هذه قصة من تراثنا الشفوي كان يحكيها لنا والدي رحمه الله، سأحكيها لكم بطريقتي الخاصة للتسلية وللعبرة .
كان يا مكان في قديم الزمان ; قرية مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان ،زراعة وفيرة وحقول مثمرة
يحكمها سلطان مغوار لا يعرف الهزل ولا الهزار. وذات نهار جاءه أحد التجار الكبار من بلاد الهند
بهدية كبيرة... فرح بها السلطان أيما فرح وأعلن في كل نادي وفي كل وادي، أن السلطان صار عنده فيل
عزيز كريم ، وجبت له التحية الملكية أينما حل وأينما مر...
في ما بينها ثارت الرعية وغضبت وعبرت واستنكرت... إنها الإهانة!!!...
ولكن، قال العقلاء، أليست الفتنة نائمة وملعونا من أيقضها...أليس السلم المدني أغلى ما تملك الشعوب...
وما لكم لا تنحنون أو حتى تسجدون للفيل، ألم يأتي ذكره في القرآن العظيم...ألم يحجم عن هدم البيت الكريم ،
ألم يسافر أجداده في يوم من الأيام إلى فلسطين...
هدأت النفوس واطمأنت القلوب ومزقت البيانات، وحطمت اللافتات المنددات...
واستبدلت بالتهاني والتبريكات...
تأثر السلطان بهذه المشاعر الطيبة –ومن قال أن السلاطين لا يتأثرون - وقرر السماح لهم بمشاركته هذه
الفرحة. فجعل للفيل الكريم ثلاثة أيام في الأسبوع يخرج فيها من القصر ليتجول في القرية
وسط الرعية، بشرط أن تقدم له التحية ولا يتعرض له أحد بسوء أو أذية، وإلاّ حرموا من هذه الهدية...
ومع مرور الزمان، تحولت تلك الأيام إلى أيام مشؤومة ، فلم يترك الفيل قوي الشهية الأزهار تتفتح ولا الأشجار تثمر
ولا الزرع ينمو... هلك الزرع وسيهلك النسل إن طال الوضع...
ولما طفح الكيل ، قرر الناس الاجتماع... فنددوا وشجبوا وقرروا أن يكتبوا بيانا !
ونظرا للرعب الدفين المزروع في النفوس من زمن جد قديم، لم يجدوا من يتطوع لقراءة البيان على السلطان...
فجاءهم من أقصى المدينة رجل شجاع هاله ما هم فيه، اقترح عليهم أن يقرأ لهم البيان على السلطان على أن
يحظروا جميعا ويكونوا من ورائه. وقال لهم :إذا انتهيت من تلاوة البيان قلوا من بعدي وبصوت واحد:
"هذا صحيح أيها السلطان"!
وافق الجميع والتقوا صباح الغد أمام باب السلطان، فؤذن لهم ولما رآهم السلطان في جمع غفير صرخ فيهم
صرخة مدوية :ما الذي جاء بكم ألا تعرفون أني لا أحب الإزعاج ؟ دب الرعب في ذاك الجمع الغفير...
تقدم الرجل الشجاع وقال: يا جلالة السلطان إن الفيل..وقبل أن يكمل قاطعه السلطان وصرخ في وجهه
غاضبا :ماذا حدث للفيل؟ في هذه الأثناء غمر الرعب قلوب الحضور واخذوا يتسللون من ذلك الوفد
الواحد تلوى الآخر...واستيقن الرجل الشجاع أنه لم يبق أمام فواهة المدفع إلا هو ، فتقدم بضع خطوات
نحو السلطان وكله ثقة وثبات وقال: أيها السلطان إن الفيل الكريم صار قليل الشهية وظهرت عليه علامات
الاكتئاب وهو يحتاج إلى فيلة تؤنسه...
تحية تشيد بالبيانات المبينات
(لست أديبة ويسعدني لو يراجع هذه القصة أحد الأدباء الأحرار في واتا لعلّه يكسوها حلة أفضل من هذه
واقترح لها عنوان: الرعية تصنع جلادها)
المفضلات