الشمس تشرق من الشرق!




ظل يقلب عينيه في الرمال والموج الميت وخليج العقبات! يرى الجبال تكتم المياه من كل جانب وإتجاه، إلا مخرجا يطلق عليه الخليج أو المضيق!


وأخذ يفهم الحياة وسننها وفلسفتها... والشمس تدنو في كل حين خلف الجبل. فهي ليست كما كان يسمع تنام في المياه ولا تنطفأ!


ظل يدور حول الجبال يفكر بما ورائها، ويتابع الشمس ساعة رحيلها، وينتابه شعور غير مبرر بالحسرة وألم الفراق، وأن لحظة الوداع تدنو أمامه؛


هناك عند الشمس يريد أن يطير، فرائحة الحياة هناك والنهار والشمس والأمل.


هناك ودع عبر الأسلاك واللاأسلاك، خبر كان الأخير عنها... في هذه الحياة.


كانت طفلة تجعدت أيامها بأطفالها وأطفال أطفال، لقد كان أحد الأسباب أو أسباب الأسباب، وكم سولت نفسه أن يلقي قبلة الفراق الثقيلة والوداع الأخيرة قبل موعد الغروب... ولكنه لا ينبش القبور، ولن يراها إلا شابة صغيرة في الجنان إن شاء الله العلي القدير.


أجفلته رقة المضيف بطلبه المؤدب وهمسه له: ماذا تشرب؟ فأجابه وقد لمح من بعيد طفلة صغيرة تأتي من خلفه مع أمها الشابة، فبدأ يفكر بموجة الرياح وخيوط الشمس التي تبدل ألوانها كلما أقترب أجلها خلف الجبال.


ولم يعجبه مرور الناس بنعالهم على الرمال التي رصفتها الأمواج وصقل إرتدادها سطحها ولمعه، فقبل أن يزجرهم ويقطع هذيان عقله، أعادت الأمواج له المنظر كما كان، وقالت له أستمر قبل الغروب، وقد إزداد أحمراره...


نظر بالمنظر الجميل وأوتار الغيوم المنادية عليه أن يتفاءل كما يقول له الناس...


فإستمر بفلسفة عقله المتحجر يمضي بأفكاره المتجمدة، فكأنه توصل لنتيجة خطيرة، أن الشمس تعود بعد أن تكمل دورانها، ولن تعود إلا من خلفه؛ فالشمس تشرق من الشرق! وإن كانت عيونه تتمنى عودتها كما كانت، فيوم إذا لا تنفع التوبة... ولن تنفعه الطفلة وستنادي نفسي نفسي...


أنا مدين لك بقبلة وصلاة غائب... وأشياء كثيرة، غفر الله لك ورحمك ولنا لقاء...



ولا تبكي يا أمي...