بسم الله الرحمان الرحيم. و الصلاة و السلام على محمد و على آله و صحبه أجمعين.


500 سنة و الأندلسيون يرزحون تحت نير الاحتلال الإسباني-الكاثوليكي لأرضهم.


500 سنة و الدعاية الإسبانية-الكاثوليكية توحي للعالم أنها فوق أرضها التاريخية التي اغتصبها المسلم الغازي سنة 92 هجرية (711م) بعد اجتياح دموي قاده الزعيم البربري طارق بن زياد على رأس جيش صغير مكوّن من بضعة آلاف من البربر و العرب استطاعوا في ظرف شهور قليلة إخضاع ملايين الأسبان الكاثوليك و اغتصاب أرضهم دون أن يحركوا ساكنا أمام هذا العدو, بل و استطاع هؤلاء الغزاة أيضا أن يقطعوا كل إسبانيا بكل أمان – و هي أرض فتحت للتو – و عبروا جبال البرانس مجتاحين فرنسا اجتياحا كاد يطيح بأوربا في يد الإسلام لولا هبة شارل مارتل التي أنقذت نصرانية أوربا. كل هذا و الدعاية الإسبانية تصرّ أن المسلمين فرضوا دينهم على ملايين النصارى, فكيف إذن تيسّرت هذه الفتوحات لولا العون الإلهي و المدد الرباني ثم انخراط أهل الأندلس بصفة كلية في الإسلام من أول وهلة و إقبالهم عليه بشكل سرّع انتشاره إلى ما وراء البرانس, و هذا شيء لا يستقيم مع رواية الغزو الإسلامي.


إن الدعاية الإسبانية و مروجيها من رجال الكنيسة و الدولة لا يستطيعون الاعتراف أن النصرانية فشلت أمام الإسلام سنة 711م لسبب بسيط هو أن أهل الأندلس كانوا على عقيدة آريوس و بريسليانو الموحدة لله, الرافضة لألوهية المسيح و المعادية للتثليث إلى يوم قدوم المسلمين...


لا يستطيعون الاعتراف أن الكونت يوليان حاكم سبتة كان موحدا لله و آلمه ما يحدث بالأندلس من اضطهاد للآريوسيين, فاستغاث بالمسلمين الموحدين مثله ضد أهل الشرك من عصابة لوذريق...


لا يستطيعون الاعتراف أن الملك غيطشة تعرض لانقلاب تزعمه لوذريق بسبب سنه قوانين متعاطفة مع الموحدين بالأندلس.

لا يستطيعون الاعتراف لأن في ذلك خرابا لدينهم فوق رؤوسهم.


هكذا لجأت الدعاية الكاثوليكية لرمي يوليان و أبناء غيطشة بالخيانة للأمة الإسبانية, الأول انتقاما لشرف ابنته –زعموا- و الآخرون طلبا لملك أبيهم.


إنها مسرحية كاثوليكية بإخراج و إنتاج كاثوليكي و جمهور عاطفي ساذج أو ذو نية سيئة كان بينه للأسف...مسلمون... حملوا على عاتقهم الدفاع عن هذه المسرحية البائسة و الاستماتة في نعث الفتح بالاحتلال و الغزو و ركوب الصعاب لشرعنة احتلال الكاثوليك لأرض التوحيد...أرض الأندلس.


ربما نسينا لقرون هذه الأرض الطيبة, و ربما ساهمنا في تكريس الدعاية الكاثوليكية, لكن من بقي هناك لم ينسوا ما حدث, و لازالت صور المجازر و المآسي التي لحقت بهم تحوم أمام أعينهم كأنهم عاشوها و عاصروا أطوارها.


فأهل مالقة لازالت دموعهم تسيل أنهارا كلما تذكروا يوم سقطت المدينة بيد النصارى, يومٌ سقطت فيه أرواح عشرات الآلاف من المسلمين إما جراء الحصار أو تحت أسنة الحراب.


و أهل غرناطة تكاد أعينهم تفيض من الدمع كلما حلت ذكرى تسليم غرناطة للملوك الكاثوليك, كيف لا يبكون و لا تنفطر قلوبهم و هم يرون أبناء المحتلين القشتاليين يحتفلون سنويا بنكبتهم و يفتخرون بإذلالهم.؟


فما أعجب أنانيتنا , لماذا نقفز على مآسي الأندلسيين, أو قل نتحاشى ذكرها كي لا تعكّر علينا صفو التلذذ بشعر شعرائهم, و حسن حسناواتهم وجمال أرضهم و طيب ثمارهم؟ لماذا اختزلنا تاريخ الأندلس في صراعات البلاط و قصص العشاق و مكائد النساء؟ و الأعجب من ذلك نعث من يذكر جرائم النصارى و حقيقة ما وقع بعيدا عن الدعايات بسودوي النظرة و أنه بنظرته القاتمة تلك ينفِّر الشباب عن الاهتمام بتاريخ الأندلس...إلى غير ذلك من لغو الكلام الذي لا يعدو أن يكون جزءا من الدعاية.


نعم نحن سوداويو النظرة لما هو أسود حالك و لا نوهم أنفسنا بأن الأسود وردي استجابة لهوى مُهلك و ابتغاء مصلحة دنيوية زائلة.


و الحمد لله الذي أوجد في الأمة المسلمة بالأندلس اليوم من يرفع غشاوة الدعاية النصرانية عن أعين مئات الآلاف ممن نصّرتهم الكنيسة قسرا فانفتحت أعينهم على الحقيقة التي أخفاها عنهم لقرون الجلاد الإسباني.


فلنتدبر هذا المقال الذي نشرته جريدة أندلسية غرناطية ناطقة باللغة القشتالية –الإسبانية السائدة اليوم و هي لغة المحتل الغاصب- و لنستنتج من احتل من, و من غزا من, و لنتخيل خيبة أمل الأندلسيين لما يعلموا أن من يحسبونهم قاعدتهم الخلفية و مكمن مددهم –بعد الله عز وجل- و من تجمعهم معهم رابطة الأخوة في الإسلام قد جرّموهم و جعلوهم هم الغزاة الظالمين لأنهم أحفاد من "احتلوا" إسبانيا و فرضوا الإسلام على أهلها.


فالله المستعان.


صورة للمقال المنشور بجريدة "لا كرونيكا غرانادينا"(للأسف تاريخ الجريدة غير موجود في هذه النسخة التي حمّلتها من موقع ابن أمية الأندلسي.)
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي




و هذا تعريب لما جاء في المقال الرئيسي وسط الصفحة.

"الدولة الإسبانية انتهكت معاهدة تسليم غرناطة"

آلاف الوطنيين الغرناطيين صعدوا للبشرات للشروع في حرب عصابات"


"قوات الاحتلال الاسباني حضّرت مخططا لتهجير أكثر من 100 ألف غرناطي"


"اندفع آلاف من الغرناطيين هذا الصباح في الشارع للاحتجاج على قرار المجمع الكنسي الذي عُقِد بالمدينة و استجاب لتوصيات الملك فليب الثاني بمنع عادات و تقاليد شعبنا(1). حسب المتظاهرين, لقد انتهك المجمع الكنسي ميثاق بنود التسليم التي وقّعها سنة 1492 بسانتافي الملكان الكاثوليكيان, أسلاف العاهل الإسباني فليب الثاني, مع السلطان الغرناطي بوعبديل (أبو عبد الله الصغير ).


قرار المجمع الكنسي المثير للجدل قضى بألا يرتدي الغرناطيون ثيابهم التقليدية, أي عليهم اللباس على الطريقة القشتالية, و ألا يتخاطبوا بالعربية و ألا يأكلوا بالطريقة الأندلسية و لو في منازلهم, كما عليهم الامتناع عن الصلاة بالمسجد, و إن خالفوا ذلك تعرضوا للتعذيب و الطرد.


أمام هذه السياسة القمعية الجديدة المتبعة من طرف النظام التسلطي لفليب الثاني, شرع الغرناطيون في الانتفاض بالبيازين و مناطق مركزية بالمدينة. بينما اختار آخرون التحصن بمنطقة البشرات الجبلية حيث هيئوا هناك المقاومة الشعبية ضد الاحتلال الإسباني. ثورة الشعب الأندلسي تزعمها فرناندو دي بالور الذي استرجع اسمه القديم ابن أمية, و اشتهر بالبشرات بمهاراته الفائقة في إدارة حرب العصابات. لقد كان الوطنيون الغرناطيون المتمركزون بالبشرات على استعداد للموت قبل أن يفقدوا هويتهم كشعب قائم بذاته.


في هذه الأثناء, استمرّت في غرناطة الاعتقالات المكثفة للرجال, النساء و الأطفال الذين يمكن طردهم من أندلوسيا في الأيام المقبلة و ذلك لرفضهم الاستجابة للقرار الفاشي لفليب الثاني. سياسة الإبادة و الطرد المفروضة من النظام الفليبي ضد شعب غرناطة نمّ عن إحداث انحطاط للمملكة الغرناطية, فحسب وثائق سرية اطلعت عليها هذه الجريدة, قامت قوات الاحتلال الإسبانية بتهجير أكثر من 100 ألف غرناطي إلى شمال المغرب. نفس الوثائق أشارت لمخطط استيطاني بالأراضي المحتلة."


(1)القرار صدر سنة 1567م و قامت الثورة بغرناطة في دجنبر 1568.

كتبه أبوتاشفين هشام بن محمد المغربي.