لماذا لا يحدث تغيير في مناهج واسلوب التعليم الطبي في العراق

أ د عبدالغني محمد علي السامرائي
الجمعية العراقية للتعليم

خلال سنوات طوال عقدت ندوات ومؤتمرات وورش عمل هدفها تطوير التعليم الطبي في العراق وبمجملها فانها تؤكد على اعتماد المنهج الرائد في التعليم .... ولكن رغم ذلك لم تتبنى اية كلية طبية عراقية ( المنهج الرائد في التعليم الطبي ) ... وبقيت كلية طب تكريت لوحدها تنتهج المنهج الرائد للتعليم والذي اختطته لنفسها منذ تاسيسها في عام 1989. وعندما شكلت اللجنة المشرفة على كليات الطب في العراق ... حاولت الغاء هذا المنهج الرائد ... والرجوع بالمنهج الى الدراسة الكلاسيكية التي تعتمد بالدرجة الاساس على الطالب والتدريس للمنهج وفق توزيع المواد وليس كما تنتهجه كلية طب تكريت بنظام حل المشكلة.
التزمت كلية طب تكريت بالمفردات والمواضيع بموجب المنهاج المقرر لجميع كليات الطب في القطر. ويكون التدريس في الكلية على مجموعتين .
المجموعة الاولى :- مجموعة العلوم الطبية الاساسية واساسيات الطب للصفوف الاولى والثانية والثالثة .حيث يتم التركيز على تدريس العلوم الطبية الاساسية عن طريق التكامل مع العلوم السريرية والتدريب الميداني
المجموعة الثانية :- مجموعة العلوم السريرية والامراض للصفوف الرابعة والخامسة والسادسة
يتم التدريس عن طريق التكامل بين المواد والعلوم الطبية الاساسية
تدرس بعض المواد والتي يتعذر عمليا" تغطيتها بأسلوب التدريس التكاملي عن طريق بأسلوب التدريس الافقي ( الطب العدلي ، السلوك الطبي ، المناعة السريرية ، الطفيليات ، الحاسبات ، التخدير ، المشروع الميداني ، السلوك المهني ، امراض الدم ، طب المسنين ، الادوية السريري ، جراحة الحروب والطواريء ) .
ان الكلية تقوم بالتدريس وفق برنامج التعليم المتكامل المبني على التوجه لحاجات المجتمع الصحية والتدريب الميداني بالمجتمع وبأسلوب حل المشاكل وكون الطالب محور التعلم . وبذلك يكون حاصل العملية التعليمية مساويا" لمناهج كليات الطب العراقية الاخرى من ناحية المواد والمفردات والساعات التدريسية ولكنهم يكتسبون مهارات افضل .
أن التعليم الطبي في كلية الطب /جامعة تكريت يرتكز على المنظور ( الحيوي – الطبي – النفسي – الاجتماعي والذي يحل محل المنظور ( الحيوي الطبي وهو المنظور الذي يبنى عليه مناهج التعليم الطبي في العقود السابقة ) . ان في النظام التعليمي لكلية الطب / جامعة تكريت تتكامل الانشطة مجتمعية الاساس مع الانشطة داخل الكلية ضمانا لتكامل المعارف والمهارات وتوافقها راسيا وافقيا منعا لتكرار الانشطة بدون داع في السنوات المتعاقبة من ناحية وحرصا على ان لا تسقط معارف او مهارات من ناحية اخرى.
أن الهدف العام لكلية طب تكريت تخريج طبيب معالجا" ووقائيا" وباحثا" ومعلما" واداريا" .
ورغم كل الضغوط التي مارستها اللجنة المشرفة على كليات الطب ، لم ترضخ ادارة الكلية لهذا التوجه وبقيت تعارضه ، ساندها في ذلك الهيئة المشرفة على الكلية ورئاسة جامعة تكريت والتي حالت دون تغيير المنهج واعادته الى النمط الكلاسيكي.
ان الكلية قامت بجهود حثيثة وعرضت من خلال ورش عمل كثيرة للاساتذة واعضاء الجنة المشرفة على كليات الطب والمسؤولين في وزارة التعليم العالي . وقد كان غالبتهم يثني على هذا المنهج وطريقة تدريسه عدا رئيس اللجنة المشرفة على كليات الطب..... الا انه رغم كل ذلك لم تجرى أي عملية تغيير في مناهج كليات الطب بحيث تتبنى المنهج الرائد .... والغريب وجدت الكثيرين من العاملين واصحاب القرار في التعليم العالي معجبون بهذا النمط من المنهج والتعليم ولكن لا يطبقونها على كلياتهم ولم تقم الوزارة باي اجراء اداري لتغيير المناهج وانما تبقى القرارات والتوصيات في طيات ملخصات الورش والمؤتمرات.
ماهي الاسباب التي تجعلهم لا يتبنون المنهج الرائد في التعليم الطبي والذي يمثله منهج طب تكريت؟
من وجهة نظري فاني اعتقد ان الاسباب هي:
أولا: ضعف القرار الاداري على مستوى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي .... حيث ان كلية طب تكريت قامت بورشات عدة واشتركت في مؤتمرات داخل القطر وعرضت منهجها الرائد وكيفية تنفيذه .... واستمعت برحابة صدر لكل النقد والطروحات من البعض الذين لا يريدون التغيير ولا يفهمون هذا النمط من التعليم .... كانت الاستجابة قليلة ولكن في عام 2002 بعد ان بذلت جهودا حثيثة لاجراء تطوير في التعليم الطبي ، تبنت وزارة التعليم العالي مشروعا جديا ومؤثرا بخصوص التعليم الطبي في العراق ولكن هذا المشروع أجهض باحتلال العراق.
ثانيا: عدم التزام ادارات كليات الطب وممارستها للتطوير حيث كان تبني صيغة جديدة للتعليم يعتمد بالدرجة الاساس على عميد الكلية المعنية ... فعندما نجده قد تبنى مشروعا جديا باتجاه اجراء تغيير في المناهج وطرق التعليم ... نجد ان المشروع يفشل لمجرد ان غير العميد بشخصية اخرى لا تؤمن او تعترف بوجود حاجة للتغيير.
ثالثا: عدم وجود رغبة للتغيير عند العاملين في كليات الطب وهنا اقصد الكادر التدريسي ... حتى ان البعض يعتقد بان هذا النمط من التعليم هو (( طب مجتمع )) وان الخريجين هم اطباء صحة عامة وهذا فهم خاطىء.
ما هو الحل؟
اولا: أنشاء مراكز للتعليم الطبي في كافة كليات الطب وكليات العلوم الطبية ... بحيث تكون هذه المراكز فعلا ذات دور في العملية التعليمية وليست هياكل ادارية لا صلاحيات لها ولا دور لها في تطوير التعليم ومتابعة تنفيذ المنهج. ان هذه المراكز او الوحدات موجودة الان في معظم كليات الطب ولكنها غير فعالة لان اراءها استشارية فقط وغير ملزمة للتطبيق.
ثانيا: أنشاء هيئة وطنية للتعليم الطبي ... تمنح لها صلاحيات تشريعية وتنفيذية تتولى مل يلي:
2-1- أعادة دراسة مناهج كليات الطب في العراق واجراء التغيير فيها بحيث تنسجم مع التطور العالمي في مناهج كليات الطب والتعليم الطبي .... والاقلال من المحاضرات النظرية واعتماد نظام التعليم الرائد والذي تنتهجه غالبية كليات الطب العالمية.
2-2- وضع خطة زمنية لاجراء تغيير في مناهج كليات الطب وطب الاسنان والصيدلة والتمريض.. بحيث يشمل التغيير الاهتمام بالجانب السلوكي واعتماد التعليم بنظام حل المشكلة واعطاء دور ايجابي للطالب في العملية التعليمية وان يكون التعليم مجتمعي المرتكز وان يكون التدريب في مراكز الرعاية الصحية الاولية لانها تستقبل ثلثي المرضى .
2-3- تغيير نظام الامتحانات في الكليات الطبية ووضع الية جديدة لاداء الامتحان ... حيث برزت ظاهرة الغش الان من خلال استعمال ( البلوتوث والموبايل وغيرها من تقنيات الشبكة الدولية في السرقة )).
2-4- أعادة دراسة مناهج الدراسات العليا في كليات الطب بما فيها الهيئة العراقية للاختصاصات الطبية وتغييرها الى مناهج تكاملية والتي تبنى وفق ما يواجههه الطبيب في عمله مستقبلا.
2-5- أعادة النظر في شروط القبول بالدراسات العليا .... حيث انه لا يقبل الا من تجاوز معدله 65% في الدراسات العليا في الجامعات ، بينما الهيئة العراقية للاختصاصات الطبية تسمح لكل خريج اكمل الاقامة الدورية بالتقديم للدراسات العليا مهما كان معدله. لذلك توجد حاجة لتوحيد شروط القبول في الدراسات العليا.
ثالثا: ألزام كافة تدريسيي كليات الطب بالاشتراك بورش عمل خاصة بالتعليم الطبي وان تخصص الوزارة ميزانية لذلك وتكون الهيئة الوطنية لتتعليم الطبي هي المسؤولة عن جدولة هذه الورش داخل القطر حسب المناطق او الجامعات وتوفير اماكن للتدريب خارج القطر.
رابعا: وضع جدولة لتدريب تدريسيي الكليات الطبية في مراكز نتخصصة للتعليم الطبي خارج القطر وبما يخدم المصلحة العامة وليس وفق الاعتبارات الشخصية.
خامسا : تخصيص ميزانية للتعليم الطبي وذلك لوجود حاجة ملحة لذلك من اجل الصرف على الورش والتدريب خارج القطر.
سادسا: أعداد دراسات تقييمية للمنهج والطالب والاستاذ.
سابعا: الزام التدريسي بعمل بحث في مجال التعليم الطبي واضافة شرط في تعليمات الترقيات العلمية تلزم التدريسي ان يقدم بحثا بالتعليم الطبي في كل ترقية.
ان توفر الوعي والالتزام والمشاركة ... هي المفتاح الاساسي لاجراء التغيير في المناهج .