المرحلة الاولى


المرحلة الاولى


المرحلة الاولى


المرحلة الاولى

من
المحاور المقامية

2008






محاور في المقام العراقي

دراسة بحثية متسلسلة لمحاور تخص شأن
غناء وموسقى المقام العراقي

يـكـتبها في حلقات

مطرب المقام العراقي
حسين اسماعيل الاعظمي
















الاردن / عمـَّان
2008 نيسان April







اليكم أعزتي القراء في الصفحات التالية
المحور رقم (6) بجزء واحد ، من المرحلة الاولى ، مذكــِّراً ، في حال فقدان أية حلقة من حلقات المحور رقم (1) بأجزائه الخمسة والمحاور الاخرى التي تم نشرها في الايام القليلة الماضية ، أن تكتبوا إليَّ لأرسلها إليكم

وهذا هو المحور
رقم (6)

Hussain_alaadhamy@yahoo.com

00962795820112







المحور رقم

(6)

**********

1 - الهدف الاخلاقي
2 – التقليد في الفن
3 – كيف نتعامل مع التراث

(1)
الهدف الاخلاقي
إن الابتعاد عن الهدف الفني والاخلاقي والتربوي والارشادي في الاداء المقامي ، ومجرد الاهتمام بجماليته لغرض إحداث المتعة لدى السامع ، إنما هو فن أدائي يخدّر العواطف ، ويبلـّد التفكير … وليس معنى هذا دعوة لإهمال الجمال والمتعة في الغناء ، حيث لا إثارة بدونهما ، بل لابد من موازنة حكيمة تتوزع فيها حقوق التفصيلات مجتمعة داخل العمل الفني ، ويمكن للفنان الموهوب الذي يستطيع أن يبث رسالته الفنية التربوية والاخـــــلاقية في تصوير جمالي ممتع ، أن يعبر عن عمق مفهوم الجمالية في الفن ، حيث تكمن في روح الفنان الذي يبثها في تعابيره …
إن الجمالية تولد الامتاع ، ولا شك أن الاخير ضروري في العمل الفني لجدوى الهدف وضمان تقبله وتأثيره وايصاله للمجتمع ..
للأهمية البالغة لهذا الجانب التربوي في الموسيقى ، فقد شوه المستعمرون تراثنا وروجوا لابتذاله وشجعوا على تهجينه ، وهيأوا المجال واسعاً لتعاطي الفن الغنائي والموسيقى خاصة ، في أجواء أغراضها المجون والابتذال واللهو ، حتى أصبحت الموسيقى والغناء من الاشياء التي تعافها الاذواق والمجتمع ويستهجنها المحافظون من الناس ، ليصبح الفن بعدئذ إمتهاناً يدخله المدعّون أو أصحاب مبدأ الفن للمعيشة .. وعليه فقد أصبح الأمر ، أن تخلى الفن في بعض فتراته عن مبادئه وسموه ، وتأثرت سلباً مضامينه الخلقية والتربوية ، وخضع الناس الى توجه جديد في التذوق الموسيقي ، ومضت جماليتهم في هذا المسار المشوه .
بنظرة بسيطة الى الكثير من النتاجات الغنائية العربية المسجلة منذ بداية هذا القرن العشرين ، نستطيع أن ندرك مدى التشويه والتخريب الذي سعى إليه الاستعمار بكل قواه الاعلامية في نشر هذه الاجواء الجمالية والمعبرة عن المجون واللهو والتخدير ، ومن ثم تقويض جماليات السمو الرباني للفن في التعبير عن الاهداف والمضامين التربوية والاخلاقية ..
إن الفن في خدمة المجتمع ثقافياً وتربوياً وجمالياً ، ولابد من محاولة إعادة الامور الى نصابها ، وتذكير المجتمع الذي أصبحت نظرته الى الفنان نظرة سخرية وإنتقاص ، الى التفريق بين الفنان الحقيقي الذي يفهم مهمته ، وبين الفنان الممتهن للفن الذي لا يهمه سوى العيش والمجون مهما كانت النتائج ، إنه صراع بين الخير والشر أيضاً . فلابد إذن من إحترام الفنان الذي يتفانى في التضحية في سبيل إعلاء شأن مبادئ الفن الخلقية ، متجاوزاً كل المغريات التي تحاول أن تخـرب فكره وأفكار المجتمع ، وتذكير آخر للجمهور الكريم أن يعي هذه المدلولات ، فالفن من أعظم ما وهبه الله سبحانه وتعالى في حياتنا الانسانية .

(2)
التقليد في الفن
لا يجب الثقة بالمؤدين الذين يمتدحون أنفسهم ، وهذه الثقة يمكن أن تكون إيجابية أو سلبية في مردودها بشكل عام ، فهي إيجابية اذا كانت موضوعية ومنطقية تهدف الى توضيح الخطأ من الصواب أحتراماً للنقد والنقد الذاتي ، وسلبية اذا كانت عمياء في توضيحاتها ، لا ترى غير المديح الذاتي غير المنطقي ، لذا فإن الذاتية النافعة تبرز في المجتمع والفن والنقد لإظهار الجيد من عدمه ..
لا يوجد الكثير في أداء كثير من مؤدي المقام العراقي ممن إستسلموا بتقليدهم الاعمى وركاكة أدائهم ، مما يمكن الحديث عن إمكانياتهم الفنية في غناء المقام العراقي ، إن أداءهم مجرد أمر عادي ، لا يضيف شيئاً لمسيرة الغناء المقامي ، وبالنتيجة ، لا يمتلكون وسائل الاقناع الجماهيري ، وهناك أسماء عديدة لمؤدين مرَّوا مرور الكرام دون ترك أي أثر فني لهم .. بيدَ أن هناك زاوية إيجابية يمكن أن نسجلها لهم ، حيث يمتلكون أصالة(33) الاداء المقامي من حيث إتباعهم المسارات اللحنية بأصولها التقليدية وتعابيرهم البغدادية رغم حاجة هذا الاداء للكثير من متطلبات العمل الفني الناجح ..
إن المقلد لا يعتبر فناناً بمعنى الكلمة ..! لأن فنه وطريقته ليسا ملكه ، وانه نسخة معادة للنسخة الاصلية التي يقلدها .. وفي هذا الصدد يقول شنايدر في حديثه عن الفنان المقلد :
نحن غير معنيون بالجماعات التالية الذين يدعونهم فنانين :
1. الفنان بالنيابة
2. الفنان التجاري
3. الفنان المقلد العصابي(34)
4 . فناني عبادة الفرد التي تحوم حول الفنانين الحقيقين المشهورين وتقليدهم بشكل ببغاوي.
5 . ضحايا الامراض النفسية والعصابية الذين يتحدثون عن العشق والفجور لا عن الحرية.
إن الفنانين بالنيابة والمقلدين والمجانين قد ينتجون أحياناً عملاً فنياً مبدعاً إلا أن ذلك إستثناء من القاعدة(35).
إذن لا وجود لفنان دون موهبة ، وإبداع دون فكر ..! لذا فإن خارطة مؤدي المقامات العراقية حوت على الكثير من الاسماء التي إختفت ولم تترك أثراً يذكر..
إن العديد من أساليب الاداء التي يؤديها المؤدون المقلدون بالطبع ما هي إلا مجرد أصداء ربما غير دقيقة لأساليب مشابهة تعود لفنانين مشاهير ، كما أن الصيغة الاحترافية في الاداء تبدو غائبة عندهم ولا وجود للاستاذية في تجاربهم ، ولا توجد تفاصيل أدائية في المقام الواحد تقوي فيه عنصري التكنيك(36) والتكتيك(37) للاداء أو أي تعبير جمالي يلائم روح العصر ، وفي المقابل نرى ونلاحظ أن أداء مشاهير الغناء البغدادي يتصلون بالتدريج بالحاضر بتفاعل جماهيري كما يتصل حاضرهم بالمستقبل ، وعلى هذا نرى أن كل مؤدِ مقامي مشهور تقريباً ، هو مبدع في طريقة أدائه واسلوبه الخاص ، إلا أن هذا الانفراد يتطور حتمياً لينظم الى روح الاداء والتعبير الحقيقي للمقام العراقي.
إن الاداء الغنائي للمقامات من مراحل العقود الاولى من القرن العشرين حتى بعد منتصفه ، والمقبول رغم مستواه المتذبذب ، ما هو إلا ردود أفعال حقيقية لواقع مستوى البيئة من جميع نواحي الحياة .

(3)
كيف نتعامل مع التراث
إن قضية التعامل مع المادة التراثية الغناسيقية كفن له اصول وقواعد أدائية تقليدية واستلهامه في إطار الابداع الغناسيقي وفي المقامات العراقية خاصة . من القضايا التي إهتم بها المثقفون العراقيون ، وكذلك لاقت إهتمام آخر من لدن المثقفين العرب ، والمتخصصين منهم بالتراث الغناسيقي على وجه الدقة ، ناقدين أو ممارسين لعملية الغناء أوالعزف ، ولا غرابة في ذلك اذا وعينا وانتبهنا لما يحدث لحالات الاغتراب والاستلاب من خلال التيارات الفنية الوافدة من الخارج ، التي ما إنفكت تحاول إحداث فجوة كبيرة بين ماضينا وحاضرنا … متمثلة في التنافر الموجود بين التراث الذي بني في ماضينا وبين واقع الحياة الثقافية التي نعيشها اليوم . لذلك نرى كثيراً ما ينظر الى التراث بإعتباره وحدة متكاملة تنتمي الى عصر سابق وماضي قد إنتهى ..! يستساغ من البعض وينفر منه البعض الآخر..! وفي الحالتين تكون الرؤية للماضي أو الحاضر أحدى صور الصمت والسكون ، في الوقت الذي يجب أن تكون القضية تتعلق بالمدى التاريخي والاجتماعي للتراث وارتباطه بالحاضر والمستقبل بكل ظاهرة من ظواهر السلوك التراثي .
إن قضية تعاملنا مع التراث ينبغي أن تحدث سريعاً ، فلا مجال لوقت نضيعه ، ولا مجال للتردد ، وهذه بعض الحالات .
1. يمكن أن نظهر قوة الحبكة والتماسك لدى المؤدين السابقين وانطلاقنا من الماضي بتعابيره بمنظار فني يسعى لابراز مظاهر الاجادة عند القدماء ، ولكن هذه المحاولة يجب أن تكون آنية والاستفادة منها كمرحلة تطورية لدى المؤدين الشباب الجدد ، لأن الاستمرار على منوالها ما هو إلا شكل من اشكال التعويض عن حالة الشعور بالنقص والعجز عن مواجهة الحاضر مواجهة فاعلة ، والامثلة على ذلك كل المؤدين المقلدين الذين لم يستطيعوا التعبير عن ذاتهم الخاصة.
2. يمكن أن نؤدي مقاماً ما بكامل قواعده واصوله التقليدية ولا نمس عناصره ، على أن يكون أداؤنا لهذا المقام بأسلوب تعبيري يلائم مشاعر وأذواق العصر ، ورغم أن هذه المحاولة لا إضافة فيها سوى التعبير الجمالي وملائمة الاذواق ، ولكننا نكون قد أكدنا في هذه المحاولة على الناحية التاريخية لتراث المقام العراقي ومثال ذلك أسلوب غناء المطرب يوسف عمر .
3. يمكن لنا أيضاً إعداد أحد المقامات الفرعية مثلاً والتي تمتاز بحرية الاداء ، إعداداً أدائياً نستطيع من خلاله تقديم وتأخير بعض الاصول المتبعة كالعناصر المكونة للمقام أو القطع أو الاوصال الموجودة في المقام أو إضافة حركات أدائية ربما جديدة وهكذا . مع التأكيد على الاسلوب التعبيري الجمالي الملائم لذوق المتلقي والامثلة على ذلك المؤدون الابداعيون.
4. يمكن لنا أن ننطلق من التعابير المقامية الاصيلة ونبني ألحاناً غنائية هي في الحقيقة من صلب تراثنا الغنائي بإعتباره رصيداً ثقافياً يضمن مراجع مشتركة بين المؤدي والمتلقي .. لتصبح أغنيتنا الجديدة تمتلك مقومات الشخصية التعبيرية العراقية سواء الاغنية المقامية أو الريفية أو البدوية أو .. أو .. الخ. والامثلة على هذا معظم أغانينا التي ظهرت في العقود الاولى من القرن العشرين الملحنة ولا تزال ، أي النتاجات العقلية .