شخصيات غربية في أشعار إقبال الأردية
شخصيات غربية في أشعار إقبال الأردية
د . إبراهيم محمد إبراهيم
ربما كان الجانب الإنساني في أشعار إقبال هو أحد العوامل الهامة التي كتبت له القبول بين من طالعوا شعره ، رغم اختلافهم معه في الدين واللغة والثقافة ، إذ أن ما يميز شعر إقبال في الحقيقة هو احترامه الإنسان وتكريمه ، وحثه على البعد عن الصراعات الممقوتة ، والتي تنبع عن الإحساس الزائف بالتفوق لجنس على الآخر ، فنراه يؤكد دائما على حقيقة أنه لا يوجد دين من الأديان يدعو إلى كراهية الآخرين واحتقارهم ، وأن الأرض لله تعالى يملكها وحده لا غيره ، وما الإنسان إلا مستخلف فيها ، عليه أن يعمل على تعميرها ، وإشاعة العدل والخير والسلام فيها ، يقول في مقطوعة له بعنوان " الأرض لله " (1) :
* أيملـك الحي تراب الثرى وجسمه عما قليل إلى تراب
* ليست لي الدنيا وليست لكم فالعمر فيها مثل ومض الشهـاب
* الأرض لله وسكانها الكل منه وإليه المآب (2)
ولهذا فإنه على الرغم من أن نسبة كبيرة من أشعار إقبال تناولت المسلمين بشكل خاص ، إلا أن هناك نسبة أخرى من هذا الشعر تناولت غير المسلمين من الشـرق والغرب ، ممن برز فيهم جانب من الجوانب الإنسانية الطيبة ، وكان لهم تأثير واضح في أنشطة الحياة المختلفة ، بل إن إقبال نفسه قد تأثر من بعض هؤلاء تأثرا عظيما ، ولعب بعضهم دورا محوريا في حياته بحيث حدد معالم مستقبله ، ووجهه الوجهة التي هو عليها ، وهذا راجع في الحقيقة إلى خلو شخصية إقبال من التعصب، وإلى سعة الفكر لديه ، حيث كان ينشد بناء الإنسان الحق ، حتى المسلم نفسه ، إذا لم يتصف بصفة الإنسان الحق ، لفت إقبال نظره ، وذكره بأن الإسلام دين الإنسانية ، وأن المسلم إذا لم يتصف بالصفات الإنسانية الراقية ، فإن هذا يعني أن هناك نقصا في إسلامه ، وأنه لم يعرف الإسلام معرفة صحيحة .
ومن هنا لم يكن مستغربا أن يتناول إقبال في شعره شخصيات على غير دينه يقدر أصحابها ، بل ويعتز بصداقتهم ، ويحزن لفراقهم ، لما اتسمت به هذه الشخصيات من صفات إنسانية راقيـة ، وحب للخيـر لكل البشـر ، ومن هـؤلاء " سوامي رام تيرتهـ " الهندوسي الذي كان صديقا لإقبال ، ونذر حياته لخدمة بلاده وأهلها ، حتى اتهمه بعض الناس باختلال العقل والجنون حين استقال من وظيفته من أجل تحقيق الهدف الذي نذر حياته من أجله رغم أنه كان فقيرا ، وعندما سمع إقبال بهذا الاتهـام قال : " لـو أن هـذا الرجـل مجنـون فإنـه لا يوجـد على ظهر الأرض عاقل " (3) . وبعد عمر لم يتعد الثالثة والثلاثين سنة زار خلالها اليابان وأمريكا ومصر مات غريقا في نهر " كنكا " ، فرثاه إقبال بمقطوعة من ستة أبيات تحمل اسمه ، وصفه فيها بأنه كالجوهرة التي يندر أن تجد لها نظيرا ، وأنه بوفاته بهذه الطريقة كشف أسرار الحياة التي لا يعرفها الكثيرون ، وأن قلبه عارف بالحقيقة ، وأنه عاشق صادق ، يقول :
* لقد عانقت النهر أيتها القطرة القلقة ، كنت قبلا لؤلؤة ، والآن أصبحت نادرا .
* آه ، ما أجمل الطريقة التي كشفت بها سر الحياة ، بينما أنا لم أفهمها إلى الآن .
* انتهى صخب الحياة،وصار ضجيج يوم الحشر،وانطفأت هذه الشرارة لتصير معبدا للنيران .
* نفي الذات معجزة القلوب العارفة ، ولؤلؤة " إلا الله " كامنة في نهر " لا " .
* ومعنى النهاية خاف على العيون غير البصيرة ، فعندما يتوقف اضطراب الزئبق يصبح فضة خالصة .
* إبراهيم العشق يحطم صنم الوجود ، فكأن نشوة نهر تسنيم العشق دواء للشعور . (4)
كما تناول إقبال في شعره " سري رام جندر جي " ، وامتدحه في مقطوعة بعنوان : " رام " من ستة أبيات ، ذكر فيها أن الهند تفخر به ، وأنه كان فارسا مغوارا شجاعا عفيفا يمتلئ حبا وعشقا . يقول :
* كأس الهند ملئ بخمر الحقيقة ، وخلبت الهند لب فلاسفة الغرب .
* ونتيجة لفكر الهنود الرفيع ، صار سقف الهند أعلى من السماء .
* لقـد عاش في هذا البلد آلاف من الأطهار , ذاع بفضلهم صيت الهند في العالم .
* تفخر الهند بوجود " رام " ، ويؤمن أهل البصيرة بأنه إمام الهند .
* إنه إعجاز مصباح الهداية هذا أن مساء الهند أكثر ضياء من الصباح .
* كان كحد السيف ، متفرد في الشجاعة ، ولا نظير له في العفة وصدق الحب . (5)
وتناول كذلك " كورو نانك " مـؤسس الديانـة السيخية ، واصفا إياه بأنه أعاد إلى الهند ضياء المعرفـة ثانيـة بعـد أن فقدتـه عندما لم تلق بالا إلى تعاليم " كوتم بدهـ " ، وامتدحه مع " كوتم بدهـ " أو " بوذا " في مقطوعة من ثمانية أبيات قال فيها :
* لم يلق القوم بالا إلى رسالة " كوتم " ، ولم يعرفوا قدر جوهرتهم .
* آه ، لقد ظلوا تعساء في غفلة عن صوت الحق ، كالشجر يظل غافلا عن حلاوة ثماره .
* لقد كشف لهم سرّ الحياة ، لكن الهند وأهلها هائمون بفلسفتهم الخيالية .
* ليس هذا هو ذلك المحفل الذي أضاءه شمع الحق ، لقد نزلت أمطار الرحمة ، لكن الأرض غير صالحة .
* آه ، إن الهند بيت أحزان للمنبوذين ، ولا يعرف قلب هذا البلد العطف الإنساني .
* البراهمــة منتشـون بخمر الغـرور ، بينما شمع " كوتم " ينير محافل الآخرين .
* لكن المعبد أضاء ثانية بعد مدة ، وأضاء بيت آزر بنور إبراهيم .
* وتعالى صوت التوحيد في النهاية من أرض البنجاب ، وأيقظ الرجل الكامل الهند من الأحلام . (6)
وتناول كذلك " كارل ماركس " ، وتحدث عنه في مقطوعة من ثلاثة أبيات بعنوان " صوت كارل ماركس " يوجه فبها خطابه إلى العلماء والفلاسفة الذين يؤيدون الرأسمالية فيقول :
* قطع العلم والحكمة ، وهذا الاستعراض للجدل ، لكن الدنيا الآن لا تستسيغ عرض الأفكار القديمة .
* ما الفائدة من كتبك يا فيلسوف الاقتصاد ، ليس فيها غير خطابات معقدة ، واستعراض زائف للتعاطف والمواساة .
* في معابد الغرب وكنائسهم ومدارسهم ، يخفي العقل المخادع مآسي الهوس والطمع . (7)
وقدم " لينين " في أشعاره من خلال مقطوعة بعنوان " لينين في حضرة الله " من اثنين وعشرين بيتا قصّ فيها على لسانه في الحضرة الإلهية مدى الظلم الذي يتعرض له العمال والفقراء في العالم ، وأن الرأسماليين يمتصون دماء هذه الطبقات الكادحة ، وأن العالم كله في انتظار تدخل القدرة الإلهية حتى تعيد الأمور إلى نصابها ، ويعتدل ميزان العدل ، يقول :
* أنت عدل ، وأرى العمال في عيشة ضنك ، وبؤس واكتئاب
* ورؤوس المال يجري فلكها فمتى يغرقها طامي العباب
* عالم الإنسان يا رب الورى في انتظار العدل من يوم الحساب (8)
صحيح أن إقبال هاجم الشيوعية فيما بعد عندما تكشف خطرها ، وذلك لأن إقبال يدور في فلك الحق ، ويعرف الرجال به .
لقد درس إقبال في أوروبا ، وعاش فيها ثلاث سنوات لمس خلالها مدى تقدمهم العلمي ، وتفوقهم في مجالات الحياة ، وفي الوقت نفسه رأى ما يحمله تقدمهم وتفوقهم هذا في طياته من نقائص وعيوب ، وعلم أن هذه المدنية الغربية التي تجتاح العالم وتبهر أنظار أبنائه ، تفتقد إلى الأساس المتين الذي يمكن أن يكتب لها السيادة والدوام ، هذا الأساس هو الجانب الروحي ، وحضارة الآلات تسحق تحت عجلاتها كريم الشيم وجميل الخصال كما يقول إقبال نفسه :
• حكومة الآلات موت للقلب ، فالآلات تسحق إحساس المروءة . (9)
ولذا رأينا إقبال يحذر المسلم من الانبهار بهذه المدنية والانسياق الأعمى وراءها ، ويحثه على أن يكون محتاطا في التعامل معها ، ولن يكون هذا إلا بأن يكون لديه وعي كامل بها ، وأن يتعرف إلى ذاته ويكتشفها ويقدمها إلى العالم بشكلها الصحيح . وهاجم إقبال بعض جوانب المدنية الغربية ، وأعلن أنها ستقضي على نفسها بنفسها إن داومت على إهمال الجانب الروحي للإنسان ، يقول :
• يا أهل الغرب ، إن أرض الله ليست دكانا ، وما تعتقدونه ذهبا خالصا سيفقد قيمته الآنا .
• سوف تنتحر مدنيتكم هذه بخنجرها ، والعش الذي يبنى على غصن واه لا يدوم أبدا . (10)
ثم يشير في أحد أحاديثه في لندن عـام 1931م أثناء اشتراكـه في مؤتمـر " المائدة المستديرة " إلى ما كان قد أعلنه في قصيدته سابقة الذكر التي كتبها عام 1907م قائلا :
" إن أفدح خطأ ارتكبته أوروبا هو فصل الدين عن الدولة ، فقد حرمت هذه الخطوة الخاطئة ثقافة الإنسان الأوروبي من الروح الخلقية ، ووجهتها نحو المادية الإلحادية ، وكنت قد اكتشفت عيوب هذه المدنية قبل خمس وعشرين عاما ... إن الحرب العالمية عام 1914م إنما كانت نتيجة محتومة لهذه الأخطاء الفادحة التي ارتكبتها الشعوب الأوروبية من فصل الدين عن الدولة " . (11)
ورغم صحة كل هذا ، إلا أنه لم يمنع إقبال أبدا من إبداء إعجابه بكثير من شخصيات الغرب ذات البعد الإنساني ، فتناول الشاعر والمسرحي الإنجليزي المعروف " شيكسبير " ( متوفى 1616م ) في مقطوعة من سبعة أبيات بعنوان " شيكسبير " واصفا كتاباته بأنها مرآة لقلب الإنسان . يقول :
* جريان النهر مرآة لشفق الصباح ، وصمت المساء مرآة لصمت المساء .
* وأوراق الورد لجمال عوارض الربيع ، ودوران الكأس مرآة لمحبوبة الخمر .
* الجمال مرآة الحق ، والقلب مرآة الجمال ، وجمال كلامك مرآة لقلب الإنسان .
* وكمال الوجود من فكرك الذي يطاول السماء ، فهل كانت فطرتك المضيئة هي مآل الوجود ؟!.
* عندما بحثت عنك العيون المشتاقة ، رأتك شمسا كامنة في ضوء الشمس .
* ظل وجودك محتجبا عن عين الدنيا ، ورأت عينك العالم على حقيقته .
* إن الفطرة تعشق إخفاء أسرارها ، ولن تخلق عارفا بالأسرار مثلك ثانية . (12)
وتناول إقبال كذلك " نابليون " ( متوفى 1821م ) ، إذ ألقى الضوء على سعيه الدائب لكي يصبح شيئا ذا قيمة ، حتى صار من أكبر قادة أوروبا العسكريين ، وقد امتدح إقبال هذا الجانب فيه في مقطوعة بعنوان " على ضريح نابليون " من ستة أبيات قال فيها :
* قدر هذه الدنيا المليئة بالجهد والاجتهاد سرّ دفين ، وأسرار القدر يكشفها حماس العمل .
* بفضل حماس العمل يشع سيف " الاسكندر " حرارة تذيب جبل " ألوند " .
* بفضل حماس العمل عمّ سيل " تيمور " ماذا تعني الارتفاعات والانخفاضات أمام السيل .
* بفضل حماس العمل يصير تكبير رجال الله صوت الله .
* لكـن فرصـة العمل لمحـات قليلـة ، وليالي القبر الطويلة عوض عن هذه اللمحات .
* إن نهاية مطافنا هي وادي الصمت ، فارفع الصوت الآن في قبب الأفلاك . (13)
كمـا تناول إقبال كذلك " نيتشـه " الألماني المعروف الذي كان إقبال – رغم اختلافه مع نظرياته – يصفه بأنه " مؤمن القلب كافر الذهن " ، ويطلق عليه " درويش الإفرنجة " ، وتحدث عنه في مقطوعة تحمل اسمه من ثلاثة أبيات قال فيها :
* لم يستطع الحكيم أن يفهم معنى التوحيد ، إذ لا بد من البصيرة لفهم أسرار " لا إله " .
* فكره الرفيع سهم في كبد السماء ، وخياله لجام للشمس والقمر .
* رغم أن رهبنته عفة في فطرته ، إلا أن فطرته تشتاق للذنب . (14)
ومن الشخصيات الغربية التي أثرت في إقبال تأثيرا كبيرا ، وتناولها في شعـره السير " توماس آرنولد " الذي كان أستاذا للفلسفة بالكلية الحكومية بلاهور ، حيث درس إقبال على يديه الفلسفة ، فتأثر به كثيرا ، حتى أنـه عنـدما أحيـل السـير " توماس آرنـولد " إلى المعـاش وعـاد إلى وطنـــه " إنجلترا " ، حزن إقبال حزنا كبيرا ، وظل يسعى في أمر سفره إلى إنجلترا لإكمال دراسته العليا هناك حتى يتسنى له لقاء أستاذه .
وعندما وصل إقبال إلى لندن ، وشاهد بنفسه ذلك الفارق الكبير بين ما وصلت إليه إنجلترا من تطور وتقدم ، وبين الحال التي عليها بلاده ، وأخذ يبحث في الأسباب التي أدت إلى هذا الوضع ، ودرس الفلسفات الغربية المختلفة مع دراسته للدين الإسلامي دراسة وافية ، واكتشف أن الإسلام لا يمكن أن يكون سببا في تخلف أمة من الأمم ، بل على العكس ، فإن الإسلام يدعو المسلمين إلى الأخذ بأسباب التطور والتقدم ، والعمل على تسخير الكائنات ، ولذا فإن السبب الرئيسي في حالة التراجع التي يعيشها المسلمون هو تخلي المسلمين عن تعاليم دينهم وهجرهم لأحكامه . عندئذ اعترت إقبال حالة نفسية من الصراع الداخلي ، والحزن الشديد ، حتى بدا له أن الشعر مضيعة للوقت والجهد ، وأنه باعتباره أحد أفراد المجتمع الإسلامي ، ومنوط به دور في تقدم هذا المجتمع ، وعليه أن يقوم به ، لذا قرر إقبال أن لا يقرب الشعر .
وفي تلك الأثنـاء كان " الشيـخ عبد القـادر " مديـر مجـلة " مخزن " الأدبية – التي كان إقبـال يكتب لها شعـرا – في رحلة إلى بريطانيا ، ويقيم في لندن ، فلما أخبره إقبال بنيته في ترك قرض الشعر أصابت الشيخ صدمة كبرى ، وأخذ يؤكد لإقبال أن شعره ليس من ذلك الشعر الذي ينبغي أن يترك ، وإنما من الممكن أن يكون في شعره دواء للأمراض التي أصابت مجتمعه وأمته،ولذا عليه أن يواصل كتابة الشعر بما أعطاه الله من موهبة لا تتوفر إلا للندرة القليلة .
لكن إقبال لم يقتنع بقول الشيخ اقتناعا تاما ، عندئذ كان لا بد أن يبحث الشيخ عن طريقة ما تثني إقبال عن قراره هذا ، وإلا كانت الخسارة فادحة ، ففكر حينئذ فيمن يمكن أن يكون له تأثير على إقبال ، فلم يجد غير " السير توماس آرنولد " بما يعرفه عنه من شخصية قوية وحب لإقبال وتقدير له ، وبما يعلمه كذلك من حب إقبال وتقديره له هو الآخر ، فعرض الشيخ على إقبال أن يرجئ تنفيذ قراره بترك الشعر حتى يستشير أستاذه " السير آرنولد " ، واتفق " الشيخ عبد القادر " مع إقبال على أن يتوقف القـرار الأخـير على ما يقـوله " آرنولد " ، فإن اتفق رأي " آرنولد " مع رأي إقبال ، ترك الشعر ، وكرس وقته في عمل آخر يراه إقبـال أكثر نفـعا ، أما إذا اتفـق رأي " آرنولد " مـع رأي " الشيخ عبد القادر " فإن على إقبال حينئذ أن يلتزم به ، وألا يترك الشعر مهما كانت الظروف ............. ووافق إقبال .
وجاء رأي السيد " آرنولد " موافقا لرأي " الشيخ عبد القادر " في أن شعر إقبال عمل يفوق في أهميته كثيرا من الأعمال التي ربما يراها إقبـال أكثر فائدة من الشعر ، وكان موقفا له أكبر الأثر في مسيرة الشعر الأردي ورواجه ، ولولاه لحرمت الأمة الإسلامية من هذا الشعر الذي بث الروح في مسلمي شبه القارة الهندية بشكل خاص حتى أخرجهم من يأسهم ، وأعاد إليهـم الأمل في الحياة ، وخلق لهم وطنا مستقلا " باكستان " ، ولحرمت الإنسانية كلها من تراث أدبي رفيع المستوى . هذا وقد تحدث العلامة إقبال عن أستاذه " السير توماس أرنولد " في منظومة من خمس مقطوعات ، كل مقطوعـة من ثلاثة أبيات ، وجاءت تحت عنوان ( ناله فراق " آرنلد كي ياد مين " : أنة الفراق " في ذكرى أرنولد " ) ، وكتبها إقبـال عام 1904م ، ونشرت وقتهـا في مجلة ( مخزن ) عدد مايو 1904م ، وعلق عليها إقبال بنفسه قائلا : " لقد ترك فراق أستاذي السيد ارنولد عليّ أثرا كبيرا بحيث لم ينعم قلبي بعدها براحة أو سكينة ، وذات يوم أتى بي الخيال وأوقفني أمام بيته ، وأنطقني هذه الأبيات التي اضطرني أحبابي إلى نشرها . وعلى الرغم من أن العديد من الجلسات قد عقدت توديعا له عند رحيله ، وقدمت فيها العديد من القصائد والمنظومات ، وهذه المنظومة كتبت بهذه المناسبة كذلك ، لكن لأنها تحوي تأثري الشخصي والأليم برحيله ، لذا رأيت من غير المناسب قراءتها في جلسات عامة ، هذا وقد ازداد حزني وشجني بعد رحيل ( السيد أرنولد ) كثيرا ، وأنتج ذلك العديد من التغييرات في المنظومة ذاتها " . يقول إقبال :
المقطوعة الأولى :
* أيها البيت ، لقــد رحل صاحبـك في النهايـة إلى الغرب واستقر هناك ... آه ، لم تعجبه أرض المشرق .
* لقد تيقن قلبي اليوم من حقيقة أن ... ضوء نهار الفراق ليس أقل من ظلام الليل .
• منذ أن تخيرت عيني حرقة الحيرة من حضن وداع المحبوب ... نامت
هذه الحرقة في عيوني مثل الشمع المنطفئة .
المقطوعة الثانية :
* أنا قتيل الوحدة ، أضطرب من الزحام ... أخرج في ثورة الجنون من المدينة إلى الصحراء .
* أتعـب القلب بذكرى أيام الأسلاف ... ثم آتيك مهرولا لأنال السكينة .
* ورغم أن جدرانك وأبوابك مألوفة لي ... لكن الغربة تبدو من طريقتي وأسلوبي .
المقطوعة الثالثة :
* كادت ذرة قلبي تتعرف إلى الشمس ... وكادت هذه المرآة المحطمة تعكس العالم بداخلها .
* وكاد نخيل آمالي يخضرّ ويينع ... من كان يدري أنني كنت على وشك أن أصبح شيئا عظيما .
* لكن سحب الرحمة سحبت أذيالها من حديقتي ورحلت ... أمطرت براعم قلبي قليلا ثم رحلت .
المقطوعة الرابعة :
* أين أنت يا كليم قمة طور العلم ... كانت أمواج أنفاسك تزيد فرحة العلم .
* أين ذلك الشوق الآن للهيام في صحراء العلم ... جنون العلم في رؤوسنا كان بفضلك أنت .
* أين ليلى وجمالها لتخلق الجنون بها ... لنجعل تراب المجنون غبار قلب الصحراء .
المقطوعة الخامسة :
* ستحل صحراء الجنون عقدة قدري ... وسأحطم وثاق البنجاب وأصل إليك .
* ينظر البصر الحائر إلى صورتك ..ولكن كيف يطمئن القلب العاشق للقدر بالصورة .
* فم الصورة لا يملك النطق ، لكنه حديث الصورة ذلك الذي نسميه صمتا . (15)
هـوامش
1 – كليات اقبال – بال جبريل – ص : 122 .
2 – المرجع السابق – الصفحة السابقة .
3 – كليات اقبال – بانكـ درا – ص :123 .
4 – المرجع السابق – الصفحة السابقة .
5 – كليات اقبال – بانكـ درا – ص : 189 .
6 – كليات اقبال – بانكـ درا – ص : 253 .
7 – كليات اقبال – ضرب كليم – ص : 149 .
8 – كليات اقبال – بال جبريل – ص : 109 .
9 – كليات اقبال – بال جبريل – ص : 111 .
10 – كليات اقبال – بانكـ درا – ص : 151 .
11 – غلام رسول مهر – شرح بال جبريل – ص : 15 .
12 – كليات اقبال – بانكـ درا ص : 263 .
13 – كليات اقبال – بال جبريل – ص : 155 .
14 – كليات اقبال – ضرب كليم – ص : 97 .
15 – كليات اقبال – بانكـ درا – ص :88 .
رد مع اقتباس
المفضلات