الباب الثلاثي-باب الوليد ـ محراب عيسـى- التسوية الشرقيّة للأقصى ـ ( المصلى المرواني )


هذه المعالم الأثريّـة الثلاثـة موجودة فـي التسوية الشرقيّـة للمسـجد الأقصـى المبارك ، وقـد وقـع كثير مـن الناس فـي أخطـاء حتّـى بعـض المؤرخيـن لعـدم معرفتهم بهـا علـى أرض الواقـع . قـال ياقـوت : وفـي المسـجد أماكـن كثيـرة وأوصـاف عجيبـة لا تتصـوّر بالمشاهدة عيانـاً . ومـن أعظم محاسـنه : أنّـه إذا جلـس إنسان فيـه فـي أيّ موضـع منـه يـرى أنّ ذلك الموضـع هـو أحسـن المواضـع وأشرفهـا ولذلك قيـل :

إنّ الله نظـر إليـه بعيـن الجمـال ونظـر إلـى المسـجد الحـرام بعين الجـلال وانشد :

أهيـم بقاع القـدس ما هبت الصبـا فتلك ربـاع الأنس في زمـن الصبـا

ومـا زلت فـي شوقي إليهـا موصلاً سـلامي علـى تلك المعاهـد والربى

الباب الثلاثي هو الذي بنـاه عبـد الملك بن مروان ، وكان يرمـز إلـى حديث شـدّ الرحال إلـى ثلاثـة مسـاجد ففـي العمارة الإسـلاميّـة تكون أبـواب الأبنيـة العامّـة وخاصّـة المسـاجد تدرّس بشكل يسـهل الدخول إلـى المسـجد ولا شـكّ أنّ هـذا الاحتياط المعمـاري ملحوظ لصلوات أيّـام الجمـع والأعيـاد وعلـى مقربـة مـن هذا الباب وجدت دار الإمـارة الأمويّـة حيث كشفت الحفريات الأثريّـة عن العلاقـة بين هـذا الباب ودار الإمـارة التي كـان يسـكنها أكثـر مـن خمسمائة مسـلم وسـمّي هـذا البـاب أيضـاً ببـاب العين لقربـه مـن عين أم الـدرج فـي سـلوان .

وبقـي البـاب مفتوحـاً حتّـى فـي زمن الصليبيين الذين استخدموا هـذا الجزء مـن العمـارة كإسـطبل للخيـول إلـى أن جـاء صـلاح الدين وأغلـق هـذه المنافـذ وقـام بتنظيـف وتـرميم التسـويـة وأعـاد لهـا دورهـا .

أمّـا بـاب الوليـد وهـو البـاب المفرد يقع خلف محراب المرواني حاليّـاً وفـي العمـارة الإسـلاميّـة فـي كل جامـع كبيـر بـاب خاص للخليفة أو الحاكم فـي جدار القبلـة يصل المسـجد بدار الإمـارة المـلاصقة ، وهـذا الباب مـن صنع الوليد حيث بنى إلـى يمينـه فـي القرنـة الشرقيّة الجنوبيّـة مقصورتـه ، وأغلقـه كذلك صـلاح الدين .

ومـاذا عـن محراب عيسـى إنّـه الجـزء الذي يدعى اليوم بمهد عيسـى وهـو فـي الأصل مقصورة الخليفـة وجمعهـا مقاصيـر ، وهـي حجرة من حجـر دار كبيـرة محصنة بالحيطـان مـن عناصـر المسـجد تقـام قرب المحراب ودليلنـا علـى ذلك الواقع المعماري ومـن ثـمّ الروايـة الموثقـة .

ـ قـال ابن الفقيـه 290 هـ فـي كتابـه ( مختصـر كتاب البلدان ) وفيـه محراب مريم .

ـ قـال الإصطخـري 356 هـ فـي كتابة ( المسـالك والممالـك ) وفيه محراب عيسى .

ـ وقـال المقدسـي 380 هـ فـي كتابـه ( أحسـن التقاسـيم فـي معرفـة الأقاليـم ) وفيـه أبـواب محـراب مريـم وحينمـا جـاء الفاطميون للبـلاد اتخذوا مـن هـذا المحراب وهـذه المقصورة مكانـاً للعبادة ، وأطلقوا عليـه وهمـاً اسم مسـجد مهـد عيسـى وهـذا ما نقله ناصـر خسرو 438 هـ فـي ( سـفرنامـة ) بقولـه " وحيـن يرضـى السائر بحذاء الجدار الشـرقي إلـى أن يبلغ الزاوية الجنوبيـة عنـد القبلـة التي تقـع علـى الضلع الجنوبـي ، يجـد أمـام الحائط الشمالي مسـجداً بهيئـة السرداب ينـزل إليـه بدرجـات كثيـرة …. يدعـى مسـجد مهـد عيسـى .

أما المصلّـى المرواني يمتـاز بميـزة الدعـامـات والعقـود الحجريّـة وهي ميـزة معماريّـة للفـن الأمـوي ، ونجـد بأنّ هـذه التسـوية التي قاموا بعملهـا لتكـون أسـاسـاً قويّـاً يحمل فوقهـا بنـاءاً ضخمـاً ، والزّائـر لهـذا المكـان يشعر بالروح الإسـلاميّـة الواضحـة ، حيـث نظـام الاروقـة والأعمـدة التي تناسـب القبلـة والصّـلاة وهـي منتشـرة إلــى حـدّ كبيـر فـي فلسطين وبـلاد الشــام ، وهــي تشـبه بشـكل كبيـر صهاريـج الرملـة التـي تعــود للفتـرة الأمويّــة .
ونلحظ أنّ البنـاء أقيـم كتسـوية فكلما انحدرنـا نحو الجنوب زاد الارتفاع ليصـل إلـى حوالي 10 أمتـار وكلما صعدنـا قـلّ الارتفاع ليصل إلـى 3 أمتـار ، وقـد بلغ عـدد أعمدتـه 100 عـامود مربّعـة الشكل ، شـكّلت مع تعاضد الأقـواس والعقـود النصـف بـرميليّـة ، 16 رواقـاً فـي أبهـى صـورة وأجمـل منظـر .
ويكفيـك مـن جمـال هذه الأعمـدة الدمـوع الكلسـيّة التي تشكلت علـى أعمدته وجدرانـه وكأن المصلّـى المروانـي قـد بكـى سـنين طويلـة منـذ فارقـه صـلاح الدين ويقـول لكل المسلمين أو مـا عادت النّـساء تحمـل فـي أحشـائهـا صـلاحـاً أم أنّ فـساداً فـي الأمّـة لاح .
وختـامـاً فـإنّ الأمـل باللـه أن يعـاد لهـذه التسـويـة فتـح أبوابهـا التي هـي باتجاه بـاب الرّحمـة ، وأن تصـل هـذه التسـويـة التــي تبلـغ مـن المسـاجـد حوالــي الأربعـة آلاف متـر مربّـع إلـى الأقصـى القـديـم ويـلتحـم الأقـصـى بالصخــرة معلنـةً عـن حـرم قـدســي كامـل هـو المقصـود بسـورة الإسـراء .

الى الملتقى القريب بإذن الله تعالى