المرحلة الاولى


المرحلة الاولى


المرحلة الاولى


المرحلة الاولى

من
المحاور المقامية

2008






محاور في المقام العراقي

دراسة بحثية متسلسلة لمحاور تخص شأن
غناء وموسقى المقام العراقي

يـكـتبها في حلقات

مطرب المقام العراقي
حسين اسماعيل الاعظمي
















الاردن / عمـَّان
2008 نيسان April







اليكم أعزتي القراء في الصفحات التالية
المحور رقم (8) بجزء واحد ، من المرحلة الاولى ، مذكــِّراً ، في حال فقدان أية حلقة من حلقات المحور رقم (1) بأجزائه الخمسة والمحاور الاخرى التي تم نشرها في الايام القليلة الماضية ، أن تكتبوا إليَّ لأرسلها إليكم

وهذا هو المحور
رقم (8)

Hussain_alaadhamy@yahoo.com

00962795820112







المحور رقم

(8)


1 - تعلـُّم المقام ، أسهل هو ام صعب ..؟
2 – تنويط المقام العراقي
3 – بين القديم والجديد
4 – عبادة الفنان الفرد
5– الثقافة والمعرفة

(1)
تعلـُّم المقام ، أسهل هو ام صعب ..؟
أعتقد أن ناظم الغزالي كان مغنياً بغدادياً نادر المثال ، يتمتع بأسلوب فني فذ وأداء جميل من حيث شكله ومضمونه ، مع حضور مسرحي ذي نزعة معاصرة في اسلوبه المعبـِّر .. ونلاحظ أن ناظم الغزالي يتركنا في أدائه الخلاب للمقامات العراقية والاغاني ، إن كانت تراثية أم ملحـَّنة ، في جوِ عالمٍ رومانسيٍّ(1) خياليٍّ حالم … وينقلنا الى كل هذا بواسطة لغته الادائية وسهولتها المتماسكة البناء في لحنها الغناسيقي ، ومن ثم اختياره للقصائد والزهيريات وكلمات الاغاني بشكل دقيق وجيد.
إن التعابير الحزينة التي تميـِّز أداء المقام العراقي والموصوف بها ، توحي لنا رغم ذلك بجنةٍ أصيلةٍ ، يتوِّجها الاحساس الصادق .. والعفوي التلقائي غير المقصود .. ورغم هذه المسحة التعبيرية الحزينة ، لكنها تعابير مهذبة المشاعر والاحاسيس ، غير إنهزامية وغير إندحارية ولا هروبية وغير يائسة ، بل إنها تعابير متفائلة لأن الشعب العراقي شعب حي جاد ومتفائل جابه مختلف الظروف بكل قوة على مدى تاريخه الطويل ..
إن تأثير هذا الواقع الادائي عند الاكثرية وسماته ، يبدو ضارباً في الغموض ، الذي يكتنف تركيبه الحسي والتعبيري ، على الاقل لدى الجماهير التي لها ميول لسماع ألوان غنائية اخرى غير المقام العراقي …. ولعل من الاسباب التي تبعد الجماهير عن المقام او تعلـُّمه، هم أهل المقام أنفسهم ، من خلال ثرثرتهم المستمرة في الصحف ووسائل الاعلام الاخرى … بأن المقام غناء صعب جداً ومعقد ..!! حتى تصبح الصورة لدى الجماهير في أن تعلم المقام شيء معجزة .. وتتكرر أحاديهم الى الآن .. المقام يحتاج الى صوت قوى ..!! المقام له اصول وشروط لا يتمكن منهـا إلا المغني النادر !! المقام كذا وكذا …!! الخ حتى غلفوه بفكرة اسطورية جعلت منه بعبعاً ..!!؟ وهكذا نراهم يساهمون بشكل فعـَّال بإبعاد الناس عن المقام وجعلهم يتصورون بأنهم عاجزون عن فهم المقام وتعلـُّمه ، بل حتى سماعه لما اكتنف أقوالهم الكثير من صفة الغموض التي ألصقوها بالمقام (2) …
إلا أنني أرى أن هناك ما يمكن به تدمير كل هذه التصورات والاقاويل الثرثارة ، من خلال عرض المقام بأسلوب سهل وممتع وتهذيبه من كل الشوائب العالقة به على مدى تاريخه الطويل وتأثيراتها ، ومواكبة حياة المجتمع والاطلاع أو إستكشاف الأسس الجمالية الملائمة لأذواق الناس المعاصرين ..
من ناحية اخرى .. قد يقصد بالاداء المقامي سهلاً كان ام صعباً على حد المفهوم الشعبي لهذا التساؤل .. هو سهولة او صعوبة أداء المقام بأصوله التقليدية التي تعارف عليها المؤدون على تأديتها عبر القرون الماضية وتطبيق كل القواعد والعناصر الموروثة التي كوَّنت المسارات اللحنية المعقدة للمقامات العراقية عموماً .. لذا فان السهولة والصعوبة هنا أمر خاص بشكل ومحتوى المقام تراثياً في مكوِّناته ومساره اللحني والتعبير عنه بيئياً .
أما اسهل الطرق وأنجحها في التعلم هي حب ورغبة المتعلم للمقام العراقي ومدى إندفاعه لامتلاك فهم أعماق هذا اللون الادائي التراثي.

(2)
تنويط المقام العراقي
من زاوية اخرى ، فأنني أقف مندهشاً أمام واقع الاداء الغنائي عموماً والمقامات العراقية خصوصاً ، وتخلفه وابتعاده بشكل عام عن التغيير والتجديد والتطوير على المدى التاريخي الحديث والمعاصر لمدينة بغداد خاصة .. وما حدث لها منذ الغزو المغولي حتى يوم الناس هذا .. ولقد تحدثت فيما يخص شكل ومضمون المقام في مواقع سابقة ، ولكننا نحتاج الآن أن نساهم جميعاً في تحليل هذا الشكل وهذا المضمون(3) وأسباب غموضه وتأخره عن الركب الحضاري والجمالي للغناء والموسيقى الحديثة والمعاصرة والتراثية ، ولقد تحدثت أيضاً عن ضرورة البحث عن أساس أدائي لغناء المقامات ليتسنى لنا الانطلاق من جديد نحو الآفاق الابداعية الجديدة لننتشل أداءنا من غرقه وانغماسه في التقليد الادائي الببغاوي ..! لإحداث نهضة تجديدية تعبيرية نستطيع من خلالها مواكبة حياتنا السريعة ، ويبدو لي أن أهم خطوة نبدؤها هي عملية تنويط(4) وتدوين(5) المسار اللحني لاصول أداء المقامات العراقية ، لكي نحتفظ بالاصل اللحني لتراثنا الغنائي ، عندها نستطيع أن نغرف منه ما إستطعنا الى ذلك سبيلا ، لنواكب به تطورات موسيقى حياتنا المعاصرة ، ولكي نكون ملمـِّين وجدييـِّن أكثر في الشروع بهذا الموضوع ، وجب علينا أن نعمِّم دراسة الموسيقى وعلومها والاطلاع على المفاهيم العلمية الاكاديمية لكيفية التعامل مع التراث … ويتبادر الى ذهني أحياناً ، أن من الاسباب المهمة كما يبدو لي التي تدعو المخلصين على تراثهم أن ينادوا بالحفاظ على تراثنا الغنائي دون تجديد بدعوى الخوف عليه من الضياع والتشويه ، وهم محقون في ذلك الى حد ما .. ولكن لماذا..؟ لأن هؤلاء المحافظين يدركون حسياً أنهم لا يملكون مادة مدونة لأداء المقامات تكون مرجعاً لهم تحت أي ظرف يمر به المقام ، فنراهم لذلك يمسكون بتلابيب الاصول المقامية القديمة ويحاربون كل من ينادي بتطويرها ، لهذا السبب المهم فإن موسيقانا لو كانت مدونة وموثقة لوصلنا بها الى أعلى المراتب العلمية والفنية وأعلى المراتب العالمية.. وعليه فاني أعتقد وأنا مطمئن ، ان عدم توثيق وأرشفة تاريخنا الغنائي قد أخـَّرنا كل هذه القرون الماضية ، وفوَّتَ علينا فرصاً إبداعية عظيمة لا يمكن تصديقها ولا يمكن تعويضها بسهولة .. فلابد اذن من استنفار كل طاقاتنا ، وإدراك أهمية كلامنا وما ينبغي علينا القيام به ، فلا وقت لتضييعه ونحن قد تجاوزنا القرن العشرين ، ومضينا هذه السنين من القرن الحادي والعشرين ، نسمع ونقرأ ونلاحظ مدى التطور السريع الحاصل للعلوم التكنولوجيا وتأثيراتها المباشرة على حياتنا وانعكاساتها الجمالية لشكل روح العصر الذي نعيشه .

(3)
بين القديم والجديد
على كل حال ، نحن معشر التراثيين من محبي المقامات العراقية ، مغنين وعازفين وجماهير وكتاب … نمضي السنوات الاولى من القرن الحادي والعشرين نقف ، وسط جنون التطور الصناعي التكنولوجي وتداعياته المخيفة المرعبة ، ولا يزال كثرة منا تتشابه في الميول والاهواء والعقلية بالرغم من تأشير الاختلافات المحسوبة لدى بعض المغنين ذوي النزوعات التجديدية ، التي ما انفكت تعطي الكثير للأداء المقامي من إضافات وتجديدات ، ولا يزال هاجس العودة الى الطرق الادائية التقليدية عند كثير من مؤدي المقامات قوياً وغارقاً في الاساليب المتخلفة التي لا يتلائم لا شكلها ولا مضمونها مع حياتنا المعاصرة ، ومن ثم التركيز على جماليات إنتهى رونقها وتداعت بعض اسسها وتهاوت … إن المقام عموماً ونحن نتحدث عنه ، تتجلى قيمته في التطور التدريجي للمواقف او الموقف الذي يتخذه المؤدون نسبة الى روح الحياة المعاشة ، وهو يرتبط ارتباطاً وثيقاً بتاريخ المجتمع البغدادي والعراقي عموما …
لقد أثرت حياتنا المعاصرة التي نعيشها بكل تفاصيلها الاجتماعية وجوانبها الاخرى مهما يكن شكلها وهدفها ، بالميول الجديدة لطرق الاداء ، بالرغم من التشبث والعشوائية في بعضها والفن والعلمية في بعضها الآخر ..التي حلـَّت محل الجماليات السابقة وأمسى لها شكل جمالي خاص وهو أمر طبيعي نسبة الى الزمن المعاش .
إن ما قدمه المؤدون المقاميون المحدثون الابداعيون الى الاداء المقامي البغدادي كان إسهاماً ذا حدين ، يمكن تلخيصه بيسر وسهولة .. فقد أسهموا بالطرق الادائية والاساليب ووجهات النظر ، وكذلك انصرافهم الى جعل كل عنصر من العناصر المكوِّنة للمقام جزءً منخرطاً في وحدة متكاملة ، وفي بناء لحني متماسك الحبكة والصياغة ، استطاعوا أن يجتذبوا إليهم عدداً غير قليل من المناصرين ، بيد أن التجريح الذي إستهدفهم كان أكثر ، وذلك لتعلق التجديدين والمبدعين بالشكل والمضمون ، الذين كانوا يرون فيهما إهتماماً جمالياً يتطلب شمولاً وتفصيلاً وملائمة لروح العصر ، مع أن كل جديد يواجه بالرفض في البداية بطبيعة الحال .

(4)
عبادة الفنان الفرد
لقد استمر التقليد والتأثر بالفنان الفرد في غنائنا زمناً طويلاً لا يزال مهيمناً .. حقاً ..! ألا يشعر هؤلاء المؤدون المقلدون لطرق غيرهم لآلاف المرَّات غناء المقامات ، بأن تعابيرهم الادائية تصدعت وفرغت من محتواها ..!!؟ لقد عشقوا أداء المقامات ، وهو أمر رائع ، ولكنهم إنغمروا بالتقليد الاعمى وعالجوا نقصهم هذا بتصريحات رنانة لا وجود لها عملياً على أرض الواقع في أدائهم … فالكل يتحدث عن طريقته المبتكرة التي يدعي أنها من مبتكراته ..! نعم يتحدثون كيفما اتفق ، مع العلم ان حديثهم عن هذه الطرق المزعومة مناقض جداً للحقيقة ، ومناقض بدرجة معينة لحالتهم الادائية الاتكالية المعتمدة أصلاً على طرق لمؤدين سابقين .. وبالنتيجة فان هذه الحالة هي حالة تشتت ذهني وتخلف في التفكير بحالة يرثى لها .. لذا فانهم مشتتوا الفكر والاداء دون وعي منهم .. انهم حقا اتكاليون .. لا تفكير ولا بحث وانما العيش في حالة استغراق قلقة ، وافضل ما لدى بعضهم انه ما تكاد تستهلك جملة أدائية معينة حتى تحل اخرى محلها مشابهة لها ..!! لذلك لم نعد نطيق انتظار نهضة تجديدية اخرى على طرق الاداء هذه التي امست طــــرقا مضحكة نسبة للاساليب والطرق الادائية الفنية ذات الاسس العلمية والجمالية …
إن الاخطاء الموجودة في الاساليب والطرق الادائية تعني أخطاء موجودة في حركة التفكير ذاتها ، وإن معاملة الاداء عشوائياً يعني التفكير عشوائياً ايضاً . حيث تضيع الدقة في هذه المتاهات ، اضافة الى كل ذلك ، فأنا لا أميل الى مبدأ تجديد او احداث متغيرات في طرق الاداء فقط ، بل اضيف لها قناعتي بوحدة الفن داخل النتاج الفني ، ليمسي الاسلوب في النهاية تعبيراً وحدوياً كاملاً عن الفكرة والشعور .

(5)
الثقافة والمعرفة
إن الثقافة والمعرفة العقلية تجبر المؤدي على التفكير ، الذي يعني في النهاية إدراكه لعالم الخيال إدراكاً حقيقياً ، حيث أن للاسلوب مظاهر مختلفة لذلك النشاط الخيالي الابداعي(6) ، فلابد اذن ان ننقل الاسلوب من ساحة الخيال الى ساحة الفكر، اذا ما أردنا دراسته وتحليله وفهمه ، مع أن تعميق المشاعر والعواطف وتنميتها من شأنه أن يخلق التعابير الساخنة اضافة الى عنصر التفكير الذي يعمل على نجاح العملية الديناميكية في بناء الاداء الناجح وتماسك كل عناصر العمل والنتاج الفني …
لقد أدى بعض مؤدي المقام العراقي وفق الطريقة الذاتية التي فكروا بها وفهموا المجتمع من خلالها ، فلا ينبغي أن نعلـِّم المؤدين الجدد خلاصة الاعمال الفنية او دراستها سطحياً ، بل يجب ان ندخل الى أعماق تلك النتاجات لفهم الفكرة الديناميكية المتوقدة فيها .. لأن الفنان عندما يؤدي مثلما يفكر ، فذلك يعني انه يتحدث ويعبر بالصورة التي يؤدي فيها .. ولا أرى ضرورة للمجاملة عند الحديث عن التراث والعاملين فيه وما يكتنفه من غموض .. لأننا أزاء مادة تراثية تمثل تاريخنا وماضينا العريق وحاضرنا المعاش ومستقبلنا المنظور ، لأن واقعنا الموسيقي الثقافي يحتاج الى الموضوعية والدقة والمنطق ، لذا فالهدف من هذا الحديث هو المساهمة في نهضته وتطوره قدر المستطاع ، واوجه كلامي حاثَّاً نفسي أولاً ومذكراً زملائي المعاصرين ، ان على المؤدي أن يمتلك اسلوبه لأن المؤدي الناجح يستطيع أن يخلق اسلوباً خاصاً به ، مازجاً الموهبة بالعلم والمعرفة والفن في عملية ديناميكية فكرية لخلق اسلوب استاتيكي ناجح تتسم فيه روح العصر ليكون بالتالي اسلوباً اصيلاً لذلك المؤدي … وعلى هذا المنحى يبتكر المؤدون وفي شتى البلدان اساليب فنية منسجمة ومتجانسة تمتاز بشكلها ومضمونها المترابط خلال ممارستهم للغناء والموسيقي …