عد الاتساع الهائل لشعبية الممارسة اللغوية اللصيقة بالنشر الالكتروني ـ في عصر الشبكات‏,‏ التي باتت تعتمد علي نحو متزايد علي برامج الترجمة الآلية‏,‏ بين اللغات الأوروبية بخاصة‏,‏ من أهم العوامل التي تسهم في إضعاف سلطة المترجم البشري في ظرفنا الحضاري المعيش‏,‏ الأمر الذي خلق شروطا مشروعية جديدة‏,‏ وعممها لصالح تواصل انساني‏,‏ لا يخضع إلي شروط الانتاج القديمة‏,‏ ولا ينتمي إلي تقاليد الكتابة المعتادة‏,‏ فنحن شهود الآن علي ثورة اتصالات ستتغير من خلالها البني الثقافية الصورية للعالم‏,‏ القومية بخاصة‏,‏ علي نحو متسارع‏,‏ تأثرا بمن كان يسمي يوما ما بالآخر‏,‏ وتأثيرا فيه‏.‏

وقد كانت الأوضاع العسكرية والاقتصادية التنافسية من جهة‏,‏ فضلا عن الرغبة في تسهيل التواصل بين الهويات اللغوية المتعددة في الوطن الواحد من جهة أخري‏,‏ من الأسباب الأساسية التي دفعت دول العالم المتقدم إلي الاهتمام المبكر بالترجمة الآلية‏,‏ التي لعبت دورا مهما في مساعدة الشركات الكبري علي متابعة أسواقها عابرة الحدود‏,‏ ويسرت لها سرعة الترجمات الخاصة بالتجسس الصناعي‏,‏ فضلا عن ترجمات البحوث العلمية‏,‏ والتقنية‏,‏ وذلك من أجل استباق ما قد يبدعه الخصم‏,‏ وهي حوافز شجعت علي تقدم هذه النظم‏,‏ وتطويرها‏,‏ ثم امتد مجالها فيما بعد ليشمل مجالات أهلية‏,‏ واستعمالات شخصية‏,‏ واستخدامات سلمية غير تنافسية‏.‏

كما تجدر الاشارة‏,‏ علي مستوي تاريخي آخر‏,‏ إلي أن خوف الولايات المتحدة الأمريكية في أثناء الحرب الباردة‏,‏ من التطور العلمي السوفياتي في الخمسينيات‏,‏ ساعد علي دعم برامج الترجمة الآلية‏,‏ وذلك بعد أن تيقن الأمريكيون من أن ترجمة الوثائق العلمية الروسية ستمكن خبراءهم‏,‏ وحلفاءهم من استباق تقدم الروس‏,‏ والحد من قدراتهم‏,‏ فانصب اهتمامهم علي ترجمة الوثائق المرتبطة بالتقنيات العسكرية بخاصة‏,‏ فضلا عن البحوث الروسية النووية والفضائية‏.‏ ولم يكن من الممكن ترجمة هذا الكم الهائل من الوثائق علي نحو سريع ومؤثر دون توافر آلة مترجمة‏,‏ وفي خضم الصراع علي السبق الفضائي بين القطبين لم تعد ترجمة الوثائق الروسية قضية علمية فحسب‏,‏ بل أضحت مسألة مصير أيضا‏,‏ وهذا ما صبغ برامج الترجمة الآلية وبحوثها‏,‏ بالصبغة السياسية‏,‏ الأمر الذي يشد انتباهنا إلي علاقة الترجمة بالمجالات التجسسية‏.‏ وقد خصص عدد من الحكومات‏,‏ وعدد آخر من الشركات الكبري مبالغ ضخمة للتجارب في الترجمة الآلية‏.‏ وكانت جامعة جورج تاون بواشنطن هي أولي الجامعات التي دخلت هذا الميدان‏,‏ حيث بدأ طاقمها في اللسانيات بترميز المعارف اللسانية‏,‏ وقد أثمرت تلك المجهودات
عن منظومات ترجمة روسية‏/‏ انجليزية استفاد منها سلاح الجو الأمريكي‏,‏ وتجدر الاشارة إلي غياب برنامج مترجم كامل الفعالية حتي الآن‏.‏

ربما كان برنامج سيستران‏systRan))‏ هو أهم برنامج واسع الانتشار للترجمة الآلية اليوم وقد لاقي هذا البرنامج نجاحا إلي حد بعيد‏,‏ ولفظة سيستران هي اختزال للعبارة الانجليزية ترجمة النظام‏,‏ وبالرغم مما يعاب عليه من حيث المستوي الجمالي‏,‏ أو اللساني‏,‏ فإنه أكثر البرامج التي توفر متطلبات الترجمة الآلية علي المستوي العملي‏,‏ ويمكنه ان يقدم ترجمة صالحة مباشرة دون حاجة إلي تدقيق‏,‏ وان كانت النصوص المنتجة غير صحيحة تماما علي المستويين التركيبي والنحوي‏,‏ وهو نظام بالغ الاتساع‏,‏ فهو يتعامل مع اللغات الانجليزية‏,‏ والفرنسية‏,‏ والألمانية‏,‏ والصينية‏,‏ والروسية‏,‏ والأسبانية‏,‏ والصربكرواتية‏,‏ والسويدية‏,‏ والفارسية‏,‏ والبولندية‏,‏ والبرتغالية‏,‏ والأوكرانية‏,‏ والأردية‏,‏ والكورية‏,‏ والنرويجية‏,‏ واليابانية‏,‏ والايطالية‏,‏ والهندية واليونانية‏,‏ والدانماركية‏,‏ وغيرها‏.‏ ومعظم هذه اللغات مصممة للتحويل إلي واحدة من اللغتين‏:‏ الانجليزية أو الفرنسية‏,‏ أو إلي كلتيهما‏,‏ وتنتمي غالبية هذه اللغات إلي ثلاث أسر لغوية هي الرومانية‏,‏ والجرمانية‏,‏ والسلافية‏,‏ وتجدر الاشارة إلي أن هناك محاولات لتطوير نظام عربي أيضا‏.‏

قدم بيتر توما عام‏1968‏ نظام سيستران في لاجولا‏,‏ بكاليفورنيا‏,‏ وتعاقد عليه سلاح الجو الأمريكي في‏1969,‏ واستخدمته وكالة الفضاء الأمريكية في مشروع اتصالات سيوز ـ أبولو‏,‏ ثم توجه البحث في اتجاه الزوج اللغوي‏:‏ الانجليزية ـ الفرنسية عام‏1974,‏ وذلك بتشجيع من مكتب الترجمات الرسمية بكندا‏,‏ وشركات فورد وجنرال موتورز‏,‏ وتجدر الاشارة إلي أن هذه البرامج في بداياتها كانت تهدف إلي التجسس العسكري‏.‏ وقد اعتمدت المفوضية الأوروبية هذا البرنامج منذ عام‏1975,‏ وطورته لأغراضها‏,‏ وصدرته للأسواق‏,‏ وفي عام‏1995,‏ انطلق أول برنامج سيستران صالح للاستخدام مع برنامج نوافذ‏,‏ وفي عام‏1997‏ قدمته شبكة ألتافيستا من أجل الترجمة المجانية علي موقعها باسم سمكة بابل‏,‏ فعلي سبيل المثال يقوم موقع سمكة بابل بترجمة صفحات الانترنت الكاملة آليا بين تسعة عشر زوجا من اللغات‏.‏

أما برنامج الترجمة الآلية الثاني فهو برناج يوروترا‏Eurotra)),‏ وهو برنامج طموح‏,‏ مولته اللجنة الأوروبية من عام‏1977‏ إلي عام‏1994,‏ ويوروترا اختزال لعبارة الترجمة وأوروبا‏.‏ ويعد هذا البرنامج انتاجا أوروبيا خالصا‏,‏ بدأ التفكير فيه علي المستوي الأكاديمي من أجل تشجيع برامج المجموعة الأوروبية في الترجمة الآلية بين لغاتها المختلفة‏.‏ وكان الهدف محاولة ايجاد مترجم آلي يتعامل مع كل اللغات الرسمية في المجموعة الأوروبية‏.‏ وقد مهد هذا البرنامج السبيل لبرامج أخري ناجحة بين دول أوروبية مثل اليونان والبرتغال‏,‏ وأسبانيا‏,‏ وايطاليا‏,‏ فيما بعد‏,‏ فلم يكن تحقيق طموح هذا البرنامج سهل التحقيق علي نحو ناجح‏,‏ علي أية حال‏,‏ أما القفزة الحقيقية في برامج الترجمة الآلية فتتمثل في أنظمة الترجمة الآلية المتزامنة التي سيكون لها في العقد القادم آثار بعيدة المدي علي المستويات الثقافية والاتصالية كافة‏,‏ وذلك بعد أن أضحت الترجمة الآلية ضرورة من ضرورات العصر‏,‏ من هنا قامت حاجة المجتمع الغربي إلي تطوير تكنولوجيا لغوية جديدة‏,‏ ولكن هل يستطيع المترجم الآلي أن يحقق ما طلبه الجاحظ بخصوص بيان المترجم البشري حين قال‏:‏ لابد للترجمان من
أن يكون بيانه في نفس الترجمة‏,‏ في وزن علمه في نفس المعرفة‏!‏

مقال الدكتور علاء عبد الهادي المنشور بتاريخ 15-2-2009 في جريدة الأهرام المصرية

و أنا أقرأ هذا المقال لم أصدق ما تقرأه عيناي ؟ هل بدأت الترجمة الألية في الستينات من القرن الماضي ؟ هل هذا معقول ؟ أنني لم أسمع عن برنامج سيستران إلا منذ عامين فقط ؟ إذا كانت التكنولوجيا متقدمة جدا في ذلك الوقت ؟!!! ثم يأتي السؤال الأهم ماذا كنا نفعل نحن العرب و العالم يتقدم من حولنا هل كنا نلهو و نلعب بالتراب ؟ للاسف فقد وضعنا حكامنا في ذلك الوقت في قمقم وأغلقوا علينا بسدادة فلين حتى مات هؤلاء الحكام وخرجنا نحن من القمقم ولكنناوجدنا أنفسنا في واد" التخلف و الفقر " و العالم من حولنا تقدم وتطور وأصبح في واد أخر وهو وادي التكنولوجيا و التطور " و احسرتاه علينا!!!