القــدر

القدر قُوة غريبة غامضة...وسر عجيب. قوة تقف أمامها البشرية والقدرة الإنسانية مشلولة الإرادة ...ولا ندري كيف وأين ومتى ولماذا حدث ما حدث... يعترينا الذهول ونضع تفسيرات عشوائية ولا ندري ما الحكمة الخفية وراء مجهول أوجده الله وأجراه قدراً لا يمكن التمرد عليه...
وفي قصةٍ رمزية لكاتب فرنسي يتحدث عن يومٍ تلبّدت فيه السماء بالغيوم وهطل المطر غزيراً.. واندفعت السيول... وكان بطل القصة "جان" ينظر إلى السماء ويقول: "إنّ هذا الوابل سيلحق الضرر بمزروعاتنا لأنها لا تحتاج إلى هذا القدر الوافر من الماء... ليت العناية الإلهية أوكلت إلي هذا الأمر لعرفت متى يجب أن تشرق الشمس ومتى يجب أن ينزل المطر "وما أن أتم الرجل كلامه حتى أتاه شبحاً غريباً وقدم له علبة عجيبة وقال له: "إذا فتحت العلبة أصبح المطر رهن أمرك والشمس طوع يديك ولكنّ العلبة لا تعمل إلا بإجماع أهل القرية على رأي موحّد".. ورحل هذا الوافد الغريب وقام "جان" يطوف على أهل القرية ويزف إليهم النبأ السار وجمعهم وسألهم أن يتفقوا على رأي موحد... هل يفضّلون المطر أم الشمس؟!
ووجم القوم.. واتفقوا على أن لا يتفقوا..إن مزروعاتهم متعددة الأنواع ومنها ما يحتاج إلى الماء ومنها ما يحتاج إلى الشمس... فالمصالح متضاربة... والأهواء والرغبات متعددة... وعاد أهل القرية إلى الاجتماع مرّات ومرّات ولكن دون جدوى...
غضب "جان" غضباً شديداً وألقى العلبة بعيداً.. وما كادت تُلامس الأرض حتى انفتحت وخرج منها ورقة مكتوب عليها: "إن المقادير فوق مستوى عقولنا المحدودة، وعلينا أن نترك أمرها للعناية الإلهية فهي أدرى منّا بالأوقات المناسبة لنزول المطر أو ظهور الشمس في كبد السماء".






تحترق السفينة وهي تمخر عباب الماء.. تحترق والماء يلامس كلّ أطرافها ولا يملك بحّارتها أن يُخمدوا حريقها..
إن زهرة بمفردها لا يمكن أن تصنع الربيع... وقطرة هاطلة لا تصنع الشتاء... وورقة صفراء تسقط من غصن أخضر لا تكون الدليل على أننا نعيش الخريف...
إنّ الرضا بالقدر هو الذي يجعل المؤمن يذوق حلاوة الإيمان ويرضى بإرادة الله فلا يسخط بل كلّ أمره له خير فإن أصابته سراء شكر وإن أصابته ضراء صبر فما شاء الله سبحانه كان وما لم يشأ لم يكن...
(وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123) سورة هود
(إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34)سورة لقمان.


************************************************