نجم والي كاتب وروائي عراقي ، طلع علينا يوم الثلاثاء الماضي في برنامج الاتجاه المعاكس ليدعو العرب إلى التطبيع مع إسرائيل ، وكأنه نسي أو تناسى من منطلقه الحضاري لفهم حضارة الآخر ( أبناء عمومتنا ) حسب ما قال ، نسي بأن الكيان الصهيوني كيان اغتصب أرض فلسطين العربية ، ونكل بشعبها لأكثرمن ستين عاما ، ويسعى لقضم كل فلسطين ، وتشريد شعبها من جديد · فالأخ يريد من العرب أن يكونوا حضاريين ويتطلعوا إلى المستقبل ليتعايشوا مع الصهاينة الذين ما تزال مخططاتهم ماثلة للعيان "من النيل إلى الفرات"· ثم يشيد بأنور السادات ، ويهاجم الرئيس الكبير الراحل جمال عبد الناصر ، الذي أشبعنا ، كما يقول نجم ، كلاما عن تحرير فلسطين ·
ولم يكتف بذلك ، بل كان يتحدث بلهجة استخفاف مليئة بالاستهزاء من هذا الأمة · بينما الدكتور محمد اليونسي يتساءل وفق (نظرية) والي هل كان على الشعب الجزائري الذي كافح ببطولة عبر مئة وعشرين عاما ضد الاستعمار الفرنسي أن ينسى كفاحه ويطبع مع فرنسا ·
واستغربت كيف يمكن أن يمد الانسان يده لقاتل أمه وأبيه وأخيه وأولاده ، كيف تمد يدك لمن ذبح أهل غزة الأبطال الصامدين ، كيف تنسى ما تفعله الصهيونية في بلد عظيم كالعراق ، وماذا فعلت الصهيونية مع من تحالفت من أجل اغتيال الشهيد صدام حسين ·· ثم يتحدث عن المتاجرين بالقضية الفلسطينية ، ويعتبر الشهيد صدام حسين منهم ، حاشاه الله ، وهو الذي ، كما يعلم القاصي والداني ، اغتيل لموقفه من الكيان الصهيوني، ورفضه الاعتراف بإسرائيل ·
ويقول المدعو نجم والي: إن الحروب التي خاضها صدام ادعى بأنها من أجل فلسطين ، ونسأله من الذي اعتدى على العراق عام 1980 ، ومن الذي تآمر على العراق بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية ، وتحالف مع أمريكا من أجل تدمير العراق ، وأقول له لا تتعد على رموز أمتنا صدام حسين وجمال عبد الناصر ، فكلاهما قاد الأمة في ظل تآمر كبير من الدول الاستعمارية عليها ·
ولو قبل الشهيد صدام حسين التنازل عن مبادىء الأمة ، لكان الصهيونيون قد وصلوا إلى كل العواصم العربية تحت شعار التطبيع · وأحيلك إلى مقالة للأستاذ الكبير المناضل صلاح المختار في 30/12/2004 (شبكة البصرة) وهي بعنوان "عروض ومساومات رفضها صدام حسين"· وأسألك هل كان على الرئيس صدام حسين أن يقبل بكل العروض التي كانت أقرب إلى التهديد من أجل الحفاظ على أمة تذل تحت أقدام الغزاة· يقول الأستاذ المختار: إن الرئيس تحدث أثناء استقباله للمحامي خليل الدليمي (في الأسر) "إذ ان الرئيس قال له القضية الفلسطينية هي قضية العرب جميعا ، ومن يفرط فيها كمن يفرط في شرفه وعرضه، لقد حاولوا معي كثيرا ، بعثوا إليّ برسائل عبر قيادات وشخصيات عربية ودولية، قالوا : فقط نريد منك كلمة ، ولا نريد اتفاقا الآن ·· كانوا يريدون مني أن أبدي الاستعداد للاعتراف بدولتهم المزعومة "إسرائيل" ، لكنني رفضت بكل قوة ، رغم أنهم قالوا لي إن الاعتراف بالكيان الصهيوني يعني انتهاء الحصار وعودة العلاقات إلى طبيعتها مع الولايات المتحدة ··" · فهل كان الرئيس يتاجر بالقضية الفلسطينية ، ولماذا لم يقبل بالعروض التي قدمت له من قبل مبعوثين عرب ودوليين ؟
ويذكر الأستاذ المختار بعضا من هذه العروض والمساومات فيقول :
طلب قس من الفاتيكان في عام 1994، على ما أتذكر ، زيارة العراق لأنه يحمل رسالة للرئيس صدام حسين ، فدعي ، والقيادة العراقية تعتقد أنه يحمل رسالة من البابا ، لكنه كشف بعد وصوله إلى بغداد ، أنه يحمل رسالة من الإدارة الأمريكية وليس من البابا ·
وحينما استقبله الرئيس طرح ما يلي : إنني أحمل إلى سيادتكم رسالة من الرئيس الأمريكي تقول إننا مستعدون لرفع الحصار عن العراق ومساعدته على حل مشاكله ، في حالة أوقف معارضته للصلح مع إسرائيل ، وهذا لا يعني أنكم يجب أن تعترفوا بإسرائيل ، بل أن توقفوا معارضتكم وضغوطاتكم على من يريد ذلك·
نظر صدام حسين بعينيه العسليتين الثاقبتين ، وتأمل القس برهة ، ثم قال له : لو فعل صدام حسين ذلك لما بقي صدام حسين ، ولما عرفه شعبه ولا العرب · وأضاف بصوت عميق وعال : قل لمن حملك هذه الرسالة إن الشعب العراقي سيسقطني غدا إذا قبلت ذلك ، واختتم اللقاء بعبارة شهيرة : ( قل له إذا كان الهواء يأتينا من إسرائيل فليقطعوه عنا ) ··
ويذكر الأستاذ المختار التهديد الذي أرسله بوش إلى الرئيس صدام بواسطة الرئيس اللبناني الأسبق أمين الجميل قبل غزو العراق · تقول الرسالة : إذا لم تعترف بإسرائيل وتعتذر عن محاولة اغتيال والدي ، سأفنيك، فرد الرئيس : قل لبوش نحن لا نقبل التهديد من أي كان ·
وتستمر المساومات · فهل كان على الرئيس صدام حسين ، يا سيد نجم ، أن يتنازل عن كل مبادىء الأمة وأخلاقها ونضالها التاريخي ، وشهدائها من أجل الاعتراف بإسرائيل ، وماذا سيبقى من الأمة إن فقدت كرامتها ، ماذا ؟
ويذكر المناضل المختار بأنه بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية "زار العراق سناتور أمريكي ، وإذا به يفاتح الرئيس فجأة بالتالي : لقد طلب مني رئيس وزراء إسرائيل أن أبلغك رسالة تقول : خفضوا تسليحكم ، واعترفوا بنا نضمن لكم أخذ دول الخليج كلها ·
وبقدر ما كان كلام السناتور مفاجئا للرئيس ، كان رد الرئيس مفاجئا أيضا : ماذا أفعل بدول الخليج ولماذا آخذها ؟ وأنهى المقابلة قبل وقتها المحدد ، ووجهه يحمل علائم الانزعاج الشديد"·
هذا هو صدام حسين يا سيد نجم ، وهو الذي خرج من رحم أمة لن تساوم ولو بقي فيها رجل واحد ، وكما قال الرئيس صدام حسين : إن من يفرط في التراب والأرض ، سيفرط في كل شيء ، شرفه وكرامته ، ولن تكون لديه بعد ذلك أية خطوط حمراء · إنه مسلسل مقيت يحتاج فقط إلى البداية ثم يستمر طريق التنازلات بلا نهاية ··
·


منقول عن مركز القادسيتين للدراسات والبحوث القومية