شهادات " فاميلي سايز"
لبنى ياسين
قرأت خبرا مفاده أن دكتوراً في الجامعة تم إيقافه عن العمل للتحقيق في أمر شهادة الدكتوراة الخاصة به، بعد أن تبين أنه حصل عليها ببطاقة الصراف وليس بالسهر والبحث والدراسة.
بدا لي الأمر غريباً، وفكرت أنني إن صدف وجمعت المبلغ المطلوب خلال سنة مقدارها ألف سنة مما تعدون، سأشتري لنفسي شهادة دكتوراة، متمنية ألا يكون ثمنها هي الأخرى قد ارتفع بسبب ارتفاع أسعار الأرز أو انخفاض أسعار البترول أو انهيار أسواق المال العالمية حتى ذلك الحين.
المهم أنني سأدخل متجراً فخما يعرض أنواع الشهادات على الحائط وما علي إلا أن أشير إلى الشهادة المطلوبة وأحدد اللون والخط الذي يعجبني في قسم شهادات الدكتوراة لأنني ولله الحمد أخذت شهادتي الجامعية ودبلوم عال فوقها بدون أن أدفع شيئاً-أقصد من جيبي طبعاً- لكن دفعت من عيوني ودماغي واعتزال الحياة الاجتماعية حتى إشعار آخر توافق يومها مع التخرج.
وإن رأيت أن المتجر الفخم المذكور آنفاً يعرض شهاداته بثمن مرتفع سأقصد الأسواق الشعبية حيث أجد نفس الشهادات لكن بدون برواز وبسعر مخفّض يسمح لي بشراء أكبر عدد ممكن على مبدأ "اشترِ شهادتين وخذ الثالثة مجاناً"..ولتذهب فخامة المتجر إلى الجحيم، فمن سيعرف من أي مكان اشتريتها أصلاً؟ لا أحد.. سيرى الناس الشهادات وينبهرون وتنهال علي الهدايا والتهنئة والتباريك والذي منه.
أتوقع أن يكون ثمن الشهادة حسب الدرجة العلمية المطلوبة (دكتوراة أو دبلوم أو بكالوريوس) ونوع الورق المستعمل في الطباعة ولونه وسماكته، بالإضافة إلى لون وسماكة الخط ونوع الحبر المستخدم، ولا أغفل بالطبع المادة المطلوب التخصص فيها فلا يعقل أن تكون الدكتوراة في الرياضيات بنفس سعر الدكتوراة في الجغرافية إذ أن الرياضيات مادة صعبة ولها ثقلها...الذي يحسب بالذهب.
حسناً لن أقرر الآن ما هو التخصص الذي سوف (أتدكتر) به، لأنني لا أعرف حتى الآن الميزانية التي يمكنني رصدها لتلك الدكتوراة، لكن أعدكم أنه إن حصلت معجزة كونية وصرتُ من صاحبات الملايين فسوف أشتري دزينة شهادات في كافة الاختصاصات ولن أنسى بالطبع أن تكون إحداها في الطبخ والتدبير المنزلي، لأن هذه بالضبط من شأنها أن تحسم أي خلاف حول كمية الملح أو الحمض المستخدم في هذا الطبق أو ذاك قد يحدث بيني وبين إحدى أولئك اللواتي يتشدقن ويتفلسفن في الطبخ كأنه اختراع نووي، وحينها سيكون بإمكاني أن أصرخ بعلو صوتي دون خوف:" مهلاً...انتبهي..أنا معي دكتوراة في الطبخ ولا يمكنك مناقشتي لا في الملح ولا في الحمض"، هل قلت ملح وحمض؟؟ إذن لا بد أنني سأحتاج إلى دكتوراة في الكيمياء أيضاً من أجل عيني الحمض المبجل والملح المعظم لأدحض أي انتقاد لأطباقي الفاخرة بالحجة الدامغة..دكتوراة في الطبخ وأخرى في الكيمياء...وبعدها الزموا حدودكم واعرفوا مع من تتحدثون! (الحديث هنا ليس للقارئ ولكن لمن يحاول مجرد محاولة انتقاد أطباقي).
لا بد أنني سأحتاج إلى دكتوراة في علم النفس حتى أحسم أمر أي خلاف يحدث بسبب كلمة قالتها هذه أو تحدثت بها تلك، فإن قلتُ إن وراء تلك الجملة "قلب مبغض" أو "عين حاسدة" لن يتمكن أحد مناقشتي أو الادعاء بأنني أبالغ، أو أن الأمر لم يصل حتى هذا الحد..ولا يستحق .. وما أدراه طالما أنني أنا من تحمل دكتوراة في علم النفس؟!.
أظن أنني سأحتاج إلى دكتوراة في علم الاقتصاد، تتساءلون لماذا؟ من غير حاملة دكتوراة الاقتصاد بوسعها أن تقنع زوجها أن يشتري لها طقماً من الألماس دون أن يناقشها في الاقتصاد المنهار حتى يسبب لها انهياراً عصبياً ينتهي برعد يخرج من الحلق وبرق ومطر في العيون ؟ وأن يترك لها التصرف في المال العام وخزينة الدولة؟ ويترك الحساب البنكي وكروت البنك في عهدتها؟ فهي متخصصة في الاقتصاد وبالتالي عليه أن( يعطي الخبز لخبازه لو أكل نصفه.. أو ثلاثة أرباعه) لا يهم المهم انه في أيد أمينة تحمل دكتوراة في الاقتصاد.
أريد أيضا دكتوراة في الأدب وهكذا إن تشاجرت مع إحداهن وحاولت مجرد محاولة أن تتهمني- بسبب غبائها أو جهلها- بقلة الأدب، سأقف في وجهها كالطوفان وأصرخ بعلو صوتي: أنا معي دكتوراة بالأدب.. و"اللي على راسه بطحة يحسس عليها".
ولن أنسى شراء شهادة في العلوم السياسية لأناطح "ليفني وكوندي" وأباطحهما وأبطحهما أرضاً وأوسعهما ضرباً، وعندها إن قلت أن الاستيطان في الضفة الغربية لم يتوقف كما تدعي إسرائيل بل زاد بنسبة 60% عن سنة 2007سوف يؤخذ كلامي على محمل الجد ليس لأنني صادقة فقط بل لأنني أحمل شهادة الدكتوراة.
بقية التخصصات سأفكر فيها لاحقاً وإن كانت لديكم أي آراء أو اقتراحات حول التخصصات أرجوكم لا تحرموني من نصائحكم، علماً بأنني سأطلب شهاداتي بألوان قوس قزح من الوردي إلى السماوي فالأصفر فالأرجواني والأحمر..حتى نهاية الألوان. وأوزعها في الغرف بحسب تناسبها مع الأثاث والغرف، فلا يعقل أن أعلق شهادة دكتوراة في الطبخ في غرفة الضيوف "من الواضح أنني أمتلك حكمة تتناسب وشهادة الدكتوراة أليس كذلك؟... أم برأيكم أحتاج إلى دكتوراة في علم الألوان أو الديكور..أو ربما في كليهما؟".
وسأطلب الشهادات "فاميلي سايز"، "الانكليزية هنا لزوم الشهادة العالية التي سأحملها لاحقاً" أما الخط فأريده أن يكون كبيراً حتى يراه من ليس عنده نظر أو نظارة، لأكون فريدة زماني وسابقة عصري وأواني وادخل موسوعة جينيس بلقب حاملة الشهادات الأكثر والأكبر في العالم...طبعاً فشهاداتي "فاميلي سايز"، وأظنني سأبدأ بإرفاق اسمي بحرف الدال الشهير بدءاً من المقال القادم وسأجعل حرف الدال بحجم الصفحة..أو ربما أصغر قليلاً ليبقى متسعاً للمقال، وأرجو أن تكتبوا لي من اليوم فصاعدا في رسائلكم " د لبنى" طبعا الدال كما ذكرت قبل قليل بحجم كبير لأتدرب على حمل اللقب. وحتى المقال القادم..أترككم بخير.