المرحلة الاولى


المرحلة الاولى


المرحلة الاولى


المرحلة الاولى

من
المحاور المقامية

2008






محاور في المقام العراقي

دراسة بحثية متسلسلة لمحاور تخص شأن
غناء وموسقى المقام العراقي

يـكـتبها في حلقات

مطرب المقام العراقي
حسين اسماعيل الاعظمي
















الاردن / عمـَّان
2008 نيسان April







اليكم أعزتي القراء في الصفحات التالية
المحور رقم (4) بجزء واحد ، من المرحلة الاولى ، مذكــِّراً ، في حال فقدان أية حلقة من حلقات المحور رقم (1) بأجزائه الخمسة والمحاور الاخرى التي تم نشرها في الايام القليلة الماضية ، أن تكتبوا إليَّ لأرسلها إليكم

وهذا هو المحور
رقم (4)

Hussain_alaadhamy@yahoo.com

00962795820112







المحور رقم

(4)

********

1 - التصميم وروابط الاداء
2 - مهارات فنية
3 - الطابع الفكري والحسّي

(1)

التصميم وروابط الاداء(17)

يفيدنا الكتاب والنقاد الموسيقيون ، كذلك المثقفون من المهتمين بشؤون المقام العراقي ، بملاحظاتهم التي تنشر في الصحف أو المجلات أو الكتب … بوجهات نظر ثمينة تتعلق بمواضيع التوافق الادائي في الغناء وعملية البناء اللحني وصياغته وحبكته ، وعن الطرق التي يتبعونها في الغناء ، والانسيابية والتلائم في الاسترسال اللحني ، بصورة أكثر عمومية ، عن صعوباتها وما يتعلق بالتصميم أو الهيكل المقامي التقليدي بصورة عامة ..
إن تطبيق عملية التصميم في بناء الهيكل اللــــحني في أداء المقام العراقي ، التي تعتمد على الربط فيما بين عناصر ومكونات المقام العراقي وعلاقاتها مع بعضها خلال عملية الأداء ، تتعلق بعملية أكثر عمومية يمارسها المؤدي ، منها التقطيع ، ومن ثم تنسيق المواد الاولية ، أي تنسيق الـجمل اللحنية ، وهو أمر موكول الى مهارة كل مؤد .. وان توزيع هذه العناصر على على مجرى المقام وإحداث الـــــتوازن بين الأجناس الموسيقية(18) " انظر شكل (1) وشكل (2) " المختلفة والكلام والتكرار الشعري واللحني والتناوب ، كل هذه الامور تعتمد على العلاقة الضمنية الصريحة التي يقيمها المؤدي بين مادة غنائه والسامع ، عندها يستطيع المؤدي أن يؤدي على هواه ، ويبقى الجمهور صامتاً مستمعاً ، فهناك إذن تفاهم ضمني بين المؤدي والسامع ..




شكل رقم (1)




شكل رقم (2)
لابد إذن ، من أن المغني عندما يقدم نتاجه الغنائي للجمهور أن يكون هناك جمهور صاغ لعمله الغنائي ، وإلا لماذا هذا النتاج ..!!؟
ما يحدث بصورة عامة في الأداء عند المؤدي هو أن تتخذ العاطفة والخيال مركزاً لإنطلاقها وإشعاعها ، وبعكس هذه الحالة التي نتأملها ، لا يكون هذا الينبوع العاطفي في المقام أو في الغناء عموماً ، بل في المؤدي باعتباره يدعم حصيلته بدون أن يتطابق مع خيالاته … أما إذا أراد المؤدي أن يكون حاضراً في غنائه ومتفاعلاً مع مستمعيه فإن أبسط الطرق وأكثرها شمولاً هي أن يعبـِّر عن نفسه وخلجاته وهمومه ومشاكله الذاتية .. باعتباره فرداً بين أفراد ، والأفراد هم المجتمع ، المستمع الواعي الطروب ، ذو المشاعر الجياشة ، يتحد أفراده ، على أن مشاكلهم متقاربة وهمومهم ومعاناتهم وما يحسُّون به تكاد تكون موحدة … فاذا ما أحسَّ المؤدي وإستشعر بشجن واضح مؤثر مشاكله وهمومه ، فبالتأكيد سيحسُّ به الجميع ويتفاعل معه الكل وستكون حتماً الدموع واحدة فرحاً أو حزناً . عندها يضمن لنفسـه مكانـاً رمزيـاً يستطيع أن يرى فيه كل مكونات مادته الغنائية ، ومن ثم السيطرة على مقاليد الامور الفنية ، لأن الذات في حقيقة الأمر هي موضوع الأداء ..
إن الغرض الاول من الفن والمهارة في الاداء الغنائي هو تنظيم وتهذيب النفس والمشاعر ، والاسلوب هنا له مكانة مهمة بل خطيرة ، وبه أيضاً خلاص الحصيلة الغنائية ، إذن لابد أن نكون شديدي الإحساس بالعملية الفنية والاعتبارات البنائية الغناسيقية في الاداء المقامي ، التي يجب على الأقل ، أن نتقنها كأصول تقليدية غنائية في المقام العراقي ومن ثم التعبير من خلالها .. وهي صفة مميزة نستطيع بواسطتها أن نعيـِّن حدود الموهبة الادائية وميزاتها في نواحي اخرى أولها الابداع والتطوير .
يترتب على هذه النظرة ، من حيث المبدأ ، انه ليس فرضاً على المؤدي أن ينشد الاعمال أو المقامات الكبيرة من أجلها هي ذاتها ، لأنه في الحقيقة يجب أن لا يركز على حجم العمل الغنائي أو على حجم المقام إن كان رئيسياً أو فرعياً ، وإنما على الاداء ودقته وصياغته البنائية والديناميكية ..
(2)
مهارات فنية
إن الوعي الادائي للمقام العراقي ، كبير المسؤولية ودقيق الادراك ، وقد عبَّر عنه محمد القبانجي ومن هم أمثاله في المستوى ، تعبيراً مصيباً ، ونقطة الخلاف الكبرى بين القبانجي ومعاصريه ، وعيه الناضج بعلاقة المؤدي بالسامع وتماسكهما ، خلاف ما كان عدد كبير من معاصريه يروْن أن المهم هو تطبيق الاصول التقليدية في أداء المقام العراقي حتى لو إحتاج الأمر الى عدم إصغاء المستمع إليهم ..!!!؟
يتناظر هذا الحديث بمعظم جوانبه على المطرب الشهير ناظم الغزالي الذي لم يكن الحكم على منزلته في الاداء المقامي من قبل الجماهير حكماً عادلاً دائماً …! فهو في نظرهم لم يكن مقامياً (مقامجيا) محنكاً بالرغم من أدائه لمجموعة جيدة من المقامات العراقية .. والتي أداها بشكل مثير ساعد على أحداث تطور كبير في فن الاداء المقامي من الناحية الفنية والجمالية … وقد نجـــــح فيها بشكل ملحوظ …
على كل حال ، فإن الفنانة سليمة مراد التي أصبحت زوجته الأكبر سنَّـاً منه والأكثر خبرة والأبعد تاريخاً فنياً ، كانت ولاشك تتفق مع ما توصل إليه من فن ، ربما كانت ، وهذا أرجح الظن ، المشجع الكبير له …
رغم رحلات سليمة وكذلك ناظم ، خارج حدود الوطن ، فإنها كانت مدركة وربما أكثر إدراكاً من الغزالي ، لواقع المجتمع العراقي ومتطلباته الجمالية ، أما أن ناظم الغزالي أخذ الكثير عنها فهذا أمر وارد ومحتمل ، بيد أن ناظم الغزالي لم يكن تلميذاً لها ، وإنما كان فناناً مستقلاً !؟ عالج فنه باجتهاده ، إذ كانت الفنانة سليمة لها ميدانها الخاص ، والشبه الواضح بينهما ، هو إشتراكهما في ميزة غناء الاغاني (البستات)(19) وبعض المقامات ، وحرصهما الدائم على تقديم التراث العراقي بشكل عصري(20) متطور .. وقد إستدعى بينهما هذا ، معرفة بالمقاييس الادائية ، التي كانت سليمة قد فهمتها بوضوح أسبق كونها أكبر سنَّـاً وأكثر تجربة ، بيدَ أن ناظم الغزالي كان قد فهمها بوضوح أكبر .. وهذا يعني بأن أداء سليمة مراد هو أداء معاصر ملائم لروح عصرها ، وان تسجيلاتها الغنائية شاهدة على مدى نجاح أدائها الغنائي ..
أما مطربنا الفنان ناظم الغزلي ، فإنه فنان ذكي وناجح الى حد كبير ، ولما كان كذلك ، فإنه لابد له من أن يذكرنا وفي مناسبات عديدة بقيمة المقاييس الادائية للغناء المقامي والتي أسبغ عليها الغزالي تفسيراً أقرب الى العبقرية(21) .. وبذلك يكون الغزالي المعبـِّر الحقيقي والمعبر الاصدق عن وجهة النظر المعاصرة والمستقبلية … ونحن نلمس الناحية العاطفية في الاداء الغنائي المقامي لنتائج هذه المقاييس .
بلا ريب ، ان ناظم الغزالي وسليمة مراد كانا قد إمتازا بغنائهما للبستات التراثية إضافة الى أغانيهما الملحنة(22) ، هذا المنحى ، كوَّن تصوراً لدى الجمهور ، بأنهما متخصصان بالأغاني والبستات دون المقام العراقي ، وبسبب الشهرة الهائلة التـي يتمتع بها الغزالي ، فقد أخذ هذا التصور طريقه الى الجماهير سريعاً ، عندها بقيت الجماهير والى الآن لا تنظر الى ناظم على أنه مؤد للمقام أو كما يقال باللهجة العامية المتداولة ليس ( مقامجي ) بل أطلقت الجماهير عليه كلمة ( بستجي ) أي أنه يغني البستات وليس أهلاً لغناء المقامات .. وهذا الكلام أو هذا التصور الجماهيري حول فن الغزالي ، فيه إجحاف لا يستحقه لأنه كان بارعاً في غناء البستة والاغنية وبارعاً كذلك في غنائه للمقامات التي أداها على قلتها …
لا اريدك عزيزي القارئ بكثرة الحديث والتعليق على هذا الموضوع على أنه كلام فقط ، بل أدعوك الى سماع ناظم الغزالي في مقاماته ، مثل مقام الصبا وقصيدة سمراء من قوم عيسى وكذلك مقام المخالف ومقام المدمي ومقام الحويزاوي الذي إختار له قصيدة البهاء زهير التي مطلعها :
(وقائله لما اردت وداعـــها / حبيبي احقا انت بالبين فاجعي)
وكذلك مقاماته الاخرى(23) .. لتطلع بنفسك على مدى نجاحه الفني في اسلوب غنائه المقامي المغاير لأساليب جميع مؤدي المقام العراقي .. وبالرغم من أن المقامات التي أداها كانت معظمها مقامات فرعية ، بيد أنني لا أعتقد أن هذا مهمَّاً بقدر أهمية كيف أداها . ولابد لي هنا من قول كلمة الحق محاولاً فيها أن أساهم في وضع الامور في نصابها وإعطاء الحق الى مستحقه … ذلك أن الجماهير المحبة للمقام إعترضت على مقامات ناظم الغزالي ، وعابت عليه أداءها والتزمت في منظورها جانب العرض الاصولي التقليدي والتعابير الفنية القديمة ، وطالبت به بالرغم من كل مخلفاته الادائية ، وقد أغفلت وتغافلت غيرة وحسداّ وبكل تعصب ووقاحة وجهالة ، الجانب الفني للاداء المقامي المعاصر الذي إمتاز به الغزالي ، وطالبت وبقيت تطالب بكل جهالة وتجاهل بالرجوع الى الطرق البدائية المتخلفة في كثير من جوانب الأداء المقامي والبقاء على شكله ومضمونه القديم الذي أصبح لا يلائم جماليات العصر الراهن ..!
إضافة الى ذلك أقول .. إثباتا لما سبق ، أن المقامات التي أداها ناظم الغزالي ، على قلـَّتـِها وعلى حجمها المقامي ، هي في الحقيقة أفضل بكثير من حيث الاداء الفني والجمالي المعاصر ، من جميع المؤدين الذين قاموا بتأدية نفس هذه المقامات ، وما عليك عزيزي القارئ إلا أن تستمع الى هذه المقامات الغزالية وتقارنها بنظيراتها بأصوات المؤدين الذين أدوا تلك المقامات ، عندها ستكتشف وتطلع على مدى الابداع الفني للعملية الادائية التي أنجزها الغزالي ..
بعد كل هذا ، كيف لا يكون الغزالي ( مقامجياً او مقامياً ) ..!!؟ لقد كرس الغزالي جهوده الفنية في إبراز الروح البغدادية في الاداء المقامي في أبهى صورها …
(3)
الطابع الفكري والحسّي
من جانب آخر فإنه من الناحية الإستاتيكية ، يعتمد الاداء على تصميم داخلي معقد ينطوي بناؤه أدائياً وفكرياً على معان مختلفة تنبثق من روابط المكونات بعضها ببعض للحصول في نهاية الأمر على الوحدة المتماسكة المكتملة في عملية النتاج الفني للاداء.
أرى أن الاهتمام يجب أن ينصب بصورة رئيسية على الطابع الفكري والحسِّي مجتمعيـْن ، في عملية البناء هذه … لأنها تحتوي على مدلول إستاتيكي يعمل على تنمية معنى العمل الفني عموماً ، الذي ينبعث من داخل الاداء وكذلك ، يعمل على تنمية الروابط المثبتة التي تربط النتاج هذا بالمتلقي ، والتعبير عن أحاسيسه .. ولهذا يصبح من الحاجة بمكان الحديث عن القوة الكبيرة الكامنة في الاداء بكل مقوماتها ومدلولاتها الديناميكية .. لأن غايتنا الاساسية هي النجاح بالعمل بكل أبعاده الفنية والعلمية والاستاتيكية .. الخ .
كلما تماسك وتعاظم شأن الاسلوب وقيمته الجمالية ، إزدادت القوى الداخلية الكامنة التي ينطوي عليها الاداء ، الذي لا يخلق الخيال فحسب ، وإنما محور الاداء برمته فنياً.. فلا بد إذن ، أن تتكون وتقوى العلاقات المتبادلة الفعالة بين الفنان في عمله وبين نتاجه الفني .. وللأسف لا زال المحتوى الادائي للمقامات نفسه لم يطرأ عليه تغيير ولا إضافة ، أما الاسلوب فمغاير ولا يعبِّر بدقة عن محتوى الاداء المقامي ، وبهذا فإن المحتوى هذا مختلف رغم أنه يقول الشيء نفسه ..
لا يجوز لنا على الاطلاق أن نمنع أي مؤدٍ للمقامات في أن ينتقل بالاداء الى التجديد والتحديث أو الخوض في مسألة المشاعر والاحاسيس التي يحتاجها المتلقي والتي يحاول المؤدي أن يعبـِّر عنها بأسلوبه الخاص في صورها وأفكارها ، وإن عدم إتاحة هذه الفرصة للمؤدي يجعل الحديث عن الاداء المقامي ودراسة وتحليل وحدة شكله ومضمونه دون جدوى .. هذه هي المهام التي تقع على عاتق المؤدي للحصول على عمل فني ناجح بكل المقومات المطلوبة فنياً وعلمياً وجمالياً لنصل الى أمتن الروابط بين مكوناته ليتجلى لنا ذلك الايقاع الحسي ّ ، وتلك القيمة الشاعرية اللتان تظهران في النتاج بعد إكتماله ..
من ناحية اخرى ، وفي غضون المناقشات الراهنة في القرن العشرين على وجه العموم ومن خلال المؤتمرات والندوات وإلقاء المحاضرات أو المقالات الصحفية حول الاداء المقامي والتهجمات التي تعرض لها بإعتباره مادة غناسيقية تراثية قديمة إنتهى مفعولها حسب ما يزعمون أو يتصورون ، بيدَ أن الحقيقة عكس ذلك تماماً ، إذ أكد العلماء الفلكلوريون(24) والانـــــــثروبولوجيون(25) والاثنولوجيون(26) وكل المدارس الفكرية السوسيولوجية(27) ، بأن الظواهر التراثية الاصيلة بكل نواحيها قد يصيبها الركود والانحسار نسبة للظروف الثقافية ، ولكنها لا تموت ولا تنتهي من خلال الافراد ، لأنها وليدة الجماعة ، وما دامت الجماعة التي تعبـِّر عن هذه الظواهر قائمة وموجودة منذ أن نشأت واستمرت الى يوم الناس هذا ، فإن بقاء كل الظواهر التراثية أكيد ، وما فترات التطور التي تحصل للتراث وظواهره إلا دلالات جديدة ومحاولات لملائمتها لروح العصر ، لذلك فقد كان الاداء المقامي شأنه في ذلك شأن كل عناصر ومواد التراث ، يخضع لهذه التطورات والتجديدات من خلال إبداعات المؤدين وأفكارهم وثـقافتهم..