آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 1 من 1

الموضوع: عيد الشجرة وشجرة البعد

  1. #1
    باحث إسلامي في علوم القرآن واللغة الصورة الرمزية أبو مسلم العرابلي
    تاريخ التسجيل
    26/04/2007
    العمر
    67
    المشاركات
    3,024
    معدل تقييم المستوى
    21

    عيد الشجرة وشجرة البعد

    بسم الله الرحمن الرحيم
    لماذا يجعل عيد للشجرة بعد الذي حدث لأدم عليه السلام؟
    تكرر ذكر "الشجر" بمسماه في القرآن الكريم في (26) موضعًا، وذكر الفعل "شَجَِرَ" مرة واحدة فقط؛ في قوله تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا(65) النساء : فيما شجر بينهم : فيما فرق وباعد بينهم من أمور الخلاف، وفي القاموس يقال شجرناهم برماحنا، طعناهم برماحنا، والصحيح أبعدناهم برماحنا، لأن الطعن إن وقع يقع على بعضهم، لكن الإبعاد يكون للجميع لمن طعن ولمن لم يطعن.
    ونبات الأرض ينقسم إلى نوعين؛ نوع يمتد على الأرض، ويلتصق بها، ويظل قريبًا منها ولا يعيش طويلاً، فيظهر في فصول، وأوقات محددة، ويختفي في أخرى، ويسمى هذا النوع بالنجم، وحاله كحال نجوم السماء التي تظهر منبسطة في بروجها في أوقات محددة من السنة، وتختفي في أشهر أخرى من نفس السنة.
    ونوع ثان؛ يقف على ساق، وتبتعد أغصانه وفروعه عن الأرض، ويمتد نموه سنوات عديدة، ويسمى بالشجر، وقد جمع الله النوعين في قوله تعالى: (والنجم والشجر يسجدان (6) الرحمن، وهما كلا نوعي النبات.
    وتعريف الشجر: كل ما قام على ساق، وسما بنفسه؛ ( أي بعد عن الأرض)، دق، أم جل، قاوم الشتاء، أم لم يقاوم؛(بقي له ورق أو سقط ورقه)، واستمر نموه سنوات عديدة، وتبقى لما دق منه أرومة في الأرض ينبت منها في السنين التالية.
    فتسمية الشجر راجع إلى ابتعاده عن الأرض؛ بقيامه على ساق، واستمرار نموه سنوات، واتجاه النمو إلى الأعلى بعيدًا عن الأرض.... هذه الصفات التي تحدد الشجر عن غيره من النبات.
    واختلاط الفهم يدخل في الشجر ما ليس منه كالبر والشعير؛ لأنه وقف على ساق ... لكن حياته أشهر معدودة، ولا يستمر نموه.
    ومن فهم شجرناهم بمعنى: اشتبكنا معهم بالرماح وتداخلت الرماح بعضها مع بعض، أخرج من الشجر النجيل لأن أغصانه منفردة بعضها عن بعض ولا تتداخل كمعظم الأشجار.
    وحروف الشجر الثلاثة توافق تسميتها؛ حروف الشجر ثلاثة؛ (ش، ج، ر)
    الشين: للاستمرار في الاستعمال العربي؛ وهي تمثل استمرار نمو الشجر سنوات عديدة.
    والجيم: للإلحاق؛ ففي كل عام يلحق الشجر فروع وأوراق جديدة.
    والراء: للالتزام؛ فمع استمرار نمو النبات يثبت في الأرض ويصعب إزالته أو قطعه بعد سنوات من نموه إلا بآلة.
    وعندما تقع الجيم في الوسط الكلمة ينحصر عملها، ويتحول معناها إلى معاني مثيلاتها في الرسم؛
    أي إلى: الحاء: والحاء للانفراد؛ فهي بنموها المستمر تنفرد عن الأرض.
    وإلى معنى الخاء: والخاء للتغيير؛ فمع استمرار نمو الشجرة عدة سنوات، تتحول إلى شجرة مثمرة تخرج الأزهار والثمار.
    فرسمت العرب لذلك الجيم، والحاء، والخاء، برسم واحد قبل التنقيط؛ لأن معانيها متضادة، وتتبادل المعاني بينها إذا انحصرت بين فاء الفعل ولامه، وكانت عين الفعل (أو الجذر).
    وسأقتصر الحديث عن أربع شجرات ذكرن في القرآن الكريم هن: شجرة بيعة الرضوان، شجرة اليقطين، وشجرة الزقوم، والشجرة التي أخرجت آدم عليه السلام وزوجته عن الجنة.
    نبدأ بشجرة الرضوان التي تم تحتها مبايعة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ قال تعالى: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا(18) الفتح، وقد نال الصحابة في هذه البيعة رضوان الله على هذه البيعة، لأنهم بايعوا على الموت والصبر في الحرب، ولم يكن معهم كامل عدتها، ولم يستعدوا لها، ولم يكن معهم إلا سلاح المسافر، وكان هذا أرهب لعدوهم، لأنهم قالوا إن مثل هؤلاء غير عابئين بالموت، ولن يقتل أحدهم حتى يقتل واحدًا منا، ولئن قتل منا مثل عددهم؛ (وكان عددهم 1400رجلاً) فلن يطيب العيش بعدهم 00 فقد ذكر في الآية أن الرسول صلى الله عليه وسلم بايع تحت الشجرة، أي كان هو بينهما وبين الأرض، فبين تعالى بهذا الوصف أن سبب تسمية الشجرة هو الجزء الذي ابتعد عن الأرض وفارقها، وساق الشجرة كان بجانب الرسول صلى الله عليه وسلم، وجذرها تحته.
    لماذا يأت تعالى بذكر الشجرة .... مع أن وجودها لا أثر له في البيعة؟.
    فما الفرق بين أن يبايع الرسول صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة، أو بجانبها، أو في العراء بدونها، أو تحت أي شيء آخر؟
    فلما ابتعد النبي صلى الله عليه وسلم في هذه البيعة عن الأمر الذي جاء من أجله، وهو الطواف بالبيت، وأداء نسل العمرة بزيارة بيت الله الحرام، متحولاً بتلك البيعة إلى الحرب، لما شاع الخبر بأن قريش قتلت رسوله إليهم (عثمان بن عفان) رضي الله عنه 00لهذا الابتعاد الذي حصل، حسن ذكر الشجرة في هذه البيعة، فحسن المجيء بها في سياق الحديث لتعطي صورة لهذا البعد والتحول من أداء نسك إلى جهاد وقتال.
    أما شجرة اليقطين: (وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ(146) الصافات، فهي ليست من الشجر،
    واليقطين هو من نجوم الأرض، ولكن لما اعتلت نبتة اليقطين جسد يونس عليه السلام بعدت عن الأرض، وصار جسده الملقى في العراء بعد أن لفظه الحوت بينها وبين الأرض فأصبحت من الشجر بهذا الابتعاد، وهي ليست منه، وزيادة على ذلك أنها أبعدت أذى الشمس وحرها عن جسد يونس عليه السلام السقيم، وأبعدت كذلك برائحتها الذباب والحشرات عنه، لأن روائح بطن الحوت وعصارته تجلب إليه الذباب، وهو سقيم لا يستطيع أن ينظف نفسه ويدفع الأذى عنها، ولا أن يتحول إلى الظل.
    أما الشجرة الثالثة؛ فهي شجرة الزقوم؛ قال تعالى: (ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ(51) لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ(52) فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ(53) فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنْ الْحَمِيمِ(54) فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ(55) هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ(56) الواقعة.
    فقد كانت لهم فيها فتنة، فكيف يكون في النار شجر00 وأمر آخر تسميتها بالزقوم، والزقوم في لغة اليمن التمر يغمس بالزبد، وقال أبو جهل وقيل غيره: هذا الزقوم الذي يتوعدنا به محمد أن نأكله في النار؛ التمر بالزبد أتزقمه: زقمنا يا غلام ؟ وأخذ يغمس التمر بالزبد يلتقمه ويتزقمه، وجهل أن الشجر لم يسم باسمه هذا إلا لبعده عن الأرض، وقد أشار تعالى إلى هذه الفتنة فقال: (وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا(60) الإسراء.
    ثم أنزل سبحانه حقيقة هذه الشجرة، وأنها لم تبتعد عن الأرض بأغصانها، وفروعها فقط، بل بأصلها وجذورها أيضًا، فكيف سيكون ثمرها إذن، وقد غذيت بالنار؟! ؛(أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ(62) إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ(64) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ (65) فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِؤُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (66) ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِّنْ حَمِيمٍ (67) الصافات، فسيتزقم أبو جهل وأمثاله الزقوم بالحميم.
    وأما الشجرة الرابعة؛ فلنا معها الوقفة الأهم 00 لما كان لها من الأثر في تبدل حياة آدم عليه السلام وزوجه، وهبوطه إلى الأرض.
    وعلى الرغم من كثرة أشجار الجنة، وعظمها وتنوعها؛ منها الظل، ومنها الفاكهة، فلم يسم الشجر في الجنة بالشجر في القرآن؛ وهذا من عظم بلاغة القرآن الكريم الذي بني إعجازه على اللغة ومراعاته الدائمة لسبب تسمية المسميات بأسمائها، ولأن لفظ الشجرة مبني على البعد عن الأرض، وسماع لفظها دال على البعد، ويذكر به، والجنة دار النعيم الدائم والخالد، لا خروج منها، ولا تحول عنها، ولا إبعاد، فإسقاط ذكرها هو الأنسب لحال الجنة.
    وثانيًا: أن معظم الشجر، وخاصة المنتج للفاكهة منها؛ وهو شجر الجنات، تسقط أوراقه في فصل الشتاء، وتبعده، وجنة الآخرة دائم ظلها وأكلها، لذلك لم يسم نبات الجنة بالشجر مطلقًا00
    وثالثًًا: أن الله تعالى وصف ثمار الجنة (قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) الحاقة، بشدة القرب والإحاطة وهذا الوصف لا يتناسب مع اسم الشجر الدال على البعد.
    ولم يذكر اسم الشجر مع ذكر الجنة إلا الشجرة التي أبعدت آدم وزوجه عن الجنة، الجنة التي كانت فيها أول سكنى لآدم عليه السلام وزوجه؟، وأبعدت عنهما لباسهما، وأبعدتهما عن الله حتى تاب عليهما، وقد حذرهما سبحانه وتعالى من الأكل منها، وسماها باسمها ليظل حذره منها، ولكن الشيطان استطاع أن يغويه، وقد بينا في المبحث الأول أنه هذه الشجرة لم تكن داخل الجنة، بل خارج الجنة بعيدة عن أشجار الجنة غير متصلة بها.
    وقد مثل تعالى لبيان الفارق والبعد الكبير بين الكلمة الطيبة، والكلمة الخبيثة، بتمثيلهما بشجرتين لأن اسم الشجرة يدل في نفسه على البعد؛ قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ(24) (وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ(26) إبراهيم. وقد ذكرت هذا التمثيل من دون بقية ما ذكر عن الشجر في القرآن، لبيان ما قد يخفى على المتدبر من الربط بين التمثيل بالشجرة، ومراعاة سبب تسميتها في هذه الآية.
    ولما كان ذكر الشجر في القرآن الكريم على خلاف نظرة الناس إلى الشجر، فهم ينظرون إليه على أنه منظر، وخضرة، وزينة، وجمال، وثمار، أما في كتاب الله فالأمر مختلف جدًا فقد عوملت الشجرة على أساس تسميتها وهي بعدها عن الأرض .... وقد عرفنا الآن سبب تسمية الشجرة، وارتباطها تسميتها بالبعد، وغربتنا في هذه الأرض بعد أكل والدينا آدم وحواء من تلك الشجرة ..... فها نحن نقيم احتفالاً بعيد الشجرة كل عام، غافلين ومتناسين ما حدث، ، فليت الاحتفال يكون عن غربتنا في هذه الأرض، وبعدنا عن الجنة ... فهو أنسب لاسمها، فاليوم أصبحت الغابات أماكن لهو ولعب وفجور وعري وعصيان لله، ....... والتذكير لا ينتفع به إلا أولوا الألباب، وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين.... هذا والله تعالى أعلم.
    مواضيع هذه المادة :
    تأتيكم تباعًا إن شاء الله تعالى
    أبو مسلم/ عبد المجيد العرابلي


    مواضيع لها علاقة بالموضوع ومتتمة له
    أين الشجرة التي أخرجت آدم من الجنة ؟
    شجرة الإبعاد وعيد البعد
    كيف غوى إبليس آدم من خارج الجنة؟
    كيف نزع الشيطان عن آدم وزوجه لباسهما؟ ولماذا ؟
    هل أسكن آدم جنة الخلد أم جنة في الأرض؟
    هل خلف آدم عليه السلام ما يسمى الإنسان الأول؟

    التعديل الأخير تم بواسطة أبو مسلم العرابلي ; 21/12/2009 الساعة 09:02 AM

+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •