الكوكا كولا
حدث في احد الأيام, حينما كان الشعب نيام.
أن بثت إحدى القنوات الفضائية, خبرا باللغة العبرية.
ومفاده أن سمو الأمير ترك سهرته_على غير العادة_مبكرا.
وسار في الطريق على قدميه _على غير العادة_مفكرا.
ويبدوا انه قد مل من ليالي الغناء والطرب, وأخذ يفكر مليا بأحوال العرب.
وبينما هو في تجاذب بين اليقظة والسكر,الم بلحظة بكل عوالم الفكر.
فقالها جملة أختصر بها مئات السنين والحقب, وهو يرتجف من شدة الغضبكفوا يا أبنائي عن هذا الجنون.
وارموا وراء ظهوركم هذه الأمور الثانوية.
وتذكروا أن المعركة الحقيقية هي مع الامبريالية .
فيجب علينا أن نوحد صفوفنا ضد الاستعمار, ونصب عليه الزيت المغلي ونكويه بالنار.
شو رأيكم نسجل عليهم جول,ونقطع عنهم دفق البترول.
هيا يا أبطال شو رأيكم بهذا القول).
فهزوا جميعهم رؤوسهم موافقين,فهم من السيف الذي في يده ما زالوا خائفين.
وأردف العجوز قائلاً, والسيف الذي بيده صار مائلاً:
(يلا خلونا من هالقضية نخلص,ونأخذ رأي صديقنا _الحاج مخلص_).
وهنا انبرى قزماً من بين الحضور, يضع على رأسه طرطور.
وتحدث بلهجة مهذبة وديعة,كأنه يغازل حبيبته المطيعة:
(الحقيقة يا أهل السلام, هذا الكلام أضغاث أحلام ,لقد نسيتم خاطر عمو سام).
فاستدرك أحدهم هذا الأمر وقال:
(فلنؤجل قطع أمداد النفط إلى مرحلة لاحقة.فلا ينبغي الآن أن تكون الضربة ساحقة.
ومن الحكمة الآن أن نكون معتدلين, حتى لا نبدو أمام المجتمع الدولي معتدين.
ما رأيكم بأن نكتفي الآن بسحب تراخيص الشركات الأجنبية.
ونرخي قبضتنا عن الشركات الوطنية.
وندعها تنتج ما هو لها مخصص, فتتوازن الأسواق وتصبح البضائع أرخص.
ما رأيك في هذا الكلام يا حاج مخلص؟).
(الحقيقة يا أهل السلام,هذا الكلام لا يبدو على ما يرام.
لقد نسيتم خاطر أبن عم عمو سام).
(فلندع الشركات الأجنبية تواصل عملها, ونبتهل إلى الله أن يستوفي هو أجلها.
أعتقد بأننا يجب أن نطرد الخبراء الأجانب, فخبرائنا العرب في كل في كل جانب.
فنقضي بذلك على مشكلة البطالة,ولو أننا سنخسر قومسيون العمالة.
هيا يا حاج مخلص, خلينا بقا نخلص؟).
(الحقيقة يا أهل السلام,هذا الكلام ليس تمام,لقد نسيتم خاطر ابن خال عمو سام).
(من الخطأ علميا أن نطرد الخبراء بشكل فوري, فوجودهم معنا الآن هو أمر ضروري.
لا يجب أن نرمي شعوبنا في التهلكة, من أجل تحقيق شعارات مستهلكة.
ما رأيكم في دعم الصناعات الإستراتيجية, على أن تقوم على تشغيلها كوادر وطنية.
فالمال في أيدينا كثير والحمد لله,فنضمن لأجيالنا القادمة العز والجاه.
ما رأيك يا حاج مخلص في هذا الكلام؟).
(الحقيقة يا أهل السلام,هذا الكلام كلام في كلام,لقد نسيتم خاطر أبن أخت عمو سام).
(اتركونا يا جماعة من هذا الكلام الفاضي, فهو سيزعج أصدقاءنا على الفاضي.
سنوقف استيراد السيجار والفتيات والبراندي ,ونعيش في تقشف كما كان المهاتما غاندي
فمن اجل الخلاص ونصرة القضية, لابد أن نقوم بتضحية حقيقية.
خلصنا بقا يا حاج مخلص).
(الحقيقة يا أهل السلام,هذا الكلام يا سلام ,لكنكم نسيتم خاطر صهر عمو سام).
(لا داعي الآن لذكر محاسن ذلك الهندي, فتاريخنا حافل بالعظماء من أمثال الكندي.
وخصوصا بان الوضع الآن جدا حساس, والأمور كلها مقلوبة من الأساس.
سنعلن لشعوبنا بزوغ شمس الديمقراطية, وأننا نسعى لتحقيقها بعزيمة قوية.
وهذه القضية لا تخص سوى شعبنا الهمام,لادخل لأحد بها لا عمو سام ولا عمو حام.
هيا يا حاج مخلص, هل أعجبك هذا الكلام؟).
(الحقيقة يا أهل السلام ,هذا الكلام مجرد أوهام لقد نسيتم خاطر ابنه بالتبني لعمو سام).
(لا يمكننا الآن التحدث عن الديمقراطية, فشعوبنا لا تزال تعد للان من الشعوب الغبية
ولقد أتعبتنا جدا هذه القضية, فأرحنا يا حاج مخلص بأفكارك الذكية؟).
(كلمة حلوة رح قولة,ما رأيكم بالكوكاكولا؟.
صنعت زجاجاتها مصانع الرجعية ,وعبأت مياهها من ينابيع الامبريالية.
فالنعلن على الكوكاكولا حربا ساحقة,ونؤجل باقي القضايا إلى اجتماعات لاحقة.
ما رأيك في هذا الكلام يا أصحاب المنجزات الشامخة؟؟).
(ياسلام :ياسلام على هذا الكلام ,هذا الكلام هو تمام التمام,وكلنا سائرين معك إلى الأمام
وتنفس الجميع الصعداء, خصوصا بأنهم تعبوا وحان وقت الغداء.
وصفقوا طويلا للحاج مخلص تكريما لعقليته المتوقدة.
التي لولاها ما ستطاعوا أبدا حل مشاكلهم المعقدة .
وطلب منهم الرئيس أن يوقعوا على محضر الجلسة, فتقدموا نحوه في تؤدة وخلسة.
ولم يشأ أي واحد منهم أن يقرا ما وقع عليه في ورقته .
مخافة أن يرى فيها سوءته وعورته.
ووقعوا مسرعين على عجل, دون أن يعتريهم أي خجل أو وجل!!.
وعندما هم القوم بالخروج, ممنين أنفسهم بأكل الكباب والفروج.
رأوا في الخارج مشهدا جمد الدم في عروقهم, آلاف مؤلفة من أبناء شعوبهم.
احتشدوا منتظرين على أحر من الجمر, ما سوف يصل إليه قادتهم في هذا الأمر.
فتسمروا في أماكنهم مذعورين, وبان على وجوههم كأنهم مخمورين.
ويبدو أن هذه الحشود الهادرة.قد علمت بقرارات قادته الغادرة.
وشعر القادة كيف ينظر اليهم الجماهير بغضب,وتهيأ إليهم بان الموت منهم قد اقترب.
وبدأ كل واحد منهم يتحسس رقبته, ويبدو أن البلل قد وصل إلى ركبته.
ليس لديهم ما يقولوه لهذا الشعب,فتماهوا في أماكنهم من شدة الرعب .
كيف يفهموا هذا الشعب الذي لا يفقه شيئا عن السياسة.
حول الأسباب التي سوغت لهم بأن يجعلوا الذئب هو كلب الحراسة.
وفي غمار هذه اللحظات البائسة, استنجدوا بالحاج مخلص بكلمات يائسة.
(أية أنت يا حاج مخلص,اوجد لنا من الهلاك مخلص!؟).
فرد عليهم الحاج مخلص لا تخافوا أيها السادة فالأمور تحت السيطرة والتحكم).
وتقدم الحاج مخلص نحو الجماهير, يلوح بيديه عاليا كما يفعل المشاهير.
(أيها الشعب العظيم,أبطال اليرموك وحطين,رددوا ورائي بعزيمة لا تلين.
يا شعبي قولا قولا,نحن ضد الكوكا كولا.
ياشعبي قولا قولا.نحن ضد الكوكا كولا).
ردد الحاج مخلص هذه العبارة عدة مرات, بمختلف شداة الصوت والنبرات.
فلاحظ في هذه المرة أن تصرف الشعب كان غريب.
لقد أطبق الصمت عليهم ولا أحد يردد أو يجيب.
فاستشعر بجلاء غضب الشعب, واقشعر بدنه من شدة الرعب.
فأفل راجعا يجرجر أذياله,واختفى مختبئا بين أرجل أزلامه .
بدأ زحف الشعب المسكين,الذي تسلح بما وجده بالمطبخ من عصي وسكاكين.
وهو عازم بكل تصميم وإرادة, على أن يطرد أخيرا هؤلاء القادة.
الذين ادعوا أن المشكلة برمتها تكمن في زجاجة.
لأصبح الموت أمام الزعماء أمر واقع لم يجدوا له مهربا أو دافع.
فنظر أحدهم إلى ما بين رجليه وهو ينازع:
(أين أنت يا حاج مخلص وأين عمو سام,هل ستتركوننا هكذا ليصبح أولادنا أيتام!؟).
اشتعلت عينا الحاج مخلص بنار العنصرية, وخطرت على باله فكرة جهنمية:
(ما دمنا يا سادة قد أعلنا الحرب على الكوكا كولا,فلتكن..وهيا لنلعب اللعبة على أصولها
ولنضرب هذا الشعب بزجاجات الكوكاكولا.
فنسلم بذلك من طول لسان,منظمات حقوق الإنسان.
فنحن لم نضرب احد بالرمح أو بالسيف ,بل سنطفئ ظمأهم في حر هذا الصيف).
وأعلن أطلاق النار, تحت شمس النهار.
صارت الزجاجات ترمى,ورؤوس الشعب تدمى.
وأخذت المدافع ترمي الزجاجات,وتنقل بين الحشود هادم اللذات.
وأصبح القصف واسع وشديد ,وعبأت الزجاجات بكرات من الحديد.
وقبل أن يدرك الشعب أي ذنب أرتكب, كان الدم قد صار إلى الركب.
ويا للأسف!..لقد انتصر الحاج مخلص في هذه المعركة بجدارة.
فالقوة في أغلب الأحيان تهزم الجسارة.
لم يقوى أحد على الصمود ,فتفرقت الحشود,وغيّب الشهود.
ولم يبقى في ساحة المعركة سوى الجنود, وتحول من كانوا أرانب إلى أسود.
فهنئوا بعضهم على النجاة والسلامة , على أنهم مرة أخرى مرروا الخيانة.
وأقسموا على أن يحكوا شعوبهم إلى يوم القيامة.
وقبلوا بحرارة رأس ذلك القزم, الذي لولاه لكانوا الآن في دنيا العدم.
(الله عليك وعلى أفكارك التي هي أغلى من الدرر.
لا شيء في هذه المعركة ضاع أو أنهدر,فقد حققنا نصرين وضربنا عصفورين بحجر).
وما أن انتهت أحداث هذه المسرحية حتى أعلنت في كل البلاد الأحكام العرفية.
وقام الزعماء برفع أسوار حصونهم أمتار عديدة.
تمشياً مع متطلبات المرحلة الجديدة.
وفي صباح اليوم التالي, ولكي يعلم القاصي والداني.
نشر في الصحف الرسمية وغير الرسمية, الخبر التالي.
في البارحة حدثت مؤامرة إرهابية, حاكتها أيادي قوى الرجعية.
حيث اندست عناصر قوى الامبريالية بين صفوف المسلمين.
لتحرضهم على الانقلاب على قادتهم المؤمنين.
لكن هيهات هيهات أن تصبو الامبريالية إلى ما تريد.
فالشعب الملتف حول قادته كواهم بالنار والحديد .
وتم بعون الله ونصره المبين, سحق هؤلاء المرتدين.
وكشفت التحقيقات التي أجريت في ما بعد.
والتي بُذل لتحقيق شفافيتها كل الجهد.
أن هؤلاء الشراذم السفلى المندسين,ما هم إلا قطاع طرق و قتلى مأجورين.
دفعت لهم شركة الكوكا كولا,واتحاد سباقات الفور مولا.
وهكذا تم طي صفحة ذالك اليوم, فأحوال العرب هكذا كل يوم.
أما يا أصدقائي, فالحساب الحقيقي والعسير.
فقد كان صاحبه ذالك المراهق الأمير.
الذي أقام الدنيا بهلوساتة,ولم يقعدها بعنترياته.
فجاؤوا إليه الزعماء غاضبين,يطالبونه بتفسير لفعله المشين.
وما الذي دعاه لأن يفعل ذالك, رامياً بأخوته وأولاد عمه في المهالك.
فأطرق الأمير الشاب رأسه نادماً, فهو لم يكن يدرك كم سيكون فعله هذا هادماً.
فالقصة بكل صراحة وبساطة.
انه كان في أحد النوادي الليلية يلعب القمار.
مع عدد من المقامرين البلغار, فخسر أمامهم سبعة آلاف دولار.
فنقحت عليه كرامته,وهو المشهود له ببراعته.
فخرج من الملهى وهو ممتقع من خسارته.
وأضطر للسير على قدميه لأنه خسر سيارته.
وقال ساعتها ما قال بدلا من أن تفقع مرارته.
وهنا تدخل والده صاحب الجلالة, طلبا من أصحاب المعالي و الفخامة.
أن يجدوا العذر لسمو الأمير على هذه الهفوة.
فإن لكل جواد عربي أصيل كبوة.
ويا شعبي قولا قولا ,نحن ضد الكوكا كولا