، وقد انقسم فعلهم على حالين؛ حالة يعودون فيها إلى المعصية أو الشرك والكفر بعد الخروج منه، وحالة يخرجون من إيمان وطاعة كانوا عليها؛ فإن كان العودة لكفر سابق كتب بالوصل، وإن كان الخروج من إيمان سابق كتب بالقطع.
    وردت بئسما تسع مرات؛ قطعت في ستة مواضع، ووصلت في ثلاثة منها؛
    فقد وصلت في قوله تعالى: (وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَـاـنَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ (150) الأعراف.
    كل رسول يرسل لقومه إنما يرسل لإخراجهم من البؤس الذي هم فيه، وعلى رأسه الإشراك بالله عز وجل؛ فعندما يرجعون إلى إشراكهم بالله بعد خروجهم منه؛ إنما هم يستمرون على الحال الذي كانوا عليها من قبل؛ وعلى ذلك كان الرسم بوصل بئسما.
    ووصلت في قوله تعالى: (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَـاـفِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ(90) البقرة.
    كان هذا الفعل من أهل الكتاب الذين كانوا يبشرون بالرسول صلى الله عليه وسلم؛ ويستفتحون على الذين كفروا به؛ فلما جاء النبي بالكتاب الذي نزل عليه مصدقًا لما معهم؛ كفروا به واستمروا على ما هم عليه من البؤس الذي هم فيه، فعلى ذلك كتبت بالوصل لا القطع.
    ووصلت في قوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَـاـقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمْ الطُّورَ خُذُوا مَا ءاتَيْنَـاـكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمْ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَـاـنُكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ(93) البقرة.
    فهذا تذكير لهم بكفرهم السابق أيام موسى عليه السلام وفساد فطرتهم في كفرهم بنبوة الرسول صلى الله عليه وسلم وما جاء به، فكتبت مثل السابقات على الوصل لا القطع.

    وقد قطعت في قوله تعالى: (وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ(102) البقرة.
    في الآية تحذير من تعلم السحر الذي يقطع الإيمان السابق قبل تعلمه؛ وعلى ذلك كتبت بالقطع لا الوصل
    وقطعت في قوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَـاـقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَـاـبَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ(187) آل عمران.
    فقد قطعوا العهد الذي أخذ عليهم بعدم كتم ما في الكتاب، وقد كتموا أمر الله إليهم بالإيمان بالنبي عليه الصلاة والسلام ونصرته، فالحديث عن كتم العلم وإنكاره، وقد حفظوه زمنًا طويلا من قبل، أما الكفر به فهو عودة لما كانوا عليه، وعلى قطعهم للعهد جاء الرسم بالقطع كذلك.
    وقطعت في قوله تعالى: (وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَـاـرِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمْ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(62) المائدة.
    مسارعتهم في الإثم هو خروج عن طاعة الله تعالى؛ بعد أن تعلموا العلم الذي أوصلهم ليكونوا أحبارًا ورهبانًا، فأقدموا على قطع ذلك بالمعاصي والإثم وأكل السحت، وعلى ذلك جاء الرسم بالقطع كذلك.
    وقطعت في قوله تعالى: (لَوْلا يَنْهَـاـهُمْ الرَّبَّـاـنِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمْ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمْ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ(63) المائدة.
    والآية أيضًا متعلقة بالأحبار والرهبان الذين في الآية السابقة؛ ففيها بيان أيضًا بقطع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ بالسكوت عن القائلين بالإثم والآكلين للسحت، فكان الرسم بالقطع موافقًا لهذا القطع منهم.
    وقطعت في قوله تعالى: (كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ(79) المائدة.
    لقد كان عندهم من الأحكام ما يجعلهم يفرقون ما هو معروف وما هو منكر؛ فقطعوا العمل بالمعروف إلى العمل بالمنكر، فعلى ذلك جاء الرسم بالقطع.
    وقطعت في قوله تعالى: (تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَـاـلِدُونَ(80) المائدة.
    فهؤلاء هم نفس السابقين؛ فتوليهم للذين كفروا هو قطع آخر منهم لما يؤمرون به في الكتاب الذي أنزل عليهم، فكذلك كان الرسم بالقطع أيضًا.

    التعديل الأخير تم بواسطة أبو مسلم العرابلي ; 14/04/2009 الساعة 09:16 PM

  17. #17
    باحث إسلامي في علوم القرآن واللغة الصورة الرمزية أبو مسلم العرابلي
    تاريخ التسجيل
    26/04/2007
    العمر
    67
    المشاركات
    3,024
    معدل تقييم المستوى
    21

    وصل وقطع كيلا

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الكلمة الثانية والعشرون: وصل وقطع كيلا

    "كيلا" مكونة من؛ "كي" و"لا"، وكي: حرف من حروف المعاني ينصب الأفعال المستقبلة، واستعماله لبيان علة وقوع الشيء، ودخلت على كي اللام للتوكيد، وألحقت بها لا النافية لقلب الإيجاب إلى السلب.
    وقد ذكرت "لكيلا" في القرآن الكريم سبع مرات، إلا واحدة منها بغير لام؛ وقد وصلت في أربعة مواضع، وقطعت في ثلاثة مواضع؛ وكان الوصل والقطع تبعًا لما أراده الله تعالى من العباد فعله؛
    فقد وصلت في قوله تعالى: (إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَـاـكُمْ فَأَثَـاـبَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا مَا أَصَـاـبَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (153) آل عمران.
    هذه الآية نزلت في غزوة أحد، وقد هزم المسلمون فيها بعد أن كان لهم النصر في بادئ الأمر، واستشهد منهم سبعون شهيدًا؛ أي عُشر الجيش الذي خرج في هذه الغزوة، وكانت صدمة كبيرة للمسلمين.
    والهزيمة تولد في الأمم الإحباط، وتغير سياستهم من الهجوم إلى الدفاع، والتقاعس عن القتال، والأمة الإسلامية التي أنزل الله عليها كتابه، وألزمهم بتبليغ رسالته إلى الناس، وأمرهم بالجهاد من أجل ذلك، وجعل أجر الشهيد الفوز بالجنة، فإن الأمة ستلاقي في مواضع كثيرة مثل ما لاقوه في أحد، وأشد من ذلك ودون ذلك، فعليهم ألا ينصرفوا عن القتال، وقطع الجهاد لمصيبة تصيبهم في الحرب أو هزيمة، ويجب عليهم مواصلة الجهاد في سبيل الله مهما فاتهم من غنائم أو أصابتهم من مصيبة.
    وللمعنى الذي أراده تعالى، وحكمته التي أرادها في هزيمة المسلمين، وكان بقدرته منع ذلك؛ جعل من تلك الحادثة منهاجًا للمسلمين في الحرب على مر العصور؛ فكتبت (لكيلا) موصولة لتكون صورة لتواصل الجهاد وعدم قطعه مهما كانت نتائجه.
    وكان عدم الأخذ بما في هذه الآية بعد معركة بلاط الشهداء؛ اختفاء الإسلام بعد زمن من أرض الأندلس.
    ووصلت في قوله تعالى: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا ءاتَـاـكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ(23) الحديد
    يبين الله تعالى في هذه الآيات أن ما يناله الإنسان من خير، أو يصيبه من مصيبة؛ قد كتب عليه من أن قبل أن يخلقه، وأنه لم يحدث له شيء إلا بعلمه سبحانه وتعالى.
    وأن الله سبحانه وتعالى لم يخلق الإنسان إلا لعبادته؛ فلا يقطع عبادته لله تعالى إن أصابته مصيبة؛ فييأس، ويتقاعس عن العمل، أو يكفر بالله لأنه حرمه من خير الدنيا وأصابه بالمشقة فيها، وكذلك لا يبطر ويفسد في الأرض إن كثر الخير بين يديه، وليكن كما قال عليه الصلاة والسلام: (عجبت لأمر المؤمن فأمره كل خير إن أصابته ضراء صبر وإن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له).
    وعلى ذلك كتبت (لكيلا) موصولة على ما يريده الله تعالى من مواصلة العبادة له في الضراء والسراء.
    ووصلت في قوله تعالى: (يَـاـأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ الَّـاـتِي ءاتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّـاـتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَـاـلَـاـتِكَ الَّـاـتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَـاـنُهُمْ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا(50) الأحزاب
    محمد صلى الله عليه وسلم نبي هذه الأمة وإمامها ومعلمها؛ فهو أول من طبق أحكام الله فيها، وقد فرض الله له بعض الأحكام الخاصة به في ظاهرها، وفي طياتها إعانة من الله له في تبليغ رسالته، وتطبيق أحكامه؛ كإحلال الله له التزوج بأكثر من أربع نساء، وكان في زواجه من كل واحدة له أسبابه الخاصة به.
    وقد بين تعالى في بداية السورة أن النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم فهو وليهم ذكورًا وإناثا، وكبارًا وصغارًا، وبين تعالى في هذه الآية حكمًا لولا سبق بيانه للأمة؛ لكان للمنافقين والمرجفين، والذين في قلوبهم مرض حديث يخوضون فيه، وهذا الحكم هو زواج النبي صلى الله عليه وسلم ممن تعرض نفسها عليه لتكون زوجًا له، إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة له من دون المؤمنين، ويدل هذا على أن العرض منها بدون إذن وليها، أو تطلب من وليها عرض ذلك عليه لمهابة المسلمين من فعل ذلك، والقبول يكون للنبي صلى الله عليه وسلم، وقيل أنه لم تعرض نفسها إلا امرأة واحدة، ثم طلبت أن تقال من هذا العرض، ولم يكن هناك زواج للنبي عليه الصلاة والسلام عن طريق هذا الحكم.
    والحكمة من هذا الحكم أنه لو كان رسول الله تقدم لامرأة ورغب في الزواج منها، أو كانت الرغبة منها هي؛ فوهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم، ورفض ولي المرأة هذا الزواج، وفضل غير رسول الله عليه؛ لكان ذلك كفرًا منه، وهلاكًا له، فرحمة من الله بالمؤمنين بين هذا الحكم.
    وحتى يتواصل رفع الحرج عن النبي عليه الصلاة والسلام، ولا يبقى لمتكلم كلام يأخذه عليه؛ فبين سبحانه وتعالى هذا الحكم، وعليه كتبت (لكيلا) بالوصل لما أراده الله بحكمته من هذا الحكم؛ من تواصل رفع الحرج عن رسوله عليه الصلاة والسلام.
    ووصلت في قوله تعالى: (يَـاـأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنْ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَـاـكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ(5) الحج.
    كتبت "لكيلا" في هذه الآية من سورة الحج بالوصل وفي الآية المشابهة لها من سورة النحل بالقطع وسر هذا الوصل وذاك القطع في الآيتين يعود إلى مقدمة كل آية منهما.
    ففي بداية آية الحج يبين الله تعالى للمنكرين للبعث، والشاكين في حدوثه؛ ما يذكرهم كيف بدأ وجودهم في الحياة، ومراحل الضعف التي مروا بها؛ فبدايتهم من تراب، ثم من نطفة، ثم من علقة، ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة، وفي هذه المراحل لم يكن للإنسان صورة الإنسان، ويخشى عليه من السقوط، ثم يقر الله ما يشاء منهم في الأرحام إلى أجل يخرج بعدها طفلا لا يعلم شيئًا، ثم يعطيه تعالى من العلم والقوة حتى يبلغ أشده، وبعدها إما الموت المبكر له، وإما بلوغ أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئًا.
    فقد فصل تعالى مراحل عمره وكلها في الضعف إلى مرحلة واحدة ؛ هي بلوغ أشده من بين تلك المراحل، وفي نهاية أمره أنه انتهى إلى ما بدأ فيه من الضعف، فالضعف عاد إليه، واستمر في الضعف ابتداء وانتهاء، ولتواصل الضعف عليه؛ كتبت لكيلا موصولة لبيان هذا التواصل من الضعف فإن من التواصل العودة لما فارقه.
    وتدل هذه الآية على أن القدرة له في حفظ العلم ضعفت ولم يبق من العلم إلا القليل، وقد بينت هذا أيضًا "من" التبعيضية (لكيلا يعلم من بعد علم)، أو أنه لم يأخذ من العلم إلا القليل، وفقده في آخر العمر؛ فتواصل عليه الضعف عودًا على بدء.
    وأما قطعها في قوله تعالى: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّـاـكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ(70) النحل.
    فقطعت ( لكي لا ) في هذا الموضع خلافًا لوصلها في الموضع السابق المشابه له من سورة الحج، ويكشف أيضًا سر هذا القطع مقدمة الآية؛ فقد بين تعالى أن الله خلقنا فأعطانا الحياة، ثم يتوفانا فينزع منا الحياة، وأعطانا العلم، ثم ينزعه ممن بلغ أرذل العمر منا؛ فالعلم أعطي ثم قطع كما أعطيت الحياة ثم قطعت بالوفاة، فجاءت كتابة ( لكي لا ) مقطوعة لتبين القطع الذي حدث للعلم ولم يؤت بمن التبعيض في هذه الآية كما جيء بها في السابقة.
    والفرق بين الآيتين أن في آية الحج تواصل الضعف عليه وبقي من العلم القليل، وفي آية النحل قطع هذا العلم فلم يبق منه شيء، والمثالان موجودان في حياة الناس ممن بلغ أرذل العمر.
    ومما لا شك فيه من الأمثلة التي يعرفها الناس أن فقدان العلم للعالم قليل، ويبقى لديه مما يحفظ له شخصيته، وأما الجاهل قليل العلم ففقده كبير لما تعلمه في الحياة، فيسوء حاله في آخر عمره، حتى لا يحفظ شيئًا من أمور الحياة؛ وقد يضل عن بيته لذلك، فيظل تحت مراقبة أهله حتى لا يفقد أو يضع نفسه في مهلكة.
    فهؤلاء الذين قطع عنهم العلم؛ لم يذكر تعالى في بداية الآية أنه أعطاهم علمًا، فهم في حكم الجهلاء قليلو العلم، وهم الأشد سوءا عندما يبلغون أرذل العمر، والله تعالى أعلم بعباده.
    وقطعت في قوله تعالى: (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَـاـهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَـاـكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً(37) الأحزاب.
    كان ادعاء الأبناء وتبنيهم وجعلهم كالأولاد من الصلب عادة متأصلة عند العرب، حتى أن قريشًا عرضت على أبي طالب من أبنائها مقابل محمد عليه الصلاة والسلام ليقتلوه، وقد بين تعالى في بداية سورة الأحزاب حكمه في هذا الأمر بقوله تعالى: ( ... وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ(4)ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا ءابَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ (5) الأحزاب.
    ولم يكف بيان الحكم عند الناس للأخذ به لشدة تأصله فيهم، فكان لا بد لاستئصال هذه العادة؛ أن يقوم النبي صلى الله عليه وسلم بتطبيق ذلك الحكم بنفسه بزواجه من مطلقة زيد بن ثابت، الذي تبناه النبي قبل الإسلام، وكان يسمى بزيد بن محمد؛ ليكون في تطبيقه هذا الحكم الشديد عليه؛ قدوتهم وإمامهم في تطبيقه.
    وقد أخبر سبحانه رسوله بذلك الأمر، وزيد يشكو من زينب بنت جحش للنبي عليه الصلاة والسلام، وامتناعها وتكبرها عليه، وقبل أن يوافقه على طلاق زوجه كان يقول له: (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ)؛ حتى يؤخر هذا التطبيق، أو يرفعه الله عنه، وقد كانت العرب ترى ذلك من العار الكبير؛ فثقل الأمر على رسول الله، وأخفى في نفسه ما بلغ به مما سيكون شأنه مع زوج دعيه السابق؛ (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَـاـهُ)، وقد قضى الله تعالى هذا الأمر، وقضاؤه لا يرد؛ (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَـاـكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً)؛ ففي فعل الرسول صلى الله عليه وسلم بزواجه من مطلقة دعيه قطعًا لعادة التبني عند العرب.
    ولذلك كتبت (لكي لا) مقطوعة تبعًا لمراد الله في قطع عادة التبني المتأصلة عند العرب، ولا يتحرج المؤمنون بعد ذلك من هذا الأمر.
    وقطعت في قوله تعالى: (مَّآ أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَـاـمَى وَالْمَسَـاـكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا ءاتَـاـكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَـاـكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ(7) الحشر.
    أراد الله سبحانه وتعالى أن يكون لليتامى، والمساكين، وابن السبيل، ولذي قربى النبي صلى الله عليه وسلم؛ ممن لم يحضر الحرب، ولم يشارك بها، أو هو عاجز عن المشاركة فيها؛ نصيب من الغنائم التي لم تأت عن طريق القتال والتي تسمى بالفيء.
    لهذا الشيء المراد من توزيع الفيء وتقطيعه ولا يجمع بأيدي فئة قليلة؛ كان رسم (كي لا) مقطوعًا ليكون موافقًا لحكم الله تعالى وصورة لما يريده في هذا المال ... والله تعالى هو العليم الحكيم

    التعديل الأخير تم بواسطة أبو مسلم العرابلي ; 09/04/2009 الساعة 09:49 PM

+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •