يونس أمره .... شاعر الحب الإلهي
للباحث محمد خورشيد قصاب اوغلو
لاعلم عندي ..
ولا قدرة لدي ..
ولا طاقة
ولكن عنايتك ياالهي ..
هي التي انارت وجهي ..
يونس أمره شاعر شعبي وصفي عاش ماينيف عن سيعين سنة لاتعرف بالضبط تأريخ ميلاده وان كانت وفاته سنة , 72 هجري ( 1321 م ) وانه ولد وعاش ومات ودفن في قريته المسماة (( صاري كوي )) وهي تقع في المنطقة الممتده فيما بين اقليم (( بورصوق )) و (( سقاريا )) ._ وان سنوات حياته وافقت السنوات الاخيرة من القرن الثالث عشر وبدايات القرن الرابع عشر وهي فترة القلاقل والاضطرابات في حياة الاناضول وتأريخيه حيث تجول شاعرنا في كل مناطق الاناضول اضافة الى سوريا واذربيجان ... وانه كان درويشا شيخ يدعى (( طابطوق امره ) في منطقة سقاريا ) وقد ذكر يونس امره في ديوانه انه انتسب لهذا الشيخ وانه تلقى عنه الفيض لسنوات الشيخ وانه تلقى الفيض لسنوات طويلة .
_ وان ابناء جلدته كانوا يعتبرونه كدرويش من الصالحين او كبطل ملحمي... فثلما اقيم له مدفن في صاري كوي ) فقد اقيم له اضرحة اخرى في اماكن مختلفة كثيرة وان الكل اراد ان يرعيه لنفسه ويجعله من منطقته .
لقد سطع يونس امره في الفترة الساخنة في حياة الاناضول حيث كانت تيارات الفكر المتصارع واضحة المعالم وتسود تلك الفترة القوة والقنص والسلب والطمع ... حيث كان المسرح مهيأ لظهور بطل من نوع جديد بطل يسعى للاستقرار والتوطن وامتلاك مفردات حضارية جديدة تتواءم مع العصر , حضارة الزرع والنماء .
وكان يونس كغيره من الدراويش والفتوات قد اختار الاماكن الموحشة والخاوية ليقيم فيها الزوايا والتكايا ليحولها الى اماكن مأهوله ومسكونه وفي كتاباته عقد يونس صلات حميمة بين الانسان والعناصر النباتيه فيجعلهما يتحادثان ويتحاوران .. الورده عنده هي رمز الجمال ورواء المعشوق وبهذا الرمز يربط بين الحب والسلام .
لأصل ولأكن صفي ذلك الصديق
وردة متفتحه فلأكن
وبلبلا غريدا فلأكن
ومقامي في روضة الحبيب فليكن
وان العالم الروحاني للشاعر هو ديار مليئه برياض الرياحين والورود حيث في احدى قصائده يشبه الشاعر نفسه بوردة تحترق طوال العام بناء العشق المنقد ...
ان وردة العشق تنمو ...
وانا في اتون نار العشق اتقد
كلما زاد احتراقي
تفوح شذى
ولن اذبل ابدا
لقد مزج يونس بين شعر الديوان شعر للتكايا والشعر الشعبي فهو شاعر من اولياء الله الصالحين وعاشق الهي ترنم بالحب الالهي .. واخذ فلسفة التصوف من مولانا جلال الدين الرومي غير انه لم يكن مولويا , وكان في اشعاره لايهتم بالشكل بقدر اهتمامه بالمعنى والجوهر مركزا على فلسفة التوحيد , وكثيرا ماكان يستخدم رموزا او تشبيهات وكنايات مستقاة من حياة الزرع والبستنة ..
لقد عبرنا تلك الجبال
والوهاد
والبساتين المواجهه
بالصفاء والسلامه ..
فالحمد لله ..
وفي قصيدة اخرى يقول ..
من لايحب فأنه لايسجد
ولا يعرف قلبه الايمان
الانسان الذي لا يحب
يشبه شجرة
وعند لاتثمر الشجرة
لاتنحني هامشها
اي انه بعد العبور المعتمد على السلامة والصفاء والحمد , يأتي التطهر بالمعاناة ونار الحب والفناء .
ويتساءل الشاعر اذا لم يجد الانسان النيران فماذا عليه ان يفعل ؟
ويجيب الشاعر عن سؤاله قائلا لابد من اللجوء لموقد آخر ,.. ويرسم يونس امره الطريق لمن يريد ان يكون درويشا حيث عليه ان يتوسل في مراحل ..
عليه ان يدع الشراب
ان يتجرع السم
ان ينزع قلبه من الدنيا بيمينه
ان يحصد الشعير
عليه ان يخلط دقيقه بالرماد
وان يجففه في الشمس
وعلى من يصبح درويشا يجب ان يعي ماحوله ويفكر في حياته وكيفية خلقه ... اذ يقول
جائت مع الصاصال اربع صفات
الصبر وحسن الطبع ..
والتوكل والمكرمه
ومع الماء نبعت اربع خصال
الصفاء والسخاء
واللصق والوصال
ومع الرياح هبت اربعة اهواء
الكذب والرياء
والحسنه والهوى
ومع النيران شبت اربعة مظالم
الشهوة والكبر
الطمع ومعها الحسد .
وفي الوقت الذي يصور يونس امره اهل النار والهواء بأنهم سفكة للدماء مجنون للحرب والدمار , نراه يمتدح اهل التراب والماء لكونهم يحملون صفات الصبر والتوكل على الله والسخاء والمكرمه , ويدعو الدراويش الى التحلي بهذه الصفات ويبدا بنفسه ويدعوها الى التمرغ بالتراب
يونس ايها المسكين
لا تتكبر على الواصلين
وكن ترابا
فالكل منبتة من التراب
والتراب روضة لك .
ويلتفت يونس الى دوران الفلك وتتابع المواسم الاربعة , ويتولد عنده فكر الفناء والخلود والايمان فحياة الكون كلها قائمة على مبدا الدوران ويعتمد الانسان في حياته ووجوده على دوران الذرات المختلفة التي تتكون منها عناصر جسده الاساسية ز وعلى دوران كريات دمه , وعلى خلقه من تراب وعودته اليه .. وفي هذا يقول
قطع برد الشتاء الاوصال
وهبت نسائم الربيع العليل من جديد
وفجأة لفت رحمة شاملة المكان
وقدم الصيف المبارك من جديد
فأكتسى العالم من جرائه خلعا جديده
ووهب الناس حياة جديده
لم تأتِ كلمتي :
من اجل الصيف اوالخريف
بل من اجل المعشوق من جديد
اتوسل للسلطان
ان يهب الحياة
للذي افناهم من جديد
لقد كان يونس امره اميا ولكنه كان ملهما الهاما في كل ما قاله من الشعر .
لاعلم عندي
ولااحاطه
ولاقدرة لدى
ولا طاقة
ولكن عنايتك ياالهي
هي التي انارت وجهي
ومن هذا الضياء
تنزل الاشعة النورانية
ويونس المسكين ليس له حظ
من علم القراءة والكتابة .
فبالرغم من كونه اميا الا انه صاحب معرفه وعرفان وكان مصدر هذا العلم والمعرفه هو المسجد والمدرسة وجاء ذلك عن طريق العبادة .
عبدت كثيرا
في المسجد والمدرسة
واحترقت بنار العشق
فتوهجت معرفتي
وما وجدته في قلبي
هما العلم والوصول .
وفي اشعاره كان دائم التعرض للجهلاء وينفر منهم ويبغض الى النفوس الجهل والجهلاء وفي ذلك يقول .
لكي تكون يونسا
ابتعد عن اهل الجهل
فكم من المساوئ
تصيب المؤمن من الجهال
وكان يونس امره يكره الانسان الذي لايحب والذي لاينبض قلبه بالحب والهوى كما كان يوصي النظر الى كل الناس بعين المساواة ..
ان من لاينظر بعين المساواة
الى الشعب
فهو في الواقع عاص
حتى وان كان ذا عمة وجبة
كان يونس يحب كل البشر ويراهم جميعا سواسية وانه كدرويش مسلم ينظر الى كل الكائنات بنفس النظرة الانسانية .
لم اخلق من اجل الخصام
بل خلقت من اجل الحب
القلب هو بيت الصديق
وقد خلقت من اجل القلب
فالقلب عنده هو المكان الاعلى والاسمى وهو مكان التجلي الالهي وعلى الانسان ان يطهر قلبه من كل الرزايا .
القلب هو عرش الحق
نظر الحق الى العرش
من تطهر قلبه
من اسعده في الدارين
والشخصيه المحببه الى نفس يونس امره هي شخصية الدرويش الباحث في ذاته الراغب في المساواة والحب والسلام والصداقة , والدرويش الباحث عن نفسه هو بنظر يونس شجرة مثمرة يستفيد كل شخص من ثمارها .
من فروعه يقتات الشارد والوارد
اوراقه دواء لكل ذي داء
وفي ظلاله يتفيأ كل ذي شأن عظيم
ويصل يونس امره الى قمة روعته الفنية والصوفيه والرمزية في آن واحد , اذ يستنطق الازهار والورود ويحاورها قائلا .
سألت الزهرة : ومالوردة بالنسبة لك ؟
قالت الزهرة : ايها الدرويش
ان الوردة عرف محمد ( ص )
سألت الزهرة ايضا ..
لم عنقك مائل ؟
قالت الزهرة ايها الدرويش
قلبي نحو الله قائم
وكان يونس امره يرفض المظهرية ويوصي الدراويش بضرورة ترك الخيلاء
ليست الدروشة
بالتاج والخلعة
بل الدرويش المفعم قلبه بالحب
ليس بحاجة الى الخرقة او التاج
المفضلات