آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: عفوا انتهى الدرس............

  1. #1
    عـضــو الصورة الرمزية ضيف الجيلاني
    تاريخ التسجيل
    19/04/2009
    المشاركات
    76
    معدل تقييم المستوى
    16

    افتراضي عفوا انتهى الدرس............

    ......الطريق موحش والشمس تبدو أنها لاتنوي الظهور هذا الصباح... حبات المطر تسقط على خدّيه المحمرّين في استحيــاء... إنّه لا يفكّر إلاّ في الليلة التي قضاها على مضض وهو يرقب تراجع الظلمة وإشراقة الصباح.
    صباح الرّبح .كيف أصبحت يا الحاج!!
    لم تصل إلى سمعه هذه التحية الحارّة من أحد المارّة اليائسين إلا متأخرة...
    لماذا يصرّ على نعت البسطاء ممن أرغمتهم الظروف والحاجة باليأس!! كلاّ وربّي لايمكن أن يكون هؤلاء تعســاء ..إنهم أفضل حالاً منّي وأنا من يراه الناس إطارًا ويرمقونه بنظرات الحسد والإعجـاب... كل منهم يمضي إلى عمله في سعادة, علّها تكون أقدر على إبعاد البؤس عن حياته... ماذا يهمني من أمر هؤلاء؟ إن كانوا سعداء أوتعسين؟!
    طفر إلى خلده فجأة دموع زوجته الحارّة هذا الصباح وهي تودّعه.. لقد كانت عليلة والسقم الذي دبّ في عظامها وهي الشابة ذات الثلاثين ربيعًا بما يجعلها ترتمي بجسمها المتهالك على الباب وهي توصده خلفه.تدعو له: ربّي معاك.تهلاّ في روحك.
    سيارة مجنونة كادت تمسح به الأرض وهو ينظر إلى ساعته ذات الزجاج الضبابي..لم يشأ أن يعطي أعصابه فرصة لتثور , فيلعن السيارة ويتفل على سائقها... إن عينيه أوشكتا أن يخمد بريقهما... الأربعون عامًا التي أفناها في مسار الحياة... والكتب التي أخذت منهما...ووو... فكره المشتّت بين حال زوجه العليلة والطريق التي تمعن في إثارته.فهي تمتد ولا تفتأ تمتد!! كلّ ذلك يحكم عليه بالغياب عن الوجود.... ما كاد يصل الى محطة قندهار هياكل ومومياء من الحافلات المهترئة المتآ كلة منثورة هنا وهناك..
    دخل أحدَها وارتمى على مقعد نديٍّ.. ثم نهض وألقى جسمه على آخر... أخرج من صدره آهات نمّت عن مشاعرممزوجة من الغضب واليأس والشفقة والثورة...لِمَ أثور؟ ومتى ثرت؟ فأنا كما عهدتني الأيام لاأزال ذلك الرقم الذي لايغيّر وجوده في معادلة الحياة شيئا .. لم تمض دقائق حتى امتلأ ذلك التابوت الحديدي بصنوف من البشر..الصدور المعتلّة والحشرجات وسعال عجوز مسنٍّ ودخان محرك هذه الدّابة الحديدية الطاعن في السن..بوارق لا تبعث في نفسه أدنى شعورٍ بالإرتياح...
    جسم غريب يتكىء عليه, يلتفت إليه,, يحملق في وجهه...إنّه أنت!
    ـ كيف أصبحت ؟
    ـ بخير!! أراد أن يقطع تيار أسئلة الميلود. فهو ملحاح وسؤول ولا يتوانى للحظة في الاستفسار عن أي شيء..وربما سأله عن طعم السمك الذي أشار عليه بشرائه البارحة!!
    ـ هل أتممت تصحيح وثائق تلاميذك؟ أدرك الملعون بخبثه الفطري أن السؤال ما هو إلاّ حيلة لتوقف سيل جعجعته..
    أجاب ببخل :لا لم أصحح غير عشرين ورقة. لم يتم حديثه حتى توقفت الحافلة فارتجت بمن فيها وكأنها القيامة تقوم.. نزل تبعه الميلود وهو ينظر إلى أسفل سرواله وحذائه اللاّمع..لطالما شكا إليه الوحل فهو يلطخ سرواله وجلاّبة الوبر التي لا يزال يتباهى بها.وكثيرًا ما كانت موضوع النقاش في قاعة الأساتذة.
    الأمتار التي تفصله عن المدرسة كانت كفيلة بأن تمطره بسيل من الذكريات خصوصًا وأن الممر معبرٌ يجتازه تلاميذه للوصول إلى المتقن... علي,وليد ,خديجة, زينب,ووو وجوه وأصوات وملامح مرسومة على جدار ذاكرته المتعبة...حتى الميلود ذلك التلميذ المتبجح الذي وقف في وجهه يومًا وتحدّاه أنه سينتقل إلى الثانوية بالنفوذ واليورو, رمقه بين المارّين يمسك بسيجارة كلّما أبعدها عن شفتيه اشتاقت إليهما.
    دخل المدرسة ..بحركة سريعة ونشاط غير معهودين بدأ درسه الجديد:
    (الجملة الواقعة مفعولاًبه) اندهش وهو يرقب نفسه كيف تناسى حملاً من الهموم والمشاكل وراح يشرح ويبرهن يسأل ويعقّب..
    فجأة يطرق بلقاسم الباب فجأة في استحياء ولباقة مصطنعتين, فتُدار الرؤوس وتنصب باتجاه الباب: يدخل و يسلم. أبرق إليه سرًا أن المعلم سيزوره بعد حين.
    لم يدرك التلاميذ أن العرف قضى بتسمية المفتش بالمْعَلَّم.غادربلقاسم القاعة . ـ انتبهوا أبنائي. ـ لم ينه تسجيل الشاهد الثالث حتى دخل القاعة شخص مهيب بنظارتين رفيعتين تخفيان خلف ستار من العبوسة نظرة حادّة .استقبله بالتحية وأفسح له المجال ليجلس بإبعاد اثنين من الذين كان يسميهما حرس الحدود.!! واصل درسه كعادته والتلاميذ يرمقونه بنظرات مملّحة بالدهشة فكأنهم كانوا ينتظرون أن يتغير الخطاب, فالشخص الغريب دخيل على القاعة ولا يُعقل ألاّ يؤثر حضوره في الجوّ والمسار...
    ماكاد ينهي تسجيل تمارين الإدماج حتى باغت الجرس الحاضرين.. فانسحب الجميع من القاعة......
    ضيف الجيلاني حاسي بحبح في: 11/02/2001


  2. #2
    أستاذ بارز الصورة الرمزية الحاج بونيف
    تاريخ التسجيل
    07/09/2007
    المشاركات
    4,041
    معدل تقييم المستوى
    21

    افتراضي رد: عفوا انتهى الدرس............

    أخي الفاضل المبدع الجيلاني ضيف
    السلام عليكم ورحمة الله
    لك مني كل الترحيب

    كما عهدتك قاصا تشد القارئ بأسلوبك الأنيق ولغتك الراقية ..
    قصة رصدت الكثير من الحركات والوجوه، فالمعلم ضحية المجتمع الذي يتربص به ويطلق عليه صفات جعلها لصيقة به..
    حتى في الصف رمقه التلاميذ ليروا سحنة وجهه التي لم تتغير رغم حضور " المعلم"..
    أحييك..


  3. #3
    عـضــو الصورة الرمزية ضيف الجيلاني
    تاريخ التسجيل
    19/04/2009
    المشاركات
    76
    معدل تقييم المستوى
    16

    افتراضي رد: عفوا انتهى الدرس............

    أستاذي الفاضل: بونيف الحاج:نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    تحياتي الحارّة المفعمة بخالص الود وطيب الأماني..
    يطيب لي أن تروقكم القصّة!! ويسعدني تقديركم
    كما عوّدتني دومًا كلمات عذبة في قوالب أعذب تحيات التلميذ للأستاذ

    الجيــــــــــــــلاني


  4. #4
    Banned
    تاريخ التسجيل
    14/08/2008
    المشاركات
    1,415
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي رد: عفوا انتهى الدرس............

    هذا نص رائع يتحدى شروط الكتابة القصصية القصيرة وفنياتها ، أقصد الشروط البسيطة مثل المقدمة والعقدة والحل ، فالقارئ يسير منجذبا مع النص يقتفي أثر الكاتب وهو يتوقع صدمة ما عند كل منعطف ليكتشف أخيرا أن العقدة أكبر من مجرد مشكل ، بل هي هذا الوجود الروتيني القاتل والظروف الخانقة التي يعانيها المعلم وهو في عز شبابه وكأنه يحمل كل هموم الدهر ، بل وكأن الكل متواطئين ضده.فراغ قاتل ، وحياة ضبابية قد تجردت من كل أهدافها .أهناك أفضل تعبير عن حياة المعلم أكثر من هذا ، هل كان النص سيتحول إلى نص ثائر لو عمد السارد إلى إفتعال أحداث ساخنة ، لا أعتقد ذلك ، بل أعتقد أن هذا السكون الذي تصفه القصة أكثر خطرا من أي استعداد لفعل ما قد تتنبأ به القصة ، إنه سكون يسبق العاصفة فالإنسان الذي يفقد الشعور بقيمة الحياة خاصة إن كان مثقفا مثل هذا المعلم كما تقول القصة : "الأربعون عامًا التي أفناها في مسار الحياة... والكتب التي أخذت منهما." هذا الإنسان سيكون أكثر عنفا وثورية لو تحرك يوما.
    وعودة لتاريخ كتابة القصة 2001 والجزائر تخرج من محنة العشرية السوداء ، نفهم سبب تلك المرارة وذلك السكون المترقب.
    تحيتي أستاذنا الجليل ضيف الجيلاني وأتمنى أن أقرأ لك المزيد فأنا أعشق كل ما هو محلي ذي صبغة إنسانية عامة.


  5. #5
    عـضــو الصورة الرمزية ضيف الجيلاني
    تاريخ التسجيل
    19/04/2009
    المشاركات
    76
    معدل تقييم المستوى
    16

    Post رد: عفوا انتهى الدرس............

    الأستاذ الفاضل : عبد الرشيد حاجب.نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    تحيّاتي الحارّة الخالصة وأرجو أن تقبل اعتذاري عن الردّ الذي تقتضيه الومضات التي سلّطتها على النص,والتي كشفت لي عن احترافية عالية في القراءة والاستبطان.. في العادة حينما أكتب لايهمّني الالتزام بالقوالب التي يضعها المنظرون (الشرطة الأدبية) بل أكتب وفق قناعاتي فأرخي العنان لوجداني وقلمي كي يتصالحا أو يختلفا..ليتشكّل النص بالصورة التي يريد أن يتقولب فيها... هذا مذهبي في الكتابة التي أعتبرها تتجاوز نظرة بعض القاصرين إليها على أنها شكل من أشكال الواجب المدرسي... دمت لي أخًا وقارئًا...
    ضيف الجيلاني


+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •