مئات الشهداء والجرحى في قطاع غزة ما بين أطفال ونساء وشيوخ, والرقم المخيف والمروع ما زال في تصاعد مستمر, كان ذلك حصيلة المحرقة الأخيرة التي قامت بارتكابها مستعمرة الإرهاب الصهيوني الإسرائيلي على سكان غزة الفلسطينية, هذا بخلاف الدمار الإرهابي الشامل الذي لم تسلم منه مختلف قطاعات الحياة والبنية التحتية, بداية من البيوت ومرورا بالمدارس وليس انتهاء بالمساجد, ولا زال مسلسل الأحداث مستمرا, وبالطبع فإن هذا الاعتداء الإرهابي وهذه المجزرة الإجرامية, هي امتداد تاريخي لمئات الأعمال الإرهابية والمحارق الصهيونية ضد الشعب العربي الأعزل في فلسطين العربية, والتي نتج عنها الآلاف من الشهداء والملايين من الخسائر المادية.
لذا فإننا ومن خلال هذا الطرح الذاتي المختصر, سنحاول قدر المستطاع وضع مقارنة ومقاربة مختصرة في التطور التاريخي لردود الفعل العربي الرسمي على مجريات الأحداث وتطوراتها من القضية العربية الفلسطينية, وذلك من خلال نموذج غزة الراهن, على أمل التوصل لتشريح تاريخي سياسي لحال الوضع العربي بشكل عام والسياسي على وجه التحديد, والذي أعقب العدوان الإرهابي الغاشم, والذي يختصره البعض بالصورة التاريخية القديمة والمكررة, والردود التي طالما خلت من الفعل العربي الذي يستحق ان يرفع ويرتقي لمستوى الفعل, مستدلين على ذلك القول كدليل تاريخي, باستمرار العجز العربي الرسمي حتى الساعة عن وقف سيلان الدم العربي الفلسطيني جراء ذلك العدوان الإرهابي الإجرامي الغاشم على سكان قطاع غزة.
وبداية نقول: وللأسف الشديد - انه لم يتغير الكثير في تطور الفكر السياسي العربي , وخصوصا تجاه التصدي لأي عدوان قائم او محتمل من قبل مستعمرة الإجرام الصهيوني عبر تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي, وتحديدا تجاه القضية الفلسطينية , فردود الأفعال العربية الرسمية كانت دائما تدور في دائرة الشجب والتنديد على أي اعتداء, ومهما اختلفت قوته وشدته, لتصل في بعض الأحيان الى مرحلة الانقسام العربي العربي على المواقف السياسية نفسها, ما بين مؤيد ومعارض لشدة وطريقة ردة الفعل تجاه العدوان القائم, ودون ان ترقى حتى لمستوى اتخاذ أي قرار عملي بسيط ومؤقت, كقطع العلاقات مع إسرائيل حتى إشعار آخر, او إغلاق مكاتب التمثيل الإسرائيلي بمختلف أنواعها وأشكالها , او من خلال اتخاذ قرار عربي عملي موحد ومؤثر على إسرائيل وحلفائها.
كما ان الملاحظ كذلك, هو تفاوت قوة صياغة الخطاب السياسي العربي, وتحديدا من خلال استخدام بعض الألفاظ والعبارات السياسية والدبلوماسية التوصيفية للعدوان القائم, فعلى سبيل المثال لا الحصر, فبينما تستخدم بعض الدول العربية والإسلامية كلمة إرهاب او إجرام كوصف دقيق لحالة الاعتداء الصهيوني في وضع بعينه, نجد البعض الآخر يصف نفس الحالة بالاعتداء والعدوان السافر لا أكثر, متحاشيا استخدام كلمة إرهاب او إجرام, مع ان هذا التوصيف الأخير للحالة الإجرامية الصهيونية هو وصف دقيق وقانوني , بحيث يعتبر إرهاب تقوم به دولة , هذا إذا ما اعتبرنا مستعمرة الإرهاب الصهيوني (دولة), انظر - اتفاقية جنيف المبرمة عام 1949م وملحقيها للعام 1977م , وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم ( 3043) بتاريخ 11 يناير 1993 م بالدورة 27 , وتقرير اللجنة الخاصة بموضوع الإرهاب الدولي , ووثائق الأمم المتحدة بدورتها 28 , ملحق 28 رقم ( a / 9028 )0 لقد ظلت المواقف العربية الرسمية تتجه بشكل اكبر وأوسع نحو محاولة تفعيل الدور العربي في هيئة الأمم المتحدة , ومجلس الأمن الدولي من خلال العضو العربي الوحيد والممثل في العضو الليبي , وذلك على أمل استصدار مشروع قرار احتواء او إيقاف او حتى إدانة دولية رسمية لأي عدوان إسرائيلي قائم او محتمل على الأراضي والشعب الفلسطيني المسلم العربي, وذلك في محاولة لاستثمار المواقف الدولية والضغط عليها , بالرغم من المعرفة المسبقة لفشل هذا النوع من الاتجاهات الدولية السياسية, وذلك بسبب وجود الحليف والراعي الاميركي الدائم لمستعمرة الكيان والإرهاب الصهيوني, والذي يملك حق النقض الفيتو في تلك الجهات الدولية. وقد كان آخرها ذلك الذي قدمته المجموعة العربية بمجلس الأمن الدولي , مساء يوم الأربعاء الموافق 31 / 12 / 2008 م , والذي يدعو الى وقف فوري لإطلاق النار في غزة تلتزم به إسرائيل وحركة حماس التزاما تاما , وأن توقف إسرائيل فوراً هجماتها العسكرية ضد المدنيين وأن تتحمل بدقة التزاماتها ، كونها القوة القائمة بالاحتلال ، وذلك وفقاً للقانون الدولي والقانون الإنساني وحقوق الإنسان , فما كان من رد الفعل الاميركي المعروف سلفا, وعلى لسان المندوب الأميركي زلمامي خليل زاد , إلا ان قال: إن "هذا المشروع غير متوازن وبالصيغة التي هو عليها فإنه ليس مقبولاً لدى الولايات المتحدة".
وقد أكد لنا التاريخ السياسي فشل ذلك الاتجاه السلبي عبر سنواته , بحيث لم تنجح أي محاولة عربية لاستصدار أي قرار دولي يجرم مستعمرة الإرهاب الصهيوني طيلة بقاءها على ارض الطهر والرسالات فلسطين, ومن ابرز تلك القرارات التي تمس مقدرات وحقوق الشعب العربي في فلسطين, والتي صوتت عليها الولايات المتحدة الاميركية بكل برود وتزمت وانتهاك لكل المواثيق الدولية والإنسانية بلا, القرار رقم ( 110/33 - والخاص بالأحوال المعيشية للشعب الفلسطيني, والقرار 113ث / 33 والذي يدين انتهاك إسرائيل لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية , والقرار 52هـ/34 والخاص بإعادة السكان الذين أبعدتهم إسرائيل , والقرارات رقم ( 90أ / 34 - 169ث/35 - 15/36 - 146أ/36 - 49أ/39 - 224/39 ), وهي على سبيل المثال لا الحصر, فبالطبع هناك المئات من القرارات المماثلة, والتي تؤكد بما لا يدع مجالا للشك بأن الولايات المتحدة الاميركية كانت ولا زالت وستظل القفاز الإجرامي ليد الإثم الصهيواميركي في فلسطين العربية المحتلة, وفي أي مؤامرة تكون فيها مستعمرة الإجرام والإرهاب الصهيوني شريك ومخرج ومنفذ لسيناريوهاتها.
فكيف بعد ذلك يأتي من يأتي من القوى العربية الانهزامية, والتي لا تقرا التاريخ ولا تتعلم من عبره, لينتظر من الرئيس الاميركي القادم باراك أوباما ليستنصره على إسرائيل , بل وينتظر منه الأمل المنتظر لخدمة قضايانا العربية المصيرية , وتجاه الحليف الأكبر للولايات المتحدة الاميركية, و- نقصد - مستعمرة الإجرام الصهيوني, والذي لم نجد ولن نجد منه سوى ما خلفه سلفه من تركة المحاباة لإسرائيل والوقوف معها بكل حال من الأحوال , وهو ما يؤكد عليه الكثير من المحللين وخصوصا في إسرائيل , حيث يرى الكثير منهم ان أوباما سيكون حليف مثالي لخدمة إسرائيل وقضاياها التاريخية , بل واستبعد اغلب المراقبين المختصين في هذا الشأن , أن يجازف أوباما الذي حقق فوزا كاسحا بانتخابات الرئاسة الأميركية بعمل يسيء لإسرائيل ، معتبرا أنه عليه أن يستعد من الآن لتحسين فرصه بالفوز في الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في عام 2012 م.
ففي تحليل نشرته صحيفة "هاآرتس" الإسرائيلية يوم الأربعاء الموافق 5 / 11 / 2008 م ، قال "عكيفا الدار" المعلق السياسي: ان "أوباما سيرد الجميل للجاليات اليهودية، فحوالي 78% من اليهود صوتوا له ، وبالتالي لن يقدم على استفزاز إسرائيل" , وفي تصريحات رسمية أعقبت إعلان فوز الرئيس الاميركي أوباما بانتخابات الرئاسة الاميركية ، قال الناطق باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية يغال بالمور: إن العلاقات الإسرائيلية الأميركية بعد فوز باراك أوباما موعودة "بمستقبل مشرق" , وهذه هي الحقيقة التي لابد ان يدركها الموقف الرسمي العربي وبدون أي شك.
وختاما فانه لابد من إعادة هيكلية البناء العربي السياسي الرسمي تحديدا , ومواقفه تجاه مختلف القضايا العربية المصيرية , وخصوصا تلك التي تتعلق بالقضية الكبرى مع مستعمرة كيان الإجرام الصهيوني المحتل للأراضي العربية في فلسطين ولبنان وسوريا على وجه الخصوص , والتي مما لا شك فيه بأنها - أي - إسرائيل لن تتوقف عند هذه المرحلة من التوسع والتمدد , وضرورة توحيد الصف العربي الرسمي ومواقفه , وإلا فان العرب جميعا وبلا استثناء على موعد جديد مع هزائم أكثر وأوسع مما سبق لهم تذوق مرارته عبر تاريخ صراعهم ونضالهم الطويل مع العدو الصهيوني.

المقال تم كتابته اثناء الحرب الصهيواميركية الاخيرة على غزة