آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: "الموريسكيون فى إسبانيا وفى المنفى" تأليف ميكيل دى إيبالثا، ترجمة وتقديم جمال عبد الرحمن

  1. #1
    عـضــو
    تاريخ التسجيل
    11/03/2007
    المشاركات
    7
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي "الموريسكيون فى إسبانيا وفى المنفى" تأليف ميكيل دى إيبالثا، ترجمة وتقديم جمال عبد الرحمن

    أبدأ تقديم ترجمة هذا الكتاب بالحديث عن المؤلف: الدكتور ميكيل دى إيبالثا من الباحثين الذين تزخر باسمهم المراجع العلمية التى تتحدث عن الموريسكيين أو عن العلاقة بين إسبانيا والمغرب العربى (تونس بالتحديد) أو عن الإسلام بشكل عام والأندلسى على وجه الخصوص ومن هنا فهو على دراية بالثقافة الإسلامية وبآثار وجود الموريسكيين فى المغرب العربى ويكتسب حديثه عن الموريسكيين فى المنفى أهمية كبيرة. ومنذ سنوات قام بترجمة القرآن الكريم إلى اللغة القطالونية وحصل فى نفس العام على جائزة الدولة الإسبانية فى الترجمة. إذن فنحن أمام كتاب وضعه باحث ومترجم فى آن واحد، ولهذا نحسب أن ترجمة كتاب له أمر بالغ الحساسية وتحفه المخاطر. هذا الأمر له جانبان أحدهما إيجابى والآخر سلبى. الجانب الإيجابى هو أن المترجم سيعمل جهده حتى تكون الترجمة على أفضل وجه وبحيث لا تختصر شيئا. أما الجانب السلبى فهو أن المترجم لن يكون حر الحركة، وقد لا يستطيع الابتعاد عن أسلوب الكاتب حتى لو كان من الأفضل الابتعاد. على أية حال اجتهدنا قدر استطاعتنا فى الجمع بين دقة الترجمة والاقتراب من أسلوب الكاتب، وابتعدنا عنه حين كان الابتعاد يمثل ضرورة لغوية. أدركت هذه الصعوبة حين راسلت الدكتور إيبالثا للحصول على موافقته على ترجمة الكتاب وقد اشترط –وهذا حقه- أن يتعرف على المستوى العلمى للمترجم قبل الموافقة. وقد تطوع الزملاء الإسبان مشكورين بتقديمى إليه.
    الكتاب ينقسم إلى جزأين: الجزء الأول يتحدث عن الموريسكيين خلال الفترة التى سبقت عام 1609 ، وأظن أن القارئ العربى أصبح بمقدوره الآن أن يطالع تفاصيل تلك الفترة فى أكثر من مصدر، وقد قام المجلس الأعلى للثقافة فى مصر بجهد مشكور فى نشر عدة دراسات خاصة بهذا الموضوع. أما الجزء الثانى فهو يتعلق بأخبار الموريسكيين بعد طردهم من إسبانيا وأعترف بأن هذا الجزء الثانى هو الذى دفعنى إلى ترجمة الكتاب، فنحن لا نكاد نرى شيئا منشورا عن هذا الموضوع فى كتب أخرى (أستثنى وضع المغرب، فقد نشر المجلس الأعلى للثقافة كتابا عن الموريسكيين فى المغرب للدكتور غوثالبيس بوستو ، وكتابا آخر بعنوان الإسلام والغرب للزميلين جيرارد ويغرس وغارثيا أرينال، وأتمنى أن يصدر قريبا كتاب آخر عن إعادة تأسيس مدينة تطوان للدكتور بوستو)
    الجزء الأول من الكتاب يتحدث عن وضع الموريسكيين فى إسبانيا قبل صدور قرار الطرد ويتعرض لدراسة مختلف جوانب القضية الموريسكية فيتحدث عن وضع المدجنين، أى المسلمين المقيمين فى مملكة يحكمها المسيحيون، فيقول إن المدجنين كانت تحكمهم لائحة تنظم أوضاعهم، وكانت هذه اللائحة تضمن لهم حرية العقيدة وتحدد مقدار الضرائب التى يدفعونها. كان مسلمو غرناطة بعد سقوط دولتهم يأملون في أن تطبق عليهم لائحة المدجنين، ولم يتفهموا أبدا أن يفرض التنصير الإجباري عليهم، خاصة أن الممالك الإسلامية فى إسبانيا كانت تسمح لغير المسلمين بممارسة شعائرهم الدينية.
    يتحدث الكتاب فى الجزء الأول أيضا عن الأقاليم التى كان الموريسكيون يقيمون فيها وعن أعدادهم فى كل منطقة داخل إسبانيا ويذكر كيف أن حرب البشرات قد أدت إلى ترحيل مسلمى غرناطة إلى أقاليم أخرى. المهم هنا هو أن الكتاب يشير إلى وجود الموريسكيين فى أمريكا الجنوبية أو بلاد العالم الجديد – وإن كانت إشارة عابرة- وهو موضوع لا يزال فى حاجة إلى دراسة متأنية تعتمد على الوثائق.
    يتناول الكتاب مسألة الوضع القانونى للمسلمين بعد صدور قرارات التنصير، وهنا يتوقف المؤلف طويلا ليعرض وجهة نظر السلطات الكنسية، فهى ترى أن المسلمين كفار ومن ثم يجب عليها أن تستخدم كل الوسائل فى سبيل تنصيرهم. كان التعذيب وسيلة من تلك الوسائل، وكانت السلطات ترى أن عدم المقاومة حتى الموت يعنى قبول المسلمين للتنصر، ومن ثم يجب أن يعاقبوا إن هم مارسوا شعائر الإسلام. يتحدث المؤلف عن عوامل أخرى داخلية أسهمت فى تأزم وضع الموريسكيين، ونلاحظ فى هذا الجزء أن المؤلف يكتفى بعرض وجهة نظر السلطات الإسبانية المسيحية.
    فى فصل آخر من الجزء الأول يتعرض المؤلف لحياة الموريسكيين داخل مؤسسة " الجماعة"، لكننا نلاحظ أنه يعتمد فى ذلك على ملفات محاكم التفتيش، ومن المعلوم أن المحكمة كانت تخلط بين الشعائر الإسلامية واليهودية والخرافات، وتنسب كل ذلك إلى الإسلام. رغم علم المؤلف بالثقافة الإسلامية فإننا نجده عند الحديث عن مقومات هذه الثقافة يخلط بين إمام صلاة الجماعة والإمام الذى يتزعم جماعة المسلمين من الناحية السياسية، ويتحدث عن "هروب" النبى صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، ويستخدم لفظ عيد "الخروف" للحديث عن عيد الأضحى...الخ.
    و فى الفصل الأخير من الجزء الأول يتعرض المؤلف لقرار الطرد النهائى من وجهة نظر السلطات الرسمية والكنسية، وعليه فإن الكتاب فى هذه الجزء الأول لا يضيف جديدا إلى ما سبق أن ترجمناه إلى اللغة العربية فى كتب أخرى نشرها المجلس الأعلى للثقافة فى مصر.
    فى الجزء الثانى يتحدث المؤلف عن أوضاع الموريسكيين فى الدول التى هاجروا إليها. يخصص الكتاب فصلا لكل دولة استقر فيها الموريسكيون بشكل جماعى: المغرب وتونس والجزائر، ثم يخصص فصلا لبقية الدول التى هاجر إليها بعض الموريسكيين.
    يتحدث المؤلف أولا عن المغرب فيشير إلى مشاركة الموريسكيين فى السياستين الداخلية والخارجية، كما يتحدث عن عدد المهاجرين والطرق التى سلكوها للوصول إلى المغرب. على أن المؤلف يتحدث هنا أيضا عن هجرات أندلسية إلى المغرب فى مناسبات مختلفة، وعن محاولة الأندلسيين فى تطوان وغيرها ممارسة نوع من الحكم الذاتى.
    المؤلف يتحدث عن سوء معاملة المسلمين لإخوانهم فى الدين من الموريسكيين المهاجرين إليهم، ونحسب أنه يجانبه الصواب هنا. صحيح أن بعض أهل تونس قد شعروا بنوع من الغيرة تجاه الموريسكيين حين بالغت السلطات فى الترحيب بهم وإكرامهم. صحيح كذلك أن أسرا موريسكية تعرضت لبعض حوادث نهب وقعت لدى وصولها إلى الأراضى الجزائرية. أما حديث المؤلف عن "مذابح" وقعت للموريسكيين فهذا لم يقل به أحد على حد علمنا. المؤلف لا يذكر نصوصا تاريخية يعتمد عليها اللهم إلا نصا للمقرى(1) لم يشر فيه المؤرخ القديم إلى مقتل أحد. نحسب إذن أن مؤلف الكتاب يعتمد على كتابات المؤرخين الإسبان المعاصرين لتلك الفترة، ولنا على مجمل تلك الكتابات تحفظان:
    الأول أنه حتى لو حدثت مذابح فإن المؤرخين الإسبان كانوا بعيدين عن موقع الأحداث ومن ثم فلم يكن بإمكانهم متابعتها والكتابة عنها.
    الثانى هو أننا رأينا فى كتابات المؤرخين الإسبان فى القرنين السادس عشر والسابع عشر ميلا إلى التزييف، وعليه لا نراها صالحة كمصدر للكتابة عن تاريخ الموريسكيين فى مغربنا العربى.
    يختتم المؤلف هذا الفصل بالحديث عن إسهامات الموريسكيين فى مجالات الزراعة والعمارة وغيرهما، وعن وجود ألقاب عائلية مغربية ذات أصل إسبانى.
    فى الفصل التالى ينتقل المؤلف إلى الحديث عن الموريسكيين فى الجزائر فيذكر أن هناك أندلسيين هاجروا إلى الجزائر قبل القرن الثالث عشر الميلادى، وأن هناك هجرات أندلسية أخرى حدثت خلال القرنين الثالث عشر والرابع عشر. يذكر المؤلف كذلك أن هجرة الأندلسيين إلى الجزائر لم تتوقف. كل ذلك كان مقدمة للحديث عن هجرة الموريسكيين إلى الجزائر بعد صدور قرار طردهم النهائى من إسبانيا. يعود المؤلف هنا إلى الحديث عن "مذابح" تعرض لها الموريسكيون لدى وصولهم إلى بلاد إسلامية دون أن يقدم وثائق، كما يتحدث عن دور الموريسكيين فى مختلف جوانب الحياة الجزائرية وعن مشاركتهم فى الجهاد البحرى ضد الإسبان.
    يخصص المؤلف فصلا كاملا للحديث عن الموريسكيين فى تونس، وهو هنا يتحدث عن مجال يعرفه جيدا، فقد نشر المؤلف عدة أبحاث عن الوجود الموريسكى فى تونس من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن الدراسات حول الموريسكيين فى تونس اكتسبت طابعا علميا دقيقا نتيجة لدراسات عديدة أجراها باحثون تونسيون. وقد تحدث المؤلف عن نشأة الدراسات الموريسكية فى القطر العربى الشقيق وذكر أسماء كل من مصطفى زبيس وعبد الحكيم القفصى وغيرهما.
    الجزء الخاص بتونس مهم للغاية، لكن المعلومات الواردة فيه فى حاجة إلى تحديث، فمنذ تاريخ صدور الكتاب حتى الآن عقدت مؤتمرات كثيرة ونشرت أبحاث ملأت فراغا تحدث عنه المؤلف.
    يقول المؤلف هنا أيضا إن هجرة الموريسكيين إلى تونس لم تنقطع خلال العصور الوسطى، ولهذا فإن المهاجرين الموريسكيين حين وصلوا إلى تونس وجدوا أسرا أندلسية كانت قد استقرت هناك.
    يتحدث المؤلف عن دعم السلطات العثمانية للمهاجرين الموريسكيين وكيف أن علماء تونس –أبو الغيث القشاش على سبيل المثال- أسهموا فى الترحيب بالقادمين الجدد ومساعدتهم فى تعلم أمور دينهم الإسلامى.
    ندرك هنا أن الأثر الموريسكى فى تونس ملحوظ، وقد كتب المهاجرون الموريسكيون مخطوطات شرحوا فيها شعائر الإسلام باللغة الإسبانية نظرا لأن مواطنيهم كانوا قد أجبروا على التخلى عن اللغة العربية قراءة وكتابة وتحدثا، ومن ثم فلم يكن بمقدورهم قراءة فصول الفقه باللغة العربية. وهناك أثر موريسكى ملحوظ فى ألقاب العائلات التونسية، هذا بالإضافة إلى الأثر المعمارى الأندلسى فى زغوان وغيرها من المدن التونسية.
    الفصل الأخير من الجزء الثانى يخصصه المؤلف للحديث عن وجود بعض العائلات الموريسكية فى دول أخرى لم تتجه إليها الهجرة الجماعية، إما لبعدها الجغرافى عن إسبانيا، وإما لارتفاع نفقات السفر إليها، وإما لعدم وجود جاليات أندلسية بها. هذا الفصل جديد تماما فى مجال الدراسات الموريسكية، وهو يمثل إضافة فى غاية الأهمية، ولو أن المؤلف قد أغفل ذكر المصادر.
    من هذا الفصل نعلم أن أسرا موريسكية قد توجهت إلى تركيا ودول البلقان وإلى ليبيا والجزيرة العربية والهند وإفريقيا الجنوبية وفرنسا وإيطاليا وسوريا ومصر. لا نعلم شيئا كثيرا عن الموريسكيين فى البلاد المذكورة، وإن كان وضع مصر يختلف نظرا لدراسات الدكتور عبد الرحيم عبد الرحمن التى نشرها فى تونس (2).
    الكتاب لا يتوقف عند موضوع إقامة بعض الموريسكيين فى بلاد العالم الجديد، وإن كانت الوثائق التى اطلع عليها باحثون مثل كارداياك ولوبيث بارالت وساغارثاثو وغيرهم تؤكد وجود موريسكيين فى أمريكا الجنوبية. وقد يكون من المناسب هنا أن نلقى بعضا من الضوء على هذا الموضوع.
    الموريسكيين فى أمريكا الجنوبية:
    هناك حديث – غير موثق أحيانا، وضعيف التوثيق فى أحيان أخرى- عن وجود عربى إسلامى فى أمريكا الجنوبية مصاحب لوصول كولون، بل وسابق عليه. سنترك الحديث الآن عن الشريف الإدريسى وكتابه "نزهة المشتاق فى اختراق الآفاق" والذى وصف فيه بلادا شبيهة بأمريكا الجنوبية، ولن نتوقف عند رحلة محمد جاو عام 1307 التى لم يعد منها والتى ربما حملته إلى أمريكا.(3)
    أما البيانات المحددة فهى تشير إلى أن كولون اصطحب معه إلى أمريكا مترجما للغة العربية، وتشير كذلك إلى وجود فعلى للمسلمين فى أمريكا بعد وصول كولون مباشرة. يذكر أغيليرا بليغيثويلو(4) بعض أسماء لموريسكيين أندلسيين وصلوا إلى أمريكا: ألفونسو دى تريانا، والأخوة جانييث، وإيستيبان....إلخ. أما إيوخينيو شهوان فيذكر أن أول أجنبى وطأت قدماه أرض تشيلى كان موريسكيا: إنه ألفارو ميثكيتا الذى قاد سفينة سان أنطونيو فى حملة إيرناندو ماجيلان عام 1520 (5)
    نذكر هنا أن السلطات المسيحية الإسبانية قد أزعجها وجود مسلمين فى أراضى العالم الجديد وكون هؤلاء المسلمين يمارسون شعائر دينهم بشكل علني ولهذا فقد منح الكاردينال ثيسنيروس بعض صلاحياته لممثل محكمة التفتيش فى أمريكا، وجاء فى خطاب المنح "لأن فى هذه الاراضى كان هناك مواطنون يرتكبون ـ ضمن جرائم أخرى ـ جريمة ممارسة عقيدة موسى ومحمد. إن هؤلاء يحافظون على شعائرهم وتعاليمهم واحتفالاتهم المخالفة لعقيدتنا المسيحية"(6). ومن المعلوم أن القديس توما راجا قد طلب من السلطات الإسبانية السماح للموريسكيين بالسفر إلى أمريكا للعمل فى صناعة الحرير إلا أن طلبه قوبل بالرفض (7). وفى عام1539 أصدر الملك الإسباني قرارا بعدم سفر المسلمين واليهود وأبنائهم ممن تنصروا حديثا إلى أراضى العالم الجديد، أما فى عام 1543 فقد أصدر كارلوس الخامس قرارا بطرد المسلمين من أمريكا.
    وقد أصدر الملك فيليبى الثانى تعليمات تقضى بأنه "لبقاء الهنود على اعتناقهم السليم للدين المسيحى وجب إبعاد الموريسكيين عنهم وعدم الاتصال بهم مطلقا، وبذلك شددت الرقابة للتفتيش عن الموريسكيين الذين مروا إلى الهند وهم موجودون بإسبانيا الجديدة ،أما الأشخاص الذين يعثر عليهم فوجب إرسالهم فى الحال دون السماح لأى واحد منهم بالبقاء مهما كانت الأسباب ....".
    رغم كل هذه القرارات المتلاحقة التى تقضى بإبعاد الموريسكيين عن أراضى العالم الجديد فإننا نجد فى المصادر التاريخية ما يؤكد أن الوجود الإسلامى فى أمريكا لم ينقطع مطلقا، إذ يتحدث خوان لوبيث بيلاسكو عن الوضع فى العالم الجديد خلال الأعوام 1571ـ1574وذلك فى كتاب "جغرافية ووصف أمريكا منذ عام 1571وحتى عام1574"
    يقول: رغم الحظر والأمر بعدم السفر إلى أمريكا دون تصريح فإن الكثيرين من العرب واليهود ذهبوا إلى الأراضى الأمريكية كتجار وبحارة" (8). من ناحية أخرى نشير إلى أن قرارات الحظر المذكورة كان يتم التحايل عليها من قبل الموريسكيين، إذ كان هؤلاء يستخدمون تصاريح سفر صدرت لأشخاص آخرين، كما نشير إلى أن التظاهر باتباع المسيحية وممارسة الإسلام فى الحقيقة والإقامة فى قرى أمريكية بعيدة عن مراقبة رجال الكنيسة كل ذلك أسهم فى وجود عدد من المسلمين يصعب حصره. ويذكر الباحث الفرنسى لوى كارداياك أنه فى عام 1560 تمت محاكمة ثلاثة موريسكيين فى كوثكو ببيرو بتهمة ممارسة شعائر الإسلام، هذا بالإضافة إلى عدة محاكمات تمت فى المكسيك، بل إن رئيس أساقفة جواتيمالا نفسه –فرانثيسكو ماروكين- كان من أصل موريسكى، وقد اتهم عام 1543 بعدم صحة عقيدته المسيحية.(9). هذا عن الوضع فى الأقاليم الخاضعة للسيطرة الإسبانية، أما الأقاليم الخاضعة للبرتغال فكان وضع المسلمين فيها أحسن حالا، ذلك أن سياسة البرتغال من حيث السماح للمسلمين بالسفر إلى أمريكا كانت أقل تشددا من السياسة الإسبانية.(10)
    تقول مصادر كثيرة إن سلطات محاكم التفتيش فى العالم الجديد –فى بويرتو ريكو على سبيل المثال- لم تكن تهتم كثيرا بتنفيذ التعليمات الخاصة بحظر دخول المسلمين أو تلك التعليمات الخاصة بالتفتيش عن كتب محظورة، بل إن العمدة أغيلار نفسه -كما تقول نفس المصادر- قد اتهم عام 1550 بعدم تنفيذ الأوامر الملكية الصادرة ضد موريسكيى بويرتو ريكو.
    من ناحية أخرى يجب أن نضع فى الاعتبار أن قلة المصادر التابعة لمحاكم التفتيش والخاصة بموريسكيين لا ينبغى أن يفهم على أنه دليل على قلة عدد المسلمين ، فقد كان من المستحيل تقريبا أن تقوم السلطات بإحكام المراقبة فى تلك الأراضى الشاسعة، ثم إن السكان الأصليين لم يكن بإمكانهم التمييز بين الشعائر الإسلامية والمسيحية، ولم تكن لهم مصلحة فى الإبلاغ عن الذين يمارسون شعائر الإسلام. إذا وضعنا فى الاعتبار أن السلطات لم تكن تهتم كثيرا بتنفيذ تعليمات الحظر الصادرة إليها لاستطعنا أن نتفهم سر وجود مسلمين كثيرين فى أمريكا دون أن يترجم ذلك إلى عدد كبير من قضايا ضدهم.
    لا يجب أن نغفل أبدا موضوع التقية عند الحديث عن الموريسكيين. لقد استطاع مسلمو الأندلس بعد سقوط دولتهم المحافظة على شعائر الإسلام لمدة تربو على 120 عاما بفضل التظاهر باتباع المسيحية، ومن الطبيعى أن يلجأ الموريسكيون فى أمريكا الجنوبية إلى هذه الوسيلة التى ثبتت فعاليتها فى إسبانيا.
    نتحدث الآن عن وجود ملموس لموريسكيين فى أمريكا فنقول إن أحدهم –بدرو رويث ديلغادو- كان طبيبا وكان مسئولا عن الإيرادات الملكية وكان عمدة لسان خوان فى بويرتو ريكو.
    وفى الأرجنتين – كما اكتشفت الدكتورة ماريا إلفيرا ساغارثاثو- لوحظ أن قرية كاملة لا تأكل لحم الخنزير وتدفن موتاها على الطريقة الإسلامية ولا تسمى أبناءها بأسماء تتعارض مع العقيدة الإسلامية، وتشير الباحثة إلى أنه مما ساعد على ذلك استخدام تصاريح مزورة، ووصول سفن غير مسجلة كانت تحمل على متنها من يستطيع دفع ثمن الرحلة، دون اعتبار لأصله أو ديانته. وتخلص الباحثة إلى القول بأن "نقاء الدم" فى أمريكا كان مجرد وهم.
    منذ أيام قليلة ، وبالتحديد فى منتصف شهر يولية الحالى، صدر فى فنزويلا كتاب للباحثة ثيثيليا أيالا ( 11) أشارت فيه المؤلفة إلى وجود كلمات عربية تستخدم فى أمريكا الجنوبية ولم تدخل مع المحتل الإسبانى. كان هناك اعتقاد بأن هذه الكلمات تنتمى إلى لغة سكان البلاد الأصليين، لكن الباحثة –وهى متخصصة فى هذه اللغة- أكدت خطأ ذلك الاعتقاد وخلصت إلى أن أصلها عربى. ولنا أن نستنتج بدورنا أن هذا الأثر اللغوى دليل على وجود عدد غير قليل من الموريسكيين وغيرهم من المسلمين فى أمريكا، فليس من المتصور أن يحدث أفراد قلائل أثرا لغويا ملحوظا.
    كل هذا الكم من الآثار المذكورة يثبت بما لا يدع مجالا للشك أن الوجود الإسلامى فى الأمريكتين بدأ منذ قرون عديدة، وقد يكون سابقا لوصول كولون (خاصة إذا وضعنا فى الاعتبار الحديث المتكرر عن وصول بحار مسلم صينى إلى أمريكا قبل كولون بنحو قرن كامل) ونظن أن الموضوع لا يزال فى حاجة إلى دراسة موثقة نأمل أن تتم قريبا.
    ملاحظات عامة:
    نعود إلى الكتاب الذى نقدم له فنقول إنه يعالج القضية الموريسكية من بدايتها، وعليه فانه يصلح كمدخل لدراسة كتب أخرى، ثم إن الكتاب يتحدث عن الدراسات الموريسكية ولذلك فهو يشير إلى المجالات التى درست بشكل جيد. ويمكن للباحث من خلال صفحات هذا الكتاب أن يهتدى إلى تلك الجوانب التى لم تدرس بعد أو إلى تلك التى لم تتم دراستها بشكل كاف. على أننا يجب أن نضع فى اعتبارنا أن الكتاب نشر منذ خمسة عشر عاما وأن هذه الفترة قد شهدت تطورا ملحوظا فى كم وفى نوعية الدراسات الموريسكية.
    الكتاب على أهميته يحتاج فى نظرنا إلى إصدار طبعة أخرى منه، فالمؤلف يتحدث عن باحثين "شبان" لا نظن أنهم فى عداد الشبان الآن، على الأقل من حيث إصداراتهم الكثيرة التى تضعهم فى مصاف العلماء الكبار.
    ونلاحظ بشكل عام أن الكتاب يفتقد التأصيل فى بعض الأحيان، وكنا نتمنى لو أن المؤلف أشار إلى المراجع التى اعتمد عليها، كما تلفت انتباهنا كثرة الافتراضات التى لا نعلم لها أصلا.
    إذا كان لنا أن ننتقد جانبا فى الكتاب فهو جانب كتابة أسماء الأعلام، ولو أن المؤلف اتبع طريقة محددة فى كتابة أسماء الشخصيات العربية لأراحنا من عناء البحث، خاصة إذا تعلق الأمر بشخصيات غير معروفة. الطريف أن المؤلف نفسه قد كتب مقالا وجه فيه نقدا لاذعا لصاحب إحدى المؤسسات العلمية الخاصة فى المغرب العربى لأنه لم يتبع نهجا محددا فى كتابة الأسماء.
    رغم هذه المآخذ التى أشرنا إليها لا يزال الكتاب فى رأينا – خاصة الجزء الثانى- يمثل إضافة كبيرة إلى الدراسات الموريسكية و يسد فراغا –وإن كان بشكل جزئى- فى الجانب المتعلق بالموريسكيين فى الدول التى هاجروا إليها. يتضح من الكتاب أن مسلمى الأندلس بعد طردهم من أسبانيا قد اتجهوا إلى كل أنحاء العالم شرقا وغربا، ومن ثم فإنهم حملوا معهم التراث الإسلامى إلى البلاد التى توجهوا إليها.
    نختتم هنا هذه المقدمة بتقديم جزيل شكرنا إلى مؤلف الكتاب وإلى المجلس الأعلى للثقافة لإصداره كتابا آخر عن القضية الموريسكية نأمل أن يفيد منه دارسو التاريخ الإسلامى.
    والحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات.
    جمال عبد الرحمن
    القاهرة فى يولية 2005


  2. #2
    أستاذ جامعي الصورة الرمزية جمال الأحمر
    تاريخ التسجيل
    10/07/2008
    المشاركات
    1,626
    معدل تقييم المستوى
    17

    Thumbs up رد: "الموريسكيون فى إسبانيا وفى المنفى" تأليف ميكيل دى إيبالثا، ترجمة وتقديم جمال عبد الرح

    أخي الفاضل؛ د. جمال عبد الرحمن

    السلام عليكم

    1- أنا سعيد بوجود قلمكم في واتا.
    2- اعذرني إن تأخر تعقيبي على مقالكم النافع، فقد اطلعت عليه في حينه، وثبته مباشرة عندما زالت عني بعض صعوبات الدخول.
    3- أحييكم على هذا الملخص المفيد. وعلى كل الجهود العظيمة التي تبذلونها في خدمة الحقيقة الأندلسية الضائعة.
    4- أنا متيقن أن كثيرا من الباحثين والدارسين سيستفيدون من مقالكم هذا. وأسأل الله تعالى أن ينفعكم به في الدارين.

    تحية طيبة من أخيك الأندلسي...السلام عليكم


+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •