المرحلة الاولى


المرحلة الاولى


المرحلة الاولى


المرحلة الاولى

من
المحاور المقامية

2008






محاور في المقام العراقي

دراسة بحثية متسلسلة لمحاور تخص شأن
غناء وموسقى المقام العراقي

يـكـتبها في حلقات

مطرب المقام العراقي
حسين اسماعيل الاعظمي
















الاردن / عمـَّان
2008 نيسان April







اليكم أعزتي القراء في الصفحات التالية
المحور رقم (11) بجزأين ، من المرحلة الاولى ، مذكــِّراً ، في حال فقدان أية حلقة من حلقات المحور رقم (1) بأجزائه الخمسة والمحاور الاخرى التي تم نشرها في الايام القليلة الماضية ، أن تكتبوا إليَّ لأرسلها إليكم
*************
أو الذهاب الى موقع كوكل google والبحث عن (محاور في المقام العراقي) حيث تجدون كل المحاور منشورة في المواقع والشبكات الالكترونية مع الشكر والتقدير لكل اخوتنا في هذه المواقع والشبكات

وهذا هو المحور
رقم (11)
بجزأيه

Hussain_alaadhamy@yahoo.com

00962795820112


المحور رقم
(11)
الجزء الاول

1 - التجربة النسوية في غناء المقام العراقي
2 - المواطن العراقي وخزينه التراثي
3 – نقـَّاد الموسيقى
(1)

التجربة النسوية في غناء المقام العراقي
من الطبيعي أن المادة الغناسيقية ، ذات القيمة الفنية الكبيرة ، من حيث الشكل والمضمون ، هي التي يمكنها اجتياز حواجز الزمان والمكان .. ولا أدل على القيمة الفخمة والمكانة العالية للموسيقى العراقية ، في قدرتها على الحفاظ على هويتها وخصوصيتها التاريخية والإقليمية وبنفس الوقت قدرتها على النفاذ إلى مسامع المواطن العربي وتأثيرها على مشاعر ووجدان أجيال متعاقبة من الناس العراقيين والعرب … إن ما تتضمنه الموسيقى العراقية من روح حية على الدوام ومن ثراء وجداني ومن تمثيل لمشاعر المجتمع ، جعلها رصينة جزلــة ولا غرابة ..! فهي تستند على مبادئ رجولية سامية يعشقها الناس ، وعلى رفعة يتباهى الكثير بها … وعلى نُبل أصيل وبُعد عن الإسفاف .. فقد استطاع كُثرة من الفنانين العراقيين تجاوز حدود الزمان والمكان فعلاً .. إذ لا تزال الكثير من التسجيلات الصوتية المســجلة منذ مطلع القرن العشرين وعلى مر الزمن .. تُسمع وتؤثر في المشاعر والوجدان كتسجيلات مطرب الاجيال محمد القبانجي وصديقه الملاية وداخل حسن وحضيري أبي عزيز وناصر حكيم وسليمة مراد وحسقيل قصاب وسليم شبث وسلطانه يوسف وبدرية أنور وجليلة أم سامي وجميل البغدادي ونجم الشيخلي وعباس كمبير ويوسف كربلائي وجميل الاعظمي وأحمد موسى وعبد القادر حسون وشهاب الأعظمي وحسن خيوكه وناظم الغزالي وعبد الامير الطويرجاوي وغيرهم الكثير … وبعض من هؤلاء تجاوز المكان أيضاً حيث انتشرت تسجيلاتهم خارج حدود الوطن ليصبحوا رواداً لانتشار الغناسيقى العراقية التراثية والحديثة في أرجاء الوطن العربي .. فكان أول من عرف من فنانينا محمد القبانجي ، وكذلك المطرب المُخضرم حضيري أبو عزيز الذي كان ، أول من نال الشهرة الجماهيرية خارج حدود الوطن ، حيث انتشرت تسجيلاته في منطقة الهلال الخصيب بصورة واسعة .
يُعتبر ناظم الغزالي الذي غزا الذوق العربي بمقاماته وأغانيه ، أشهر مطرب جماهيري عراقي في الوطن العربي على الأطلاق … وهكذا استمر الحال إلى فناني مُنتصف وأواخر القرن العشرين مثل يوسف عمر وسعدون جابر وكاظم الساهر وفريدة محمد علي ومحمود أنور وحسين الأعظمي – المؤلف – ومجموعة من المطربين الشباب المعاصرين ، حتى غدت غناسيقى العراق مادة ضرورية وأمراً واقعـاً في تذوقها من قِبل المواطن العربي على وجه العموم .. ورغـم أن عشرات القرون توصلنـا بتراثنا الغناسيقي ومنه المقام العراقي ، التي تُعتبر تاريخاً مجيـداً ذات جذور تمتد بعمق فـي وجـدان الأمة ، نلمس اهتمام الدولة في العقود الاخيرة من لبقرن العشرين الذي يكاد لا ينضب ، بل هو في اضطراد .. وكذلك الأمر من لدُن المتخصصين والجماهير.. ومن خلال دراستي وبحثي في مجالات عدة ، يعود ذلك إلى اهتماماتي المتعددة .. بدا لي أمر، وبت مُتيقناً من صوابه وهذا الأمر يصدق على الكثير من المجالات ، ومن بينها موضوع البحث ، ولكي أوضح ما أنا بصدده ، فأدعي أني وقفت على حقيقة ، أن كل عصر يستوعب ويقيم هذه الموسيقى التراثية بطريقته الخاصة حسب معطيات البيئة من حيث الزمن وثقافتها ، وفي هذه الحالة تكمن النظرة العصرية ، التي هي هوية العصر من جانب آخر .. وإذا استقرأت أذواق كل عصر على حِده للمست بوضوح أن الاتجاهات والميول والثقافة والتأثير والتأثر.. و.. و… من شتى المشارب .. كلها ستصب في مجرى واحد ، أو قل ستلتقي في مصب واحد .. مع أن الروافد تتأثر ببيئتها الخاصة .. وستلاحظ أن جميع التقييمات مهما كان نوعها تجمع على إنسانية وقيمة هـــــــــذا التراث .

المواطن العراقي وخزينه التراثي
إن المواطن العراقي ، مُعتد بشخصيته ، مُعتز بها ، يمتلك تراثاً مهيباً يمتد عمره إلى أعماق التاريخ .. وأمته رفعت راية الآداب والعلوم والفنون .. وكانت موئل الثقافات ومصبها .. فهو يمتلك خزيناً هائلاً يكمن في ضمير الأمة ، من الأنغام والتعابير السامية الراقية العذبة ، ولما كانت الاتصالات بائسة في أوقات ممتدة ، والأعلام يعتمد عليها ولا ريب ، انتبه البعض على امتداد الوطن العربي ، إلى أهمية الوسائل التي تخدم الفنون وتغذيها وتوصلها إلى أقاصي المعمورة ، فعملوا على انسيابية تراثهم .. أما في العراق فقد تأخر الأمر .. لأمر ما .. ولكن هذا الأمر قد تغير بعد انتصاف القرن العشرين .. فقد انتبه العرب إلى جلال قدر الموسيقى العراقية ولم يعودوا يمروا عليها مرور الكرام .. فكان العراق وما يزال ببغداده الحبيبة وشماله الجميل وجنوبه الخلاب .. مهد الحضارات وموئل الانغام والفنون . بيد أن المواطن العربي وخاصة المتذوق للغناء والموسيقى ، ورغم ما اتيحت له من فرص التعرف والاستماع إلى موسيقى وغناء العراق ، يفتقر إلـى الكتـــابات الكافية ( وهو ماتفتقره المكتبة العربية ) إلى الدراسات الخاصة حول فن المقام العراقي أو التراث الغناسيقي العراقي على وجه العموم .. وعليه فانني آمُل أن تتيح كتاباتي هذه (محاور في المقام العراقي) فرصة الاحاطة بجانب مـن جوانب تطور الاداء المقامي في العراق على مدى العصور المتعاقبة ، وهذا الجانب الذي لم يعتنِ به احد ولم يلتفت إليه كاتب .. ارتأيت أن ألج اليه من مداخل عديدة منها تجربة المرأة العراقية في غناء المقام العراقي ما استطعت الى ذلك سبيلا .. فمن الثابت لدى المتخصصين والمتضلعين بالفن الرجولي - المقام العراقي – إن الفن النبيل هذا يبتعد عن الاسفاف في اللفظ والمعنى وأن عليَّة المجتمع في مقدمة من يعشقه .. وأنه ينأى بذاته عن الميوعة والخلاعة ، فلم نجد مطرباً للمقام العراقي رافقته راقصة على سبيل المثال ، وأخيراً وليس اخراً ، فان المرأة كانت تهاب هذا الفن ولاتقربه ، وليس مرد ذلك إلى طبيعة صوتها ، بل إلى أمور أخرى سيأتي البحث عليها بالتفصيل .. ولكن ما أن حل القرن العشرون ( حقبة التحول ) نحو الانفتاح في كل مجالات الحياة .. حتى ولجت المرأة.. ولكن باستحياء وتردد فكان سيماؤها البطىء والدلال ، وقد نبذت الانهزامية وعدم الثقة وراء ظهرها ..
إن ضخامة وتنوع تراثنا الغناسيقي العراقي ، خاصة منه المقام العراقي .. يجعل من محاولتنا الدراسية هذه أمراً تتخلله الكثير من صعوبات الاحاطة بكل جوانب التجربة النسوية في الغناء المقامي ، في بغداد على وجه الخصوص ، وفي مثل هذا الحيز … ولهذا ارتأيت التوقف عند ابرز المغنيات المقاميات ذوات التأثير الجماهيري في بغداد تحديداً – كجزء أول .. اللواتي كان لهن الاثر الواضح على تطور التجربة النسوية والتي اتفق معظم النقاد والكتاب حول أهمية هؤلاء المغنيات بالنسبة لهذا الفن .. فكان اختياري تحديداً سبع مغنيات يُمثلن اجيال زمنية متعاقبة متسلسلة حسب مرور الزمن وعلى امتداد تطورها .. حيث يمكن كذلك من خلال تجربة المرأة في غنائها للمقامات العراقية ، التعرف على هذه النماذج من الفنانات المغنيات وهن بالتحديد وحسب الترتيب الزمني لظهورهن .. صديقه الملاية ، سليمة مراد ، سلطانه يوسف ، زهور حسين ، مائدة نزهت ، فريده محـــمد علي ، سحر طه .. وارتايت ايضا تاجيل الحديث عنهن وعن المغنين الاخرين بعد الانتهاء من كتابة المحاور ان شاء الله ..
أن تجربة المرأة العراقية في غناء المقام العراقي أو الأغاني ذات المضامين التعبيرية المقامية , تضم العديد من المغنيات الاخريات اللواتي أثرن في الجماهير بصورة متفاوتة , اللائي لم تتناولهن بالتحليل كتاباتي هذه (المحاور المقامية) مثل بدريه أنور وأنوار عبد الوهاب وهناء .. وبعض المطربات المقاميات من مدن شمال العراق .. كركوك والموصل والسليمانية واربيل ودهوك ..
نقاد الموسيقى
بودى هنا ان اشير الى ملاحظات السادة النقاد الموسيقيين الذين كتبوا مقالات نقدية حول كتابي الاول (المقام العراقي الى اين؟) مشكورين لاهتمامهم بالكتاب ، حيث اشاروا الى اني اقحمت المطربة سليمة مراد , مثلا ضمن المطربات المقاميات في حين انها لم تكن كذلك , على اعتبار انها غنت الاغاني ولم تعرف انها مطربة مقام , رغم غنائها لجمل قليلة من مقام البنجكاه جاءت في سياق اغاني سلم مقام الرست ( باسلوب مقام البنجكاه ) .. وكذلك تحفظوا حول بعض المطربات الاخريات اللائي ادخلن ضمن قائمة مطربات المقام العراقي .. وفي هذا الصدد بودي ان اوضح بعض الالتباسات التي قد تحتاج الى تذكير ..
عندما نتحدث عن أي مطربة للمقام العراقي , سواء من الرجال او النساء .. ونفرغ من كلامنا عنه شخصيا .. وبم تأثر او أثر أوعن نشأته وبيئته و.. و.. يصب حديثنا جله في خدمة هدف محدد .. هو المادة الفنية والتي نعني بها ( المقام العراقي ) ذاته من حيث الشكل والمضمون .. عناصره ومكوناته .. علماً باننا يجب ان نتذكـر ان مفهوم مصطلح ( المقام العراقي ) لا يقتصر على المقام وحده الذي نغنيه باسلوب فالت من الايقاع ، أي اسلوب الارتجالات الغنائية الآنية المنتظمة ضمن مفهوم الاصول التقليدية للمقامات .. ونقصد بذلك الشكل ( الفورم Form, ) بل ان المقصود بمصطلح ( المقام العراقي ) كمفهوم عام , مع انه مفهوم تقليدي بنفس الوقت ( مقام مع الاغنية التراثية المعبرة عن المقام الفالت نفسه ) أي ان كل المكونات والاسس التي يرتكز عليها غناء المقام بمعية الاغنية يندرج ضمن شكل ومضمون المقامات العراقية او المصطلح المعروف ( المقام العراقي ) .. وهذه الاغنية المنبثقة من روح المقامات تلك التي نجد فيها الخصوصية والهوية والمضامين المقامية وهي من نفس السلم والتعابير والتي درجنا على تسميتها ( البستة ) بل حتى الاغنية المؤلفة ما دامت تحمل مقومات الخصوصية المقامية العراقية وهي ذات الاغنية التي نسميها ( الحديثة ) .. والجواب لأخي الناقد او السائل .. هو اننا يمكننا الحديث عن المقام العراقي وعن الاغنية المرافقة له في وقت واحد مع بعض الخصوصية لكل منهما .. لأن الاغنية المرافقة ملحنة اصلا من الالحان والتعابير المقامية ، فهي تناسب المقام المغنى الذي رافقته .. فلو تكلمنا عن أي منهما بمعزل عن الآخر ، فاننا بحقيقة الامر لا نزال نتكلم ضمن المفهوم العام لمصطلح ( المقام العراقي ) , ولهذا السبب ومن هذا المنطلق إن إعتُمِدَ هذا التفسير .. فمن الممكن ان نتحدث عن اغنية مقامية عراقية او مغني او مغنية لا يغنون المقام – الفالت من الميزان – بل يغنون اغاني تعبيرية منبثقة من روح المقام العراقي .. ولعلنا سنجد في الاستشهاد التالي راحة لنا جميعا لتوضيح ما سبق .. فمثلا اغنية سليمة مراد ( هذا مو انصاف منك ) وهي من سلم مقام الرست ( بنجكاه ) فلو استمعنا لهذه الاغنية , ولا يجب الاستماع فقط بل الاصغاء لما بين الحروف ولما بعد رنين الصوت وتعابيره والى عمق غناء هذه المغنية الكبيرة .. فاننا سنكتشف ان هذه الاغنية من مقام الرست (بنجكاه) من حيث مضمونه العلمي والتعبيري .. بل وحتى من حيث شكله ، وان يكن موزونا من خلال الاغنية ذات ايقاع الجورجينة الثقيل ... فنلاحظ مسارات لحن ( التحرير وغناء ابيات القصيدة لمقام البنجكاه مجسدة في مذهب الاغنية ومن ثم نلاحظ ميانة مقام البنجكاه وهي من سلم مقام الحجاز مجسدة في كوبليه الاغنية .. وكثيرة هي الاغاني التي تنهل من منهل روح المقام ومضمونه ولا تتغافل عن الشكل فلا تهمله بل تجتهد أن لا تبتعد عنه الا لِماما ..
وبغض النظر عن هذه الملاحظة يبقى القصد , ان أي اغنية ما دامت مأخوذة من روح المقام , او من روح المضامين التعبيرية للمقام العراقي كخصوصية ادائية فهذا يعني باننا لازلنا نتكلم ضمن دائرة مفهوم مصطلح ( المقام العراقي ) .. فان تكلمنا عن المقام لوحده , فهذا يعني اننا نتكلم عن مصطلح المقام العراقي وان تكلمنا عن الاغنية لوحدها فهذا يعني ايضا اننا نتكلم ضمن مصطلح المقام العراقي ايضا , فالمقام واغنيته كل لا يتجزأ.
من ناحية اخرى , فانا لم اتكلم في هذا الكتاب عزيزي القارئ .. عن أي مطربة او مطرب بصورة مطلقة .. لأن العراق غنيّ بتعدد بيئاته واختلاف تضاريسه ومناخه وجغرافيته وتاريخه ككل , ففيه انواع كثيرة من الغناء منها الغناء الريفي والغناء البدوي وغناء الاديان الموجودة في العراق وكذلك القوميات والاقليات . وغيرهم .. بل تحدثت عن المقام واغنيته المقامية بصورة عامة والغناء البغدادي تحديدا بصورة خاصة .. فلم آت على ذكر .. او لم ألق الضوء على نتاجات مطربين او مطربات اخريات امثال ( احلام وهبي , هيفاء حسين , غادة سالم ..) وبنفس الوقت لا يمكنني اغفال الحان من مقام الجَمّال غنتها المطربة الراحلة لميعة توفيق ..
يا مليح اللّمــا وحلـو التغني وجــميلا جـماله قــد فتـنِّ
حيث ابدعت المطربة لميعة بهذا المقام بحق .. صوت جميل ونغم اصيل شجي .. ورغم هذا الابداع , غير انها محسوبة ضمن المطربات الريفيات فلم اشأ اقحامها في كتاب يخص المقام العراقي .. ربما اتحدث عنها وعن غيرها في المحاور التالية لهذه الدراسة إن شاء الله .. الذي سأضمنه اسماء المطربات الاخريات اللواتي مر ذكرهن في سياق الحديث مثل ( انوار عبد الوهاب , هناء , رند دريد ) ومطربات تركمانيات وكرديات ايضا , أي ان الدراسة ستتناول في محاورها مدن شمال العراق ، اذا تسنى لي الحصول على معلوات وافية في هذا الخصوص .. لدي بعض المعلومات عن المطربة كلبهار ونسرين .. ولو كانت معلومات كافية لأدرجتها الآن ضمن هذه المحاور التي بين يديك عزيزي القارئ . وساعمل على استمرار البحث والجهود المفيدة أملا الحصول على معلومات وافية .. فقد كان لهؤلاء المطربات إسهاماتهن في رفد وتطور تجربتهن التي صبت في مجرى التطور الفني على وجه العموم في القطر.
في الصفحات التالية نتحدث بصورة عامة عن تاريخ المقام العراقي والتعريف به ، ثم نتناول الحديث عن نظره عامة لحقبة التحول ، وهي الحقبة الواقعة بين أواخر القرن التاسع عشر والعقود الأولى من القرن العشرين ، وكذلك الحديث عن المرأة في هذه الحقبة وظهورها لأول مرة كأمـــــــــرأة مؤدية للمقامات ، ومارافق ذلك من دراما … قاومت فيها المراة وصمدت حتى اخذت موقعها وعززت نجاحاتها في الساحة الغناسيقية والغناء المقامي على وجه الخصوص .
أخي القارئ الكريم ، لقد اعتمدت في اعداد هذه الدراسة البحثية التي تخص محور تجربة المراة العراقية في غنائها للمقام العراقي .. على جهودي الخاصة فـي الاطلاع على الكتابات النقدية رغم انها نادرة والتي ترتبط بشكل مباشر بهذا الغنـاء التراثي مثـل كتابات النقاد الموسيقيين هلال عاصم وسعاد الهرمزي وعبد الوهاب الشيخلي وعادل الهاشمي وباسم حنا بطرس واسعد محمد علي ويحيى ادريس وحامد العبيدي وغيرهم .. ومن ثم اللقاءات الشخصية مع بعض المعنيين فـي هـذا المجال والبحث والتقصي والسؤال ، وكان لسماع التسجيلات اكبر الاثـر لكتابـة تحليلات هـذه الدراسة باصوات المطربات المقاميات موضوعة البحث بتأني وتؤدة .

****************






المحور رقم
(11)
الجزء الثاني

1 – تراث الشعوب الموسيقي
2 – هويتنا الغناسيقية
3 - اغنيتنا الاقليمية
4 - وعي الفنانين
5 - انتباه الشعب لتراثه
6 - المراة العراقية والانبعاث الجديد
(1)
تراث الشعوب الموسيقي
مما لاشك فيه ، أن لكل أمة أصيلة من الأمم ، فنونها وتقاليدها وعاداتها ومعتقداتها وظواهرها التراثية المتأصلة الجذور … التي تتصل في أعماق التاريخ .. تعرف بها وتحمل سيماءها ، هذه الجذور التي تنغرس في الدواخل وتترعرع بين الثنايا .. هي حصيلة حياة مجتمع بأكمله وتراكم حضاري انتجته آلاف الاجيال المتعاقبة لتلبي احتياجات الجماعة والفرد .. الفطرية .. والروحية .. والعقلية .. وغيرها .
ان فن الموسيقى والغناء في أي عصر من العصور ، هو انعكاس لحياة المجتمع وتعبير عنه … صور صادقة ، لها قيمتها في نقل هذه التأملات والانفعالات والتطلعات من زمن إلى آخر ومن جيل لآخر .
الموسيقى والغناء بصورة عامة … والأغنية الفولكلورية التي يُطلق عليها في المقامات العراقية أسم ( بسته ) .. أغنية بسيطة ، تعبر عن مشاعر المجتمع من خلال المغني بآنية وتلقائية خاصة .. تحوي كل ظروف البيئة وتعبر عنها .. ولما كانت هذه البيئة تعرِّف الغناء والموسيقى اذ تعطيهما شكلاً ومضموناً تعبيرياً خاصاً . فقد كان لهيبتها وجلالها التأثير البالغ في نفوس وجماليات وذوق المجتمع حيث تميزه عن غيره من المجتمعات الاخرى … على أساس أن الأنسان أبن بيئتهِ .. ولذلك نرى أن فنان التراث عموماً يحس دوماً بأنه على دراية بشيء جليل ، يمتلك من الذوق رفيعه ومن الشهامة فروسيتها ومن الرجولة فحولتها .. فعندما يمارس الفنان تراثه ، يحس بالتحليق حيث يضيف لمسة ملائكية تتلظى بين جوانحه لتتوهج بين ثنايا صوته فيخرج كالماء الزلال الرقراق يقطر نداً وشفافيه .. ولذلك نخلص إلى القول أن الفنان البيئي الأصيل يمتلك الورقة الرابحة في أداء تراثه .. وعليه فانه يمكننا أن نتحدث عن اغنيتنا التراثية وموسيقانا الاقليمية كعراقيين ، التي توسع منحاها الانتاجي منذ بدايتها الجديدة اواخر القرن التاسع عشر وتطلعات القرن العشرين .. بأنها تتساوى من حيث القيمة والمهارة بما يناظرها من اغانٍ اخرى لشعوب اخرى ، انطلاقاً من كون كل شعب من الشعوب يحتفظ بكيان شامل يتناظر فيه ويتساوى مع الشعوب الاخرى مهما كانت الاختلافات الثقافية وقيمتها .. وفي هذا الصدد يؤكد الموسيقار الهنكاري الباحث بيلا بارتوك .. بأن خصائص البيئة تتساوى مـن حيث القيمة الثقافية لـدى الشعوب بصورة عامة نسبياً … إن مفردة ( نسبياً ) هنا تعني الكثير في هذا المفهوم .. لأننا إذا نظرنا إلى تراث الشعوب فسوف نراه حتماً يتفاوت من حيث الخصوصية والقيمة النوعية والتحليلية لكل تراث على حده .. فهناك ما هو غني شكلاً ومضموناً وهناك ما هو فقير .. نظراً للاختلافات الطبيعية بين الشعوب من حيث تاريخها وحضارتها وثقافتها وظروفها بصورة عامة .. في حين اننا عندما ننظر إلى الموضوع من زاوية اخرى ، زاوية التناظر والنسبة التي نظر اليها بارتوك فان الموضوع يتساوى من حيث هذه القيمة ، لان كل شعب يمتلك تراثاً بطبيعة الحال ، يعتبر هو اغنى مالديه وكذلك شأن الشعوب الاخرى ، فان تراثها الاقليمي الخاص يعتبر هو اغنى مالديها ، وهكذا الامر نسبياً … فمن الناحية التحليلية والنوعية لنظرتنا إلى تراثنا الغناسيقي بصورة عامة ، نشعر بأنه استغرق وقتاً طويلاً للوصول إلى القيمة النوعية التي عليها الآن … وقد يمكننا القول ، انها قيمة جيدة من حيث النضج في الشكل والمضمون . فقد عانى العـراق من تراجيديا كبيرة خلال القرون الماضية وبالتالي فقد عانت الثقافة الغناسيقية الامرّين وكذلك الكثير من التقييدات الاساسية .. إلا أنه من المناسب دراستها وتحليلها بعمق لانها تكوِّن الفحوى الاساسي التي يمكننا من خلالها أن نطور غناءنا وموسيقانا .

(2)

هويتنا الغناسيقية
كثيراً مما قيـل ومما يُقال .. أن الظروف بوجهها العام .. التي مر بها العراق الحديث ، سواء على المستوى المحلي أو الدولي ، لم تؤدِ إلى تأثر ثقافتنا الموسيقية بثقافة البلدان حوالينا .. !! اشك في هذا .. !! فمن الحق أن يقال ، أن الفنانين الغناسيقيين العراقيين إلتفتوا إلى الاهتمام بموسيقاهم الإقليمية ، بسبب الاتجاه المحافظ الذي كان يسود الاوساط الفكرية والذوقيـة لدى المجتمع العراقي على وجه العموم . مما يفضي إلى حال لا يمكن بسهولة ان توفره له الظروف في تلك الحقب للتأثر والإطلاع بصورة مباشرة على نتاجات وثقافات البلدان حواليه ، ولكن بالرغم من كل ذلك كانت هناك مؤثرات نسبية ازدادت بعد التطور التكنولوجي الذي اخذ مداه السريع حتى غدت اغنيتنا الاقليمية والفولكلورية تأخذ حصتها بصورة أكثر مباشرة من التأثير والتأثر ، وأصبحت تكتب وتلحن وتؤدى على ضوء الثقافة المحلية الأساسية والثقافة المكتسبة الجديدة التي زادتها الظروف الدولية كمّاً ونوعاً في التأثير والتأثر … ولكننا بالرغم من كل الظروف التي عشناها خلال القرن العشرين ، لازالت موسيقانـا تمتاز بمرجعها التاريخي الخصوصي والاقليمي رغم تجديد وتطورالشكل ، إلا أن مضمونها بقى يوحي إلى الآن بأن منطلقاتها الأساسية من المضامين التعبيرية العراقية الصرفة .. وهكذا احتفظ الفن الغناسيقي العراقي بأصالته وهويته الخصوصية .. وهذه تجربة فذه بالقياس إلى انصهار الكثير من تعابير ومضامين موسيقى اقاليم كثيرة في تعابير هجينة لاتمت بصلة مباشرة بمراجعها الاقليمية الخاصة بها ، إذ لم تستطع هذه الثقافات الغناسيقية الاقليمية للبلدان والشعوب مواجهة هذا المد من التوسع في اجهزة الحفظ والنشر والتسجيل والاتصال .
ان تاريخنا عريق بلا شك .. وثقافتنا عميقة الغَور .. وغنائنا وموسيقانا سحيقتا القِدم ، واغنيتنا العقلية المقصودة موجودة منذ أزمان قديمة ، وتاريخ الموسيقى العربية تحدث عن ذلك الكثير ، ولكن الفجوة العميقة التي حصلت وعزلت نسبياً الكثير من ماضينا عن حاضرنا من حيث التـطور التاريخي التدريجي لموسيقانا ، كانت الفتـرة المظلمة التي
اعقبت سقوط العباسيين ( 656هـ – 1258م ) سبعة قرون كاملة ، عانى فيها العراق شتى الوَيلات ، ومع ذلك فقد بدأت الحركة الفنية الوطنية في التحديث من جديد تتحرك نحو تحولات وآفاق جديدة . واخذت بالنمو تدريجياً منذ اواخر القرن التاسع عشر تحت تأثير فنان فرد يعتبر من العلماء العبقريين المحدثين ، ليس في العراق فحسب ، بل في الوطن العربي باعتبـاره رائداً من رواد النهضة الموسيقية العربيـة الحديثة ، أنه الرجل العبقري الحافظ الملا عثمان الموصلي8 ( 1854 – 1923 م ) الذي ترك نتاجاً غناسيقياً غزيراً في الشكل والمضمون ، احتوى على مقومات الحداثة الإقليمية التي لم تسعها البيئة العراقية حسب ، بل سيطرت على الكثير من الالحان العربية الاخرى التي حصل على معظمها تلميذه الفطن سيد درويش 9 الذي سعى للبحث عن مشاكل الحداثة في الأغنية العربية وأضاف لها الكثير . وكذلك امتزج الكثير من الحان الملا عثمان في أداءات القدود الحلبية التي ماتزال تؤدى إلى يومنا هذا .

(3)

اغنيتنا الاقليمية
قد نتوجس من مضامين اغنيتنا الاقليمية ، وهذا من حقنا .. ! وهو ما نحذر منه الفنانين الغناسيقيين ، خاصة الايغال بهذه الاقليمية والتلذذ بها على اعتبار انها ممتلكات خاصة للتمتع والتلذذ بجمالية حب الوطن وحب البيئة والمحيط .. و.. و ، وهو أمر غاية في الاهمية ورائع ، لكننا من ناحية اخرى ، نخشى الايغال لئلا تحدث هوّة قد لا يمكن تخطيها بسهولة بين الفنانين وروح عصرهم .. فلا بد أن يكون شكل ومضمون أغنيتنا أو غناؤنا بصورة عامة متوازٍ في التعابير التي يمتلكها الفنان الغناسيقي من بيئته ومحيطه وتاريخه وبين تطور المجتمع العلمي والفني والجمالي لبلورة أصالة جديدة أساسها أصالتنا الحقيقية المُستقاة من ماضينا لنعبر بواسطتها عن حاضرنا ومستقبلنا ، ولابد أيضاً أن تكون لغة المؤدي أو الملحن أو الكاتب لغـة مثقفـة وجميلـة ورنانـة وشاعرية مواكبة للحياة المعاشة للواقع المعاش ، بل لابد أن نصنع الواقع بأنفسنا لبناء المستقبل الزاهر لموسيقانا .. أن الحضارة تعني القانون والنظام .. وتعني الوعي والادراك العقلي بقيمة الحياة وتطوراتها ، وقد يعترف الفنان الواعي بتعقيدات الحياة المعاصرة فيعمل على تجاوز هذه التعقيدات …
ان الحافظ الملا عثمان الموصلي مجّـد الواقـع لأنه انطلق من تراثه وتاريخه وثقافته الوطنية ، ومجّد الحياة لأنه عبّر عنها بكل وعي ودراية ، وبذلك تصبح الحضارة مرادفة للحق بالحياة ، كما أنها مرادفة لأخلاق الفن السامية ..
غالباً ما يؤكد الدافع الفني نفسه ، في الحان ونتاجات هذا العبقري العملاق الملاعثمان الموصلي … فكثيراً مايصل إلى الذروة في التعبير عن الحياة وعن الحضارة وعن الوطن في نتاجاته ، أي أنه ثبّت الأسس العقلية وأعادها واظهرها في النتاجات الغناسيقية الحديثة في العراق الحديث .. فلا بد إذن .. أن تسمو هذه التطلعات بصورة متحضرة .. ولذلك نرى أن المؤلفات والنتاجـات الغناسيقية بصورة عامة ، الممتلكة للمقومات مارة الذكر ، ناجحة لأنها توضح الأشياء كما هي ، ولأنها تكون في هذه الحالة بعيدة عن التخريب الجمالي والتعبيري والعلمي ..
إن التأكيدات كثيرة حول ما يُسمى بالأغنية الحديثة ، أي الأغنية العقلية المقصودة ، مؤديها وملحنها وكاتبها .. كلهم معروفون لدى المجتمع ، أي أنها من زاوية أخرى نتاج فردي رغم إنها تستقي تعبيراتها من المجتمع ، تأكيدات على أنها نشأت في المدينة .. وهذا أمر منطقي ومقنع .. لأن أهم ما تمتاز به المدن هو ديناميكية التفكير والحضارة العقلية والتطور والتغير والتحول ، أي حركة الحياة الديناميكية 10 المستمرة والمتنوعة المتصلة .. لذلك نرى أن تراث الموسيقى الريفية والبدوية وباقي البيئات الأخرى ، أكثر وأعمق أصالة وأكثر نقاءً من تراث المدن وكذلك فهو أبطأ استجابة للتغيير أو التطور.
ومن ناحية أخرى هناك ادعاءات أخرى تقول ، أن الأغنية الحديثة قد هجرت الخصوصيات البيئية والإقليمية في شكلها ومضمونها ، وهو ما نحذر منه أيضاً … ومع إنها تبقى ادعاءات تنقصها الدقة في بعض مفاصلها, ومع ذلك فان اغنيتنا الحديثة لم تزل تتباها بالقول (أن منطلقاتي عراقية) ..

(4)

وعي الفنانين
على الأجمال ، ان الكثير من فنانينا الغناسيقيين لا ينتجون غناءً أو موسيقى بتعابير أدائية هم غرباء عنها على وجه التقريب ، فليس هناك هوة سحيقة فعلا لايمكن ردمها تفصل بين الفنان ومتطلبات عصره .. فقد تخلص بعضهم من عقدة الاعجاب بالغريب .. واستطاعوا ان يتفاعلوا مع نتاجات فناني بلدهم ومادة تراثه الغناسيقي .. ونتج عن ذلك ظهور فنانين كبار يشار لهم بالبنان ، ومثال ذلك ( الفنانون الوطنيون ) الذين درسوا علوم الموسيقى الحديثة والمعاصرة وانطلقوا بوطنيتهم بهذه العلوم .. حيث لا يهدف هؤلاء الفنانون إلى توثيق ما يجري من تطلعات موسيقية في الخارج ، بل أن تطلعاتهم وافكارهم وثقافتهم كرسوها لتوثيق الفترة التطورية المعاصرة والمعبرة عن واقع ظروف العراق ، بلدهم ووطنهم ، وذلـك يعزى للأصالة الكامنة في نفس كل من هؤلاء الفنانين الدارسين الواعين لظروف المرحلة الراهنة ومتطلباتها , أي إنهم يقدسون التراث ويرون إن عليهم المحافظة عليه وتسليم الراية الى الجيل القادم بكل أمانة.
إن الغناء بصورة عامة .. وغناءنا العراقي على وجه التخصيص ، من أغنية حديثة مستقاة من مختلف بيئات جغرافية العراق سواء أغنية بغدادية أو أغنية المدن بصورة عامة أو الأغنية الريفية أو البدوية أو أغنية البيئات الأخرى . إذا كان هذا الغناء مضمونه يعتمد الخيال ، دون أن يعكس حقيقة المرحلة المعاشة ، فأنه لن تكون هناك كبير فائدة في قياس متطلبات وهموم حياتنا المعاصرة ومخاطرها المتوقعة في المستقبل خاصة ونحن نعيش في عالم مجنون في تطوراته التكنولوجية المذهلة . وعلى هذا أطلق الفنانون العراقيون الدارسون والواعون لظروف بلدنا الناهض ، العنان لأنفسهم وإمكانياتهم ومخيلاتهم في هذا السبيل .. وتعتبر هذه التطلعات الأصيلة جزء من الأغنية والموسيقى المعاصرة ، ليس في العراق حسب ، بل في كل الوطن العربي وخارجه ، وهكذا نرى هذا الواقع وهذه التطلعات موجودة في النتاجات الموسيقية والغنائية وقد توضحت اكثر في النصف الثاني من القرن العشرين .

(5)

انتباه الشعب لتراثه
أما فيما يخص المقام العراقي ، فمنذ حوالي أكثر من ثلاثة قرون والمهتمين بشؤون المقام في بغداد خاصة والمدن الشمالية كركوك والموصل والسليمانية واربيل ودهوك يتداولون مصطلح ( المقام العراقي ).. وبمرور الزمن بدأت تعقد حوله المناقشات والندوات والمؤتمرات وتنفق عليه الاموال .. وقد استطاعت جهود الرواد الأوائل لهذا اللون الغناسيقي أن تؤتي ثمارها وتحقق كثيراً من غاياتها فاجمعت لهذا التراث مجموعة قيمة من الافكار والابداعات والاراء والمحاولات الفردية والجماعية كوّنت لنفسها ذخيرة نفيسة من المبادىء الاساسية لأصول 11 المقام العراقي وشروطه 12 التي توَّجت بتأسيس معهد الدراسات النغمية العراقي عام 1970م , الذي أخذ على عاتقه دراسة المقام العراقي والموسيقى العراقية أكاديميا ولعل الأمر الذي يعنينا من هذا كله ، هو ان الاهتمام لا يمكن ان يكون وليد المصادفة ، ولا هو ثمرة اجتهاد شخصي لباحث فرد مهما بلغ علو همته في الغناء والموسيقى والبحث والحماسة في الدفاع عن هذا اللون المميز … لابد إذن أن يكون لهذا الاهتمام استجابة طبيعية لحاجة واقعية لها وجودها الملموس على المستوى الاجتماعي والقومي والوطني ، حاجة يمكن ان تبرر هذا التشجيع من جانب الدولة وأجهزتها الإعلامية ، مع الجهود المخلصة لبعض الباحثين الأفراد … ( وعليه فان فناني الطليعة في العراق الحديث ، خلال النهضة الموسيقية الحديثة مطلع القرن العشرين ، قد ساهموا مساهمة فعالة في إعادة الزهو والــــــــسرور إلى الموسيقى خاصة ..

(6)

المراة العراقية والانبعاث الجديد
لابد من ذكر حقيقة طيبة .. هي أن هذا ألانبعاث الجديد لنهضة الثقافة الموسيقية عندنا ، قد ساهمت به نساء فنانات بصورة مؤثرة … برهنّ على انهنّ قويات في المجتمع .. حيث كانت النتاجات الأولى في الغناء والموسيقي قد أدى كثيراً منها من قبل نساء مطربات أمثال صديقه الملاية وبدريه أنور ومنيره الهوزوز وسلطانه يوسف وبهيه العراقية وماري الجميلة وأمينه العراقية وعليـَّة فوزي وجليله العراقية وطيره حكيم وزنوبا وعزيزه العراقية وروتي وغيرهن الكثير … وستبقى الاغاني خالدة على مر الزمن لامتلاكها كثير من مقومات النجاح .. خاصة في عنصرها الجمالي نسبة لحقبتها الزمنية .. الذي كان يعبر عن روح البيئة المحلية الذي كان ملائماً لذوق المتلقي انذاك .. وقد كان الملحنون الاوائل قد بذروا البذرة الاولى التي اثمرت عنها هذه المرحلة الثقافية التي تمخضت عنها حركة جديدة بالاستقاء من التراث والاستفادة منه فائدة مباشرة سواء في المقامات العراقية أو في الالوان الغناسيقية الاخرى مثل الغناء الريفي والغناء البدوي أوغيرهما .. حيث تكشف لنا ذلك خلال الاستماع إلى تلك الابداعات التي ظهرت في هذه الحقبة … وهذه الحقائق تبرهن لنا ان نجاح هذه الطليعة من النساء المطربات قد خلّف نساء مطربات اخريات كجيل ثانِ وثالث .. فكانت سليمه مراد وعفيفه اسكندر وصبيحه ابراهيم ولميعه توفيق وزهور حسين ومائده نزهت وهيفاء حسين واحلام وهبي وغيرهن …
رغم ان هذا الخط المستمر من ظهور النساء المطربات كان يبهت تارة ويظهر تارة اخرى وذلك بسبب القيود الاجتماعية ونظرة المجتمع إلى الفنانين .. مما جعل المرأة تحتاج إلى كثير من الجرأة لتقديم نفسها فنانة للشعب.. لذا فقد كانت المرأة عموماً اقل احتمالاً للنجاح واكثر تعرضاً للخيبة واليأس.. ومن الحق القول أن هاتيك النساء.. كن هن البداية والمحرك الفعلي الأول النشط والمقاوم للركود الثقافي... اللاتي ظهرن في العقود الأولى للحركة التحديثية للموسيقى والاستمرار بها ومجىء الاجيال الاخرى التي نهجت نفس الخط التطوري وأصبح للجيل الأول منهن خليفات وأتباع.. فقد كانت هي البداية وهي المحرك الفعلي الاول للركود الثقافي في مسيرة الفن الغناسيقي الذي استمر على ركوده طيلة زمن قارب السبعة قرون، وبتطور الزمـن فـأن الاجيال التالية لجيل الفنانات الرائدات قد اصبح أخف عبئـاً وأكثر ثقة مـن السلف، وأصبحت معالجة بعض القيود الاجتماعية الصارمة قبـلاً ، أمراً أكثر مرونه .. حيث بدا عند النساء المطربات يزداد بمرور الزمن.. )13