والنكبة ما زالت مستمرة

عن مقالة بعنوان : خمسة وخمسون عاماً .. والنكبة ما زالت مستمرة للأستاذة إيمان الوزير

الخطة الصهيونية لمرحلة ما بعد الحرب :

خلال سنوات الحرب العالمية الثانية تبنى الصهاينة خطة مستقبلية تقوم على أن بريطانيا لم تعد الدولة القوية القادرة على احتضان الحركة الصهيونية وإقامة دولة الكيان الصهيوني ، وأن الولايات المتحدة تمتلك مقومات القوة ، وسيصبح لها صوت مسموع في مستقبل منطقة الشرق الأوسط ، وعليه سيكون الرهان الصهيوني للمرحلة المقبلة.

كما قام اليهود باستغلال المجازر النازية ضد اليهود بصورة إعلامية واضحة لتضليل العالم ليتحرك لحل المشكلة اليهودية المزعومة بالرغم من أن بعض المؤرخين والمحللين أمثال الفرنسي روجيه جارودي يرون أن اليهود هم من قاموا بتلك المجازر ضد ضحايا من أبناء جلدتهم لأنهم يشكلون عبئاً على الكيان الصهيوني المرتقب على أرض فلسطين لو تم تهجيرهم ، بالإضافة لإلصاق التهمة بالنازية مستغلين فكرة (العداء للسامية) التي يعشق الصهاينة التشدق بها بين الحين والآخر.


قرار هيئة الأمم المتحدة الخاص بتقسيم فلسطين:


لقد نجحت الصهيونية في تحقيق مآربها حين سيطرت على أمريكا مستغلة العلاقة الدينية مع اليمين المسيحي المتطرف ونفوذها المالي والإعلامي مما أثر على هيئة الأمم المتحدة ، التي تبنت قرار عام 1947م الذي يقضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين ، دولة يهودية ودولة عربية ، تبلغ مساحة الدولة اليهودية 56% من مساحة فلسطين ، بينما تقوم الدولة العربية على الباقي من فلسطين 43 %، أما القدس وما حولها 1% فقد جعلت منطقة دولية تخضع لإشراف هيئة الأمم المتحدة، وكان ذلك مطلب الوكالة اليهودية في مؤتمر لندن 1946م مما يؤكد مدى سيطرة الصهيونية على قرارات هيئة الأمم المتحدة منذ إنشائها.


حصل قرار هيئة الأمم على موافقة 33 دولة في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي.


عقب صدور القرار سارعت الولايات المتحدة إلى إرسال أعداد كبيرة من الجنود إضافة إلى مساعدة الصهاينة في استقدام طيارين من أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.


كان القرار طعنة للمسلمين وتصميماً غربياً واضحاً لفرض إرادته وسلطانه على الشعوب الإسلامية.. الأمر الذي دفع العرب إلى رفض قرار التقسيم.


الجهاد :


قدم المجاهدون على أرض فلسطين أروع أمثلة البطولة وضروب الشجاعة بقيادة عبد القادر الحسيني الذي كان يقود المجهود الشعبي الذي كاد أن يحسم المعركة لولا الخيانات من عملاء العدو المزروعين لتمرير مؤامرة إقامة إسرائيل في قلب العالم الإسلامي ، كما قام جيش الإنقاذ بزعامة فوزي القاوقجي بجهد متميز في الدفاع عن فلسطين.


كانت الجامعة العربية قد شكلت لجنة عسكرية لتولي مسؤولية مساعدة المجاهدين في فلسطين ، لكن هذه اللجنة كانت مكبلة بقيود ارتباط بعض الدول العربية التي تحررت حديثاً من نير الاستعمار بمعاهدة مع الدول الاستعمارية خاصة بريطانيا ، شكلت تلك المعاهدات ورقة ضغط لتقليل الدور الفعال الذي يمكن أن يلعبه العرب لمساعدة مجاهدي فلسطين في مواجهة الصهيونية.


مجزرة دير ياسين :


هذا التخاذل مهد الطريق للمجازر الصهيونية والتي كان من أبرزها مجزرة دير ياسين حين قتلت عصابتا الأرغون وشتيرن أكثر من 250 من النساء والأطفال التي قال فيها مناحيم بيغن قائد الهجوم آنذاك : ( لولا النصر في دير ياسين لما كانت هناك دولة إسرائيل) ، وكان ذلك قبيل مغادرة القوات البريطانية لأرض فلسطين لكنها غضت الطرف عنها وكأن شيئاً لم يحدث بل عمدت إلى إدخال وسائل الإعلام لتصوير المجزرة كنوع من الحرب النفسية وتهجير الشعب الفلسطيني المسلم.


النكبة وإعلان دولة إسرائيل :


بدأت نكبة الشعب الفلسطيني ، بتهجير أكثر من مليون فلسطيني ، الذين شتتوا ما بين الدول العربية وبين (مخيمات اللاجئين) التي أقيمت لهم !


في ذات الوقت كانت بريطانيا قد بدأت انسحابها من فلسطين ، تاركة لليهود ثكناتها العسكرية لتمكينهم من الأقصى والأرض المباركة ، وقد مارست القوات البريطانية ضد الشعب الفلسطيني أقسى أنواع الإرهاب المسلح من أجل تحقيق هذا الغرض.


عشية الرابع عشر من مايو سنة 1948م أعلنت بريطانيا انسحابها من فلسطين فسارعت الصهيونية إلى إعلان إسرائيل ، وفور ذلك سارعت كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي إلى الاعتراف بدول الصهاينة إسرائيل وتبعهم بعد ذلك باقي الدول الأوروبية.


تدخل الجيوش العربية ودور كلوب باشا :


وتحت ضغط الشعوب الإسلامية هبت الدول العربية المستقلة حديثاً في تلك الفترة إلى الإعلان عن قمة عربية أصدرت من خلالها قراراً يقضي بدخول الجيوش العربية إلى فلسطين نجدة لأهلها – كانت الخطة العربية تقتضي بأن تهاجم الجيوش العربية مواقع الجيش اليهودي ومستعمراته عن طريق شطر فلسطين إلى شطرين يقطع الاتصال بين المستعمرات المتناثرة ويؤمن طريق الوصول بالجيوش العربية إلى حيث المراكز الصهيونية في حيفا وتل أبيب ، لكن هذه الخطة تغيرت بخطة وضعت من قبل الجنرال البريطاني كلوب وزير الدفاع الأردني في تلك الآونة ، وكان هذا التغير مفاجئاً للجيوش العربية وقادتها خاصة وأنه جاء قبل دخول الجيوش العربية فلسطين بثمانية وأربعين ساعة.


عن هذا التغير المفاجئ في الخطة يقول اللواء الركن محمود شيت الخطاب : ( كان التغير مقصوداً ، والذي أراده كلوب باشا من وراء ذلك زج الجيوش العربية في مأزق حرج وذلك عن طريق كشف أجنحتها لقوات العدو مما يترتب على ذلك شل حركتها وقتل فعاليتها العربية. ولو نفذت الخطة الأصلية التي وضعها العسكريون العرب والتي تهدف إلى شطر فلسطين إلى قسمين لكان من الممكن أن تأتي بفوائد إيجابية لأنها ستؤدي إلى تشتيت القوات اليهودية وتحول دون الاتصال بينها).


الهدنة الأولى :


في البداية استطاعت الجيوش العربية إحراز بعض الانتصارات على القوات الصهيونية – رغم خطة كلوب باشا المخادعة – ولكن أوامر كلوب باشا كانت تعرقل باستمرار تلك الانتصارات بتحديد مواقع القوات العربية عبر خطوط لا يمكن تجاوزها !!! ، رغم ذلك فقد استنجد اليهود بالولايات المتحدة الأمريكية للضغط على العرب لقبول هدنة مدتها أربعة أسابيع من 1 يونيو إلى 9 يوليو ، ثم خرق اليهود الهدنة في الوقت الذي قررت فيه الدول العربية حل قوات جيش الإنقاذ وتسريح المجاهدين ، ولم تستفد الجيوش العربية من الهدنة وامتنع العدو البريطاني عن بيعها السلاح فاستفادت القوات الصهيونية من ذلك بشن هجوم موسع على مواقع القوات النظامية للدول العربية تمكنت خلالها من السيطرة على ما تبقى من منطقة الخليل الأعلى والمثلث تبعها توغل القوات الصهيونية في منطقة النقب في خطة عسكرية هدفها عرقلة الجيش المصري الذي قاتل القوات الصهيونية بأسلحة فاسدة.


الهدنة الثانية:


ثم عادت الولايات المتحدة الأمريكية لتقرر هدنة ثانية مع العرب لوقف الحرب ، وللمحافظة على المكاسب التي حققها اليهود في حرب فلسطين عام 1948 والتي تجاوزت ما جاء في قرار التقسيم الصادر عن هيئة الأمم المتحدة ، إذ نجح الصهاينة في السيطرة على 77% من أراضي فلسطين.


ولا تزال تلك النكبة التي يتجرع مرارها الشعب الفلسطيني والأمة العربية والإسلامية مستمرة وشلال الدم يروي الأرض الطاهرة.


المراجع :


- د. محمد القوزي : تاريخ العرب المعاصر.

- د . فلاح خالد علي : الحرب العربية الإسرائيلية 1948- 1949 وتأسيس إسرائيل.

- عبد الله التل : كارثة فلسطين.

- مؤسسة الدراسات الفلسطينية : فلسطين تاريخاً وحاضراً.

- أكرم زعيتر : وثائق ودراسات فلسطينية.

- عمر عبد العزيز عمر : التاريخ المعاصر للدول العربية.

- إسماعيل أحمد باغي ، نظام بركات : دراسات فلسطينية ( تاريخية – سياسية ).

- الموسوعة الفلسطينية.


عن موقع التاريخ