ثورة على عجلتين
يزداد عدد الألمان الذين يتحولون إلى ركوب الدراجة باستمرار..سواء في أوقات الفراغ أوفي الطريق إلى العمل..
ركوب الدراجة هوخير وسيلة...
الباحثون في اتجاهات الموضة والتطوريتحدثون اليوم عن " ثورة الدراجة "
بقلم أوليفرزيفرين
أسعار بنزين مرتفعة، ازدحام شديد، ندرة أماكن ركن السيارات. ردة فعل فيليب كوس في غاية الهدوء:
"هذه الأمورلا تزعجني إطلاقا". موظف البنك في مدينة فرانكفورت ابن السادسة والعشرين لا يمتلك سيارة، إذ أنه يعتمد على الدراجة في تنقلاته. ففي كل صباح يركب دراجته الرياضية متوجها إلى عمله، بالبزة الأنيقة وربطة العنق طبعا. يعبر طريقا مخصصة للدراجات من باب بيته مباشرة إلى باب البنك الاتحادي الألماني حيث يعمل. وبينما تتقدم السيارات ببطء في ازدحام ساعات الذروة في شوارع فرانكفورت، يقود كوس دراجته بكل هدوء إلى عمله. وهو يحتاج حوالي 20 دقيقة لقطع مسافة الخمسة كيلومترات التي تفصل المكتب عن البيت. يقول كوس: "تمثل الدراجة بالنسبة لي الطريقة الأسرع، إضافة لكونها صحية جدا من أجل الوصول إلى المكتب. وهي بالإضافة إلى ذلك الطريقة الأوفرمن حيث التكلفة".
يزداد عدد الألمان الذين يحذون حذو فيليب كوس باستمرار ويتحولون من الاعتماد على السيارة إلى ركوب الدراجة. ويمتلك اليوم حوالي 80% من الأسرالألمانية دراجة على الأقل. ولا ينحصر استعمال الدراجة الآن في أوقات الفراغ فحسب، وإنما أيضا كوسيلة حقيقة للنقل، وكبديل جدي للسيارة. من يركب الدراجة يمكنه أن يوفر في التكاليف، ويقوم بعمل جيد لصحته، كما أنه يتحرك في شوارع المدينة دون أن يتسبب في أية أضرار للبيئة. بالإضافة إلى هذا يأتي التغير في النظرة إلى الدراجة: فقد ولى الزمن الذي كان ينظر فيه إلى راكب الدراجة على أنه ممل وإلى الدراجة على أنها موروث قديم وأنها مجرد "حمار معدني". من يترك السيارة وينتقل إلى ركوب الدراجة اليوم يعتبر عصريا ومجاريا للموضة. لقد غدت الدراجة شعارا للحياة العصرية. ويقول الباحث الألماني في اتجاهات الموضة ماتياس هوركس أن الدراجة اليوم هي أحدث موضة. ففي تقريره حول اتجاهات الموضة لعام 2008 يتنبأ بأن الدراجة هي وسيلة المستقبل، وبأنها "الرابح الأكبر من تغيرات المناخ". وتنبأ بأن ازدهار عصر الدراجة سيولد ثقافة جديدة وأسلوب حياة مختلف ومجال خدمات مختلف في المستقبل.
ما يتنبأ به خبراء من أمثال هوركس، تلحظه بعض القطاعات الاقتصادية اليوم بالفعل. ففي مجال السياحة تتحول ألمانيا إلى مكان محبب لتمضية إجازة على الدراجة. فقد استخدم أكثر من 20 مليون ألماني الدراجة في إجازاتهم خلال عام 2007. وقد تبين مركز السياحة الألماني (DZT) هذا الاتجاه الكبير نحو الطلب على الرحلات على الدراجة. وهو يقوم بالتعاون مع نادي الدراجات الألماني العام ADFC بإصدار دليل سياحي تحت اسم "اكتشف ألمانيا على الدراجة" باللغتين الألمانية والإنكليزية.
الرابح الثاني: صناعة الدراجات. ويسعد بائعو الدراجات الألمان البالغ عددهم حوالي 5700 بزيادة ملحوظة في مبيعاتهم لهذا العام مقارنة بالعام ما قبل الماضي الماضي 2007. وتوقع اتحاد تجارة الجملة والتصدير للدراجات (ZGA) زيادة طفيفة في مبيعات عام 2008 بمقدار 1,7 مليار يورو. وقد أعرب اتحاد صناعة الدراجات (ZIV) من جهته عن تفاؤله في احد تصريحاته "الدراجة شعبية وليس لها أعداء من حيث المبدأ". أما عدد الدراجات في ألمانيا الذي يقرب حاليا من 68 مليون دراجة فهو في زيادة سنوية تفوق 4,5 مليون دراجة. ويصل ثمن الدراجة في المتوسط في ألمانيا إلى 368 يورو. إلا أن أسعار بعض الدراجات تزيد كثيرا عن هذا المقدار لما تحتويه من تقنيات حديثة وتصميمات عصرية. فعلى سبيل المثال تنتشر موضة جديدة حاليا وهي تطال أيضا بعض صانعي الدراجات الألمان البالغ عددهم 35 شركة، وهي موضة الدراجات الكهربائية الحديثة وموضة الدراجات القابلة للطي والتي لا تشغل حجما كبيرا لدى نقلها، وهي كلها أنواع وطرازات جديدة تعد بالكثير من المتعة في ركوب الدراجة.
وتزدهر تجارة الدراجات بشكل خاص في المدن الألمانية.، حيث تظهر علامات ونتائج التحول من السيارة ووسائل النقل العامة إلى الدراجة التي تعتبر وسيلة نقل فردية في غاية المرونة بشكل واضح. وتتمتع الدراجة في المدن بشكل خاص أيضا بميزة كبيرة: ففي المدن تعتبر الدراجة أسرع من السيارة في المتوسط فيما يخص المسافات القصيرة التي لا تزيد عن ستة كيلومترات. وفي هذا الإطار لا تمثل مدينة مونستر أية حالة استثنائية: فالمدينة ذات الجامعة الكبيرة والشهيرة تعتبر جنة راكبي الدراجات في ألمانيا، حيث يزيد عدد الدراجات في المتوسط عن ضعفي عدد سكان المدينة البالغ حوالي 250000 نسمة. وكذلك في المدن الكبيرة أيضا تحقق ثورة الدراجات تقدما كبيرا ونجاحات باهرة، وذلك في الطريق نحو زيادة نسبة مساهمة الدراجة في النقل في ألمانيا التي تعادل حاليا 10% من مجمل حركة النقل على الطرقات الألمانية. وقد قامت مدن برلين وهامبورغ وميونيخ وكولن بتسمية مفوض خاص لشؤون الدراجات لدى البلدية.
وتلعب الدراجة اليوم دورا في السياسة الألمانية أيضا: فقد وضعت الحكومة الألمانية الاتحادية "خطة قومية للتنقل بالدراجات"، تسعى المدن بموجبها نحو الوصول إلى أهداف متفائلة تتعلق بالدراجات. ويتطلع محافظ مدينة ميونيخ إلى جعل مدينته المدينة الأكثر ملاءمة للدراجات في ألمانيا، ويسعى إلى رفع مساهمة الدراجة في حركة النقل من 10% إلى 15%. إلا أن خطط المحافظ الطموحة تتعرض لمنافسة قوية قادمة من الشمال، حيث تسعى هامبورغ إلى مضاعفة نسبة مساهمة الدراجة في حركة النقل لتصل إلى 18% بحلول العام 2015.
وتقوم مبادرة أخرى بتشجيع الناس على التحول إلى ركوب الدراجات في مدينة فرانكفورت، مدينة فيليب كوس موظف البنك. "الدراجة والعمل" (Bike & Business) هو اسم المبادرة التي تعتبر الأولى من نوعها في ألمانيا، والتي أطلقها نادي الدراجات الألماني ADFC في ولاية هيسن بالتعاون مع اتحاد تخطيط منطقة فرانكفورت/راين – ماين الكبيرة. الهدف هو: أن يترك العاملون في مدينة فرانكفورت وما حولها سياراتهم ويتحولون إلى ركوب الدراجات في طريقهم إلى أعمالهم. مدير هذه المبادرة نوربرت زاندن، وهو من نادي الدراجات ADFC في ولاية هيسن يقول: "نسعى من خلال هذه المبادرة إلى تشجيع وتحفيز الرغبة في ركوب الدراجة، وإلى خلق جو مناسب للدراجة وزيادة شعبيتها في الشركات التي تسعى بدورها إلى الظهور بمظهر عصري حديث صديق للبيئة". ويعبر زاندن عن سعادته بالتجاوب الكبير الذي نالته هذه المبادرة (Bike & Business) التي يشارك فيها حتى الآن 45000 إنسان، من العاملين في تسع دوائر مناطق و14 شركة كبيرة.
ومن هؤلاء المشاركين أيضا في هذه المبادرة البنك الاتحادي الألماني الذي يعمل لديه فيليب كوس. فقد كان البنك من أوائل الشركات التي ساهمت في هذه المبادرة، في العام 2004. ومنذ ذلك الحين تم تطوير بنية تحتية مناسبة للدراجات وقام البنك بتشجيع العاملين فيه على استخدام الدراجة. وتتجلى النجاحات التي حققها البنك في هذا المجال في زيادة كبيرة للعاملين الذين يستخدمون الدراجة في القدوم إلى العمل من نسبة 6% إلى حوالي 10% حاليا. ولا ينقص الآن سوى أن يقوم البنك الاتحادي بتوفير الدراجات لموظفيه بالمجان، كما تفعل شركة غوغل (Google) ألمانيا في هامبورغ. ففي عام 2007 قدمت شركة الإنترنت الشهيرة لموظفيها دراجات جديدة مجانا. وقد حصل مدير التسويق في الشركة على جائزة الدراجات الألمانية تقديرا لهذه الفكرة الممتازة. إلا أن البنك الاتحادي الألماني في فرانكفورت لا يفكر حاليا بشراء دراجات لموظفيه، كما أن فيليب كوس لا يتوقع هذا الأمر. فهو يستفيد الآن من الجو المناسب لاستخدام الدراجة الذي يتيحه البنك. ولهذا فهو ينوي الاستمرار في الذهاب إلى عمله بالدراجة ولا يفكر حاليا في شراء سيارة.