المثقفُ ما بين الجهاد والاجتهاد ...!

قدرة المجتمع المدنيّ على احتواء

وقبول الرأي المُغاير

هي السمة ُ الأهم ُ في مسيرة تطوّر الشعوب

وهل من طريقة أخرى لإثراء الوعيّ الجماعيّ لأمة ٍ

أيا ً كانت سوى من خلال التعدديّة في الآراء

تلك التعددية التي

تلقي الأضواء على القضايا والمستجدات من زوايا

مختلفة ليُصبح َ المشهد ُ ُمشعا ً باحتمالاته ..

إنّما لكلّ أمّة ٍ ثوابتها وخطوطها الحمراء

إجماع ٌ ينتصرُ لوحدة ٍ عضويّة ٍ تستشعرُ

أنّ المسّ بثوابتها سيُهدّد وجودها ....

وعلى المثقف أن ُيراعي أولويّات أمته

مثلما أنّ عليه رصد الثغرات والمخاطر

ليُدافع عن نسيج الوحدة من الخطر ِ ...

لكنّ َ الإشكاليّة َ تبدأ في الحيّز ..

وخصوصا ً حين يضيق ذاك الحيّز بدل أن يتسع

فالتقوقع ُ من المحظورات عند المثقف

لا يمكن له التسليم بواقع ٍ يتجمد في مكانه

ليعود بمرور الوقت إلى الخلف بالضرورة

وعجلة الحياة تسير دائما ً إلى الأمام ...

فكيف نهتدي للتوازن المطلوب ما بين الحذر

عند كلّ خطوة ٍ وبين واقع ٍ يجدُ بكلّ خطوة

تهديدا ً قد يمسّ وجود المجتمع ..؟

ما هو الدور الرياديّ المطلوب من المثقف في ظلّ

معطيات ٍ تجتهد ُ في دحض ِ الجديد بحجج ٍ

واهيّة ٍ ُيدرك المثقف في قرار نفسه أنّها ستعرقل من

مسيرة مجتمعه نحو الأفضل ...؟

كيف ينتصر المثقف لحقه لقناعاته في ظلّ مرونة

مفقودة كانت لتمنحه ُ ُأفقا ً يجعل ُ من ديناميكية

الحوار أداة ً حقيقيّة تتأثرُ وتُأثر ُ في السعيّ البناء

للوصول إلى حقيقة جديدة أخرى تفتح أفقا ً جديدا ً

لتكبر مساحة المرونة في المجتمع ويكبرُ الأفق

والنبض في التحرك ِ ...

المثقف لا يملك رؤيا الهية إنّما قداسة دوره في الشكّ

في طرح الأسئلة ِ في متابعة المعطيات والربط بينها

لكشف القناع عن الإجحاف الظلم والتخلف ...

في التعبير عنها من خلال الطرح الإنسانيّ الراقي

المشاكس أحيانا ً , المصطدم مع النظام ِ , مع الفساد

المثقف من خلال طرحه يتفاعل مع الآخر

قد يجد نفسه مصيبا ً أو مخطئا ً ،

في كلتا الحالتين

يفوز المجتمع بالمزيد من وضوح التجربة ...


هل يقدر المجتمع المنغلق على نفسه

أن ُيحدث التطوّر في داخله ِ

أليس الانغلاق مظلّة تخدم شريحة من المجتمع

لتنال الامتيازات دون غيرها من الشرائح ..؟

وتُسخرّ من أجل الحفاظ على مكانتها كلّ الأدوات

الممكنة وما أكثرها في المجتمعات المنغلقة ...

كم من ثوابت ابتدعها القيمون على المجتمع

لتخلق حالة من المفاهيم التي تخدم أهل البدعة ..


وماذا لو خالف المثقف رأي الأمة في مسألة وطنية

يرصد أبعادها على عكس السائد ؟


هل يصبح متخاذلا ً إذا ما انزوى بعيدا ً

عن الأجواء المؤيدة ؟

وماذا لو عارض جهارا ً أيكون عميلا ً

يهدف المسّ بالأمة ِ ...؟


في المجتمعات المتحضّرة ينتظرون من المثقف

نظرة جديدة ، مغايرة للمألوف ، بعدا ً آخرا ً

لم يرصده أحد بعد .. فبتكدس المزيد من الاجتهادات

يصبح الدرب واضحا ً أكثر مثلما تتضح أكثر

مكامن الشبهات والزلات ...


في المجتمعات المتخلفة ينتظرون من المثقف

أن ينخرط في الإجماع دائما ً

حتّى ولو كانت المسيرة نحو الهاوية ....!


إنْ كان المثقف يعكس حال مجتمعه ِ

فبالضرورة إذا ً هنالك رادع ُيفرزه المجتمع

في وعي المثقف ..

وهذا الرادع ُيؤثر قطعا ً في تحديد المحظورات

وعليه فعلى المثقف أن ينتبه لتلك المساحة الممنوعة

فلا يقربها أو أن يسبح ضدّ التيار ويُقرر اختراق الممنوع

تكدس المرونة في قبول التجديد تفرز بالضرورة

ثقة في وعي المثقف ليخوض المزيد من أبعاد التجربة

والعكس صحيح .. أوليس هذا هو القياس الحقيقيّ

لمدى اقتناع المجتمع بدور المثقف ؟

قناعة تمنحه تأشيرة الخوض في مساحات جديدة

ليُتابع المجتمع أبعادها فيستفيد من التجربة

واستخلاص العبر ..؟

أو قناعة بضرورة امتثال المثقف للمناخ العام

الذي يتبناه المجتمع بغض النظر عن أبعاده

حسناته أو سلبياته ...

نقطة الارتكاز أو التوازن أو المفهوم ضمنا ً

هي نقطة يفرضها – الواقع - أو يفرضها

المثقف المقتنع بضرورة تغيير الواقع ...

فأين واقع المثقف العربيّ في البلاد العربية ...؟