بسم الله الرحمن الرحيم...

سلام الله على الأخ الأستاذ الدكتور صلاح عثمان...

من يصنع الحضارة؟

سؤال قيم إلى أبعد الحدود في زمن نحتاج فيه إلى الشعور بالانتماء إلى هذا الزمن الذي انفلت من بين أيديا ليستقر في يد غيرنا فيتحرك بقاطرة "الحضارة" كيف يشاء و في الاتجاه الذي يراه مناسبا لقيمه و مفاهيمه و منظموماته...

من هنا كانت قيمة السؤال في ثلاث كلمات: من ؟و صناعة ؟ و حضارة ؟

لكن مضمونه هو التاريخ بأسره مند خلق الله عز و جل الحياة في الدنيا إلى آخر يوم من هذه الحياة الدنيا...

فمن تعود بكل تأكيد للإنسان...

و الإنسان هو الفرد عندما يتجرد من فردانيته الضيقة و ينظر انطلاقا من وجوده كإنسان ينتمي لأرقى المخلوقات التي كرمها الله عز و جل على باقي ممن خلق...

اقتباس:

"ففي القرن الثامن عشر، طرح الأديب والفيلسوف الفرنسي « فرانسوا ماري أرويه دي فولتير» (1694 – 1778) سؤالنا الأساسي ذاته، وأجاب عنه بعبارتين بليغتين تعكسان وعيه بمدى حاجة التاريخ إلى الفلسفة، ومدى تقديره لمغامرات العقل وقدرته على طرد ظلام الجهل والأهواء والغيبيات وأحقاد التعصب، ومن ثم بناء الحضارة. يقول « فولتير» – وتلك هي عبارته الأولى: «لو سئلت: أي هؤلاء الرجال أعظم: الإسكندر أم قيصر أم تيمورلانك أم كرومويل؟ لأجبت بأن أعظمهم جميعًا هو إسحق نيوتن!».

فإسحاق نيوتن كانت أكثر إنسانية من غيره...لأن نظرة فولتير كانت نظرة في جوهر وجود الإنسان و ما ترك من وراءه ؟هل وديان من الدماء أم جبال من الأفكار...؟ هل ترك علما ينتفع به أم ترك هما يزيد الطين بلة...

فبغض النظر عن معتقد الإنسان ،ليس من باب التغاضي ،بل من باب كون الإنسان هو إنسان ،فناصيته و هدايته هي بيد من خلقه، و تعامل الإنسان مع الإنسان هو من باب التعارف..."لتعارفوا" سورة الحجرات الىية 13...و الأكرم...الكثير العطاء الكثير الإنتاج الكثير البناء بالنسبة لله جل و علا هو "التقي" نفس السورة...و عند الإنسان هو الأكثر إنسانية...

فجواب فولتير كان من هذا الباب...باب الأكثر إنسانية...

من يصنع الحضارة؟ فهو الإنسان المجرد من الفردانية و الأنانية و حب الذات...

الحضارة نتاج لصناعة...

شرط وجود "الحضارة" هو وجود إنتاج بمقاييس معينة تستجيب لضروريات و حاجيات معينة تأخذ اسم "صناعة"...و قد تأخذ اسم "فلاحة" لكن اسم صناعة هو الإسم الأكثر تعبيرا عن الإنتاج الذي تقدمه يداي و فكر و وعي الإنسان...و ذكرت اسم فلاحة لأنك استاذي الكريم تعلم جيدا أن الفلاحة هي زرع بذور معينة في أرض خصبة طيبة فتنتج من بعد سقيها بماء تشربه الأرض فتعطي ثمارا و حبا و عنبا و حدائق...فكذلك الإنسان عندما يشرب من ماء و رحيق الأفكار الطيبة البناءة المثمرة، فنتاجه يكون من قبيل ما ينفع الناس...

و هنا يجب ربط الإنسان بمجموعة هذه الشروط...شروط تتوفر في الإنسان ليكون حقا إنسانا ليس بالجسد بل بالفكر و العقل و الوعي، و بالشروط التي من خلالها تصنع فضاءا يتشرب فيه ما هو نافع...لإنتاج ما ينفع الناس...لكن الواقع و ما يوجد فيه من شروط لا تساعد على إنتاج ذلك الإنسان...كما كان الحال أو كما هو الحال وقت بعثة الأنبياء...فكلما اشتدت الحاجة لتخل إلاهي بالنسبة لما مضى أرسل رسول و نبيا لتبيان الحق و شرح الطريقة و السبيل لإنتاج حضارة اكثر إنسانية من ذي قبل...و كان آخرهم سيد المرسلين عليه أفضل الصلاة و أزكى التسليم...و من تم كانت حضارة الإسلام و الفكر الإسلامي أكثر إنسانية من جل بل من كل الحضارات التي سبقت، و غن كان التفاعل هو نفاعل بين الحضارات مند القديم...و لو تمعنا في حديث الرسول عليه الصلاة و السلام "إنما بعثث لأتمم مكارم الأخلاق" يعطي صورة واضحة أن الأخلاق تشكل قوام الإنسان من حيث كونه إنسان و ليس شيئا آخر...اي قيمة الإنسان تجلى في مدى تطابق أخلاقه مع واقعه...لذلك كانت الحضارة الإسلامية أكثر إنسانية و أكثر انتشارا في العالم القديم و هي تستعيد حيوةيتها في العالم الجدسد رغم صعوبات تخلي الإنسان في العديد من مواقفه عن إنسانيته لصالح الحيوانية و الشهوانية المادية التي طغت في العلاقات بين البشر...و ما مقولة الإنسان ذئب على أخيه الإنسان " إلا مثال واضح على خلفية لحيوانية تستقر مقوماتها في لاشعور الفرد...

و للحديث بقية إن شاء الله لأن الظاهر أن لدي عطب في الحاسوب...