الوضع الاجتماعي للمنتخب الوطني 1986
1 – 1 - ا – تقديم
ارتباطا بنتائج ما طرحناه في افتراض , أنه بحماية الرياضيين الفقراء والضعفاء وغير القادرين , ستكون لنا قيمة مضافة , تساهم في تحقيق التنمية البشرية , وتسريع عملية التنمية الاقتصادية التي تستثمر في المجال الرياضي , ويمكن أن تتيح – حتى للمستثمر الأجنبي - ما دمنا قد دخلنا عصر الانفتاح والعولمة – فرصة الإنتاج بما يدخل في إطار التنمية الرياضية المحلية , باعتماد قواعد وهيكليات تنظم العمل الاقتصادي بموازاة العمل الرياضي , سيما وأن عولمة الرياضة, صارت أسهل من المجالات الأخرى المتعلقة بالتكنولوجيا والتجارة مثلا , نظرا لوفرة الرأس مال البشري الرياضي , وخاصة في صفوف الطبقات الفقيرة
وإذا كان من ا لضروري . الاستشهاد مسبقا بمردودية الاستثمار في المجال الرياضي , فيكفي أن نعرف أن البرازيل " ملكة كرة القدم " تعد من دول العالم الثالث , وشعبها من أفقر الشعوب , وحينما فازت بكأس العالم 1994 م كانت ديونها تزيد عن 90 مليار دولار, وهددت بعدم دفع أقساط هذه الديون , بسبب انهيار اقتصادها , ولكنها بالاستثمار في رياضة كرة القد م خاصة , استطاعت أن تقلص حجم ديونها , وتنقد الكثيرين من أ بنائها من عتبة الفقر , لا لشيء . سوى أن كرة القدم هي لعبة الفقراء والبسطاء , والشعوب الفقيرة بواسطتها , تعوض عن الفقر بالموهبة الفنية وتعهد أصحاب هذه الموهبة لإتقان لعبة كرة القدم مند الطفولة
ولعلها ليست الدولة الوحيدة في هذا السياق , فهناك الأ رجنتين , ومارد الكرة الإفريقية " الكامرون " وغيرها من الدول التي أخذت تركز على الرياضة , وتعدها مظهرا اجتماعيا, فمن خلال الاستثمار فيها , وتحقيق الإنجازات , وتنظيم التظاهرات , وحصد نتائج الأنشطة المتنوعة , أصبح بواسطتها يحكم على مستوى التقدم الاجتماعي والثقافي في البلد وحيث إن التقدم الرياضي , لا يتحقق إلا بالمعطيات المتوفرة , والعوامل الاجتماعية المنتشرة في كل مجتمع , كإطار اجتماعي ثقافي يضمها , فأنه في بلدنا – وبعد سلسلة النتائج الهامة المتحققة في الميدان – نعتبر أنه من الأولويات : أن ننظر إلى ريا ضتنا – ونحن دولة نامية – على أنها منتجة . وإلا ما أدركنا نهائيات كأس العالم لكرة القدم أربع مرات , وتحكيم الحكم المغربي الراحل " بلقولة " بكفاءة ولياقة ومهنية في مباراة النهاية بفرنسا 1998 م , وما وصل أبطال و بطلات ألعاب القوى إلى منصات التتويج , ولما وصلت الكرة المستطيلة والتنس وغيرها لما وصلته من نتائج , وهي كلها محطات , تعتبر خطوات ثابتة نحو الانفتاح على الرياضة العالمية , واختراقها بعزيمة قوية راسخة وبعد أن كانت أكثر الأمنيات أن نصل إلى النهائيات , استطاع فريقنا الوطني لكرة القدم كنموذج , أن يمر إلى الدور الثاني سنة 1986 م بالمكسيك , ولم يكن لنا أن نحقق هذه القفزة النوعية , إلا بعرق واجتهاد لاعبينا وتنافسهم الجاد , في قلب ديمقراطية كونية , انتزعوا أصوات المشجعين , وحسموا النتائج لصالحهم عدة مرات , بفضل إرادتهم وبعقولهم وأقدامهم ولباقتهم وطموحهم
وهذا واحد من الأسباب التي جعلتني أركز على منتخب 1986 م , رغم أن لنا تمثيلا سابقا سنة 1970 م , نطأطئ الرأس لأبطاله المغاربة الذين كان لهم شرف تمثيل العرب وأفريقيا تمثيلا مشرفا
- ومن الأسباب الأخرى , أنه لم ينل أي منتخب وطني مشارك في نهائيات كأس العالم حقه من أية دراسة اجتماعية تحلل أوضاع لاعبيه , سوى ما ناله لاعبونا بمنتخب 1986م والذي أنجزته جريدة الاتحاد الاشتراكي على سبيل الحصر, وإن كانت بدورها لم تكرر العمل في المرتين اللاحقتين سنتي 94 – 98
إذن , فاعتمادنا على دراسة 1986 م – استحضارا وتحيينا – لم يكن من أجل إثارة أفكار مشوشة , أو حقائق غامضة , بل للكشف عن واقع موجود , يساعد على استخدام مناهج حديثة لتأهيل الرياضة عامة وكرة القدم على الخصوص
فلم تنطلق الدراسة من مفاهيم مسبقة – سوى الافتراض المفحوص – ولكنها عمدت إلى فهم الوضعية الاجتماعية , وشرح الظاهرة من خلال أسبابها المعيشة
- فهل تحقق للاعبي هذا المنتخب , بلوغ هذه الدرجة , بناء على ارتياحهم في وضعيتهم الاجتماعية , وما توفر لديهم من خدما ت اجتماعية رياضية – ولو في حدودها الدنيا – داخل أسرهم و مجتمعهم ؟
- هل كان حافزهم تحقيق استفادة ما دية , مع تحقيق عائد معنوي , هو الدفاع عن القميص الوطني ؟
- هل وضع أحدهم نصب عينيه , دخول عالم الاحترافية , وتحقيق النجومية ؟
هذا وقد كانت لنا في الدراسة مؤشرات , توظف في دراسات عميقة موالية – لم تتحقق – تتعلق بنوعية الممارس للرياضة المغربية , وكيفية اختياره للعبته المفضلة دون سواها , وكيفية تعاطيه لها , وأي منهج أو مناهج يطبقها وينتظم فيها , والمؤثرات الرياضية في حياته
وبلورنا في استجواب أبطال هذا المنتخب – بتعبئة كل مراسلي الجريدة في الأقاليم التي ينتمي إليها الأبطال – أسئلة جمعت بين صيغ معدة بدقة , وبين صيغ يطرحها السياق والعفوية الاجتماعية ومناخ الحوا ر , دون أن تبتعد عن صلب البحث , علما أن عدد المستجوبين , في البحث في وضعهم الاجتماعي من لاعبي المنتخب الوطني 1986 م . كان 18 لاعبا
إلا أنه من باب الإنصاف, كان لا بد من استحضار الرموز الرياضية التي طبعت مسيرة الكرة المغربية , ومهدت لظهور فريق قوي كفريقنا الوطني 1986 م , ورأينا أن لا بد من رد الاعتبار لتاريخ أبطال , أصبح – مع الأسف – من لا زال منهم على قيد الحياة , من الموارد البشرية الضائعة أو المضيعة , ومن وافاه الأجل , أدخل في " لعبة النسيان " رغم ما كان لهم في حقل كرة القدم من ريادة , هي دلالات ينسج على منوالها , ويقتدى بها , بصبر وعفة – وهذا مطلوب – لأن من سمات الرياضة , أن لحركاتها قابلية للتكرار, وتؤدي إلى نتيجة , وتقوي روح التنافسية, وهم النبتة المباركة التي أثرت في شبا بنا , فتزايد إقباله على كرة القدم , واتسعت رقعتها , وأنجبت منتخبات في مختلف الفئات والأعمار , بل وصار لنا منتخب نسائي لكرة القدم , يؤسس لهذه الرياضة حتى نرى قريبا بطولتها الرسمية بين مختلف الأندية , إذا صحت العزيمة , وصدقت النوايا , وابتعدنا عن النظرة الرجعية من الإنصاف أن نتذكر على الدوام أبطالنا : - عملا بقول الله عز وجل : " إنما يتذكر أولو الألباب , الذين يوفون بعهد الله , ولا ينقضون الميثاق " سورة الرعد .
- ليكونوا لشبابنا أسوة حسنة في التضحية والعطاء في الميدان الرياضي , الذي لا يقل عن الميادين الأخرى شأنا
ونظرا لوفرة الأسماء وقلة التوثيق لعطائها المتميز , حيث يحزننا أنه لم نضع لحد الآن , تجميعا يؤرخ لهم من جهة , ويكون مرجعا لكل راغب في تعميق البحث , في التفاني الذي بدلته أسماء رياضية أضحت أساطير فعلية في عالم كرة القدم , خاصة وأن واقع الأمر في زمنهم لم يمكن من المتابعة عن قرب , بينما ذاكرة أجيالنا الحاضرة , تحتاج لمن يجعل تاريخ رياضتنا مفتوحا
ونقدر أن النماذج التي نقدمها للاستشهاد ليست كافية, وهي ليست إلا لنتبث أن عنايتنا بماضينا القريب , في حدود " مونديال 1986 م " لا تلغي حق ذكر أبطالنا في مونديال 1970 م, أو أبطالنا الذين حملوا قميص دول أخرى , تحث تأثير استعمار بلدنا الذي نهب خيراته وطاقات رياضييه, مما يجعلنا مقتنعين أننا بشهاداتهم, لا نحلق خارج الزمن الرياضي للأبطال المغاربة
محمد التهامي بنيس