آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: زينب العسال تقرأ مجموعة «مجنون أحلام» لحسين علي محمد

  1. #1
    أستاذ بارز الصورة الرمزية د. حسين علي محمد
    تاريخ التسجيل
    03/12/2006
    العمر
    73
    المشاركات
    394
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي زينب العسال تقرأ مجموعة «مجنون أحلام» لحسين علي محمد

    قراءة في مجموعة «مجنون أحلام» لحسين علي محمد

    بقلم: زينب العسال
    ......................

    يبدو أن سحر السرد أصبح يجتذب مخيلة الشعراء ، فبعدما جالت مخيلة الشاعر فى فضاءات شعرية متعددة ، أنتجت العديد من الدواوين الشعرية ، يدخل الشاعر فى مغامرة ارتياد أجواء سردية جديدة ، فيكتب الرواية أو يكتب القصة ، فهل ضاق أفق الشعر بشطحات الشاعر؟ .. وإلى أي مدى ينضح السرد بروح شعرية الشعر؟ هل تخلى الشاعر عن فضاءاته الواسعة لتحط قدميه على أرض الواقع الذي يتحرك فيه السرد القصصي؟.
    هذه التساؤلات تثيرها مجموعة «مجنون أحلام» للشاعر والناقد حسين على محمد، فلا يمكن إغفال مثل هذه التساؤلات، وهذا ما ستحاول الدراسة الإجابة عليها.
    يستهل حسين على محمد مجموعته " مجنون أحلام" بمفتتح مقتبس من ماركيز "ليست الحياة ما عاشه المرء ، لكن ما يتذكره وكيف يتذكره لكي يرويه".
    إذا تأملنا هذه العبارة نجدها تشير إلى السيرة الذاتية ، فحياة المرء هي تلك اللحظات التي تختزلها الذاكرة فمن غير المعقول أو المقبول أن يتذكر المرء كافة الأحداث والتفاصيل التي تزخر بها حياته، فثمة أيام بل سنوات يحياها الإنسان دون أن تترك علامة أو تترك بصمة فى حياة المرء ، هذا ما قاله الشاعر ميخائيل نعيمة حينما أعرب عن دهشته كيف لإنسان عاش 70 عاماً أن يروى ما حدث فيها، ثمة اشتراط تضمن مقتطف جارثيا ماركيز ، وهو عملية التذكر ، وهو ما تبقيه الذاكرة ، لأن الذاكرة اللاقطة تبحث عن كل ما هو مثير و تبقيه، وتأتى عملية كيف يتذكره وهنا نحن نقترب من عملية الكتابة، فالكتابة هي الأخرى وسيلة لتثبيت الذاكرة، من هنا فنحن أمام استراتيجية كتابة حسين على محمد فى كتابة نصوصه السردية، فالذاكرة تتنقل بين أزمان مختلفة ، فهي تتنقل من الشباب إلى الطفولة، واليفاعة، بين الطفل فى قريته، والشاب الجامعي والرجل المغترب.
    ويثير المقتبس ملاجظة ثالثة فالمتلقي هو الآخر متورط فى إنتاج هذه القصص، فهو يسمع، ويقرأ، ويروى ما سمعه من الراوي وعليه تحديد موقفه مما يطرحه السرد.
    يمكننا الربط بين العبارة المتصدرة للمجموعة وصاحبها ماركيز، فعالم ماركيز هو عالم مراوغ ، جاءت مراوغته من دمج الأسطوري بالفانتازي بالواقعي ليصنع من كل ذلك عالماً شديد الخصوصية ، والسؤال هل تنتمي كتابة حسين على محمد فى مجموعته "مجنون أحلام" إلى هذا العالم السحري الماركيزي؟ لنعود الآن إلى عنوان المجموعة "مجنون أحلام" فما المغزى من هذا العنوان الذي يجمع مفردتين ارتبطتا باللاوعى فالكلمة الأولى ترتبط به فى صورة إيجابية، بينما الكلمة الثانية تأنى فى صورة سلبية، الأحلام لها منطقها والجنون متفلت من كل منطق.
    كل ذلك يثير سؤالاً: ما العلاقة بين الوعي الذي يختزن الأحداث والوقائع اللاوعي الذي يوحى به عنوان المجموعة؟، لاشك أن عنوان المجموعة يرتبط بوشيجة قوية بالمجموعة وبخاصة أنه عنوان أولى قصص المجموعة.
    ثمة رابط بين الوعي الذي يسقط أحداث ووقائع ويبقى بعضها فيجعل السارد يقع فى هوة الجنون. والجنون فى الثقافة العربية مرتبط بالحب، فالجنون درب من دروب الهوى ، يقع المرء فى الحب، فإن شمله واستغرق فيه صار مجنوناً ، كمجنون ليلى. لكن مكر الفنان يجعل من أحلام شخصية يلتقي بها بطل قصة مجنون أحلام، فتحرك إيقاع حياته الراكد، القصة تمثل دائرة منغلقة محددة بطريق جبلي وعر، ثم تظهر المرأة بكل ما يحمله هذا الظهور من انفراج ويبعث على تحريك المشاعر والخيالات، فينتقل السرد من الحديث عن رتابة حياة المدرس وعالمه الجاف إلى حياة المرأة وعالمها المليء بالمشكلات لكن هذه الحياة لا تخلو من أمل، اهتم السرد بوصف حياة المدرس، توقعاته وهواجسه وعلاقته بالزملاء وتحركاته، والدروس الخصوصية، وتحويل العملات، وتتبع أخبار الأهل والأصدقاء، والفراغ العاطفي، بينما لا تتحدث المرأة عن حياتها، ولكنها تفصح عن استعدادها للسفر لاستكمال تعليمها، ومشكلات ابنها.
    إننا أمام عالم منغلق تماماً برغم تمتع الرجل بشيء نذر من الحرية، تفتقدها المرأة، فهي تكنى باسم أبيها، وهى مخمرة لا تظهر منها إلا العينان فقط .. إنه عالم لا يعترف بالمرأة برغم كونها متعلمة ومثقفة، فهي معيدة فى الجامعة، تحاول السفر للخارج لحصولها على درجة الدكتوراه.
    لا يمكن الحديث عن سيرة الفرد إلا مرتبطة بسيرة الوطن، حيث تلعب التلميحات دوراً فى إبراز ذلك. تسأل البطلة المدرس قائلة: لماذا لا تبقى هنا لكي تدرس التاريخ فى جامعة صنعاء؟، فالتاريخ واحد سواء كان يدرس فى القاهرة أو جامعة صنعاء.
    ترتبط المرأة بحياة الأسرة، فهي مهمومة بطفلها العاجز، إنه تنويعة على حياتها التي تتصف بالعجز والشلل من جراء تلك العادات الاجتماعية الضاعطة والمعرقلة لانطلاقها، لكنها شخصية تبحث عن الانطلاق نحو الخارج بحثاً عن السعادة والأمل.
    «أراها تنظر إلى الأفق مستبشرة .
    لم تتكلم بعد ! .. فمازالت مدينة الحديدة بعيدة والأرض مترامية والخطى التى غادرت عتمة الوصاب .. تتأمل فى لحظات تليق ببداية جديدة».
    يتكرر المشهد نفسه ظهور المرأة اللافت لنظر السارد، وعودة إلى الزمن الماضي، واستعادة لحظات مسروقة؛ لحظات لقاء بعد فراق طويل، لحظات جاءت متأخرة عن ميعادها بأكثر من عشرين عاماً، ثمة ما هو فى الخلفية، وما يمثله المكان.
    إن قصص المجموعة تتعدد فيها اللحظات وتلعب المفارقة الزمنية دوراً فى تحريك الحدث نحو الحبكة، وغالباً ما تبدأ القصص بحضور لافت للمرأة ، ما يصاحب هذا الحضور من دهشة وإعجاب وعودة إلى أحداث بعينها. ففي قصة "اصطياد الوهم» نجد صبري ابن الثالثة والستين (وهو سجين سياسي مزمن) يلتقي بالنجمة ليلى زهدي، ها هما يلتقيان فى خريف العمر، ليظل السؤال مطروحاً: هل هذا صبري ابن الثالثة والستين، السجين السياسي فى عهد الملك فاروق والذي اعتقل ثانية فى زمن عبد الناصر، واعتقل ستة عشر شهراً فى زمن السادات؟
    تأتى الأحداث التاريخية داخل النسيج القصصي كأيقونات ومحفزات سردية يستعيدها المتلقي، ومن ثم يتخذ موقف التعاطف تجاه تلك الشخصية المأزومة داخلياً بعدما دفعت سنوات من عمرها لإيمانها بمبدأ الحرية ورفضها للقهر والقمع .
    إن الفترة التي تتناولها القصة تنحصر فى الثلاثين سنة الماضية، وهى فترة حبلى بالأحداث ذات التمفصلات المتشابكة فى تاريخنا المعاصر.
    «كتبت ثلاثين عاماً ضد الحكومات، فما التفت إلى أحد إلا السجانون، وكتبت مسرحيات تاريخية تشير إلى اللحظة التي نعيشها، فاستدعتني الرئاسة للتشاور».
    يتدخل صوت الكاتب معبراً عن دهشته، مقدماً شخصية صبري عثمان، فالكاتب يقدم شخصياته مستعيراً لغة المسرح لأن ليلى زهدي تستعير لسان الكاتب «إنني لا أصدق هل هذا صبري عثمان الذي أعرفه؟ ».
    مثل هذا التداخل بين الشخصية والكاتب يمد القصة بالمواقف والآراء التي يتبناها الكاتب نفسه ومدى استشعاره الخطر بسبب انتشار الزيف والتناقض الذي يعيشه مثقف هذا العصر ومحاولة استقطاب السلطة له:
    «خفضي صوتك، أريد أن أعيش ، وأن تعرض مسرحيتي فى المسرح القومي».
    يفلح حسين على محمد فى تصوير علاقة السلطة بالمثقف من عدة زوايا، ويبدو أنه شديد الاهتمام بهذا القضية ـ نذكرك بكتابه النقدي "البطل المطارد فى روايات محمد جبريل".
    نحن أمام لعبة يشترك فيها شخصيات ضعيفة وأخرى متمردة لديها القدرة على التصدي لكل إغراءات السلطة لجذب المثقف، فلا يكفى هنا خطوة واحدة للتنازل، فتصير الكتابة فعل مقاومة من قبل المثقف، يفضح به انتهازية المثقفين وتخاذلهم تجاه قضايا مجتمعهم. وتلعب المفارقة دوراً فى الحدث، ويكون للغة دور مماثل فى تعزيز هذه المفارقة التي تحمل المعنى ونقيضه؛ فيصير فعل الكتابة فعل مقاوم ومحرك لأحداث القصة فى آن.
    بطل قصة "سره الباتع" من أبناء ديرب نجم، يحكى طرفاً مما يحدث قبل إقامة احتفالية المولد الذي يقام فى القرية، على غير العادة فى مثل هذه القصص: لا يحتفي السرد بالحديث عن مظاهر الاحتفال، ولكنه يحتشد لتصوير العلاقة بين الإنسان والمعتقد، فهو يدخل فى صلب تلك العلاقة وتجذيرها عبر الحكايات التاريخية، لتظل سطوة الشيخ مستمدة من سطوة المعتقد فى النفوس، فالكاتب يربط الاجتماعي بالعقائدي بالسياسي. إنها سلسلة لا يمكن حل حلقاتها إذا استحكم الإغلاق، وتنتهي القصة بإشاعة البهجة والفرحة، حيث يتقاطع الداخل بالخارج والآني مع الماضي "لن يقام مولد أبو شبانة هذا العام ، نظراً للظروف التي تمر بها الأمة".
    يعن لنا أن نطرح السؤال لماذا غير الكاتب عنوان القصة من "شي الله يا أبو شبانة" إلى "سره الباتع" وبخاصة أن الكاتب لم يستبدل التركيب العامي، بأخر، فمع العنوان الأول تعدو القصة أمثولة تدور فى فلك أجواء ما بعد حرب 1967، بينما عنوان "سره الباتع"، يؤكد على المغزى الدلالي الاجتماعي فقط، فتخبو الدلالة التاريخية تماماً ويتجاوز القص هذه الإشارة السريعة التي قصدت وقت نشر القصة، لتكتسب دلالة أكثر انفتاحاً.
    المرأة وحضورها الطاغي
    تحتفى المجموعة بوجود لافت للمرأة؛ فالراوي يقف أمام المرأة مجسداً محاسنها الأنثوية ، ففي قصة «مجنون أحلام» يلقى الشاب نظرة على تلك المرأة المنقبة، فتكون النظرة رسولاً لقلبه، وتشتعل العاطفة، بينما البطل فى قصة "برق فى خريف" يتوق إلى مشاهدة وجه المرأة تلك الفتاة الجميل ويتساءل : ماذا فعل به الزمن؟ وفى "اصطياد الوهم" نجد ليلى زهدي امرأة ذات شخصية قوية ، فهي تمثل فترة التوهج السياسي؛ تشارك فى المناقشات السياسية، وتدين تخاذل البطل:
    « قالت ساخرة:
    ـ وهل تصدِّق ـ أيها الكاتب الكريم ـ أن السلام الذليل مع إسرائيل سيأتينا بالمنَّ والسلوى كما يقول زعيمك؟
    قال متراجعاً:
    ـ خفِّضي صوتك، أريدُ أن أعيش، وأن تُعرض مسرحيتي في المسرح القومي!
    قالت، وهي تحمل حقيبتها، وتُغادر المكان، وعلى وجهها علامات القرف :
    ـ إن سلامك هذا ـ كمسرحيتك ـ أسوأ مسرحية مونودراما لممثل واحد، هو أنت!».
    وصباح فى قصة " اللهم أخزك يا شطان" نموذج للمرأة المغلوبة على أمرها، ليس لها أي وجود؛ فهي نموذج للمرأة المغلوبة على أمرها، ليس لها أي وجود إلا عبر وظيفة المرأة البيولوجية ، فهي تنجب الطفل لصالح امرأة أخرى عقيم، وتتنازل عن حقوقها الزوجية، وترضى أن تعامل كخادمة، هذه الشخصية المنسحقة لا نسمع لها صوتاً اللهم إلا الأنين والشكوى، حاولت صباح أن تتأقلم مع هذه الحياة التي جعلت منها رحماً لإنجاب الطفل ولا شيء آخر!، لكن صباح تعلن تمردها ورفضها عن طريق البوح، ليظل تمردها بلا ثمرة.
    وفى قصة "شرخ آخر فى المرآة" يرسم السارد بورتريها لامرأة تجاوزت الأربعين، لكن السرد يقتنص لحظة تحول فى حياتها، فالمرأة التي تجاوز عمرها الأربعين، لكنها لم تجن شيئاً، فلم يتحقق حلمها فى الإنجاب، ولا سبيل لتحقق هذا الأمل بعد وفاة الزوج و ظهور علامات الشيخوخة، فقد غزت التجاعيد وجهها وظهرت الشعيرات البيضاء، يركز القص على هذا ا لإحباط ، الناتج عن الاهتمام الزائد بالجانب الأنثوي الذي طغى على نجاحها وتحققها فى مجال العمل.
    إن هذه النظرة الذكورية للمرأة تشع فى قصص المجموعة، وتتراوح نغماتها بين الخفوت والوضوح.
    وتسترجع نادية فى قصة "أحزان نادية" لحظات سعادة عاشتها مع زوجها محمود، نادية الأستاذة الجامعية تفشل فى الحفاظ على استمرارية الحياة الزوجية، ولأنها شخصية سلبية جداً تفقد زوجها الذي أحبته وتفانت فى خدمته لتلميذته الصغيرة ورغم ما وصلت إليه نادية من مكانة مرموقة فى المجتمع تتساوى مع ما وصل إليه زوجها إلا أن حياتها ترتبك تماماً بعد انفصال زوجها عنها؛ فتعانى من الوحدة والإهانة، نلمح المرأة المتمردة التي وعت بقيمة ذاتها فهيفاء فى قصة "الأعمار بيد الله"، هيفاء الشابة أم لطفلين، تصر على إجراء عملية جراحية لها بينما يعترض زوجها على توقيت العملية، فالوقت غير مناسب للأسرة وبخاصة مع اقتراب العيد، «أنت تستحقين ثقلك ذهباً .. لكن البيت محتاج لك هذا الأسبوع، وبعد العيد يا ستي نعمل لك العملية كما تُريدين!».
    فالدار تحتاج إلى شغل كثير، نحتاج إلى غسيل وطحين وخبز وتفصيل هدوم للولدين". هذه الأعباء المنزلية لابد أن تقوم بها هيفاء فلها الأولوية قبل صحة المرأة ! . باعث تمرد هيفاء من كونها نموذجاً فريداً للمرأة تصوره القصة، فهي أول حاصلة على دبلوم تجارة فى القرية، وتعمل فى الوحدة الصحية، ولها كرسي تجلس عليه، ومكتب لا يشاركها فيه أحد، وهاتف خاص بها، فقد منحها العمل قدراً كبيراً من الحرية والاستقلالية والتمرد على وجهة نظر الرجل / الزوج ، لكن الموت يترصد هيفاء لا أدرى لماذا ماتت هيفاء ؟ تلك الشخصية الإيجابية والتي تتمتع بذكاء فطرى وتلقائية.
    تتحول القصة بعد هذا الحافز السردي "إلى المغزى الحقيقي من القصة وهو الإهمال الذي تعانيه القرية من ضعف الخدمات، لكن القصة تنتهي ونحن نشعر بأننا جميعاً شركاء فى وفاة هيفاء.
    يرصد الكاتب التغيرات الحادثة فى المجتمع في مجموعته؛ فيكتب عن الشباب ونشاطاتهم السياسية، واهتماماتهم بقضايا الوطن، فهو يقف على ما اعترى حياة المجتمع المصري من تغييرات شكلت قصة "أم داليا" فأم داليا هي أستاذة جامعية تفشل فى تربية ابنتها الوحيدة بعد وفاة والدها: داليا خريجة كلية الهندسة التي تحمل سفاحاً مشكلة تواجهها بعض الفتيات، نتيجة الأزمة الاقتصادية الطاحنة، كذلك البطالة.
    تعد قصة "أم داليا" صرخة احتجاج أطلقها الكاتب ليعلن أن هناك خللاً يستشرى، وعلينا جميعاً أن نقاومه ليس بالقتل كما حاولت القصة أن توحي بذلك!!.
    فمما لاشك فيه أن الكاتب لم يناصب المرأة العداء؛ بل جاءت الشخصيات النسائية داخل المجموعة تصور حياة المرأة سواء أكانت بسيطة أم مثقفة ومتعلمة وموظفة وأستاذة جامعية، والكاتب لم يكن في هذه المجموعة ضد المرأة، بل اعتنى سرده بتصوير شخصيات نسائية تعانى من القهر، الذي يُعاني منه الرجل أيضاً .
    زينب العسال


  2. #2
    أستاذ بارز الصورة الرمزية د. حسين علي محمد
    تاريخ التسجيل
    03/12/2006
    العمر
    73
    المشاركات
    394
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي رد: زينب العسال تقرأ مجموعة «مجنون أحلام» لحسين علي محمد

    قصة من المجموعة:
    ........................

    اصطياد الوهم

    هاهي النجمة «ليلى زهدي» ..
    رآها «صبري عثمان» وهي قادمة إلى مقهى «هارون الرشيد» الذي اعتادا ارتياده معاً منذ عشر سنوات..‏
    كان جالساً إلى مائدة وحيدة خارج المقهى.
    الناس يمرُّون من أمامه باتجاه واحد!..‏
    أقبلتْ من بعيد ..‏ من الاتجاه الآخر.
    سقط وجهه على صدره.
    حين دخلت المقهى، وتجاوزته.. ومضتْ ..‏ إلى مائدة أخرى، ترك كوب الشاي الذي لم يشرب منه.
    نهض وأخذ يلملم أوراقاً، وذكرى غاضبة، وأعواماً تركتها وراءها..‏
    جلس إلى مائدتها.
    فتحت حقيبتها، وأخرجت رواية ضخمة.
    .. لما رأته لم تبتسم:‏
    قالت غاضبة، وهي تحاول أن تجعل نبرات صوتها كالمعتادة:
    ـ إنني لا أصدق! .. هل هذا صبري عثمان الذي أعرفه؟ (وبلعت ريقها) .. هل هذا صبري ابن الثالثة والستين الذي دخل السجن في عهدي الملك فاروق وعبد الناصر .. وهاهو السادات أخذه ستة عشر شهراً في أحداث خبز يناير 1977م؟
    ضحك .. وكأن ضحكته تقول لها:
    ـ لكمْ أنتِ غريرة أيتها النجمة الجميلة!! ..
    لم تلتفت إليه.
    أضاف في خجل:
    ـ لا تتعجبي! .. فقد كتبتُ مسرحية «صلاح الدين يدخل القدس» وأرسلتُها إلى صحيفة «الكفاح» اللبنانية التي نشرتها، عقب زيارة السادات التاريخية للقدس (قالها ضاحكاً) فطلبتْني الرئاسة بعد أسبوع!
    قالت ساخرة:
    ـ قرأتُها، حمداً لله أن النساء لم يظهرن فيها! وأن الرجال ـ وحدهم ـ هم الذين يتحمّلون وزر "البطولة" فيها!
    شد كرسيا، وجلس في مواجهتها:
    ـ لا تكوني قاسية في أحكامك.
    تعرّف عليها منذ عشرة أعوام في صالون صديقه الناقد المسرحي محيي الدين فوزي، أعجبته ثقافتها الضخمة ـ بجانب جمالها اللافت ـ وكان إذا قرأ فصلاً من مخطوطاته المسرحية تُبدي إعجابها بكتاباته التي لم تأخذ حظها في العرض المسرحي والمُتابعة النقدية .. عدَّها من جمهوره.
    وضحك:
    ـ كتبتُ ثلاثين عاماً ضد الحكومات، فما التفت لي أحد إلا السجانون! .. وكتبتُ مسرحية تاريخية تشير إلى اللحظة التي نعيشها، فاستدعتني الرئاسة، للتشاور في تقديمها على المسرح القومي وطبعها في كتاب.
    ضحكت:
    ـ هذا هو الثمن؟
    ـ أنا لم أمدح أحداً
    ـ أنت تعرفني، لا أقول إلا ما أعتقده.
    أضاف جادا:
    ـ لقد استمتعتُ بكتابة كل فقرة من فقرات هذه المسرحية، وهذا يكفي.
    ابتسمتْ ساخرةً .. ولم تُعقِّب.
    أضاف:
    ـ الناس سئمت الحروب، وتريد أن تستمتع بالحياة.
    قالت ساخرة:
    ـ وهل تصدِّق ـ أيها الكاتب الكريم ـ أن السلام الذليل مع إسرائيل سيأتينا بالمنَّ والسلوى كما يقول زعيمك؟
    قال متراجعاً:
    ـ خفِّضي صوتك، أريدُ أن أعيش، وأن تُعرض مسرحيتي في المسرح القومي!
    قالت، وهي تحمل حقيبتها، وتُغادر المكان، وعلى وجهها علامات القرف :
    ـ إن سلامك هذا ـ كمسرحيتك ـ أسوأ مسرحية مونودراما لممثل واحد، هو أنت!
    أضاف لنفسه بصوتٍ عالٍ سمعه جيرانه في المقهى، بعد أن خرجت:
    ـ وماذا يعنيني رأيها؟ إنها لم تذق ـ على أي حال ـ مرارة السجون! .. ثم إن المسرحية ستُقدم على مسرح الدولة بعد شهر ..
    لقد كتب أكثر من عشر مسرحيات لم تُعرض مسرحية منها.
    وعرفه الناس سجيناً أكثر مما عرفوه كاتب مسرح.
    وهاهي مسرحيته التي كتبها عن «بطل تاريخي» بحث عن السلام من خلال الحرب، ستضعه في مصاف الكتاب الكبار.
    هاهي ليلى زهدي تنضم إلى جوقة صديقه الناقد الكبير محيي الدين فوزي، الذي ازورّ عنه أمس، وهو يقول في لهجة حقيرة وشتائم رخيصة:
    ـ لم أعجب لتقديم مسرحيتك على المسرح القومي، من إخراج المخرج الكبير سالم النقاش، فالسلطة تكافئ أحبابها!!
    .. ماذا فعلتم أيها الأوغاد لي ولمسرحي المخطوط على امتداد خمسة وعشرين عاماً؟
    وأنت أيها الناقد الكبير قرأت مسرحياتي ولم تكتب عنها كلمة واحدة، لأنها لم تُقدم للناس كما كنتَ تقول؟
    ...
    انسحب إلى مائدته .. لا يود التفكير الآن؟ .. «ليلى» مزاجها غير رائق، وتتهمني بالخيانة! .. إنها تجعل المسرحية التي شارك فيها على الأقل عشرة أشخاص مسرحية ممثل واحد، وتقول في لغة باترة بصوت يشبه صوت سناء جميل، أو صوت عادل إمام في أدائهما المسرحي الفخيم:
    « إنها أسوأ مسرحية مونودراما لممثل واحد!».
    ...
    صفق «صبري عثمان» بشدة يطلبُ شاياً سادة، متوسلاً إلى النادل أن يُخفِّض صوتَ المذياع لأنه يريد أن يكتب الفصل الأول من مسرحيته الجديدة «لماذا يغضبون مني؟»..
    داعبته فكرة شيطانية، فضحك:
    ـ مسرحيتي الجديدة أبطالها نساء. تقوم حول صداقةٍ شيطانية بين مخرجةٍ سينمائية وامرأة أعمال. فهل يقدمها المسرح القومي (دون تدخل الرئاسة هذه المرة)؟، وهل تسنح الفرصة فتقوم ليلى زهدي ببطولتها؟!!

    ديرب نجم 3/3/1983


+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •