ان تناولي لهذا الموضوع يأتي في وقت تشهد فيه العملية التربوية تراجعا ملموسا في الجانب التربوي اكثر منه في الجانب الاكاديمي ، وان جميع المشاركين في العملية التربوية مسؤولون عن ذلك ، فالاسرة تلقي بمشاكلها على المدرسة وكذلك ما يسود المجتمع من فلتان تربوي يلقي بظلاله على المدرسة ، كما ان المعلم الذي لا يحترم وظيفته ويكون همه فقط ايصال المعلومة للطالب دون الاهتمام بالجانب التربوي وقيام البعض منهم باعطاء الدروس الخصوصية قد اثر ذلك سلبا على العملية التربوية وسيادة ثقافة اللامبالاة ، وفي تشخيصنا لهذا الواقع ياتي من باب الاهتمام بالعملية التربوية لانها الرافعة الحقيقية لحقوقنا المشروعة .

و يبدو أن سلوكات كثير من الطلبة تتجه نحو السلبية و الابتعاد عن ما هو ايجابي و هذا يعود الى عدة أسباب منها :-

- ممارسات الاحتلال الاسرائيلي اليومية و ما ينتج عنها من ضغط هائل يؤثر على نفسية الناس و خاصة الطلبة .

- الأوضاع الاقتصادية المتردية التي كان من نتائجها انتشار ظاهرة الفقر.

- انتشار ظاهرة الفلتان الأمني الذي هو انعكاس لظاهرة الفلتان التربوي .

- ضعف التحصيل الدراسي.

- أسلوب التلقين الدراسي.

- أقران السوء .

- الاعلام الهابط و ما ينشره من رذائل تؤدي الى افساد الشباب .

- تراجع دور الاسرة .

- انتشار ظاهرة الدروس الخصوصية .

كل هذه الأسباب مجتمعة أدت الى حدوث خلل في سلوك كثير من الطلبة فأصبح لا يهتم بالنظام و الانضباط و التمرد على الأسرة ثم التمرد على المدرسة و كذلك التمرد على المجتمع لأن هناك من يغذي ذلك من داخل مجتمعنا .

و الحديث عن سلوك الطلبة أمر هام و حساس من حيث الاعتبارات و الأهمية الواضحة التي تنعكس ايجابيا على حياتهم و تصرفاتهم ان أحسنوا الاختيار و التركيز على نبذ كل ما هو ضار و فاسد و بذيء ،كل ذلك يعتمد على العنصر الموجه سواء من الأسرة أو المدرسة و كذلك مؤسسات المجتمع المدني فمثلا المريض الذي يذهب الى الطبيب عليه الامتثال لقرارات الطبيب و هذا هو الحال للطالب الذي يجب عليه الامتثال لوالديه و للمعلم و المدير الذين يريدون تعديل سلوك الطالب بحيث يكون ايجابيا .

و للأسف ان مكانة الأسرة في مجتمعنا تراجعت الى الصفوف الخلفية و هذا أدى الى زعزعة النسيج الاجتماعي و عندما أتحدث في هذا المجال فانه يأتي من باب الغيرة على مجتمعنا فكم من أب صرح لي أنه غير قادر على ضبط ابنه و ان ابنه غير مهتم و غير مكترث و في هذا الخضم أخذت الأم مكانة الأب الا أنها عاطفية فان ذلك كان مجال انتهازية للابن فتمادى في سلوكه السلبي و أصبح يغيب عن المدرسة و يتجه الى صالات البلياردو و مقاهي الانترنت .

ان ظاهرة العنف في المدارس هي نتيجة لمجموعة من العوامل الداخلية و الخارجية في حياة الطالب ، و لفهم هذه المشكلة و كيفية التعامل معها بحيث علينا التعرف على مجموعة من العناصر المكونة لها اذ أن حياة الطالب في المدرسة قد يتبعها السنوات الأهم في تكوين شخصيته و التي كان لها الأثر الأكبر على حياته و تصرفاته في داخل المدرسة بالاضافة الى العوامل الخارجية المحيطة به .

و نواجه في الاّونة الأخيرة تطورا ليس فقط في كمية أعمال العنف بشقيه المادي و المعنوي و انما في الأساليب التي يستخدمها بعض الطلبة ضد ذويهم من جهة أو ضد المعلمين من جهة أخرى و لم تعد الظاهرة مقتصرة على شكلها النمطي و كأنها تبدلت و أصبحت بالعكس و هذا ما أدى الى انتشار ثقافة العنف التي هي على الطرف الاّخر من ثقافتنا الدينية و الوطنية .

ان استنجاد الأب بالمدرسة لتعديل سلوك ابنه هو شيء تربوي اما أن يضع الأهل كل العبء على المدرسة في مجال التنشئة فهذا غير صحيح ، فالمدرسة مؤسسة تربوية تكمل دور الأسرة و اذا أصاب ذلك أي خلل فان لهذا نتائج مؤثرة ، كما أن المعلم الذي هدفه ايصال المعرفة العلمية للطالب فقط له اّثار سلبية فللمعلم مهام تربوية قبل المهام الأكاديمية فاذا أحسن ذلك فانه سيخلق جيلا مؤمنا بربه محبا لوطنه و منتميا لمجتمعه ، أما اذا فضل البعد الأكاديمي على الابعاد التربوية فان ذلك يؤدي الى اختلال العلاقة الجدلية بين المعلم و الطالب من جهة و الطلاب من جهة أخرى فالمعلم قدوة لطلابه فالرسول صلى الله عليه وسلم قال (بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) فالاخلاق هي رأسمالنا الوطني فبدونها نكون قد حفرنا قبورنا بأيدينا ، ومن هنا فان واجبنا يحتم علينا نحن كتربويين ان ننهض بالعملية التربوية التي هي مثار مراقبة من قبل المجتمع الدولي لان المدرسة مصنع الرجال فاذا احسنا هذه الصناعة نكون قد قطعنا شوطا طويلا في عملية البناء والتحرير ، و في النهاية أقول لزملائي المعلمين أن المدارس ليست دكاكين لبيع المعرفة و انما هي مشعل نور و هداية .



داعس ابو كشك

مدير مدرسة الملك طلال الثانوية للبنين