قرأت لكم هذا الموضوع الذي يمس نهضة أمتنا العربية
المصدر/ جريدة الأهرام
http://www.ahram.org.eg/Index.asp?Cu...3.HTM&DID=9929


الترجمة وتعريب العلوم الطبيعية
بقلم : د‏.‏ علاء عبدالهادي

ربما أتفق مع من يذهب إلي أن هناك اختلافا بين وضع الترجمة العربية الحديث‏,‏ ووضع الترجمة ابان الفكر العربي الإسلامي في القرنين الثالث والرابع للهجرة‏,‏ فلم يكن المجتمع الإسلامي انذاك يجري لاهثا من وراء ماينقصه‏,‏ بل كان يثبت معالم شخصيته الحضارية في ذروة قوتها‏,‏ وعنوانها‏,‏ فاستوعب ما امتدت يده إليه ليس من أجل نسخه‏,‏ ولكن من أجل اجابة اسئلته الخاصة النابعة من كيانه‏,‏ كما يذهب إلي ذلك الباحث التونسي كمال قحة‏.‏

وقد حدد الفكر الإصلاحي العربي موقفه من قضية الترجمة من خلال رؤية تذهب إلي ان نقل العلوم والافكار من العالم المتقدم واستنباتها في تربتنا العربية هو المهاد اللازم لاية حركة تقدم حقيقية‏,‏ وهي نظره يكمن في داخلها حس الي مالايتضح في النقاش النظري ولكن يتضح في سلوك هذه المؤسسات العملي‏,‏ وفي برامج المتابعة الناقصة التي لايهتم بها القائمون علي هذه المشروعات‏,‏ فلا توجد اية دراسات أو قواعد بيانات تملكها ادارات هذه المؤسسات‏,‏ عن تأثير هذه الترجمات علي مجتمعاتها وعن جدوي اصدارها علي الواقعين العلمي والثقافي‏.‏

لم تتمتع اتجاهات الترجمة التي تبنتها المؤسسات الرسمية العربية بعامة‏,‏ بسياسات واضحة المعالم‏,‏ ذلك لأن مشروعات الترجمة العربية لم تبن استراتيجياتها علي دراسة الواقع الراهن وفق لغة التطور الاقتصادي‏,‏ بحيث اننا لانعدو الحق اذا قلنا ان عددا كبيرا من المختار المترجم من مؤسسات الترجمة الرسمية العربية ـ وفي هذا تعميم جائر لكنه ضروري في هذه المساحة الصغيرة ـ قام علي المصادفة‏,‏ والذوق الفردي‏,‏ كما افتقر إلي أعمال العلوم الانسانية التي تقوم علي التفسير النقدي للواقع‏,‏ وهذا ما وضع هذه الترجمات في مساحات آمنة‏,‏ وافقدها جزءا من قدرتها علي التأثير الاجتماعي‏,‏ فلم تتبن هذه المؤسسات خطة إدارة استراتيجية تصنع توجها ثقافيا تراكميا عبر تصورات واضحة‏,‏ تتبني حجم المنشور ونوعه علي نحو يحقق اهدافا محددة تسعي إلي ثقافة تخدم اهدافا في الاستراتيجية العظمي للدولة في ظل ظرفنا الحضاري المعاصر‏.‏

وكان من تجليات هذا القصور ان انصب اهتمام حركات الترجمة القائمة علي مشروعات مؤسسية قومية علي المستوي العربي‏,‏ بترجمة العلوم الانسانية‏,‏ والأعمال الابداعية العالمية‏,‏ دون ان تنال ترجمة العلوم الطبيعية الاهتمام ذاته‏.‏

ان النقص الحاد لأعمال العلوم الطبيعية المنقولة إلي العربية هو امر شديد الخطورة علي ثقافتنا العلمية فالبرغم من ان اتقان اللغة الانجليزية اصبح ضرورة لكل مشتغل بالعلم فان ترجمة العلوم توفر البعد الاجتماعي لتداول هذه العلوم في لغتنا القومية من جهة‏,‏ كما توفر مصادر هذه العلوم لمن لايستطيع الوصول إليها في لغاتها الاصلية من جهة أخري‏,‏ ويمكن ان يرجع القاريء إلي مجموعة اعمال اي مشروع قومي للترجمة في دولنا العربية كي يتأكد من ضآلة نسبة كتب العلوم الطبيعية المترجمة في هذه المشروعات وعشوائية اختياراتها‏,‏ هذا فضلا عن النقص الحاد في ترجمة مختارات من الدوريات العلمية البحثية‏,‏ فكثير من البحوث المهمة المعاصرة تظل حبيسة الدوريات العلمية العربية‏,‏ وهي دوريات غير متوافرة في عالمنا العربي‏,‏ ويصعب الحصول عليها لغير المشتركين فيها‏.‏

اما النقطة الثانية المرتبطة بالترجمة العلمية في هذا السياق فهي تخلفنا الشديد في تعريب التعليم الجامعي‏,‏ وهو امر بالغ الخطورة‏,‏ ويعد هدفا لايمكن تحققه بمبادرات فردية‏,‏ بل يتحقق بإرادات سياسية تتفهم سرعة الانتاج العلمي العالمي‏,‏ وتراكمه‏,‏ وتسعي إلي ان يكون لها موطئ قدم في المشهد العلمي المعاصر‏,‏ ذلك لان اي حراك مثمر في الترجمة يرتبط بمحورين‏,‏ الأول‏:‏ هو الشروط الفنية للترجمة ذاتها‏,‏ والثاني‏:‏ هو تأثير هذه الترجمة والشروط الاجتماعية التي يمكن ان تحتضنها وتتبناها‏,‏ فمن المهم ان يستطيع الاكاديمي ان يقدم معارفه إلي مجتمعه‏,‏ اسهاما في تنمية العقل العلمي‏,‏ وهذا ما لن يتسني إلا بتمكنه من لغته العلمية القومية‏,‏ الأمر الذي يحتاج إلي مترجم يجمع بين التخصص في العلم والبحث فيه ايضا‏.‏

ان قرار تعريب التعليم يجب ان يكون قرارا سياسيا واكاديميا في آن‏,‏ وهذا ما يوفر للقرار السياسي اسباب نجاحه فمن المهم ان تكون هناك لغة علمية واصطلاحية عربية موحدة‏,‏ بل إننا كثيرا ما نجد لكل دولة عربية لغة علمية مختلفة‏,‏ فضلا عن جهاز اصطلاحي خاص بها‏,‏ فلغتنا العربية القومية‏,‏ هي اللغة الكفيلة يإيجاد تراكم معرفي‏,‏ اما السوق الطالبة لهذه البضاعة التي يجب الاهتمام بها فهي الجامعات‏,‏ التي لن تشكل في وضعها الحالي اي فرق‏,‏ بسبب الهيمنة الكاملة للمذكرات الدراسية‏,‏ والملخصات اضافة إلي مايسمي الكتاب الجامعي المشترك‏!‏

ان حركة الترجمة هي حركة غير معزولة عن شرطها الاجتماعي‏,‏ اما نهضتها فمشروطة ببيئتيها الثقافية والعلمية‏,‏ اي انها حركة تابعة في الحقيقة أكثر من كونها رائدة‏,‏ وهي وثيقة الصلة بتطور علوم اخري مثل العلوم الطبيعية من جهة وعلوم النفس واللغة والاجتماع والفلسفة‏..‏ الخ من جهة اخري‏,‏ ذلك لان حيوية هذه العلوم من خلال تداولها هي التي توجد فعالية الترجمة في الواقعين العلمي والثقافي وهي فعالية اجتماعية في مقامها الأول‏!‏

ليست الترجمة مجرد نافذة مفتوحة علي عالم الآخر‏,‏ ولكنها قناة تنفذ من خلالها التأثيرات الأجنبية لتخترق الثقافة المحلية‏,‏ وتتحداها‏,‏ وربما تحولها ايضا عن مسارها‏,‏ كما يقول العالم اندريه لوفيفرـ وهو اقتباس يطرح أهمية اولويات الاختيار القائمة علي خطة استراتيجية تخدم اهدافنا القومية‏,‏ كما يثير هذا الاقتباس قضية مهمة أخري ترتبط بقدرتنا علي التأثير‏,‏ وذلك من خلال مشروعات الترجمة العكسية‏,‏ وذلك من أجل دعم ما يرتبط بصورتنا الحضارية التي نريد الحفاظ علي ثوابتها النسبية من جهة‏,‏ وتشكيل صورتنا التي نريد تصديرها إلي من نسميه آخر من جهة أخري‏.‏