ربسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مقال أفتتاحي لمجلة حوليات العراق العلمية

تطوير الرعاية الصحيةِ في العراق
عبدالغني السامرائي
عميد كلية طب تكريت سابقا.
رئيس الاتحاد الدولي للعلماء العراقيين، رئيس المنتدى العلمي العراقي،
رئيس تحرير حوليات العر اق العلمية، محرر مشارك لمجلة التهاب الكبد ، محرر مشارك لمجلة بحوث الجراثيم، عضو هيئة تحرير المجلات ( مجلة طب الطوارىء والجروح والرعاية، مجلة الشرق الاوسط للطب الباطني، مجلة المايكروبات السريرية، المجلة العالمية لامراض الخمج، بي إم سي للامراض الجلدية، منتدى الطب، حوليات القدس الطبية، المجلة الطبية العلمية، امراض الخمج السريرية، بي ام سي لامراض الخمج، المجلة الافريقية لامراض التلوث، الحساسية والتحسس، مجلة الانترنيت لامراض الخمج، المجلة العالمية للتدريس والتعليم للدراسات العليا، مجلة الانترنيت للمايكروبات، مجلة الحساسية )

محمد شريف عبد الله، عميد كليَّة طبِ الأسنان، جامعة تكريت،
محرر حوليات العاق العلمية
تكريت، العراق

وثّقَ خبراءُ الرعاية الصحيةِ العراقيينِ من ان المِئاتِ مِنْ المرضى يموتون كُلّ سَنَة بسبب ِ فشل المستشفيات للإلتِزام بصورة صحيحة الى الإجراءاتِ القياسيةِ مِنْ العنايةِ الطبيةِ الآمنةِ والفعّالةِ. إنّ تحسينَ اداء المستشفى الروتينيِ يتضمن في أولوياته تقديم خدمات الرعاية الصحية الاولية. ان الرعاية الصحية العالية النوعية [فعّالة وآمنة، ومتمركزة على المريض ، وتقدم في الوقت المناسب، وكفوءة وعادلة] يَجِبُ أَنْ توفر لكُلّ السكان. لسوء الحظ، ان المعلومات المتوفرة من ما ينشر عن الوضع الصحي في العراق ومن ما يعلنه العاملون في المؤسسات الصحية ، من ان هناك مشكلة كبيرة وخطيرة في تقديم الخدمات الصحية في العراق. على سبيل المثال وليس الحصر : الجراحة الغير ضرورية: مثلا الأعدادِ المتزايدةِ مِنْ العمليات القيصريةِ بالوقتِ الحاضر؛ الأعداد المتزايدة لعمليات إستئصال الزائدة الدوديةِ (معظمهم يؤكد فحصها بعد ازالتها بانها َ طبيعيةَ). ؛ أستئصال اللوزتين ، زيادة تعقيدات العمليات والوفيات أثناء وبعد الجراحة، ؛ الإستعمال غير السليم للأدويةِ. ؛ عدم كفاءة برامج السيطرة على الامراض ، تزايد الامراض المزمنة مع مرور الوقت ، سوء الاداء السلوكي وغيرها الكثير.
كُلّ الامثلة اعلاه تحدث بسبب فقدان التعاون بين وزارة الصحة ونقابة الاطباء ، تلك العلاقة التي كانت موجودة ومبنية على اسس صحيحة بموجبها يتم توصيف دور كل منهما على الخدمات الصحية التي تقدم للمواطن.
وبالرغم من ذلك ، فعلى مستوى القطر يحاول جاهدا بَعْض الأطباءِ والجرّاحين لتُحسّنَ نوعيةَ العنايةِ بالمرضى خلال التغييراتِ السريريةِ والإداريةِ في عملياتِ العنايةِ. تَطوّرتْ ممارساتُ الرعاية الصحيةِ في العراق و لكن في الغالب عَلى نَحوٍ مبعثر. في السَنَوات الأخيرة، بدأ تغييرا عامليا وذلك با ن المقدمون لخدمات الرعاية الصحية بَدأوا اعتماد طرقَ جديدةَ، واعتماد خزين المعلومات لتوجيه برامج الرعاية الصحية وجعلها اكثر كفاءة وفعالية (1،2).
ان التحسين المتيز للخدمات يواجه مشاكلَ القضيةِ الأخلاقيةِ، لأن المحاولاتَ لتَحسين الرعاية الصحيةِ قَدْ يُسبّبُ أذى بشكل غير مقصود للمرضى، او ان يبدد مصادر الخدمات أَو يُؤثّرُ على بَعْض المرضى بشكل غير عادل. علاوة على ذلك، بَعْض النشاطاتِ التي تَستعملُ طرقا لتطوير النوعية تعتمد اجراء بحوث لتقييم كفاءتها وبذلك تستعمل المرضى كمادة للبحث. ومن هذا المنطلق تكون هذه البحوث تحت طاولة الحوار للسماح باعتماد المرضى كمادة من اجل تقييم كفاءة الخدمات المقدمة وتكون ايضا تحت سقف المتطلبات الاخلاقية والتنظيمية التي تحكم البحث وتقرر بعده الانساني (3). أن ربط التحسين للجودة بالخدمات الصحية باجراء البحوث فانه يؤدي الى تاخر تطوير هذه الخدمات زمنيا وكذلك فانه يزيد الكلفة ويخلق بيئة لتصادعات وحوارات كثيرة ، كلها في النتيجة تنعكس على صحة المجتمع. (4-7).
ان المنتدى العلمي العراقي قد كلف مجموعة من العلماء العراقيين لتحديد الكيفية التي بموجبها نتمن من تطوير نوعية الخدمات وخلق تحسين في الاداء النوعي لها بما يخلق توازنا بين التطوير وعدم تجاوز قواعد السلوك الطبي. ان اللجنة تظم اطباء يمتلكون القدرة القيادية واطباء لهم خبرة في قياس كفاءة الادوية واختصاصيين مهتمون بالسلوك الطبي. ان اللجنة ناقشت المحاور التالية:
• ماهو تعريف تحسين النوعية في الخدمات الصحية ؟
• هل ان الفعاليات التي تعتمد لتحسين نوعية الاداء في تقديم الخدمات الصحية يتطلب موافقم الجهات المسؤولة عن السلوك الطبي وموافقة المريض الخطية؟
• ما هي متطلبات السلوك الطبي التي يجب ان تعتمدها فعاليات تحسين الجودة للخدمات الطبية؟
• ما هي الاجراءات التي يجب تطبيقها لظمان السلوك الطبي القويم اثناء الممارسات الخاصة بتحسين الجودة ضمن عملية تطوير الخدمات الطبية المقدمة للمواطنين؟
تحسين الجودة يعرف على انه عمل منهجي يعتمد تامين الفعاليات وفق قاعدة معلومات تؤدي الى تطوير سريع في نوعية الخدمات الصحية لمجاميع معينة من المجتمع (8). ان تحسين الجودة هو المحور الاساسي للعناية السريرية الجيدة وفيها تعتمد البيانات التي يحصل عليها الاطباء السريريين اثناء اداءهم لعملهم الطبي بحيث تطور الخدمات التي يقدموها للمواطنين. ان تحسين الجودة يفترض ان النوعية والامان هما خاصيتان اساسيتان للنظام الصحي وطرق تقديم الخدمات الصحية والتي بدورها يمكنان العاملين في الرعاية الصحية لكَسْب البصيرةِ حول عِلاقاتِ النظام الصحي المعتمد ووظائفه (8). ان المنظمات والمؤسسات المسؤولة عن الاعتراف بالتعليم واعطاء شهادة الكفاءة للعاملين في تقديم الخدمات الصحية تلزم العاملين ان يكونوا مؤهلين لتحسين ممارساتهم وامكاناتهم الذاتية (9،10). ولكن ممارساتهم لتطوير انفسهم يجب ان لا تبتعد عن الاساسيات المعتمدة والمقبولة في علاج الامراض. مع مرور الزمن ، ان تحسين الجودة يغير بيئة العاملين في الوؤسسات المعنية بحيث كا من فيها يصبح ممتلكا للمهارات اللازمة التي يحتاجها.
من الطرق الناجعة لتحسين الجودة هو اجراء بحوث تقييمية للبرامج المصممة لتطبيق الممارسات القياسية للامان والعناية للمرضى الراقدين في المستشفيات (11). مثل هذه البحوث تحتوي على لغز اخلاقي ظاهر، ومن الصعوبة في اغلب الاحيان الحصول على الموافقة المبدئية من المريض على الاشتراك او عدم الاشتراك في هذه البحوث التقييمية وذلك لان هذا النوع من البحوث يتطلب تطبيقه على غالبية المرضى الراقدين في المستشفى والمؤهلين لللاشتراك بهكذا نوع من البحوث.(11). فلو افترضنا ان البحث يشمل المرضلى الراقدين في العناية المركزة و وحدة الطوارىء وردهة الطوارىء الجراحية ، ان المرضى في هذه الوحدات ليست لديهم الفرصة للادلاء برايهم ليقرروا المشاركة في البحث من عدمها او انه قد يكون غير قادر على اعطاء الرأي بالموافقة على المشاركة في البحث.
ان السؤال الذي يطرح نفسه هل انه اجراء هكذا بحوث مقبول سلوكيا دون اخذ موافقة المريض؟
ان الموافقة المبدئية (المطلعة) تعني حماية الناس من التعرض لاخطار البحوث فيما لو وافقوا على الاشتراك فيها ام لم يوافقوا وهايضا احترام لقرار الناس في هذا الموضوع. في وحدات المستشفى اعلاه كل المداخلات الخاصة بتحسين الجودة هي تجريبية ولا تؤدي الى زيادة حدوث الخمج. يضاف لذلك، في وحدات المستشفى هذه ، ان التداخلات التي تخص تحسين النوعية يمكن ان تمارس بدون بحث، وفي هذه الحالة فان الموافقة العامة من المريض او عائلته على تعاطي العلاج لمرضه يمكن ان يكون الغطاء الذي تجرى تحته هذه الفعاليات. ووفقا لذلك لا توجد ارضية اخلاقية او سببية تسمح للمريض لان يقوم برفض المشاركة بمثل هذه الدراسات.
ان متطلبات السلوك (12) التي من خلالها يتم حماية المشترك في فعاليات تحسين الجودة هي:
1- القيمة الإجتماعية أَو العلمية.
2- الصلاحية العلمية للبحث.
3- الاختيار الصحيح للمرضى المشاركين في الدراسة.
4- التوازن الصحيح والعلمي بين الفائدة المتوخاة وخطر تطبيق هكذا علاج.
5- الاحترام للمشاركين بالدراسة.
6- الموافقة المبدئية للمريض او عائلته للمشاركة.
7- المراجعة المستقلة.
ان الخصائص التي تعتمد في بناءِ التعليماتِ لتَصنيف نشاطاتِ تحسين الجودة والتي تتداخل مع اجراء بحوث على الانسان (8) هي :
1- إختبار القضايا الذي تَتجاوزُ المعرفةَ الحاليةَ مستندة على عِلْمِ وتجربةِ، مثل المعالجةِ الجديدةِ.
2- التوزيع العشوائي للمرضى إلى مجموعاتِ التدخّلِ المختلفةِ لتَحسين الثقةِ في الإختلافاتِ التي قَدْ تُحْجَبُ بالإختيارِ غيرِ العشوائيِ.
3- وجود تعمد مقصود او ان تكون المعلومات الاسترجاعية غير مجدية والتي تم الحصول عليها من خلال متبعة اجراء التغييرات وبالاخص عندما تجرى هذه لمنع حدوث تحيز في تفسير البيانات.
4- الابتعاد من ان يكون فريق البحث اعضاء ليست لديهم الخبرة لاعطاء راي واضح بالموضوع مثار الدراسة حتى لو كان ضمن فريق البحث اعضاء اخرين يمتلكون مكانة علمية جيدة.
5- الابتعاد من ان يكون التمويل والضمان المالي من اطراف خارج الوسط الطبي او القائمين عليه لكي يتم ضمان ان تكون الاستنتاجات واقعية وحقيقية . مثال على ذلك استلام تمويل من شركة ترغب بتقييم الكفاءة العلاجية لمنتوجها.
إنّ التوصياتَ العالميةَ لتَطبيق المسؤوليةِ للتصرّفِ الأخلاقيِ في نشاطات تحسين الجودة يمكن تلخيصها كالاتي (13،14).
1- توضيح (توصيف) المسؤوليةَ المحترفةً والتنظيميةَ لتحسين الجودة.
2- توصيف مسؤولية المريض بنشاطات تحسين الجودة.
3- عمل ارشادات للطرق المعتمدة في تحسين الجودة وكيفية نشر نتائجها.
4- وضع نماذجَ جديدةَ مِنْ الإدارةِ الداخليةِ والإشرافِ لفعاليات تحسين الجودة . وكذلك المشاريع التي تتداخل بها فعاليات تحسين الجودة مع الانسان.
5- تطوير وتوسيع المسؤولية الخارجية لتحسين الجودة.
بعد هذا العرض البسيط فان الاجراءات التي يمكن من خلالها تحسين الوضع الصحي في العراق ، ولو كخطوة اولى يمكن ان تكون:
1- على كل طبيب ان يقدم الخدمات الصحية التي يحددها اختصاصه وان لا يتصرف بنظرة طبيب الحاسوب او عمل ميكانيكي السيارات الذي يتخيل بانه يعرف كل شىء.
2- السيطرة العلمية والادارية والسلوكية على خدمات الرعاية الصحية في القطاع الخاص.... حيث ان غالبيتها خارج الضوابط سواءا علميا او سلوكيا.
3- أجراء دراسات تقويمية لبرامج الخدمات الصحية المصممة لتطبيق الممارسات القياسية للامان والعناية بالمرضى. على الاقل تطبيقه على المرضى الراقدين في المستشفى كمرحلة اولى.
4- تشكيل لجنة لحماية المشتركين في بحوث الرعاية الصحية في كل محافظة . هذه اللجنة يجب ان تتكون من شخصيات علمية اكاديمية ، ممثل من نقابة الاطباء، ممثل من المجتمع، واختصاصيين في الطب الباطني ، طب الاطفال، النسائية، الجراحة، طب الاسنان، الصيدلة، الادوية السريري، طب المجتمع. هذه اللجنة تتولى الاشراف على البحوث التي تجرى على الانسان لضمان حمايته من المؤثرات الجانبية.
5- تشكيل مجلس في كل مؤسسة تتعامل باجراء بحوث طبية او لها علاقة بحياة الانسان. هذا المجلس يجب ان يشكل كمرحلة اولى في كل كلية وفي كل دائرة صحة وان يكون اعضاءه من حملة الدكتوراه او ما يعادلها.
6- وضع واجراء بحوث تقييمية من قبل اختصاصيين محايدين غرضها تقييم نعوعية الخدمات المقدمة في كل محافظة . وهذه تكون ضمن مسؤولية المحافظ لكي نظمن استقلالية التقييم وموضوعيته.
7- تنشيط الاجتماع الجراحي الاسبوعي.
8- تنشيط الاجتماع الدوري لمناقشة حالات الفاة في المستشفى.
9- عقد اجتماع اسبوعي لمناقشة المؤثرات الجانبية للعلاجات ومعدل حدوث الخمج في كافة ردهات ووحدات المستشفى وبالاخص صالات العمليات.
10- تطوير المخدرين علميا سواء عن طلريق الدورات المنظمة او الحاقهم بالدراسات العليا.
11- التمسك بتعليمات الاخلاق الطبية .
12- تقديم خدمات صحية وعلاجات وفق التعليمات والضوابط لعلاج كل حالة مرضية وليس اعطاء ادوية لغرض ازالة الاعراض المرضية دون مراعاة المؤثرات الجانبية الخطرة لها.
13- اعطاء دور اكبر لنقابة الاطباء في عملية الاشراف على الممارسات الطبية وبالاخص بالقطاع الخاص . وان يوضع لها سقف قانوني بحيث تكون اجراءاتها وقراراتها ملزمة للاطباء والدوائر ذات العلاقة.
14- ايجاد ارضية لثقافة التخصص العام والدقيق في المجتمع على مستوى المافظات والقطر.
15- نقابة الاطباء يجب ان تفعل كهيئة مهنية وليست منظمة سياسية او اجتماعية.


المصادر متوفرة عند الطلب