واد باب الجديد / المسبح . المدرسة . والبلاعة القاتلة
الصيف في فاس حار والجو جاف والشمس محرقة , وإذا كان الآباء ينشغلون عن هذا الجو الخانق بالانهماك في صنائعهم وتجاراتهم وحلقات أزلياتهم أو عنترياتهم , سواء في القباب "الكبب " أو باب الساكمة أو ساحة بوجلود . والنساء في أمسياتهن المنزلية , فإن الأطفال والشبان يجدون مرتعهم في إشباع هواياتهم في كل مكان اعتقدوه صالحا . وحيث أن في المدينة مسبحا بلديا واحدا , فلا ينال حظ السباحة فيه إلا أبناء الأحياء المجاورة أو الفئة القليلة التي تتوفر إمكانات ركوب الحافلة ودخول المسبح والصابون للاغتسال قبل الغوص في ماء المسبح , ولذلك يختار الأطفال بديلا عن هذا الحلم البعيد – السباحة في السواقي والاستحمام في " المعادي " أو السقايات التي تتميز ببعض الطول كسقاية باب الكيسة أو واد رشاشة وأحيانا في صهاريج مراحيض المساجد الكبرى – بوطويل . القرويين . مولاي إدريس . الرصيف – ولكن السباحة في الأودية ومجاري صرف مياه الواد الحار , كانت أرحب وخاصة في وادي الجياف أو باب الجديد أو جنان السبيل دون تقدير للمخاطر
وعلى قدر ما كان وادي الجياف مقصورا على أبناء مناطق العشابين والبليدة وأبناء الرياض الذي يخترقها . فإن لواد باب الجديد طابع تمييز , إذ كان نقطة التقاء أبناء عدد من الأحياء يأتونه زرافات . إذ لم يغامر أحد بدخوله بمفرده إلا وأضاع جميع ملابسه وإذا تعمق في البحث عنها أبعد مما هو مرئي تعرض لما لا تحمد عاقبته أو يختار مضطرا العودة إلى داره عاريا , مهما كانت المسافة طويلة . وأذكر أن أحدهم بعد سباحته وفرحته بقدرة العبور من الركن إلى الركن الآخر وتجاوزه نقطة الوسط الخطيرة العميقة التي تستعمل للقفز من أعلى القنطرة لم يجد لملابسه أثرا , وكان عقابه أن وصل إلى بيته عاريا ليجد عقابا أبويا بعود السفرجل . أما سور القنطرة فكان يستعمل مقفزا , يستعرض ثلاثة أو أربعة مهاراتهم في القفز والالتواء والغطس . منهم " طرزان . بيلا . حمادي ..الخ ولا يحاكيهم أحد خوفا من النهر أو منهم , ولم يجرؤ أحد على مواجهتهم إلا الحمالة الذين يدخلون بغالهم وجيادهم للاستحمام جنبا إلى جنب مع الأطفال والشبان والرجال , بل إما أنهم يلاعبونها بالغطس بين حوافرها أو الانزلاق على ظهورها , أو منزوين ومصطفين قرب القصب والسدر , فارغين وسط الوادي احتراما لها أو خوفا من أن تعلق بأجسامهم بعض فضلاتها التي تطفو على السطح
في الجهة اليمنى للقنطرة جدول طويل وسط أرض خضراء معشوشبة تحلو فيها النزاهة والتفرج على أبطال الجمباز " كنون . الدكالي بن الصغير . لحلو وآخرين " وهم يستعرضون حركاتهم الفنية والإيقاعية تحت تصفيقات المعجبين
في هذا الجدول تسبح عينة أخرى من الأطفال والشبان تحت المراقبة البصرية للعائلة أو إشراف متطوع لتنظيم السباق على المسافة الطويلة للجدول أو على عرضه بالنسبة للأصغر سنا . وهناك منطقة محرمة : كلما اقترب منها شارد كثر الصفير والصياح المنبه لمغادرتها على عجل . وإذا كان الكثير يستطيع النجاة لأنه لم يدخل منطقة الخطر أو بفضل تدخل كبار إذا كانوا صدفة بالقرب منه خارج الماء . فإنه لم يكد يمر شهر دون أن تبتلع الترعة واحدا يجرفه التيار ويجذبه الزراف . وفي لمحة بصر يكثر العويل والجري نحو المصب الذي ينحدر بأزيد من 20 مترا لالتقاط الضحية فينجو بأعجوبة مع الإسعافات الأولية . وإلا فلا بد من انتظار الجثمان في مجرى وادي الرصيف . وأذكر بأسف أن آخر ضحية كان أخا للحارس الدولي " هزاز " إنها نماذج للضريبة الجسدية التي كان يؤديها الممارس للرياضة في غياب ملاعب الأحياء والمسابح القريبة
محمد التهامي بنيس
المقال نشر بجريدة الاتحاد الاشتراكي عدد 5635 . يوم الخميس 14 يناير 1999 م