المرحلة الاولى


المرحلة الاولى


المرحلة الاولى


المرحلة الاولى

من
المحاور المقامية

2008






محاور في المقام العراقي

دراسة بحثية متسلسلة لمحاور تخص شأن
غناء وموسقى المقام العراقي

يـكـتبها في حلقات

مطرب المقام العراقي
حسين اسماعيل الاعظمي
















الاردن / عمـَّان
2008 نيسان April







اليكم أعزتي القراء في الصفحات التالية
المحور رقم (9) بجزء واحد ، من المرحلة الاولى ، مذكــِّراً ، في حال فقدان أية حلقة من حلقات المحور رقم (1) بأجزائه الخمسة والمحاور الاخرى التي تم نشرها في الايام القليلة الماضية ، أن تكتبوا إليَّ لأرسلها إليكم

وهذا هو المحور
رقم (9)

Hussain_alaadhamy@yahoo.com

00962795820112







المحور رقم

(9)

1 - محاولات جادة في تدوين الاساس
2 – الاسلوب الخاص
3 – محاولات ابداعية
4 – تقييم الاداء

(1)
محاولات جادة في تدوين الاساس
ظهرت في غضون الفترات الماضية محاولات عديدة ومختلفة لتحديد المفاهيم التراثية والسير على منوالها ، وكما قلت سابقاً ، إن أكثر هذه المحاولات كانت إمبريقية(7) المضامين .. سماتها الالتزام بالاصول المقامية التقليدية للاداء .. لا يجوز إضافة أو نقصان بعضاً من القطع والاوصال الداخلة في المقام .. ولايجوز إستحداث أساليب تعبيرية جمالية جديدة تخالف القدماء ، ولا يجوز تجاوز هذا المستوى الثقافي والاتيان بالجديد …الخ وهكذا بقي هذا الوضع القلق والمتناقض الى الآن ..!! فمنهم من يرى أن طريقة المؤدي الفلاني هي الاحسن وكذا الطرف الآخر … وفي نهاية الأمر يبقى المؤدي أسير التقاليد الادائية القديمة وأسير المستوى الفكري البائس .. وبذلك يكون من الصعب على المؤدي ان يفصح عن شخصيته وهويته الادائية بشكل لا إرادة له فيها في الاعم الاغلب .. ويمكننا أن نتحسس هذا الوضع من خلال إستماعنا الى معظم تسجيلات مؤدي المقامات العراقية خلال القرن العشرين بأصوات المؤدين الذين تنازلوا عن ذواتهم وتأثروا بالفنانين الاسبق منهم من المشاهير … فمن الضروري اذن ، بل ينبغي أن يكون هناك أساس أدائي واضح للمقامات خال من التعابير تجنباً من تأثر المؤدين الجدد بتعابير سابقيهم من المشاهير ، يسير عليه كل المؤدين الجدد في البداية ليعطي كل واحد منهم تعابيره الخاصة لهذا المسار اللحني الجامد ، لينطلقوا بعدها في بلورة أساليبهم الخاصة .. ومن الطبيعي ان إيجاد هذا الاساس الادائي ليس بالأمر السهل مطلقاً .. لأنه يحتاج ويعتمد على مؤدين يمتلكون ثقافة موسيقية .. أي انه يعتمد على تهيئة جيل جديد يمتلك الثقافة في الموسيقى وعلومها لكي يستطيع أن يفهم ويدرك الاساس العلمي المكتوب للمسار اللحني للمقام العراقي .. إن الاساس الغنائي المقصود هو تنويط الخط العام لمسار لحن الغناء المقامي ، ومن خلال هذا الاساس الذي وضع إعتماداً على معرفة بالمقام العراقي باصوله المتوارثة عبر القرون وتتابع الاجيال والإقرار الجماعي لهذه الاصول في مؤتمر او ندوة او مسلسل محاضرات او غير ذلك وصولاً الى الاتفاق على هذه الاسس اللحنية للمقامات . ولنجرب معاً في كتابة مسار لحني لتحرير(8) احد المقامات المعروفة وهو مقام البنجكاه مثلاً .

ان هذا المسار اللحني خال من التعبير ( وهنا تكمن قوة العمل كله ) لأن المؤدي الجديد عندما يقرأ بالنوتة هذا المسار اللحني ومن ثم يغنيه بلفظة أمان أمان فانه سيضع له تعبيراً وروحاً جديدة من عندياته بطبيعة الحال وهكذا نرى الامر يتكرر على عدد المتعلمين مهما وصل عددهم ، اذ سنحصل في النهاية على إثراء وإغناء لأعداد كثيرة من الطرق الخاصة التي تعبـِّر عن كيان كل مؤد فرد ، التي سيصقلهـا بعدئذ بالتجربة المستمرة ، وبذلك نكون قد أتحنا لأول مرة فرصة تأريخية للتعبير عن الذات ، ومن ثم نكون قد سحقنا التقليد الببغائي للمؤدين المشاهير الذي رافق غناءنا قروناً طويلة أرهق كاهلنا وضيـَّع علينا فرصاً عظيمة للابداع والابتكار .. نحن في أمس الحاجة اليها لننطلق من جديد نحو مستقبل زاهر برؤية جديدة مستقبلية(9) .
إن هذا الحديث والمثال أعلاه ينسحب طبيعياً على الجمل الادائية الاخرى او المقامات الاخرى التي نكتبها كاملة … وزيادة في الحديث ان المسارات اللحنية للمقامات العراقية هي مسارات تراثية معروفة أي انها تراث يملكه المجتمع كله وليست ملك فرد بعينه ، لذا فنحن اذا كتبنا أساساً لحنياً مقامياً لأحد المؤدين المعروفين ، فاننا نكون قد رسَّخنا العملية التقليدية بكل تأكيد ، لأن هذا المسار يحمل تعابير وخصوصيات ذلك المؤدي ، اذ يصبح الامر بعد ذلك ، ان وضعنا خصوصية هذا المسار اللحني المعروف ، في كيان كل مؤدٍ جديد ورسَّخنا العملية التقليدية وقضينا على الطرق الادائية الانفرادية التي نتأملها من هؤلاء المؤدين الجدد ، ولكن يمكن لهذه العملية ان تتم اذا كان هناك بحث خاص عن أي مؤد ، عند ذاك يمكن ان ندون المسارات اللحنية الخاصة به والتي أداها في مسيرته الفنية لدراستها وبحثها كواحد من المؤدين المساهمين في إغناء هذا التراث دون أن نعمِّمها على الآخرين كمادة تعليمية ببغائية .

الاسلوب الخاص
ولسبب ما ، او لنُقل ان التأخر الثقافي والموسيقي وشؤون الاداء الغنائي ، هو من اهم الاسباب التي لم تجذب أنظار المؤدين بشتى مستوياتهم والمهتمين بشؤون المقامات ، تلك الارهاصات والقابليات الاسلوبية الانفرادية وتدعيمها لدى كل مؤد .. بل جبل المجتمع المقامي على تقليد السابقين وجعله قانوناً سائداً صارماً .. ومن المؤكد ان الاسلوب الخاص بكل مؤد ينطوي على مواطن قوة معينة .. ومن مجموع مواطن القوة هذه لدى كل المؤدين الانفراديين الذين امتلكوا ذاتهم ، نحصل على الغنى والثراء في تعدد اساليبنا وتطور مفاهيمنا وثقافتنا الغنائية والسير بها نحو التفاؤل الأكيد ..
إن النقاشات والصراعات والآراء الفكرية التي دارت حول تطور المقام العراقي في هذا العصر من خلال الصحافة او الاذاعة او التلفزيون او غيرها ، كانت مفيدة في حقيقة الأمر ، رغم فقرها ، فقد كانت هذه الاشارات والمناقشات قد بيـَّنتْ لنا كثيراً مما نحتاجه لعكس واقع جماليات عصرنا الراهن في اداء المقامات العراقية ، لذلك كان على حق من نادى بضرورة الفهم العميق للتراث من حيث تاريخه ومبادئه ومفاهيمه واسسه العلمية التي تؤلف بين مادته وجماليتها في كل زمن .. وبيّن كذلك كيف تتجلى طبيعة ادراك المؤد لواقع الاداء المقامي ، وكيف ينبغي ان يكون .. إن هذا المستوى من الادراك في تعاملنا مع التراث ينبغي أن يقترن حتميَّـاً بفهم الروابط المهمة بين هذه المفاهيم والاسس العلمية للتراث ولغة عرض نتاجاته .
على كل حال ، في الواقع أن أي إبداع في الاداء المقامي ، او أي ابداع بشكل عام ، مهما كانت قيمته فهو لا يمتلك الحرية المطلقة بطبيعة الحال لأن الحرية مهما إتسعت فهي في الحقيقة تخلق لها قيوداً اخرى جديدة ، اضافة الى أن الابداع في التراث أمر موكول بكثير من التحفظات والتأني .

محاولات ابداعية
في الواقع ان معظم الابداعات التي جاءت من خلال بعض المؤدين السابقين قد حدثت بشكل تحوير جزئي لهيكل المقام الغنائي او تقديم وتأخير بين القطع والاوصال(10) او تبديل بعضها او اضافة قطع جديدة داخل الهيكل اللحني للمقام . وكل ذلك حدث داخل اطار الخزين النغمي العراقي والبغدادي في المقام العراقي ، أي ان هذا الابداع جاء ضمن الشكل والمضمون المقامي المحلي … وكما مرَّ بنا ، ان ظهور محمد القبانجي هو الذي أحدث انقلاباً في المفاهيم الابداعية المقامية ، بخروجه عن المحلية ، ومن ثم تعريقه لبعض الجمل الغنائية غير العراقية في التعبير …
قد تعتقد عزيزي القارئ ، المستمع للمقامات ، ان مواجهة ابداع جديد ضمن عملية الاداء المقامي يمثل مشكلة بحد ذاته ، إلا أنها في الحقيقة قياس لفكر وتطور المجتمع ومن خلاله قياس لتطور الفن الغناسيقي المقامي .. والواقع ان الابداع مشكلة ليست بالسهلة ، فهو مقاومة متأتية مما يسمى بصراع الاجيال او التطور التاريخي للاشياء ، لأنه يعتمد او يخضع لظروف المجتمع بشتى جوانب الحياة ، يعتمد على اسس علمية واجتماعية وثقافية وسياسية وفنية …الخ يخضع في مفهومها بالتالي لروح العصر ، او الفترة الزمنية المعاشة ، وعلى هذا الاساس فانه ليس من الغريب ان نرى المبدعين قليلي العدد … لذلك نرى ايضاً ان كثيراً من المقامات التي أديتْ من قبل كثير من المؤدين الذين استمعنا اليهم ، أما عن طريق جهاز التسجيل الصوتي او مباشرة ، لا يزالون على هذه الحال يروون الوضع المأساوي لطرق الاداء المتخلفة والفقيرة الثقافة(11) ، بل تكاد تكون بدائية جداً ، من حيث شكلها ومضمونها ، في بنائها اللحني وتماسكه او الايمان المطلق بتطبيق الاصول التقليدية للمقام ، وحتى هذا التطبيق يفتقد الى الكثير من مستلزمات الجمالية والاهتمام بالتعبير الفني او التطريب الغنائي وسلامة صوت المؤدي وغيرها من الامور الاخرى الواجب توفرها لدى المؤدين .. أما الكلام الغنائي من الشعر الفصيح وعملية النطق بالكلمات ولفظ الحروف ومخارجها واصول قواعد التجويد ، فسلبية هي الاخرى .. وهذا ينطبق علينا جميعا نحن المؤدين ..
من الوهلة الاولى ونحن نستمع الى هذه المقامات ، يبدو لنا اننا في حضرة غناء يصعب التصديق ان تعبيراته هذه قبل اربعين سنة او خمسين او ستين ..!! بل يخيل الينا انه يبتعد عنَّـا أكثر من ذلك زمنياً ، وقد نشك ان بعض من هذه التعابير الادائية مؤداة قبل أكثر من قرن او قرون !! مع ثقافة أدائية فنية فقيرة ، وفجأة ، في خضم مقارنة قاسية للطرق الادائية لهذه التعابير التي نسمعها يخرج علينا المؤدون انفسهم من خلال الصحف او الاذاعة والتلفزيون باطلاق تصريحاتهم الرنانة مدعين الفن والعلمية والابداع حتى وصل الامر عند بعضهم الى مستوى النزاع وجرح مشاعر زملائهم .

تقييم الاداء
-------
يمكن تقييم الاداء الغنائي والموسيقي بشكل عام في العراق خلال القرن العشرين ، بأنه مساو في المهارة والمتعة التي يتصف بها معظم الاداء الغنائي العربي ، إلا أن الاداء الغنائي المصري قد استغرق وقتاً أطول واجتهاد أكثر وظروفاً اوفر للوصول الى مرحلة النضج التي يتميز بها عن الاداء الغنائي في البلدان العربية الاخرى بشكل عام كما يبدو ذلك … ولقد عانى الاداء العربي عموماً والعراقي خصوصاً خلال القرن العشرين ، الكثير من التعقيدات والتغييرات الاصولية الاساسية لاشكال ومضامين الاداء ، ولا يزال الكثير من عدم الاهتمام باصول لفظ مخارج الحروف ونطقها او الجهل بها تماماً ، موجوداً الى يومنا هذا في الوطن العربي عموماً .. إلا أنني أرى من المناسب دراستها وفهمها وادراكها ، مع وعينا ان الفشل تجربة ممتعة ، لأنه ينبه عن مواقع الاخطاء والافادة من هذه التجربة ، وحرى بنا ان نصحح اخطاءنا اذا ما اخطأنا والاجمل من ذلك ان نستفيد من اخطاء الآخرين ، لأن الاهتمام بموضوع اللغة في الشعر الغنائي ، أمر جدير بالدراسة ، حيث يكون الفحوى الاكاديمي والجمالي للاداء ، ولعل قواعد اصول تجويد القرآن الكريم هي أعظم ثقافة لفظية لضبط مخارج الحروف والكلمات فيزيد الاداء جمالاً .
يكون الاداء بكل جوانبه ، ناجحاً لأنه يوضح المضمون الشعري واللحني كما هو ، وليس كما يريده المؤدون انفسهم ، ومن الطبيعي ان الاداء الذي يوضح الشكل والمضمون الشعري واللحن كما هما يكون بعيداً عن التخريب الجمالي ، بل يزيد جمالاً وحسناً وروعةً واتقاناً .
وعلى هذا الاساس علينا ان نتخلص من الاعجاب بالغريب وان لا نبقى اسرى نقد وانتقاد نتاجاتنا والاعجاب بما هو غير نتاجنا ، وليكن اعجابنا موضوعيا يميل الى الجمال الحقيقي وصولاً الى الحقيقة العلمية التي تعلو ولا يعلى عليها ..