الأمير المجاهد ترونوجويو نمر أندونسيا الثائر

بلغ الحقد ذروته في قلوب الصليبيين على الإسلام وأهله، وعملوا من اجل القضاء على الإسلام فبدءوا باجتياح عام لكل الدول الإسلامية؛ فقامت الحملات الفرنسية لتغزو مصر وإفريقيا، وقام هولندا بغزو أندونسيا وغيرها من دول آسيا، ولم تهدأ الحروب في الأندلس حتى سقطت في أيدي نصارى إسبانيا، وفي كل بلد إسلامي كان الله عز وجل يهيئ لهذه الأمة من يدافع عنها ويلم شمل المسلمين؛ ليقفوا صفًّا واحدًا تجاه عدوهم، ومن هؤلاء الأبطال المجاهدين الأمير ترونجويو.
وقبل أن نخوض في سيرة هذا الأمير المجاهد نلقي نظرة سريعة على أهل جاوة في ذلك الوقت، لقد وصل الإسلام إلى جزيرة جاوا وجزر أندونسيا عن طريق التجار، ودخل أهل هذه الجزر في الإسلام عن قناعة وعن حب، ومسلمي جاوة صحيحو العقيدة على مذهب أهل السنة والجماعة، يتبعون الإمام الشافعي في الفقه، في غاية التمسك والاعتزاز بدينهم، عملوا منذ بداية ظهور عقيدة الأبنجان الضالة على التوحد فيما بينهم، والتصدي لهذه البدعة الخبيثة؛ مما أدى لحصرها في دائرة ضيقة جدًّا في متارام لم تستطع الخروج عنها؛ مما جعل ملوك هذه الإمارة يعملون على فرض هذه العقيدة بالقوة على الناس، والتعاون مع المحتل الهولندي من أجل تحقيق هذا الهدف الشرير.
كان لهذه العقيدة الضالة الأثر الكبير في تحالف هولندا مع حكام منطقة متارم، والذي أدى بدوره بعد ذلك إلى وقوع الجزر الإندونيسية في الاحتلال، وكان هدف حكام منطقة متارم هو نشر عقيدتهم الضالة فوجدوا في هولندا تحقيقًا لأهدافهم، وبدأ هذا التعاون منذ عام 991هجرية في عهد سناقي، ثم بدأ يتطور السلطان أقغ في تعاونه مع هولندا، وكان هدفه توحيد جاوة تحت سيطرته؛ لينشر العقيدة الضالة التي يدين بها، وبلغ التعاون ذروته في عهد الطاغية منكورات الأول، وقد أقدم على نشر عقيدة الأبنجان بين المسلمين ليوافق الهندوس على التوحد معهم؛ ولكن علماء المسلمين وقفوا ضد هذه المحاولات الشريرة؛ فأقدم منكورات على قتل كثير منهم، وأراد أن يهدم منار الدين ويطفئ شعائره، وعندها ثار بطلنا العظيم والزعيم الديني لعلماء جاوة [ترونوجويو] وذلك سنة 1083 هجرية ـ 1674 ميلادية.

التعريف به ونشأته

هو الأمير ترونوجويو من إحدى البيوت الحاكمة في (متارام)، وفي نفس الوقت كان من علماء الدين ذا إيمان راسخ وبصيرة نافذة وسلامة قصد وقد هاله ما جرى للدين وأهله على يد الطاغية (منكورات الأول) من ترويج للكفر والضلال وتقتيل لعلماء الإسلام، وغار على الدين أن ينتقص وهو حي، وما أشبه ذلك بموقف أبى بكر الصديق رضي الله عنه في حرب مانعي الزكاة، وهكذا ينبغي أن يكون قلب المؤمن وشعوره تجاه مصاب دينه.
وقد نشأ الأمير ترونوجويو بين أسرة مسلمة وأميرًا من الأسرة الحاكمة، والواضح أنه تربى على يد أحد علماء الدين كعادة الخلفاء المسلمين ولا يخفى على أحد أهمية العالم المسلم في الدولة الإسلامية فهو الروح لها، فالعالم آق شمس الدين استطاع أن يربي محمد الفاتح حتى تسنى له فتح القسطنطينية، ولا يخفى على أحد دور العالم عز الدين بن عبد السلام في محاربة الصليبيين والتتار، لقد استطاع هذا العالم الذي تربى لديه ترونوجويو أن يغرس في قلب الأمير حب الدين والغيرة عليه، ففي القريب يصبح ملكًا وكما يقال الناس على دين ملوكهم، ولم يضع الله هذه الثمرة فقد أينعت وصارت شجرة وارفة الظلال أصلها ثابت وفرعها في السماء تستمد غذاؤها من كتاب ربها وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم.
جهاده وأهم المعارك ودوره فيها

أعلن الأمير ترونوجويو الجهاد ضد الطاغية الضال منكورات الذي أراد حمل الشعب المسلم على عقيدته فقد كان الموقف متشابهًا بموقف أبي بكر الصديق رضي الله عنه فقد أراد مسيلمة الكذاب حمل الناس على عقيدته الضالة ووقف له أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه، هكذا كان موقف الأمير فقد تصدى لمنكورات بكل قوة وما إن تم إعلانه عن الجهاد حتى توافدت إليه كل القبائل تتصدى لهذا الطاغية الضال، وكان الأمير [جكرا ننقرات الثانى] حاكم منطقة (مدورة)، وهى إحدى ولايات إقليم متارام، وهو في نفس الوقت عم الأمير المجاهد (ترونوجويو)، مواليًا لمنكورات ومقيمًا عنده في متارام بصورة دائمة، مهملاً لشئون مدورة؛ مما أحزنه ولكن غلبت العاطفة الدينية على عاطفة القرابة؛ فأعلن الجهاد ضد الطغيان، ومن خلفه وقف جميع أهل جاوة يساندونه ويؤازرونه.
أعلن الأمير الجهاد فتوافد عليه المجاهدون من كل نواحي إندونيسيا ليس من جاوة ومدورة وحدها، بل من سومطرة والملايو، وقد هاجروا من بلدانهم لنصرة الإسلام، لقد اكتسبت الثورة دعمًا قويًا عندما انضمت قبيلة (مكاسر) للثورة وهى أكبر قبيلة إندونيسية وأهلها هم من أشجع مسلمي هذه الجزائر وأشدهم تمسكًا بالعقيدة الصحيحة، وكانت هولندا الصليبية عندما احتلت جزيرة سومطرة قد وجهت كل حربها ضد هذه القبيلة، حتى أجبروا أهلها على الهجرة من موطنهم الأصلي، فانتقلت هذه القبيلة إلى جاوة، وأصبحت عونًا لكل من يقف في وجه المحتل الصليبي، وقد قام الزعيم الأكبر للقبيلة واسمه (كاريج فاليسون) بنصرة (ترونوجويو) ودعمه، بل أقنعه أن يخلع عمه (جكراننقرات) الموالى للطاغية منكورات، وبالفعل أصبح الأمير ترونوجويو واليًا على مدورة وأطاعه الناس.
بدأ الأمير بتوحيد هذه الجيوش الإسلامية فبعد الإيمان الذي خالط القلوب وتوغل فيها، بدأ في تفعيل العامل الثاني من عوامل النصر هو عامل الوحدة والإخاء.
لم يعجب هولندا أمر هذه الثورة التي أُعلنت باسم الإسلام فهذه الثورة تهدم كل ما فعلته هولندا في القرون وكانت هذه الثورة معلم وإشارة على الوحدة الإسلامية في أندونسيا وجسمتها في أجمل معانيها [التعاضد والتناصر].
وكانت بدايات الثورة قيام أهل مدورة والتي يحكمها عم الأمير ترونوجويو بخلعه؛ وذلك لتواطئه مع منكورات الحاكم الطاغية الضال وتولية الأمير ترونوجويو، وقامت قبيلة (مكاسر) بقطع تصدير محصول الأرز للمحتل الهولندي، الذي كان قد أنشأ له مستعمرة في سومطرة أطلق عليها اسم (بتافيا)، وهو اسم إحدى القبائل الهولندية، وهذه المستعمرة قد أصبحت بعد ذلك (جاكرتا) العاصمة.
لهذا جهز الهولنديون جيشًا سار مع جيش متارام العميل إلى مدينة (ديموج) مركز قبيلة مكاسر، وكان الأسطول الهولندي في البحر مسايرًا للجيوش البرية مناصرًا لحركاتها وذلك سنة (1085هـ/ 1676م)، واستعد المكاسريون الذين بايعوا ترونوجويو على الجهاد في سبيل الله ونصرة الإسلام للصدام مع هذا العدوان المزدوج من البر والبحر.
وبعد سلسلة معارك حامية وعنيفة بين الطائفة المؤمنة والطائفة الكافرة بفرعيها الأصلي والمنافق، أنزل الله عز وجل نصره على المؤمنين وخذل المنافقين والكافرين، ومزق المسلمون هذه الجيوش البرية والبحرية كل ممزق.
بعد ذلك الانتصار الأول الباهر للمؤمنين على الهولنديين والمنافقين من متارام قام زعيم المكاسريين (كاريج فاليسون) بضم جيشه إلى جيش ترونوجويو، وتكونت جبهة واحدة من جيوش أهل السنة والجماعة ضد المحتل الصليبي الهولندي ومتارام المساعدة لهم والقائمة بخطة نشر عقيدة الأنبجان الضالة بين مسلمي إندونيسيا.
بعد الهزيمة الساحقة التي منيت بها القوات الهولندية أرادت هولندا استمالة الأمير ترونوجويو لصالحها فعرضت عليه الإقطاعات والأموال ظنًا منهم أن المجاهد الأبمير قام بالثورة من أجل المال والسلطة، إلا أن هذا الأمير رفض في عزة المؤمن الواثق بالله، لقد رد المجاهد ترونوجويو على هذه المفاوضات بعمل جهادي لكي يلقن الهولنديين درسًا لا ينسوه فقام بالزحف إلى مملكة متارم، وأقبل المجاهدون من كل مكان يناصرون الأمير، استطاع الأمير دخول مملكة متارم بعد محاولات عدة من جيش منكورات العميل بالتعاون مع هولندا لكنهم فشلوا واستولى المجاهدون على عدة مدن مثل (دمك) و(سماراج) واهتز موقف متارام بشدة.
بعد الهزائم التي ألحقها المجاهدون بمنكورات والهولنديين عقد منكورات صفقة مع هولندا وتم الاتفاق فيها على بيع جاوة لهولندا مقابل إتيانهم بالأمير ترونوجويو حيًا وعلى أن يتكفل منكورات بمصاريف الحملة والتي لا تقل عن 1,7 مليون روبية، وذلك كله من أجل أن يشفي غليل قلبه الأسود المشحون بالكفر والضلال.
لقد كبدت تلك الثورة هولندا ومنكورات خسائر فادحة، وأفضل ما في هذه الثورة هي توحيد شمل البلاد والعباد، واجتماع الناس على الإيمان وفي ذلك أبلغ درس لكل المسلمين أن الأرض لن تحرر بعقائد باطلة أو شعارات زائفة، بل عقيد خالصة وإيمان راسخ في القلب، وأخوة صادقة يتبعهما استعداد في حد الاستطاعة.
استشهاده

جندت هولندا جنودها وجواسيسها لقتل هذا المجاهد الذي استطاع أن يكبدهم خسائر كثيرة، لقد خسرت هذه القوى الغاشمة أموالاً كثيرة من أجل أسر الأمير ترونوجويو، وبعد جهود مضنية، وتجنيد الجواسيس المندسين في جيش الأمير استطاعت هولندا أن تأتي به حيًا ليقتله الخائن الضال منكورات بيده، وظن أنه يجزع من الموت، ولكن كيف بقلب غمره الإيمان أن يجزع من الموت فلقد واجه الموت بقلب ثابت؛ مما أذهل منكورات وأخذ بلبه، فلم يمهله بعد قتله للأمير فذهب عقله، وترك ملكه، وهام مع الوحوش والحيوانات في البراراي، ومات وحيدًا طريدًا بين الوحوش، وأكرم الله الأمير ترونوجويو بيد منكورات فنال الشهادة؛ التي من أجلها أقام الجهاد ليستقر في هناك في جنة عرضها السموات والأرض مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا[1].

[1] موقع مفكرة الإسلام، الرابط: http://www.islammemo.cc/، بتصرف.

عن موقع قصة الإسلام