قضايا العلامات التجارية ( بحث )
" بحث أكثر من رائع فى قضايا العلامات التجارية للدكتور حسام الصغير عميد كلية حقوق المنوفية"
قضايا مختارة عن العلامات التجارية
الدكتور حسام الدين الصغير
عميد كلية الحقوق جامعة المنوفية
يطلق على جرائم الاعتداء على الحق فى العلامة التجارية المسجلة جرائم التقليد. وقد نصت المادة 113 من قانون حماية حقوق الملكية الفكرية رقم 82 لسنة 2002 على تلك الجرائم ، وهى تشمل جرائم التقليد الأصلية وجرائم أخرى مقاربة لها مثل بيع المنتجات التى تحمل علامات مقلدة .
على أن الحماية الجنائية المقررة للعلامة التجارية ليست هى الأداة القانونية الوحيدة لمواجهة الاعتداء عليها ، إذ يمكن حماية العلامة التجارية بتطبيق قواعد القانون المدنى المتعلقة بالمسئولية عن الفعل الضار ( المسئولية التقصيرية )، فيجوز لكل من لحقه ضرر نتيجة لتقليد العلامة التجارية رفع دعوى المنافسة غير المشروعة .
تعريف العلامة التجاريـة :
يقصد بالعلامة التجارية أو الصناعية كل إشارة أو رمز يتخذ شعارا لتمييز منتجات مشروع تجارى أو صناعى ، أو يتخذ شعارا للخدمات التى يؤديها المشروع .
وتهدف العلامة التجارية أو الصناعية إلى تمييز المنتجات لجذب العملاء وجمهور المستهلكين نظرا لما تؤديه لهم من خدمات هى سهولة التعرف على ما يفضلونه من بضائع وسلع.
ويمكن تقسيم العلامات التجارية الى نوعين : علامة السلعة وهى التى تستخدم لتمييز منتجات مشروع معين عن غيرها من المنتجات المماثلة ،وعلامة الخدمة وتستخدم لتمييز الخدمات التى يؤديها المشروع . ولم يقرر قانون العلامات والبيانات التجارية المصرى الملغى رقم 57 لسنة 1939 فى بداية صدوره حماية علامة الخدمة ، ولكنه أضافها بعد ذلك إلى أنواع العلامات القابلة للتسجيل واعتبرها من قبيل العلامات التجارية بموجب القانون رقم 205 لسنة 1956 . ووفقا للمادة 63 من قانون حماية حقوق الملكية الفكرية رقم 82 لسنة 2002 فإن العلامة التجارية هى كل ما يميز منتجا سلعة كان أو خدمة عن غيره .
أشكال العلامات التجارية
أشارت المادة 63 من قانون حماية حقوق الملكية الفكرية رقم 82 لسنة 2002 الى بعض الأمثلة لأشكال العلامات التجارية فذكرت " الأسماء المتخذة شكلا مميزا والإمضاءات والكلمات والحروف والأرقام والرسوم والرموز وعناوين المحال والدمغات والأختام والتصاوير والنقوش البارزة ومجموعة الألوان التى تتخذ شكلا مميزا وأى خليط من هذه العناصر … " ، والرأى مستقر على أن هذا التعداد لم يرد على سبيل الحصر ، بل ورد على سبيل المثال .
شروط العلامة التجارية
لا يكفى أن تتخذ العلامة التجارية شكلا مميزا حتى تتمتع بالحماية القانونية بل يجب أن تتوافر فيها عدة شروط . وقد أوجب المشرع المصرى توافر ثلاثة شروط لتسجيل العلامة وهى أن تكون
ذات صفة مميزه ، وأن تكون جديدة لم يسبق استعمالها، وألا تكون منافية للآداب العامة أو النظام العام.
اكتساب ملكية العلامة :
والأصل أن ملكية العلامة التجارية تنشأ باستعمال العلامة لا بتسجيلها. ووفقا لقانون الملكية الفكرية رقم 82 لسنة 2002 - شأنه فى ذلك شأن قانون العلامات التجارية المصرى الملغى رقم 57 لسنة 1939 - تنشأ ملكية العلامة بالاستعمال وليس بالتسجيل ، وما التسجيل إلا قرينة على أسبقية الاستعمال . وهذه القرينة بسيطة يجوز للغير إثبات عكسها خلال الخمس سنوات التالية لتاريخ التسجيل. وهذا يعنى أن القانون يحمى من استعمل العلامة رغم أنه لم يسجلها ، على أنه إذا سجلت العلامة واقترن التسجيل باستعمال العلامة دون منازعة من أحد خلال الخمس سنوات التالية لتاريخ التسجيل فإن القرينة تصبح قرينة قاطعة ولا يقبل من أحد الادعاء بملكيتها استنادا الى أنه كان أسبق فى استعمال العلامة ممن سجلت باسمه .
ووفقا للفقرة الأخيرة من المادة 65 من قانون الملكية الفكرية رقم 82 لسنة 2002 يجوز الطعن ببطلان تسجيل العلامة دون التقيد بأى مدة متى أقترن السجل بسوء نية .
مدة الحمايـــة
مدة الحماية المقررة للعلامة التجارية فى التشريع المصرى 10 سنوات تبدأ من تاريخ تسجيل العلامة ، ومن حق صاحب العلامة أن يجدد المدة باستمرار لأن حق مالك العلامة حق دائم باعتبار أن العلامة تعد رمزا لمنتجات المشروع وتكتسب شهرة وتزداد قيمتها بمرور الزمن .
حماية العلامة التجارية
من المعلوم أن القانون يقرر نوعين من الحماية للعلامة التجارية : الحماية المدنية، والحماية الجنائية .
أولا : الحمايــة المدنيـة
تستند الحماية المدنية المقررة للعلامة التجارية الى القواعد العامة فى القانون المدنى . وهى تخول لصاحبها الحق فى المطالبة بالتعويض إذا ما وقع اعتداء على علامته بأى صورة من الصور عن طريق رفع دعوى المنافسة غير المشروعة .
وهذه الدعوى هى دعوى مسئولية يجوز أن يرفعها كل من أصابه ضرر من جراء الاعتداء على العلامة على المتسبب فى وقوعه لتعويضه عما لحقه من ضرر . وبينما لا ترفع الدعوى الجنائية
إلا من مالك العلامة أو ممن آلت إليه ملكيتها، فإن دعوى المنافسة غير المشروعة لا يشترط رفعها من مالك العلامة ، إذ يجوز لكل من لحقه ضرر رفعها سواء أكان مالكا للعلامة أم غير مالك لها .
ولذلك حكم بأن الدعوى المؤسسة على المنافسة غير المشروعة لا تخرج عن أن تكون دعوى مسئولية عادية أساسها الفعل الضار، فيحق لكل من أصابه ضرر من فعل المنافسة غير المشروعة أن يرفع الدعوى بطلب تعويض ما أصابه من ضرر على كل من شارك فى إحداث هذا الضرر متى توافرت شروط تلك الدعوى وهى الخطأ والضرر ورابطة السببية ، بينما لا تقبل الدعوى المؤسسة على تقليد العلامة التجارية إلا من مالك تلك العلامة ، ولا تقبل إلا على من يقوم بتقليدها أو تزويرها.)
ولا يشترط فى الدعوى المدنية ، وهى دعوى المنافسة غير المشروعة ، أن تكون العلامة مسجلة ، على خلاف الدعوى الجنائية التى يشترط لقبولها تسجيل العلامة .
ومن الجدير بالذكر أن مالك العلامة المسجلة يجوز له أن يجمع بين الدعوى المدنية والدعوى الجنائية فى آن واحد . ولا يمنع المالك من رفع الدعوى المدنية أن تكون الدعوى الجنائية قد رفعت وحكم فيها ببراءة المتهم ، لأن موضوع الدعويين ليس واحدا.
ولذلك حكمت محكمة الاسكندرية الابتدائية بأن القاضى المدنى لا يرتبط برأى القاضى الجنائى فى تقدير أن العلامة مقلده ومشابهة للعلامة المسجلة أو هى غير مقلده ومختلفة عنها، إذ أن القاضى الجنائى يقصر قضاءه على الفعل الذى وقع وعرض عليه، ومجرد الشك فى نظره يقتضى التبرئة، فى حين أن القاضى المدنى يتناول فى حكمه ملكية العلامة التجارية وحمايتها مستقبلا وهو ما لا تملك محكمة الجنح النظر فيه . فالحكم بالبراءة فى جنحة تقليد علامة تجارية لا يمنع من رفع دعوى المنافسة غير المشروعة عن فعل هذه الجنحة نفسها. (محكمة الاسكندرية الابتدائية فى 19 ديسمبر 1949 ، مجلة التشريع والقضاء ، السنة 3 ص 53 )
ثانيا : الحماية الجنائيـــة :
أما النوع الثانى من الحماية فهى الحماية الجنائية ، وكان قانون العلامات والبيانات التجارية رقم 57 لسنة 1939 الملغى ينظمها فى بابه السادس ( المواد من 33 – 36) . أما قانون حماية حقوق الملكية الفكرية رقم 82 لسنة 2002 فهو يعالجها فى المادة 113 .
ومن الجدير بالذكر أن الدعوى الجنائية لا ترفع إلا من مالك العلامة أو ممن آلت إليه ملكيتها. ولا يشترط أن يكون مالك العلامة قد اصابه ضرر ما نتيجة لارتكاب الأفعال المجرمة . كما تقتصر الحماية الجنائية للعلامة على العلامات المسجلة ، ومن ثم تنتفى الجريمة متى وقع التقليد قبل التسجيل أو حصل بعد انقضاء مدة التسجيل ، دون إجراء تجديد العلامة أو قبله .
جرائم تقليد العلامة التجارية :
ويطلق على جرائم الاعتداء على الحق فى ملكية العلامة جرائم التقليد ، وقد نظمتها المادة 113 من قانون حماية حقوق الملكية الفكرية رقم 82 لسنة 2002 . فعاقبت بالحبس مدة لا تقل عن شهرين وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تجاوز عشرين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين ، مع عدم الإخلال بأى عقوبة أشد فى قانون آخر ، كل من :
1- زور علامة تم تسجيلها طبقا للقانون أو قلدها بطريقة تدعو الى تضليل الجمهور.
2- استعمل بسوء قصد علامة تجارية مزوره أو مقلده .
3- وضع بسوء قصد على منتجاته علامة تجارية مملوكة لغيره .
4- باع أو عرض للبيع أو للتداول أو حاز بقصد البيع أو التداول منتجات عليها علامة تجارية مزورة أو مقلده أو موضوعه بغير حق مع علمه بذلك .
الفرق بين تزوير العلامة وتقليدها :
والمقصود بتزوير العلامة هو نقل العلامة المسجلة نقلا حرفيا وتاما بحيث تبدو مطابقة تماما للعلامة الأصلية . أما التقليد فهو اتخاذ علامة تشبه فى مجموعها العلامة الأصلية ، مما قد يؤدى الى تضليل الجمهور أو خداعه لظنه أن العلامة أصلية .
وقد قضت محكمة النقض المصرية بأنه لا يلزم فى التقليد أن يكون هناك ثمة تطابق بين العلامتين بل يكفى لتوافره وجود تشابه بينهما من شأنه تضليل جمهور المستهلكين وإحداث اللبس والخلط بين المنتجات.([1]) كما قضت بأن تقليد العلامة التجارية يقوم على محاكاة تتم بها المشابهة بين الأصل والتقليد بغرض ايقاع جمهور المستهلكين فى الخلط والتضليل. ([2])
ومتى كانت العلامة مزوره فالأمر لا يثير صعوبة لأن التشابه بين العلامة الأصلية والعلامة المزورة يكون تاما ، على خلاف التقليد الذى يقتضى إجراء المقارنة بين العلامتين لتحديد وجوه الاختلاف والتشابه بينهما .
ولم يضع المشرع معيارا لتحديد درجة التشابه بين العلامتين التى تؤدى الى تضليل الجمهور ، غير أن القضاء وضع مجموعة من الضوابط للاستعانة بها فى تحديد مدى قيام التقليد . وسوف نوضح أهم هذه الضوابط من خلال استعراض الأحكام القضائية فى المبحث الثانى .
أهم المبادئ التى قررها القضاء بصدد التقليد
المبدأ الأول: العبرة بأوجه الشبه بين العلامتين لا بأوجه الخلاف .
طبقت محكمة النقض المصرية هذا المبدأ فى حكمها الصادر بجلسة 24 يناير 1963 فى منازعة تتعلق بالمعارضة فى تسجيل علامة تجارية " القبانى " عن منتجات صابون لتشابهها مع علامة " الميزان " بصدد منتجات مماثلة . ([3])
" على المحكمة تقدير التقليد والتشبيه من وجهة نظر المستهلك ، باعتبار المشابهة الاجمالية أكثر من اعتبارها للفروق فى الجزئيات الموجودة بين العلامة الحقيقية والعلامة الجارية عليها الدعوى، وبما أنه يجب ، سندا لهذه المادة ، الاعتداد عند المقارنة بأوجه الشبه فى المظهر العام للعلامتين لا فى أوجه الخلاف فيه والتفاصيل والجزئيات ، فتقدر المحكمة التقليد أو التشبيه الذى يؤدى الى تضليل الجمهور واحداث اللبس والخلط بين السلع ومن وجهة نظر المستهلك المتوسط الحرص والانتباه ".
وانتهت المحكمة من اجراء المقارنة بين العلامة فاندا VANDA و العلامة FANTA، من جانب ، والعلامة ك. كولا والعلامة كوكا كولا من جانب آخر الى توافر التقليد وقضت بالغاء تسجيل العلامتين المقلدتين بالاضافة الى التعويض .
كما طبقت محكمة الاستئناف المدنية فى بيروت ([4]) ذات المبدأ فى حكمها الصادر فى 5/12/1996 فى نزاع يتعلق بالتشابه بين العلامتين لومز Looms ، و Looms Sport Wear وقررت انه لتقدير وجود التقليد ينظر الى الشئ المقلد أو المحتذى به من وجهة نظر المستهلك ، والأخذ بعين الاعتبار المشابهة الاجمالية أكثر من الفروق فى الجزئيات الموجودة بين الماركة الحقيقية والماركة الجارية عليها الدعوى .
المفضلات