رأس العين عبر التاريخ
و قد سميت رأس العين لوقوعها على ينابيع الخابور التي تشكل نهر الخابور الذي يأتي بأهميته بعد نهر الفرات ويشكل أهم رافد لنهر الفراتومدينة رأس العين قديمة قدم التاريخ وكانت تعرف بأسم / كابارا / في العهد الأرامي /وغوزانا/ في العهد الأشوري و/ رازينا/ أو / رسين/ و / تيودسليوس/ في العهد الروماني ثم سميت / رش عينو/ وبعد ذلك سميت / قطف الزهور / و/ وعين ورد / وأخيراً راس العين المدينة الحالية .
رأس العين عبر التاريخ
سبب التسمية | تاريخ رأس العين | التنقيب والأبحاث
سبب التسمية
توأم التاريخ وإحدى أهم المراكز الحضارية في بلاد مابين النهرين عبر العصور تبوأت مكانة مرموقة عبر التاريخ يكاد كل موطئ قدم يحكي قصة من تاريخ المنطقة. وقد أخذت رأس العين حيزاً كبيراً من اهتمام البلدانيين والجغرافيين العرب أمثال: ابن الحوقل – وياقوت الحموي وآخرون .. وقد أشاد الجميع بجمالها وأهميتها.
وقد سميت رأس العين لوقوعها على ينابيع الخابور التي تشكل نهر الخابور الذي يأتي بأهميته بعد نهر الفرات ويشكل أهم رافد لنهر الفرات.
ومدينة رأس العين قديمة قدم التاريخ وكانت تعرف بأسم / كابارا / في العهد الأرامي /وغوزانا/ في العهد الأشوري و/ رازينا/ أو / رسين/ و / تيودسليوس/ في العهد الروماني ثم سميت / رش عينو/ وبعد ذلك سميت / قطف الزهور / و/ وعين ورد / وأخيراً راس العين المدينة الحالية .
كانت رأس العين في العصر العباسي مركزاً تجارياً هاماً ومحطة هامة للقوافل ومصيفاً للخليفة العباسي / المتوكل / وغيره من الخلفاء العباسيين . كما أتخذ منها السلطان صلاح الدين الأيوبي مركزاً للأستراحة مدة عام كامل أثناء فتحة للجزيرة العليا وشمال العراق وحلب.
وأنجبت رأس العين الكثير من العلماء مثل / عبد الرزاق بن خلف الجزري الرأس عيني نسبة إلى راس العين عالم الجزيرة والفرات . والفقيه منصور الضرير الرأس عيني وسرجيوس الرأس عيني شيخ أطباء رأس العين وصاحب العديد من المترجمات والمؤلفات
عودة إلى الأعلى
تاريخ رأس العين
( رأس العين – تل حلف – تل الفخيرية ) مواقع تختزن تاريخ المنطقة وذاكرة العصور لدهور تزيد على خمسة ألاف سنة.
لا يخفى ما كان للمياه من شأن كبير في جذب الأقوام وتوفير مقومات الاستقرار والتوطين ولذلك كانت منطقة الخابور وينابيعها بشكل خاص توفر عقدة مواصلات هامة بين الشرق والغرب وبين الشمال والجنوب وقد هيأها ذلك لأن تكون موطن عمران منذ فجر التاريخ.
أقدم مظهر حضاري يصادفنا ما باحت به المكتشفات الأثرية في تل حلف، فقد دلت على وجود شعب عامل نشيط عرفه التاريخ باسم (الشعب السوباري) الذي أسس دولة واسعة الأطراف، وكانت عاصمة الدولة التي شكلها الشعب السوباري هي ( تل حلف )، ويعود ذلك إلى أواسط الألف الرابع ق.م . أي حوالي 3500 ق.م
يقول الباحث الأثري الألماني (البارون فون أوبنهايم) من خلال تحليله للمكتشفات الأثرية أنه كان هناك تبادل تجاري نشيط بين الشمال والجنوب، أي بين سوبارتو وسومر. وقد اكتشف أوبنهايم مرفأً نهرياً كانت المراكب تنحدر فيه نحو الجنوب إلى الخابور ثم الفرات وتتابع أخيراً إلى جنوب العراق.
إن الآثار المكتشفة في تل حلف لدليل واضح على حضارة سوبارتو ذات الخصائص المستقلة. واستمرت حضارة تل حلف زاهرة لقرون طويلة حتى بدأت تذوب شيئاً فشيئاً تحت زحف شعوب هند وأوربية لتختفي وتفقد أهميتها حتى تعاود النهوض من جديد في أواسط الألف الثاني قبل الميلاد حيث شكلت دولة في الجزيرة امتد نفوذها وسلطانها إلى الأقطار المجاورة تلك هي (دولة الحوريين – الميتانيين) ، واتخذوا من (رأس العين) قاعدة للدولة عند ينابيع الخابور والراجح أنها (موقع تل الفخيرية) الحالية وكانت تل حلف إذ ذاك خراباً.
تضاعفت قوة هذا الكيان السياسي شيئاً فشيئاً حتى بسط نفوذه على كامل منطقة الشرق الأوسط وبعد جولات عسكرية بينها وبين مصر تم الاتفاق على المصالح وتم نقل ثلاث أميرات ميتانيات إلى بلاط مصر كزوجات لملوك مصر. ويذهب أوبنهايم بأن الملكة نفرتيتي زوجة توت عنخ أمون ذات الشهرة الذائعة هي أميرة ميتانية. وبعد أن بلغت هذه الدولة شأواً عظيماً بدأت بالانحدار شيئاً فشيئاً ليطمع بها الأقوام المجاورة. لتنقرض بشكل نهائي.
وتوالت الأيام لحين تمكن شيخ أرامي يدعى (كابارا) أن يبني دولة جديدة على أنقاض الميتانيين واختار موقع (تل حلف) لدولته وكانت فيما مضى عاصمة للسوباريين وكانت تل حلف إذ ذاك كوم من الأنقاض .
إلا أن هذه المملكة الآرامية لم تعمر طويلاً فقد قضت عليها (الدولة الآشورية) التي وصلت إلى أوج عظمتها وأطلق على تل حلف عند ذاك اسم (غوزانا) ومنذ ذلك الوقت ذابت الجزيرة السورية ومن ضمنها (رأس العين – تل حلف – فخيرية ) كبلاد ذات شخصية مستقلة لتصبح جزءاً من الممالك في الدولة الآشورية.
ثم دخلت (حوزة الفرس) ولم تترك هذه الحقبة الفارسية أثراً يذكر لتل حلف. وظلت هكذا حتى جاء (الرومان) واحتلوها وأصبحت (رأس العين) تحتل مكاناً مرموقاً على الحدود البيزنطية الفارسية. واهتم بها الإمبراطور ( تيودو سيوليوس) لتكون في مصاف المدن الحصينة ووضع فيها حامية، فحملت رأس العين اسمه. وعلا شأن رأس العين حتى أضحت كأنها مملكة لها شخصية اعتبارية داخل الإمبراطورية الرومانية. وأصبحت مركزاً لتلاقي المدرستين اليعقوبية والنسطورية، وكان لكل مدرسة أديرتها ومعابدها وقد برز من علمائها ومفكريها الطبيب والفيلسوف ( سرجيوس الرأسعيني ) وهو أول من ترجم الكتب الفلسفية والطبية من اليونانية إلى اللغة السريانية في القرن السادس الميلادي، وسميت رأس العين حينها (رش عينو ).
ثم جاء الفتح الإسلامي بقيادة (عياض بن غنم ) عام 17 هـ واستطاع فتح بلدان الجزيرة بكاملها ويصالح أهلها إلا رأس العين استعصت على الفتح. وهناك بعض المصادر الإسلامية تذهب إلى أن (خالد بن الوليد) وقع فيها أسيراً إلى أن تم فتحها بعد عام على يد (عمير بن سعد) سنة 640 م إلا أنها ظلت محافظة على أهميتها وفاعليتها كمركز تجاري كبير ومحطة للقوافل بين أرجاء الإمبراطورية الإسلامية . وتذكر بعض المصادر أن الخليفة المتوكل وغيره من الخلفاء اتخذوا منها مصيفاً وأن عملة عباسية ضربت في رأس العين يوماً. واتخذت المدينة بعد ذلك عدة أسماء وصفية مثل : قطف الزهور – عين وردة – رأس العين.
إلا أن الأطماع في رأس العين لم تبتعد كثيراً، فقد غزاها (الروم) عام 943 م ونهبوها واستاقوا منها عدداً كبيراً من الأسرى. وفي عام 1129 استولى عليها (الصليبيون) بقيادة (جوسلاق) ولم يمكثوا فيها طويلاً. إلا أن الكارثة الكبرى التي حلت بالجزيرة ومن ضمنها رأس العين عندما تعرضت عام 1224 لأولى غزوات (المغول) وخاصة سنة 1394 عندما حاصر (تيمورلنك) مدينة ماردين المنيعة التي استعصت عليه فصب غضبه على السهل وأعمل السيف في رقاب العباد وأطلق في ربوعها الخراب . وهكذا بعد غزوات المغول ومجيء (العثمانيين) خيم ظلام دامس على المنطقة لم تفق منه إلا بعد إشراق شمس الحرية في القرن العشرين.
عودة إلى الأعلى
التنقيب والأبحاث
(رأس العين - تل حلف - تل الفخيرية) ، هذه المواقع الثلاثة حالياً هي مواقع متصلة ببعضها ضمن دائرة لا يتجاوز قطرها 2 كم، وهذه المواقع الأثرية لم يتم التنقيب فيها، وأول من غامر بهذه المهمة العالم الألماني (البارون ماكس فون أوبنهايم)، الذي قام بتنقيب أثري منظم في أرض الجزيرة السورية حيث تناهى إلى سمعه اكتشاف بعض التماثيل بطريق الصدفة وتوجه أوبنهايم إلى الموقع ( تل حلف ) وبعد تنقيب بدائي بسيط استمر ثلاثة أيام تبين للبارون أن المنطقة غنية بالآثار القديمة فترك مشروعه إلى وقت آخر، حيث عاد إلى رأس العين سنة 1911 م يحمل إجازة قانونية بالتنقيب وفي ظروف قاسية جداً واصل عمله بعناد وإصرار فكان يصل عدد العمال المستخدمين في الحفريات أحياناً 550 عاملاً وكان يؤمن لوازمهم وحاجيات العمل على ظهور الجمال من حلب وأحياناً من ماردين وأورفا (رها).
ومن الذكريات التي تركها أوبنهايم في كتابه: أن قافلة الإعاشة كانت تقطع المسافة بين حلب ورأس العين في 20 يوماً لأنها كانت تسلك طرقاً ملتوية حذراً من الغزوات. وجاءت حملة التنقيب الأولى بنتائج كبيرة وكان من أهم الاكتشافات أن أزيح الغطاء عن هيكل قصر يرجع إلى الألف الثاني قبل الميلاد، وكذلك عثر في تل حلف على جدران هياكل منقوشة وتماثيل كبيرة وتحف فنية تدل على ما وصل إليه الذوق الفني والمهارة اليدوية.
أنهى البارون أوبنهايم حملته الأولى في صيف 1913 م على أن يعود شتاء 1914- 1915، إلا أن نشوب الحرب العالمية الأولى حال بينه وبين رغبته في إتمام عمله التنقيبي، ولبث منتظراً حتى يحين ظرف مناسب لتحقيق حلمه، وكان له ذلك عام عام 1927 م . وكان البارون قد نقل معه جميع العاجيات التي أظهرها التنقيب إلى ألمانيا خلال الحملة الأولى باستثناء التماثيل الكبيرة والقطع الضخمة فقد أخفاها في بيوت تل حلف وكانت من الكثرة والضخامة والتنوع ما تطلب نقلها من رأس العين إلى حلب ثلاثة عشر شاحنة من شاحنات القطار، وكان الاتفاق أن يتم اقتسامها بين متحف حلب والباحث أوبنهايم.
وخلال هذا الوقت كان أوبنهايم يعد العدة للقيام بحملة التنقيب الثانية والتي بدأت بالفعل في ربيع عام 1929 م وانتهت بنهاية هذه السنة، وأصابت نجاحاً عظيماً فقد باحت أعماق تل حلف بكنوز أثرية عظيمة القيمة أهمها مجموعات خزفية من خزف الملوك ترجع إلى الألفين الرابع والخامس ق.م، وأواني صغيرة تعود إلى ما قبل التاريخ وتحمل نقوشاً زاهية، ووجدت هناك أدوات مصنوعة من الحجارة ولوحات وأختام . وعثر في قبر شمال القصر على تحف نفيسة مصنوعة من العاج والذهب ومعادن أخرى. وقد اقتسمت نتائج الحملة الثانية كذلك بين متحف حلب وأوبنهايم .
ووفاءاً من الباحث لهذا الموقع الأثري الكبير أسس هذا الباحث متحفاً خاصاً في برلين جمع فيه الآثار المكتشفة في تل حلف والتي كانت من نصيبه مضافاً إليه قوالب من الجص تمثل تلك التي كانت من نصيب متحف حلب. كما وضع البارون أوبنهايم كتاباً كبيراً وقيماً بالألمانية عرض فيه مراحل اكتشاف تل حلف والتقنيات التي أجراها هناك والنتائج العلمية التي أسفرت عنها.
توقفت محاولات البحث والتنقيب لمدة أحد عشر عاماً حتى كان عام 1941 م. قدمت بعثة علمية من (جمعية شيكاغوا) إلى (رأس العين) للتنقيب، وقد اجتذبها اسم ( واشوكاني ) عاصمة الميتانيين وما كان لهذه المدينة من شهرة عالمية وقتها في العالم القديم.
وباشرت تنقيباتها في (تل فخيرية) الذي يقع جنوبي رأس العين 200 م ، ويشرف على الينابيع التي تصب في الخابور. وبالاتفاق مع مصلحة الآثار إذ ذاك، وقد تم العثور في الطبقة العليا من التل على معسكر روماني. وتابعت عملها فبلغت أعماقاً تعود إلى ألفي سنة قبل الميلاد والتقطت هناك تماثيل صغيرة من حجر وعاج، وبعض اللوحات المكتوبة. ثم أوقفت البعثة عملها دون الوصول إلى نتائج ذات شأن.
وقدمت بعثة جديدة إلى رأس العين برئاسة الدكتور (أنطون مورتفات) للتنقيب في (تل الفخيرية) بحثاً عن مدينة ( واشوكاني ) التي يفترض أنها نائمة تحت تل الفخيرية. وقامت بالتنقيب بين آب وتشرين الأول عام 1955 م. وقد لاقت البعثة بعض الصعوبات في عملها لأسباب منها أن جانباً من التل تشغله مقبرة والجانب الشرقي منه تحول إلى حقول زراعية.
اكتشفت البعثة بعض الآثار التي تعود إلى العهود الآشورية ، وضخامة الركام دليلاً على أن الحكم الآشوري كان أطول العهود. وكذلك ظهرت جدران عليها تزيينات ساسانية. وأخرى تعود إلى الحقبة اليونانية والرومانية. والشيء المهم أن هذه الحفريات ظلت عاجزة عن الإجابة على السؤال المطروح: هل تل الفخيرية مقر لعاصمة الميتانيين أم لا ؟ وذلك لأن الوصول إلى الطبقة الميتانية يتطلب من الوسائل والجهود ما لم يكن بمقدور البعثة القيام به بسبب ضخامة الطبقات الأثرية الآشورية والرومانية والعربية .
وإذا كان التنقيب قد شمل تل حلف كاملة وتل الفخيرية جزئياً، فإن موقع رأس العين الحالي مازال لم يلمس من جهة تنقيب الأثريين وسيظل بانتظار البحث والتنقيب في الظروف المناسبة.
تل حلف (غوزانا): في جنوبي مدينة رأس العين، وأظهر التنقيب في هذا التل طبقات حضارية متعاقبة ومنحوتات بازلتية جميلة كانت تزين جدران مباني المعبد والقصر. واشتهر فخاره باسم «فخار تل حلف».
تل حلف غوزانا
موقع أثري هام في منطقة رأس العين اكتشفه البارون فون أوبنهايم عام 1910 أثناء تمديد سكة قطار الشرق السريع ويقع على ضفة نهر الخابور الغربية، على بعد 2كم إلى الجنوب الغربي من مدينة رأس العين. وهو موقع أثري هام، عثر فيه صدفة على بعض التماثيل، ويدل التنقيب فيه على أن أهم سوياته الأثرية تمتد من أواخر الألف السادس ومنتصف الألف الخامس، وقدجدت فيها مساكن مستديرة وفخار جميل دقيق ملون مصقول أو مزين بأشكال هندسية ونباتية وحيوانية وإنسانية يعرف بفخار تل حلف، وفي السوية نفسها أدوات صوانية جميلة.
وفي السوية الآرامية التي تعود إلى مطلع الألف الأول ظهرت في التل بقايا مدينة غوزانا،جوزان عاصمة مملكة بخياني. ومن آثار تلك السوية مساكن عادية وقصر وهيكل للملك الآرامي كبارا بن قاديانو الذي زينت واجهته بتماثيل ضخمة وبنقوش بارزة مثلت بمشاهد الحرب والصيد والطيور وصراع الوحوش والكائنات الخيالية ومشاهد ضحايا، ووجد فيه أيضاً مدفن ملكي وعدد كبير من الأواني والتحف. آثاره محفوظة في متحف حلب وفي متحف برلين. وقد زين مدخل متحف حلب بواجهة قصر الملك الآرامي وهي نسخة عن الواجهة الأصلية المحفوظة في متحف برلين.
مدينة رأس العين :
تحدث الادريسي في كتابه نزهة المشتاق عن رأس العين قائلاً :" رأس العين مدينة كبيرة فيها مياه نحو من ثلاثمائة عين عليها شباك حديد تحفظ مايسقط فيها، ومن هذه المياه ينشأ معظم نهر الخابور الذي يصب في قرية البصيرة .
أما ياقوت الحموي في كتابه معجم البلدان فقد قال : هي مدينة مشهورة من مدن الجزيرة بين حران ونصيبين ودنيسر، وفي رأس العين عيون كثيرة عجيبة صافية وتجتمع كلها في موضع فتشكل نهر الخابور واشهر هذه العيون أربع: عين الآس وعين الصرار وعين الرياحية وعين الهاشمية .
في واقع الأمر إن تلك المسميات للعيون غير مستخدمة حالياً ولا يوجد في رأس العين من يعرف مواقع العيون المسماة في كتاب الحموي . بل هناك أسماء أخرى لعيون ظلت طوال ستة آلاف عام موجودة إلى أن كان العام 1994 حيث راحت العيون تعلن بأسى أن المياه بدأت تقل . ومن أسماء هذه العيون : (( عين الزرقاء – عين البانوس – عين الحصان – عين سالوبا..) .
أذكر أنني وفي عام 1993 كتبت مقالاً صغيراً في جريدة البعث حمل عنوان " الجفاف يهدد ينابيع رأس العين " إلا أن أحداً لم يهتم بما تم نشره ... ثم توالت المقالات التي تتحدث عن جفاف الينابيع وعن توقف نهر الخابور عن الجريان ......
رأس العين هي بالفعل جنة من جنان الأرض في الجزيرة السورية، فهي تجمع بين التاريخ الذي يمتد ستة آلاف عام في غور الزمن، والطبيعة الخلابة التي كانت تمتلئ بالعيون الصافية كالزجاج، ومياه العيون الكبريتية التي تستخدم كعلاج طبيعي للعديد من الأمراض الجلدية وقبل هذا وذاك فهي المدينة التي استطاعت أن تأسر خالد بن الوليد عندما قام بفتحها.
تقع مدينة رأس العين في الشمال الغربي من الجزيرة السورية، ضمن محافظة الحسكة التي تقع في الشمال الشرقي من قطرنا العربي السوري، وتبعد مدينة رأس العين مسافة 85 كم عن مدينة الحسكة، تجاور الحدود التركية و تبلغ مساحتها 23 ألف كم مربع.
سبب تسميتها برأس العين يعود لوقوعها على اكبر عيون منابع نهر الخابور الذي كان ينقل تجارنا إلى بغداد وبقية مدن ما بين النهرين .
لمحة تاريخية
لقد أثبتت المكتشفات الأثرية التي تمت في قرية تل حلف منذ عام 1899 على يد عالم الآثار الألماني ماكس فون اوبنهايم أن تل حلف ما هي إلا مدينة رأس العين التاريخية القديمة ذاتها، وهناك أسماء أخرى لها غير اسم تل حلف إذ كان يطلق على رأس العين اسم تل الفخيرية وواشوكاني وفاشوكاني وغوزانا ورش عينا وعين الوردة ويؤكد علماء الآثار والمؤرخون أن منظمة ينابيع الخابور كانت قاعدة لحضارة الشعب السوباري الذي ظل قروناً طويلة في هذه المنطقة إلى أن آل الأمر إلى قبائل انحدرت من الشمال الغربي واستولت على بلاد سوبارتو لكن الأمر لم يدم طويلاً لهذه القبائل، إذ هبط عنصر آري من الشمال الشرقي بعد منتصف الألف الثالث ق,م, واستقروا في منطقة ينابيع الخابور في تل حلف وأسسوا الدولة الميتانية، ثم زحف الآشوريون على الدولة الميتانية واستولوا عليها ودمروا عاصمتها فاشوكاني أو رأس العين إلا انهم لم يستقروا بسبب الحروب بينهم وبين الحثيين الأمر الذي مهد لظهور الدولة الآرامية التي أسسها الملك كابارا " يعتقد أن اسم نهر الخابور جاء من اسم هذا الملك " بن قاديانو وجعل قاعدتها عند ينابيع الخابور مختاراً تل حلف مقراً لها وفي القرن العاشر ق,م, قام تيفلات تلاصر الأول ملك آشور بغزو الدولة الآرامية ودمر مدينة تل حلف رأس العين ومنذ ذلك الحين أصبحت الجزيرة السورية مقاطعة آشورية حتى انهيار هذه الدولة على يد الفرس ثم استولى عليها اليونانيون ثم الرومان الذين اصبحت في عهدهم في مصاف المدن الكبرى، وكانت المنطقة ميدان صراع بين الفرس والروم إلى أن استولى عليها الفرس عام 602 في عهد الإمبراطور فوكاس.
وقد بلغت رأس العين من القوة والعظمة ما جعلها تصمد طويلاً أمام الفتح العربي في الوقت الذي فتحت فيه سائر مدن الجزيرة صلحاً سنة 17 للهجرة,, واستعصى على جيش المسلمين بقيادة عياض بن غنم، وفتح رأس العين بالحرب المواجهة لولا استخدام الحيل وتحول قسم من جيش حاكم المدينة إلى صفوف المسلمين وقيامهم بفتح أبوابها أمام الجيش الإسلامي، ويذكر أن القائد العربي خالد بن الوليد قد وقع في الأسر أثناء هذه المعركة واقتيد هو وصحبه إلى برج القلعة بانتظار ساعة الحسم في المعركة التي شارك فيها عدد من خيرة أبطال العرب المسلمين أمثال ضرار بن الازور وعبد الرحمن بن أبى بكر الصديق والمقداد بن الأسود.
وتذكر بعض المصادر أن الخليفة العباسي المتوكل وغيره من الخلفاء العباسيين قد نزلوا الجزيرة واصطافوا في رأس العين، وان عملة عباسية ضربت يوماً في هذه المدينة التي ارتفع شأنها حتى اصبحت محطة مهمة للتواصل بين ارجاء الامبراطورية العربية في عام 1129، غزاها الصليبيون بقيادة جوسلان وكغيرها من مدن الجزيرة تعرضت للغزو المغولي إبان حكم تيمور لنك الذي دمرها تدميراً شديداً
أما مكانتها العلمية والفكرية فإن المكتشفات الأثرية التي ظهرت في تل حلف رأس العين تخبرنا عن الكثير من المكانة العلمية والفكرية والثقافية المرموقة التي وصلت إليها رأس العين منذ أقدم العصور فقد عثر على بعض المنتجات اليدوية من الفخار الملون مما يدل على وجود مرحلة متقدمة من الحضارة.
كما عثر على أختام تعود لعصر المملكة الميتانية الكبرى إضافة إلى قطع من البرونز كالعقود والأساور والخواتم في العصر الآرامي كما وجدت مقبرة تعود لعهد كامارا عثر فيها على قطعة تمثل صحيفة رقيقة من الذهب كانت توضع على فم الميت لمنع الأرواح الشريرة من الولوج إلى جسده ووجدت أيضا علبة من العاج محلاة بخيوط ذهبية وفي داخلها خمسة أقسام يحوي أحدها طلاء احمر والى جانب العلبة أداة فضية صغيرة لمد الطلاء واكتشفت بعثة ألمانية عام 1955 بقايا معبد يرجع إلى العصر الآشوري الأول إضافة إلى مصنوعات عظمية وعاجية وكؤوس لها قواعد متقنة الصنع من العهد الآشوري الأوسط وعلى أدوات خزفية من العهد الآشوري الجديد ثم عثرت بلدية رأس العين أثناء عمليات حفر كانت تقوم بها على تمثال من الحجر البازلتي الأسود طوله متران له لحية طويلة، ويعود إلى العهد الآشوري.
ومن المكتشفات الأثرية المهمة الهيكل الملكي الذي بناه الملك الآرامي كابارا بن قاديانو إذ عثر على اسم هذا الملك على أحد الجدران المكتشفة وعثر أيضا على جدار له خمس دعائم مربعة الشكل واكثر من مائة لوحة صخرية تعود الى العهد السوباري تدل على أن إنسان رأس العين كان قد تقدم في أساليب حياته التي تقوم على الزراعة، كما استطاع صنع أوانٍ فخارية متقنة ذات ألوان متعددة لامعة، وعرف هذا الإنسان كيف يصهر النحاس ويصنع منه أدوات مختلفة، أو صنع تماثيل صغيرة من الطمي المحروق تمثل سيدات أعضاؤهن ممتلئة، وأجمل ما أظهرته المكتشفات، أدوات صيد الوحش وصور العربات التي يجرها حصانان ويركبها محاربان، وصور المعارك التي تدور بين إنسان رأي العين والأسود والحيوانات المفترسة واشتهر سكان رأس العين بصناعة السكاكين والفؤوس والصحون والأقداح الخزفية كما اشتهرت نساء رأس العين بتزيين أنفسهن بالجواهر والحلي واللؤلؤ، فقد عثر على خواتم مرصعة بالأحجار الثمينة واساور ذهبية.
ومنذ عام 1962 انتبه الناس لظهور فوهة صغيرة يتدفق منها ماء اخضر، على بعد ستة كيلو مترات من رأس العين ومنذ ذلك الوقت ظلت تلك الفوهة تتسع وظل تدفق المياه الكبريتية في ازدياد، حتى صارت الفوهة بحيرة صغيرة وصار النبع يعطي 43200 متر مكعب / ساعة، تبلغ درجة حرارة هذا النبع المسمى بعين الكبريت 27 درجة مئوية وهو يحدث شلالات أخاذة عند مصبه, والوقوف تحتها يغني عن المساج ويجعل كل خلية من خلايا الجسد تعلن عن سرورها بطريقتها الخاصة، وعين الكبريت ما هي إلا حفرة دائرة كبيرة، يتفجر منها ماء اخضر زاه يدور حول نفسه بقوة عظيمة، حتى يبدو وكأنه يغلي قبل أن يفور ويندفع خارج إنائه الترابي الأحمر، منطلقاً في مجرى متعرج شديد الانحدار، تتصدره صخور بيضاء، ثم ينتهي في بحيرة صغيرة يتشكل عندها شلال جميل ومتسع، وسرعان ما تمتزج مياه النبع الكبريتية بالمجرى العام لنهر الخابور، ويقدر بعضهم عمق هذا النبع بمائتي متر وأكثر، وبعضهم يدعي انه ليس له قرار، أما غزارته فقد بلغت 458 م مكعب / ثا، ولهذا فعين الكبريت بالمقارنة مع الينابيع الموجودة في سورية تعتبر مصدراً عملاقاً لمياه معدنية نادرة الوجود في المنطقة، وهي أيضا من الينابيع المعدنية الضخمة في العالم، مياهها دافئة وهي نافعة صحياً، ومن المعتاد أن يستحم الناس بها عند نهاية المجرى المنحدر من العين، حيث تتشكل بحيرة صغيرة قليلة العمق، هادئة المجرى نسبياً، تزدحم بالراغبين في العلاج الطبي، بواسطة المياه المعدنية حيث أثبتت التحاليل التي أجرتها وزارة الصحة إن المياه الكبريتية الموجودة في رأس العين تصلح لمعالجة الكثير من الأمراض الجلدية والرئوية.
في نهاية النصف الأول من الألف الثاني ق.م ابتدأ ظهور الآراميين في سورية ، وبعد أن تم استقرارهم انتشروا في أنحاء واسعة مشكلين ممالك متجانسة في اللغة والحضارة والعقيدة،
· مملكة فدان آرام وعاصمتها حران.
· مملكة صوبا في سهل البقاع.
· مملكة آرام النهرين بين الفرات والخابور.
· مملكة بيت بخياني وعاصمتها غوازانا تل حلف في حوض الخابور.
· مملكة بيت عديني وعاصمتها تل بارسيب تل أحمر في شمال الجزيرة.
· مملكة بيت آغوشي وعاصمتها أرباد تل رفعت وتشمل منطقة حلب.
· مملكة شمأل عند سفوح جبال الأمانوس.
· مملكة حماة.
· مملكة بيت رحوب عند مجرى الليطاني.
· مملكة آرام معكا في الجولان.
· مملكة جشور بين دمشق ونهر اليرموك.
· مملكة دمشق، وهي من أقوى الممالك.
لعل عين دارة الواقعة غربي حلب طريق اعزاز-عفرين هي من أهم المواقع الأثرية الآرامية التي تحمل آثار النزاع مع الحثيين. يتألف هذا الموقع من مرتفع هو الحي الملكي وتحته يقع الحي الشعبي، ولقد كان هذا الموقع محمياً بسور منيع مبني بالحجارة واللبن يحيط المدينة كلها وتنفتح فيه بوابات تحيط بها من الجانبين أبراج، وتقوم بوابة المدينة الرئيسية عند تمثال الأسد المكتشف هناك. ولقد سكن هذا الموقع في جميع العصور حتى عصر الحمدانيين... وهذا الموقع لم يحدد اسمه القديم بعد، ولكنه يبقى بآثاره الضخمة مرشحاً أن يكون عاصمة لمملكة آرامية. وعلى هذا فإننا لا نستطيع الحديث عن أحداث عسكرية تمت فيه.
ومن أهم الممالك الآرامية بيت بخياني ومملكة صوبا ومملكة دمشق. أما بيت بخياني فكانت عاصمتها غوزانا تل حلف التي اكتشفت حضارتها الغابرة في الألف الخامسة وتقع قرب "رأس العين" على الحدود التركية.
وأما صوبا ومعناها النحاس بالسريانية نحشا، فكان موضعها "عنجر" في البقاع وصلت حتى دمشق. ومملكة دمشق هي أقوى الممالك الآرامية، لعبت دوراً هاماً في عصر ملكها "ابن حدد" بنهدد 879-843ق.م حيث فرضت نفوذها على البلاد المجاورة وعقدت معها أحلافاً ضد أطماع الآشوريين، واستطاع خلفه صد هجومين قاما بهما شلمناصر الثالث سنة 843ق.م و838ق.م إلى أن احتلها "تغلات بلاصر" الثالث 732ق.م بعد حصار سنتين ثم قتل ملكها رصين وقضى على الحكم الآرامي الدمشقي.
المفضلات