المعتمد بن عباد

هو المعتمد على الله أبو القاسم محمد بن الملك المعتضد بالله أبي عمرو، عباد بن الظافر بالله أبي القاسم، قاضي إشبيلية، ثم ملكها، محمد بن إسماعيل بن قريش اللخمي، قيل: هو من ذرية النعمان بن المنذر صاحب الحيرة.
حكم المعتمد على المدينتين قرطبة وإشبيلية، وأصلهم من الشام.

التعريف به ونشأته
نشأ المعتمد بن عباد كغيره من أبناء الملوك على الميول والدعة والترف، وكانت نشأته في الأندلس، ولما أراد أن يستنجد بالمرابطين وقد حزره البعض من حاشيته أبى إلا الاستنجاد بهم وهذا يدل على أنه نشأ نشأة إسلامية إلا أن الترف والدعة غلبت عليه.

جهاده وأهم المعارك ودوره فيها
رأى الأدفونش ضعف المسلمين واشتغالهم بالنعيم ومحاربة بعضهم البعض ففرض عليهم الجزية تمهيدًا لأخذ بلادهم، واستيقظ المسلمون في الأندلس يومًا وقد رأوا أن الأدفونش جمع جيوشه وأسقط طليطلة، تمهيدًا لإسقاط كل المدن الأخرى، ووجه الأدفونش رسالة تهديد إلى المعتمد الذي كان يدفع الجزية كغيره من ملوك الطوائف يأمره فيها بترك حصنه، فما كان من المعتمد إلا أن قتل الرسول ليقطع كل اتجاه للصلح بينه وبين الأدفونش وإعلانًا للحرب، واستنجد بيوسف ابن تاشفين أمير دولة المرابطين ولما حذره أهل الأندلس قال لهم رعي الجمال خير لي من رعي الخنازير.
بعد سقوط طليطلة طغى الأدفونش لما رآه من ضعف المسلمين وتفرقهم، فأرد أن يحكم كل الأندلس، فأرسل رسالة إلى الأدفونش رسالة إلى المعتمد بن عباد يأمره فيها بالنزول عن حصنه وتسليمه له، وأورد الذهبي أكثر من رسالة ففي سير أعلام النبلاء أن الأدفونش طلب من المعتمد أن يأذن لامرأته بأن تلد في جامع قرطبة وكان الرسول بينهما يهودًا، فأبى المعتمد هذه السخرية والذلة التي أراد أن يضعه فيها الأدفونش وقتل السفير بعد أن أغلظ للمعتمد في القول معلنًا للحرب بينه وبين الأدفونش، أما في كتاب تاريخ الإسلام وقد أورد الذهبي رواية أخرى عن ابن حزم فقال: (وجّه ادفونش بن شانجة رسولاً إلى المعتمد، وكان من أعيان ملوك الفرنج يقال له البرهنس، معه كتاب كتبه رجلٌ من فقهاء طليطلة تنصَّر ويعرف بابن الخيّاط، فكان إذا عّير قال: إنَّك لا تهدي من أحببت والكتاب: من الامبراطور ذي الملّتين الملك أدفونش بن شانجة، إلى المعتمد بالله، سدّد الله آراءه، وبصّره مقاصد الرشاد. قد أبصرت تزلزل أقطار طليطلة، وحصارها في سالف هذه السّنين، فأسلمتم إخوانكم، وعطّلتم بالدَّعة زمانكم، والحذر من أيقظ باله قبل الوقوع في الحبالة. ولولا عهدٍ سلف بيننا نحفظ ذمامه نهض العزم، ولكن الإنذار يقطع الأعذار، ولا يعجل إلاّ من يخاف الفوت فيما يرومه، وقد حمّلنا الرّسالة إليك السّيد البرهنس، وعنده من التّسديد الّذي يلقى به أمثالك، والعقل الّذي يدبّر به بلادك ورجالك، ما أوجب استنابته فيما يدق ويجلّ).
ومن الواضح أنهما رسالتين كانت الثانية والتي أعلن فيها الأدفونش الحرب هي نتيجة للرسالة الأولى، فالرسالة الأولى طلب فيها الأدفونش من المعتمد بأن يأذن لامرأته أن تلد في جامع قرطبة فقتل المعتمد السفير وكان يهوديًا، فأرسل الأدفونش الرسالة الثانية ليعلن الحرب على المعتمد لِما فعله مع رسوله، واستبشر المسلمون خيرًا لما أعلن المعتمد الحرب لما رأوا ما هم فيه من ذلة وهوان بسبب تركهم الجهاد.
استدعى المعتمد رجال دولته ليسمعوا هذه الرسالة يشاركوه الرأي فلما قرئ الكتاب، بكى أبو عبد الله بن عبد البرّ وقال: (قد أبصرنا ببصائرنا أنَّ مآل هذه الأموال إلى هذا، وأن مسالمة الّعين قوّة بلاده، فلو تضافرنا لم نصبح في التّلاف تحت ذلّ الخلاف، وما بقي إلاّ الرجوع إلى الله والجهاد).
وأما الذين جنحت قلوبهم إلى الدنيا وتعلقت بها قالوا: نرى المهادنة والمسالمة، إلا أن المعتمد ألهبت غيرة الإسلام في قلبه وقرر الحرب وحتى يقطع كل طريق للصلح بينه وبين الأدفونش قام بقتل السفير بينه وبين الأدفونش استخفافًا بالأدفونش، وأشار عليه العلماء بإرسال رسالة إلى يوسف بن تاشفين لنصرته، فقالوا له نخاف عليك من الاستنجاد به فقال رعي الجمال خير من رعي الخنازير، ولما بلغ الأدوفنش قتل سفيره استشاط غضبًا وأخذته العزة بالإثم، فجيش الجيوش لقتال المعتمد، واستعد المعتمد للقتال حتى يأتيه المدد من قبل المرابطيتن وكان قد أرسل رسالة إلى الأدفونش يقول له فيها:
الذّلّ تأباه الكرام وديننا... لك ما ندين به من البأساء
سمناك سلمًا ما أردت وبعد ذا... نغزوك في الإصباح والإمساء
الله أعلى من صليبك فادرع... لكتيبة خطبتك في الهيجاء
سوداء غابت شمسها في غيمها... فجرت مدامعها بفيض دماء
ما بيننا إلاَ النّزال وفتنة... قدحت زناد الصّبر في الغماء
من الملك المنصور بفضل الله المعتمد على الله محمد بن المعتضد بالله، إلى الطّاغية الباغية أدفونش الّذي لقَّب نفسه ملك الملوك، وتسمّى بذي الملَّتين. سلام على من اتَّبع الهدى، فأول ما نبدأ به من دعواه أنه ذو الملّتين والمسلمون أحقّ بهذا الإسم لأنّ الّذي نملكه من نصارى البلاد، وعظيم الاستعداد، ولا تبلغه قدرتكم، ولا تعرفه ملّتكم. وإنّما كانت سنة سعدٍ اتَّعظ منها مناديك، وأغفل عن النّظر السّديد جميل مناديك، فركبنا مركب عجز يشحذ الكيس، وعاطيناك كؤوس دعةٍ، قلت في أثنائها: ليس. ولم تستحي أن تأمر بتسليم البلاد لرجالك، وإنّا لنعجب من استعجالك وإعجابك بصنعٍ وافقك فيه القدر، ومتى كان لأسلافك الأخدمين مع أسلافنا الأكرمين يدٌ صاعدة، أو وقفة مساعدة، فاستعد بحربٍ، وكذا وكذا..إلى أن قال: فالحمد لله الّذي جعل عقوبة توبيخك وتقريعك بما الموت دونه، والله ينصر دينه ولو كره الكافرون، وبه نستعين عليك.
وكانت الموقعة المشهورة في التاريخ المعروفة بالزلاقة وهي من أهم المعارك في تاريخ الأندلس وقد أبلى فيها المعتمد بلاء حسنًا، فقد استعد المعتمد للقتال قبل أن تأتيه الإمدادات، واجتمع بالمعتمد بن عبّاد بإشبيلية، وتهيَّأ عسكرها وعسكر قرطبة، وأقبلت المطَّوَّعة من النّواحي،
وسار جيش الإسلام حتّى أتوا الزّلاّقة، وأقبلت الفرنج، وتراءى الجمعان، فوقع الأدفونش على ابن عبّاد قبل أن يتواصل جيش ابن تاشفين، فثبت ابن عبّاد وأبلى بلاءً حسنًا، وأشرف المسلمون على الهزيمة، فجاء ابن تاشفين، فوقع على خيام الفرنج، فنهبها وقتل من بها، فلم تتمالك النّصارى لمّا رأت ذلك أن انهزمت، فركب ابن عبّاد أقفيتهم، ولقيهم ابن تاشفين من بين أيديهم، ووضع فيهم السيف، فلم ينج منهم إلاّ القليل. ونجا الأدفونش في طائفة، وجمع المسلمون من رؤوس الفرنج كومًا كبيرًا، وأذّنوا عليه، ثمّ أحرقوها لما جيفت.
وكانت الوقعة يوم الجمعة في أوائل رمضان، وأصاب المعتمد بن عبّاد جراحات في وجهه. وكان العدو خمسين ألفًا، فيقال: لم يصل منهم إلى بلادهم ثلاثمائة نفس. وهذه ملحمة لم يعهد مثلها. وحاز المسلمون غنيمةً عظيمة.

من كلماته:
قال المعتمد بن عباد وهو في سجن أغمات:
سلت علي يد الخطوب سيوفها... فجذذن من جسدي الخصيب الأفتنا
ضربت بها أيدي الخطوب وإنما... ضربت رقاب الآملين بنا المنى
يا آملي العادات من نفحاتنا... كفوا، فإن الدهر كف أكفنا
ومن أقواله لما حذره بعض الناس من الاستعانة بيوسف ابن تاشفين، فقال: رعي الجمال خير من رعي الخنازير.
وفاته

انقضت سنوات الأفراح، وأقبلت أيام الأتراح، فبعد أن كان أميرًا أصبح أسيرًا، فقد توفي المعتمد ابن عباد أسير في سجن أغمات بعد أن أخذه يوسف بن تاشفين وأسقط ملكه، وذلك عام ثمان وثمانين وأربعمائة.

قالوا عنه:

قال عنه ابن كثير: كان المعتمد هذا موصوفا بالكرم والأدب والحلم، حسن السيرة والعشرة والإحسان إلى الرعية، والرفق بهم، حزن الناس عليه، وقال في مصابه الشعراء فأكثروا.
وقال الذهبي: كان من محاسن الدنيا جودًا، وشجاعة، وسؤددًا، وفصاحة، وأدبًا[1].



[1] المراجع: سير أعلام النبلاء - تاريخ الإسلام للذهبي - البداية والنهاية.
عن موقع قصة الاسلام