بسم الله الرحمن الرحيم...
سلام الله على الإخوة الأحبة الكرام...
سؤال طرق باب فكري لعدة مرات و لم أقتحمه لأنه ليس من السهل أن أتطرق لموضوع ضخم من مثل هذا في مجمع من العقول النيرة...و لكن طرح السؤال أفضل من تركه في سلة الأسئلة المعطلة...و كان المحفز لذلك هو الموضوع الذي أثاره الأخ الأستاذ عماد الدين في قضية ضرب الأطفال...
هل حقا يتوفر الفكر الإسلامي- العربي على نظرية متكاملة في التربية و التعليم؟
وجدتني أطرح هذا التساؤل على من يهمهم أمر هذه الأمة،عندما قرأت ما كتبه الأخ عماد الدين جزاه الله عنا ألف خير و ما كانت ردود الإخوة الكرام و الأخوات على هذه المعضلة التي حلت بخير أمة أخرجت للناس...
التربية و التعليم هما وجهان لعملة واحدة و هي تكوين الإنسان الصالح، الإنسان المستقيم، الإنسان الذي يعرف ما له و ما عليه، الإنسان الذي أكرمه الله عز و جل بالعقل [التفكير، التدبير...]و القلب[العاطفة، الحب، الحنان، الطمأنينة...] و الوعي ذاك الميزان الذي يجعل من كفتي العدالة بين العقل و القلب ديدنه و دينه حتى لا يظلم نفسه و غيره،و لا يجهل و ينبت جهلا بل يرعاه و يضع له آلات التعذيب من أشياء مادية و أخرى معنوية ،تشكل قواعد سلوكية يمررها الجد للأب ثم هذا الأخير لمن بعده،دون الاقتداء الواعي بسلوك سيد الخلق و المرسلين عليه أفضل صلاة و أزكى التسليم...
الجواب على التساؤل السابق،هو بالإيجاب. فبكل تأكيد يتوفر الفكر الإسلامي على نظرية متكاملة في التربية و التعليم بالقدر الكافي الذي يضمن تكوين الإنسان الصالح على كافة المستويات و في جل الميادين ؟ لكن أين هي الأبحاث على مستوى الأكاديميات أو المعاهد العلمية؟ أين هي كواقع ملموس؟ يزكي و يبين التطبيق الفعلي على أرض الوقع للآية العظيمة و الكريمة"كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف و تنهون عن المنكر..."
بكل تأكيد هناك العديد من الدراسات و الأبحاث التي تملأ رفوف المكتبات ،لكن أين أثرها في الواقع؟ أين تجلياتها على مستوى الدوائر المختصة بتتبع تطبيقات البحوث و الدراسات؟ و حتى لا نكون متشائمين لأن التفاؤل موقف يعزز النظرة الخيرية للمستقبل، بان هناك الكثير من الأمل يشع من قلب هذا الفكر الإسلامي، لأن الجوهر الذي يقوم عليه هذا الفكر هو كتاب الله عز و جل و سنة نبيه عليه الصلاة و السلام. لكن يظل حبيس الجهد التي تبذله المؤسسات القائمة على تفعيل ثلاثية العلاقات التي تحيط بالكائن البشري...علاقته بربه في المقام الأول ثم بنفسه في المقام الثاني ثم أخيرا بمحيطه القريب و البعيد على حد سواء...
قد يقول قائل هذا تعقيد في البحث عن حلول استعجاليه للمعضلة. أقول بكل بساطة أن الإسلام كنظرية في الحياة هي كل لا يتجزأ.لا يمكن فصل الأطراف عن الجسد و بالتالي الأخذ في معالجة طرف بمعزل عن الأطراف الأخرى.اللهم من باب تشخيص الداء حتى تتضح الفكرة لمن يرى الأشياء أكثر من زاوية الاختصاص...و هذا للدقة و التوضيح ليس إلا.
لو انطلقنا من مسألة جوهرية في قضية التربية و التعليم و هي العلم و المعرفة بقواعد السلوك و نمو النفس البشرية في مراحلها المختلفة من نمو عاطفي و آخر عقلي و ثالث انفعالي...هل يمكن القول أن أبسط قواعد التربية تتوفر لدى الأب و الأم؟ أم أننا سنجد قول الله جل و علا واضح في الواقع الفعلي مع فارق في الفهم لمدلول الآية الكريمة:" {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ }المائدة104
وإذا قيل لهؤلاء الكفار المحرِّمين ما أحل الله: تعالوا إلى تنزيل الله وإلى رسوله ليتبين لكم الحلال والحرام, قالوا: يكفينا ما ورثناه عن آبائنا من قول وعمل, أيقولون ذلك ولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئًا أي: لا يفهمون حقًّا ولا يعرفونه, ولا يهتدون إليه؟ فكيف يتبعونهم, والحالة هذه؟ فإنه لا يتبعهم إلا من هو أجهل منهم وأضل سبيلا.[التفسير الميسر].
حقيقة هي الآية الكريمة نزلت في حق الكفار الذين اتبعوا ما كان يعبد آباءهم و أجدادهم و ما كانوا عليه من الضلال من حيث الإيمان بالله الواحد الذي لا شريك له ولا ولد...و لكن لو دققت قليلا لوجدت مسألة "العادة" و العادة السيئة التي تجعل من الإنسان غير واع لما نزل في كتاب الله عز و جل من توضيح على أن ما كان عليه الآباء و الأجداد قد يحمل من الخطأ الشيء الكثير الذي لا يتماشى مع واقع الحال.مع العلم أن القرآن الكريم هو لكل زمان و لكل مكان و بدون استثناء لكل البشر. فعادة الضرب التي هي شكل من أشكال و مظاهر ه العنف قد تأخذ شكلها ألإسقاطي التنفيذي و ألتنفيسي عن شحنات من الغضب التي تملأ كيان و أعماق الإنسان دون وعي و دون إدراك.على اعتبار أن الإنسان يقوم في بعض الأحيان بأفعال تتضمن قول الله جل و علا "...و هم لا يعلمون...أو لا يشعرون...أو لا يعقلون..."فمن منا يعلم جيدا ما تحمل بواطن نفسه إلا ما تجلى منها، و ما هو مقدار الشحنات العاطفية السلبية التي طواها الزمان نتيجة ظروف معينة مر بها الكائن البشري. وما الدراسات في علم النفس على اختلاف أنواعها إلا دليل على أن النفس البشرية عالم بل فضاء كبير يضم العديد من الحقائق التي لا زال العلم الحديث و بكل ما أوتي من تقدم لا زال يجهلها.
من هنا يصبح السؤال عن العنف سؤال مشروع: لماذا يوجد العنف أصلا؟ هل هو طبيعة في الإنسان؟ أم أنه وليد الظروف و الشروط الاجتماعية؟ هل العداوة هي السبب الرئيسي للعنف و المحرك الأساسي له؟ و هل العداوة شيء طبيعي في الإنسان و الحب هو الترياق الطبيعي لها؟ أم أن الحب هو الأساس و العداوة هي حالة استثنائية تنتجها شروط اجتماعية و تغذيها حالات نفسية معينة؟ هل يولد الكره العداوة و بالتالي العنف؟ إلى أي حد يصبح الوعي ضرورة من ضروريات الحياة إذا أردنا أن بناء جيل لا يغضب إلا لشيء يغضب الله عز وجل و لا تثور ثائرة إلا لما لا يرضاه رب العالمين؟ و لا يكون العنف و ممارسته إلا بضوابط شرعية و مشروعة؟
و في الحكاية بل في الواقعة التي انطلق منها النقاش للأخ عماد الدين و زكتها الأخت عائشة بالأمثلة الحية و الواقعية لردود فعل بعض الأطفال و كيف ينظرون لعلاقتهم بأقرب الناس إليهم...أكبر دليل على وجود أكثر من خلل في المنظومة التربوية المعتمدة لدى الآباء و الأمهات قبل تأسيسها و بناءها في أعماق الأطفال الذين سيصبحون بدورهم آباء و أمهات لجيل قد يحمل نفس التصور و نفس الخلل و نفس السلوك و بالتالي نفس النموذج الطالح لإنسان اليوم...الذي أصبح يشكل خطرا على نفسه قبل غيره من إنتاج علمي بكبسة زر يمكنه أن يدمر ما بناه لآلاف السنين و ما هيروشيما و نكازاكي إلا دليل واقعي على ذروة العنف التي وصل إليها إنسان القرن الماضي أما إنسان القرن الحالي فلا يقل عن ذلك في شيء...
و للحديث بقية إن شاء الله جل و علا...
المفضلات