السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أشكرك أستاذنا الفاضل ابو مسلم العرابلي على كل ما تبذله من جهود لخدمة هذا الدين ولتوضيح ما استعصى على الأفهام
فبارك الله فيك وزادك بسطة من العلم وجعل أبحاثك في ميزان حسناتك...
أرجو أن تسمح لي بمداخلة بسيطة حول هذا الموضوع عن الخليفة وعن سفك الدماء:
هل من تفسير لغوي لكمة جن
قلتم سابقا أن حرف النون للنزع فماذا عن حرف الجيم؟
---------------------
نقرأ في بعض التفاسير نقلا عن الصحابة رضوان الله عليهم أن الكائنات التي كانت موجودة على سطح الأرض قبل آدم عليه السلام هي الجن ويؤكد هذا القول ما جاء في تفسير الطبري: [عَنْ ابْن عَبَّاس وَتَابِعه عَلَيْهِ الرَّبِيع بْن أَنَس مِنْ أَنَّ الْمَلَائِكَة قَالَتْ ذَلِكَ لَمَّا كَانَ عِنْدهَا مِنْ عِلْم سُكَّان الْأَرْض قَبْل آدَم مِنْ الْجِنّ , فَقَالَتْ لِرَبِّهَا : أَجَاعِل فِيهَا أَنْتَ مِثْلهمْ مِنْ الْخَلْق يَفْعَلُونَ مِثْل الَّذِي كَانُوا يَفْعَلُونَ ؟]
الجن يقتل ويسفك الدماء:وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ، قال بعض المفسرين إن المقصود في هذه الآية بالفساد وسفك الدماء، هم الجن الذين استوطنوا الأرض قبل الإنس، ولذلك، وقياسا عليه، خشيت الملائكة أن يجعل الله في الأرض كائنا آخر يقوم مقامها ويفعل أفعالها، علما بأن الشيطان، كما نص على ذلك الحديث، يجري من الإنسان مجرى الدم في العروق، ونحن نعلم ما للدم من دور حيوي وخطير في حياة الإنسان، وعلما أيضا بأنه (الشيطان) قد يؤدي بالإنسان إلى الهلاك عبر الوسوسة وما شاكلها، أو عبر التسبب في الآفات والأمراض، إذا لم يعرف الإنسان طرق التحرز منه.
من ناحية أخرى خلق الجن قبل الإنس: يشهد على ذلك العديد من الآيات منها: وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ (الحجر/27)، قال عبد الله بن عمر : كانت الجن قبل آدم... فسفكوا الدماء، فبعث الله إليهم جندا من الملائكة فطردوهم إلى جزائر البحور: قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ(البقرة/30)، سفك الدماء إراقتها بالقتل والمعاصي فأرسل الله عليهم الملائكة.
وعليه فالنصوص الدينية الإسلامية تشير إلى حقيقة أن الجن عاشوا على هذه الأرض قبل الإنسان بآلاف، أو ربما بملايين، السنين.
يخبرنا أهل اللغة أن كلمة جن تعني ما جن عن البصر
جنن ، في اللغة، من جن الشيء يجنه جنا: ستره. وكل شيء ستر عنك فقد جُن عنك. أجنه: ستره. جِن عين: أي ما جُن عن العين فلم تره، ستر عنها.
والكائنات المجهرية تدخل في هذا المعنى لكمة جن خاصة إذا علمنا ما يتشارك فيه الجن المتعارف عليه والكائنات المجهرية مثلا سفك الدم والتواجد قبل البشر على سطح الارض والجري مجرى الدم (1) والتسبب في الطاعون والمشاركة في الأموال والأولاد...
فالطاعون، مثلا، يرده الطب إلى الميكروبات، أما الشرع فيرجعه إلى الجن: عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الطاعون وخز أعدائكم من الجن، وهو لكم شهادة" ، وهذا يعني أننا في معركة مع الجن، الميت منا فيها شهيد.
قال المناوي: «الوخز هو طعن غير نافذ، ووصف طعن الجن بأنه وخز لأنه يقع من الباطن إلى الظاهر، فيؤثر في الباطن أولا ثم يؤثر في الظاهر وقد لا ينفذ» ، وتعتقد العرب أن الطاعون طعن من الشيطان، وتسميه أيضاً رماح الجن ولهم في ذلك أشعار... وفي القاموس: الطاعون هو الوباء: الوَبَأُ: قـيل هو كل مرض عام، وفـي الـحديث: إِن هذا الوَبَاءَ رِجْزٌ، والذي ذهب إليه الأطباء قديما أن الطاعون نابع من فساد الدم الناشئ من فساد الهواء...
الشيطان يجري مجرى الدم والكائنات المجهرية أيضا
تقتل الكائنات الدقيقة ملايين البشر والحيوان: عن طريق الأمراض والأوبئة المتنقلة عبر الدم، فبالنسبة لمرض الإيدز، مثلا، يحتوي كل ملل من دم المريض على ما بين (10.000 و100.000) وحدة فيروس فعالة، ومعلوم أن جل الأمراض المتعلقة بالدم سببها الفيروسات، وأخطرها الجنسية، وقد لاحظ د. جولد أنه في كل ثانية يصاب أربعة أشخاص بالأمراض الجنسية في العالم، ويعلق د. جورج كوس على ذلك بقوله: إن الحالات المعلن عنها رسميا لا تتعدى ربع أو عشر العدد الحقيقي.
يلعب الدم أيضا دورا خطيرا في تسارع انتقال العدوى إذا كان ملوثا، وقد أشار مايكل شولتز -المتحدث باسم المنظمة الدولية للصحة العالمية- إلى أن عدم تنقيته وحفظه بصورة سليمة يعرضه للفيروسات الفتاكة كفيروس الإيدز الذي ينقل الدم الملوث منه 10% من الحالات المصابة، وفيروس الكبد ب وس والملاريا والزهري... ومن أشهر البكتيريا التي تلوث الدم تلك المعروفة باسم "سيرّاتيا ليكويفاشيانز" وهي نادرة، لكنها قاتلة... وحسب إحصاءات المنظمة العالمية فإن نحو 5.6م شخص تقريبًا يصابون سنويًا بفيروس نقص المناعة عن طريق الدم.
الكائنات المجهرية (فيروسات، بكتيريا، ميكروبات...) إذن كلها تتخذ من الدم مطية لها لإصابة الإنسان بأخطر الأمراض وأفتكها، إنها تجري منا مجرى الدم، ولنتذكر أيضا أن الشيطان يجري منا مجرى الدم في العروق.
الكائنات المجهرية أيضا كما الجن وجدت قبل الإنس بآلاف السنين: إذ تعتبر البكتيريا أقدم الكائنات الحية على الإطلاق، وهي الوحيدة التي حافظت على أشكالها كما خلقت منذ ملايير السنين... ففي سنة 1993 عثر ويليام شوف William Schopf، من جامعة لوس أنجلوس، على مستحاثات بكتيرية في صخرة أسترالية ترجع إلى 3،5 مليار سنة (2). ويؤكد علماء البراكين أن الجراثيم ظهرت، منذ حوالي 3،5 مليار سنة وهو عمر بداية الحياة على سطح الأرض. قال ريتشارد هوفر (من مركز مارشال بوكالة ناسا): "إن البكتيريا التي تسمى كارنوبكتيريوم بلايستوسينيوم كانت منتشرة على سطح كوكبنا في العصر البلايستوسين، وهو عصر الديناصورات المنقرضة".
********************
1- حديث صفية زوج النبي صلى الله عليه وسلم"إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شراً، أو شيئاً". وعرفنا أن جماعة من علماء وأئمة أهل السنة والجماعة منهم: القرطبي ، وابن تيمية ، وابن حجر الهيثمي ، والبقاعي ، وابن حجر العسقلاني ، استدلوا بهذا الحديث على قدرة الجن سلوك بدن الإنسان، وحكى النووي أن بعض علماء الشافعية استدلوا بالحديث على أن الله جعل للشيطان قوة وقدرة على الجري في باطن الإنسان وفي مجاري دمه .
2-مجلة من أجل العلم POUR LA SCIENCE عدد 275 سبتمبر 2000 "أين هم؟" يان كراوفورد. ص 24.
للحديث بقية
المفضلات