ب – ملعب باب الحمراء
لم تكن تحيط به مساكن ولم تكن ساحته ممرا رئيسيا , سكانه المجاورون مجموعة مقابر متناثرة يحرس كل منها الآخر ليبقيا متواجدين لفترة طويلة , حتى إذا أصابهما التلف , مسهما معا . فلم يعد للمقابر أثر ولا للملعب وجود سوى ما خلفه الملعب من ذكريات بين أطفال وشبان الأمس , كبار ورجال اليوم من سكان الأحياء التي أنجبت الأبطال – حي واندو – واد الزيتون – المخفية – سيد العواد – عقبة القايد الخمار – الصفاح – الكدان – وأحيانا من أحياء أخرى بعيدة جرت شهرة الملعب أبناءها إلى تفضيله على غيره
كانت للمباراة على هذا الملعب نكهة أخرى تجدد الحماس باستمرار , إذ ما أن تسبق مجموعتان غيرهما , إلا يكون لهما الملعب محتضنا والجمهور مشجعا . الهتاف يميز بين الأسماء . بوجمعة . الدباغ . بنشقرون . مولاي الحسن حارس المرمى . الخمار ... الخ . حتى تحل مجموعة ثانية متعطشة لاحتلال مكانها بالملعب للتريض وإبراز الكفاءات والقدرات المكنونة . ولكي لا يحدث اصطدام يلتجئ الجميع إلى الاقتسام لتكوين فريقين أو أكثر , ويشعر من لا يقع عليه الاختيار ببعض الحسرة . فإما أن يكون من بين المشجعين أو ينصرف مؤقتا ليبحث عن عناصر يكون منها فريقه
وتجرى المقابلات باندفاع على أرضية مستوية تضافرت الجهود لتنقيتها حتى أتناء اللعب واستحالتها إلى ساحة ملعب حدودها الجمهور ومرمياها كومة من الملابس الزائدة وإلا فحجرتان على مسافة أمتار المرمى القانونية دون اعتبار للارتفاع .
تطور مستوى الممارسة . من هيمنة صاحب الكرة – وأذكر أن أحدهم لم يكتب له أن أصبح بطلا أو اسما لامعا وكانت لهيمنته ظروف اجتماعية . يفرض على من يرغب في اللعب بكرته الجلدية الكبيرة الجديدة , أن يؤدي 10 فرنكات . ولا يعود إلى منزله إلا وقد اشترى النفقة العائلية من خضر وفواكه من " السويقة " مما جعل التزايد على الانخراط ملموسا لأنه أيضا يضمن استمرار الكرة على هيئة جيدة أو شراء أخرى جديدة
من هذا المستوى إلى إجراء مقابلات منظمة مبرمجة تكون جائزة الفريق الفائز " طبيقة " من فضة مملوءة بحلوى كعب الغزال تحمل على الأكتاف لتخترق الأحياء والأزقة في اتجاه حي الفريق الفائز الذي يدخل دخول الأبطال بالزغاريد والطبول والنفير . وإذا صادف الفوز مناسبة دينية أو وطنية أو عائلية أقيمت سهرة من فن الملحون يشيد المنشدون بالفريق ويبدعون في وصف حركات ومراوغات فلان وإصابات فلان
أشياء افتقدناها اليوم وبقيت ذكرياتها اللذيذة تحل محل البساطة والتضامن والإبداع والفنية والقوة المطلوبة . محمد التهامي بنيس
المقالة منشورة بجريدة الاتحاد الاشتراكي . عدد : 5634 بتاريخ 25 رمضان 1419 هج – 13 يناير 1999