لاتمش للامام وانت تنظر الى الخلف
الدكتور محسن الصفار
من يرى ويقرأ الكثير من الصحف والمدونات وحتى الكتب العربية اليوم تلفت انتباهه ولا شك ظاهرة التركيز على التاريخ بشقيه الجيد والسيئ كقاعدة يستند عليها الكتاب في مناقشة المسائل المستجدة يومياً على عالمنا ذو الإيقاع السريع جداً بدلا من تحليل الوقائع بعقلية القرن الواحد والعشرون .

لا أنكر أن من حق كل أمة أن تفخر بتاريخها ولكن ليس على حساب حاضرها ومستقبلها ولكي أوضح كلامي فإن الشعب العربي ما يزال يتحدث عن الأيام التي كان فيها العرب على حدود الصين وكانت أسبانيا مقاطعة عربية تسمى الأندلس وكان العلماء كلهم من العرب وكانت المكتبات وو...إلخ، ولكن القاسم المشترك الوحيد بين كل ما ذكرته هو كان وأخواتها لأننا اليوم لا نمت بأي صلة لذلك التاريخ المشرق لا من قريب ولا من بعيد.

إن أمماً بلا تاريخ مثل أمريكا أو تاريخ مظلم مثل أوروبا تركت كل ذلك ورائها وإلتفتت الى حاضرها عاملة بكل جهد للوصول الى أهدافها وتمكين أبنائها من العيش الكريم والجميل, أن المواطن في هذه الدول ليس بحاجة الى( تاريخ) أي أن أي مهاجر يستطيع أن يترشح للرئاسة والوزارة بينما يعيش المرء في بلداننا أباً عن جد ويظل أجنبياً ( لأن جده السابع عشر كان من البلد الفلاني ).

إن ظاهرة نبش التاريخ تتعدى ذلك الى الحرب الطائفية التي تشتعل نارها في العديد من بلداننا العربية والاسلامية حيث أن المقتتلون الطائفيون يجعلون ما حدث قبل 1400 سنة ملاكاً للإقتال اليوم وقتل بعضهم ولا أدري بالضبط ما الذي سيفيد علياً أو معاوية قتل المسلمين لبعضهم اليوم بحجة نصرة هذا أو ذاك.

إني لا أنتقد طائفة بعينها بل جميع الطوائف لأنها جميعاً تحمل نفس الفكر الغريب المستند على وقائع أكل عليها الدهر وشرب فالشيعة ما زالوا يبحثون ويجادلون في مسألة أحقية سيدنا علي(كرم الله) في الخلافة من أبو بكر (رض) دون ان يكون هناك منظور بعيد لهذا الأمر فكيف سيكون لجدل اليوم تأثير في تصحيح ذلك الوضع لو افترضنا أنه كان خاطئاً كما يزعمون ؟أليس هذا هو الجدل العقيم بعينه ؟

والسنة أيضاً من جانبهم يعيرون الشيعة بأشياء عجيبة غريبة مثل ابن العلقمي الوزير الذي سلّم بغداد للمغول ويقال أنه كان شيعياً ومن يسمع يحسب ان بقية وزراء الخلفاء كانوا كلهم من الملائكة أو التصنيف المضحك للشيعة على انهم صفويين ولمن لايعلم فان الصفويين هم سلالة من حكام إيران حكمت وإنقرضت قبل مئات الأعوام.

انا من ابناء العراق ويقطع قلبي ان ارى ابناء بلدي يسبون ويعييرون بعضهم بعضا باشياء لاتمت الى واقعنا الحالي بصلة والانكى من ذلك يعتبرون ان الاخر دخيل على العراق ولا حق له بالبقاء فيه فالسنة يقولون ان الشيعة ايرانيين صفويين دخلاء والشيعة يقولون ان السنة هم من قبائل بدو الحجاز ويجب ان يعودوا اليها حتى جائت فكرة الفيدرالية العجيبة حيث يريد العرب الشيعة الانفصال عن العرب السنة في فيدرالية ستكون لو تحققت اول فيدرالية قائمة على الطائفة وليس القومية او اللغة او الدين متفوقين بذلك حتى على الهند .

لقد كرست انظمة الحكم السابقة معادلة خبيثة لتقسيم العراقيين على اساس التبعية الايرانية للشيعة والتبعية العثمانية للسنة وبذلك يكون من تحمل جنسيته العراقية !!! عبارة( تبعية ايرانية) يصبح ايرانيا حتى لو انه ولد ابا عن جد في العراق وليست له لغة غير العربية ينطق بها ويعامل على انه اجنبي لايتمتع بحقوق المواطنة الكاملة والاجمل من ذلك ان ايران لاتعترف بهؤلاء كمواطنين ايرانيين وتعتبرهم عراقيين وعربا ويعاملون في ايران على انهم دخلاء واجانب !!!.


وجميعنا يعلم ان حكام العراق اليوم لايمثلون شيعة العراق بل هم اشخاص انتهازيين لايبحثون سوى عن منافعهم الشخصية والتي تقاطعت مع منافع امريكا التي سلمتهم حكم العراق لانها تعلم انهم عديمي الشخصية والانتماء ولن يتمكنوا من الاستغناء عن الحضور الامريكي ابدا.


وبدلا من ان يتصرف العرب بذكاء وانقاذ مايمكن انقاذه من هوية العراق عبر التواصل مع شيعة العراق وتذكيرهم بانهم عرب في النهاية لاعادة العراق الى الصف العربي اخذوا يبتكرون شتى الطرق لاثبات انهم ليسوا عربا دافعين بهم الى احضان ايران اكثر فاكثر على اساس عدو عدوي صديقي.

وايران في النهاية دولة تسعى للوصول الى مرحلة تكون فيها دولة عظمى اقليمية وسنحت لها الفرصة بان تستولي على مقدرات اكبر جار ومنافس لها وهو العراق ولايهمها لا شيعة ولاسنة العراق بل فقط وفقط تامين مصالحها وهو في (العرف الاستراتيجي وليس الاخلاقي )تصرف ذكي جدا على عكس مافعلته الدول العربية من انزواء وفرجة .

يا بشر افهموها واستوعبوها أن النبش في التاريخ والنظر الى الوراء لن يفيد حاضركم بشيء نعم كان أجدادنا علماء ولكننا اليوم جهلة كان أجدادنا أبطالاً ولكننا اليوم جبناء كان أجدادنا أغنياء ولكننا اليوم فقراء.
فأيهما أهم أن يكون حاضرنا مشرقاً ام ماضينا؟ ماذا سيقول اجدادنا عنا لو سنحت لهم الفرصة لرؤيتنا اليوم الن يتبرؤا منا ؟ لابل سيموتون في قبورهم الف ميتة بعد ان يروا ما وصلت اليه الامانة التي سلمونا اياها وفرطنا بها دون حياء او خجل .وماذا سيكون راي احفادنا بنا بعد ان حرق تخاذلنا وجهلنا وحبنا للنقار كالديكة مستقبلهم؟
أليس الأولى أن نصب الجهود لتحسين حياتنا ثقافياً وإجتماعياً وإقتصادياً وسياسياً وعسكرياً وعلمياً.الم نقرا كلنا الشعر الذي يقول إن الفتى من قال ها إنا ذا ليس الفتى من قال كان ابي؟
أليس الغريب إن المستفيد الأول والأخير من صراعاتنا وخلافاتنا هي أمريكا؟ أليست إسرائيل على قيد الحياة لأننا رحماء على الكفار أشداء بيننا؟ ألسنا اليوم نخاف من الكل الا الله بعد أن كان المسلمون لا يخافون سوى من الله؟
أقولها للمرة الألف مع علمي بأن لا أحد يسمع وسوف يشتمني كلا الفريقين سنة وشيعة وستبقى المنابر الطائفية هي العامرة وسيبقى السب والشتم وبذيء الكلام هو منطق الحوار ولكن اتعشم ولو قليلاً أن بني قومي ما زال لديهم من الوعي ما يكفي لأن يجنبهم السقوط في حفرة الهلاك لأنهم يمشون وعينهم لا ترى سوى الخلف.