المرحلة الاولى


المرحلة الاولى


المرحلة الاولى


المرحلة الاولى

من
المحاور المقامية

2008






محاور في المقام العراقي

دراسة بحثية متسلسلة لمحاور تخص شأن
غناء وموسقى المقام العراقي

يـكـتبها في حلقات

مطرب المقام العراقي
حسين اسماعيل الاعظمي
















الاردن / عمـَّان
2008 نيسان April







اليكم أعزتي القراء في الصفحات التالية
المحور رقم (12) بجزأين ، من المرحلة الاولى ، مذكــِّراً ، في حال فقدان أية حلقة من حلقات المحور رقم (1) بأجزائه الخمسة والمحاور الاخرى التي تم نشرها في الايام القليلة الماضية ، أن تكتبوا إليَّ لأرسلها إليكم
*************
أو الذهاب الى موقع كوكل google والبحث عن (محاور في المقام العراقي) حيث تجدون كل المحاور منشورة في المواقع والشبكات الالكترونية مع الشكر والتقدير لكل اخوتنا في هذه المواقع والشبكات

وهذا هو المحور
رقم (12)

Hussain_alaadhamy@yahoo.com

00962795820112



المحور رقم
(12)

********

1 - تعرفة اخرى في المقام العراقي
2 - ما هو المقام العراقي ..؟
3 - شمولية تعبير الموسيقى
4 - فكرة تاريخية
5 - البيئة الجغرافية للمقامات
6 - تاثر وتاثير المقامات
7 - تبلور الشكل المقامي


(1)

تعرفة اخرى في المقام العراقي
عندما استمع الانسان إلى صوته لأول مرة ، يعاد ويكرر من خلال ابتكاره العظيم– جهاز التسجيل الصوتي – وهو يودع القرن التاسع عشر ويستقبل القرن العشرين … يكون قد اعلن بذلك ، عن دخول البشرية منعطفاً جديداً عظيماً من تاريخها .. الامر الذي قاد اكثر التحولات والتغيرات في حياة الشعوب نحو آفاق اتسمت بالسرعة المتزايدة على الدوام .. وهي فعلاً حقبة تحول وانفتاح بكل ما تستطيع احتواؤه هاتين المفردتين من معانٍ وصفات لا حدود لها .

ان التسجيلات الصوتية باصوات المطربين المقاميين والريفيين والبدويين ، وغيرهم من مطربي الالوان الاخرى ، قوميات واديان ، التي يتضمنها الفولكلور الغناسيقي في العراق مثل تسجيلات جميل البغدادي ورشيد القندرجي والملا عثمان الموصلي ونجم الشيخلي ويوسف كربلائي ومحمد القبانجي وداخل حسن وحضيري أبي عزيز وناصر حكيم وسعيد عكار وجميل الأعظمي وغيرهم الكثير من الذين ظهروا في هذه الحقبة الزمنية الذين ادركوا اجهزة التسجيل الصوتي .. تسجيلات تمثل في الواقع النماذج الأولى الرائدة عن طريق جهاز التسجيل الصوتي ، التي ستبقى خالدة على مر الزمن ، لانها ستكون دوماً موضع الاهتمام في الدراسات الغناسيقية لحقبة تميزت باكبر التحولات في حياة الشعوب .. وبعد ان مرَّت آلاف الاجيال المتعاقبة على مدى التاريخ ، من الذين ذهبت اصواتهم مع الهواء دون تسجيل صوتي لها يوثقها ويحفظها .. وعليه فالمقام العراقي واعتباراً من هذه التحولات السريعة في هذه الحقبة - حقبة التحول – يكون قد ولد من جديد ، فقد اختصر هذا التراث الغناسيقامي ، طريقاً طويلاً من النمو والارتقاء حتى بلغ شأواً ومكانة فنية عالية خلال القـــــــــــــــــرن العشرين ..

(2)
ما هو المقام العراقي ..؟
.ماهو المقام العراقي ..؟ وماهو جوهره ..!؟
اعتقد ان هذا الموضوع من اعقد مواضيع البحث واصعبها .. وربما اسهلها في نفس الوقت ، لأنه في الحقيقة لايوجد أي رأي ثابت أو رأي موحد يبين جوهر هذا الموضوع .. فقد صاحب تعريف المقام العراقي اجتهاد شخصي ، تأثر بمؤثرات متنوعة ، لذا رأى البعض أن ( تعريف المقام ) يعد موضوعاً معقداً وصعباً .. بينما رأى البعض الآخر، انه سهل يسير ، لاداعى للأيغال في فلسفة لا يحتملها هذا التراث العريق .. ولسنا هنا في معرض استعراض تفاصيل وتعاريف تبين ما كتب وما تحدث به النقاد والمتخصصون .. بل سنحاول فقط إن نعطي تحديداً وتعريفاً شاملاً لهذا التراث الغنائي .. ( إذ يسود الاعتقاد في الأوساط الغناسيقية ، أن المقام العراقي عبارة عن مجموعة أجناس موسيقية وغنائية تتصل ببعضها البعض لتكوين قوانين وعناصر وأصول حُلَّت ألغازها .. ! بيد أن المقام العراقي إضافة إلى وجود هذه الأجناس هنا وهناك في غنائه .. يعتبر نمطاً معيناً من النظام الدقيق ذي الاصول الغنائية الرصينة ، وهـو عمل حسي تمتزج مكوناتـه جميعاً للحصول على الوحدة المتكاملة في بنائه وقابل للتطوير .. )14
أما تعريفه مـن الناحية الوظيفية فهو شكل ( فورم Form ) غناسيقي تراثي محلي عراقي … يسرد في صور شاملة ، ومتعددة الجوانب ، من الاشكال والمضامين الغنائية .. إذ يعبر عن حياة العراق بكل تاريخه وحضارته وثقافته وظواهره ، فهو يعكس هوية ابنائه وشخصيتهم .. وهو ايضاً يوضح تطور حياة هذا البلد العريق في تفاعله المتبادل بدائرة الحياة الطويلة المعقدة الممتدة لآلاف السنين من التاريخ ..

(3)
شمولية تعبير الموسيقى
ليس في الحياة ، أو في أي فن من الفنون.. جانب يستطيع ان يمتلك شمولية التعبير عن كوامن المشاعر الانسانية بهذا الشكل اللانهائي ، بمثل الشمول الذي يعكسه الغناء والموسيقى .. (فالغناسيقى) التراثية لها الامكانية الواسعة بالتصوير المتسع عن كوامن الانسانية للجماعات والافراد ، وهو ما يطلق عليه - عبقرية الشعوب – فهي تسمح بالمزج بين مختلف انواع التعبير الروحي والمضامين السامية ووسائل التصوير المتنوعة من جهة ، وبين تصوير الجوانب العادية للحياة من جانب آخر.

على هذا الاساس فالغناسيقى التراثية تعتبر اكثر انواع الفنون التي تبرز حياة الانسان في ظروفه المحددة كانعكاس لتصوير حقبته الزمنية التي يعيش فيها .. والغناسيقى التراثية تختلف تبعاً لاختلاف بيئاتها وموضوعاتها واشكالها ومضامينها .. فهناك الغناسيقى المدنية والريفية والبدوية والصحراوية والجبلية والسهلية وغيرها ..

(4)

فكرة تاريخية
من ناحية اخرى .. فقد اختلفت الآراء وتباعدت نقاط الإلتقاء بينها مع وجود نقاط باهتة متفرقة تمثل جانباً توفيقياً ليس أكثر وماتزال في حيويتها ، حول تحديد بداية تاريخية للمقامات العراقية … فقد اشار الكثير من الكتاب والنقاد والمؤرخين ، إلى ان المقامات العراقية قديمة جداً قدم الحضارة العراقية .. ومنهم من اشار إلى ان تاريخها يعود إلى بداية الدولة العباسية .. إضافة إلى ان هناك من يقول .. ان هذه المقامات ظهرت قبل ثلاثة أو اربعة قرون مضت .. أي خلال الفترة المظلمة التي مرّت على العراق بعد الغـزو المغولي لبغداد وانهاء الحكم العباسي ( 656هـ – 1258م ) .. وهناك اقوال وآراء اخرى تبدو غير مهمة ولاداعي لذكرها قيلت من اجل إدلاء أصحابها بدلوهم .. وسياتي الحديث تباعا حول هذا الموضوع في المحاور التالية ..

(5)

البيئة الجغرافية للمقامات
ان الممارسات الغنائية المقامية التي لها صلة مباشرة بالمقام العراقي عموماً، نجدها موجودة ومنتشرة بصورة متقاربة ومتشابهة في بيئة جغرافية واسعة الاطراف ابتداءً من العراق ومعظم غرب وأواسط آسيا.. تركيا ، إيران , (نصف دول الاتحاد السوفيتي السابق تقريباً) والهند ، الباكستان ، افغانستان ، الصين … وغيرها من الدول المجاورة لبعضها.. فكلها متفقة أو متشابهة مـن حيث الاساس الادائي الغنائي للمقامات.. ومن جانب آخر، يبدو ان إطلاق مصطلح – المقام العراقي – تحديداً .. أي اقترانه بالصفة الاقليمية جاء بسبب الضرورة إلى تمييزه عن مقامات اخرى موجودة في البلدان سالفة الذكر.. المجاورة أو البعيدة نسبياً.. حقاً ان المقام العراقي يمتلك مقومات الشخصية المستقلة المؤثرة .. يمتلك مايميزه عن مثيله في الدول المجاورة .. وهذا الذي يمتلكه لايعدو بحقيقة الامر ان يكون , اسلوب خاص جداً في التعبير وغناء المسارات اللحنية.. فهو من هذه الزاوية ، يعد بحق عراقياً نعم , ومحلياً. ولعل من المهم قوله أيضاً.. ان الممارسات الغنائية المقامية المستخدمة في جغرافية واسعة من الغرب الآسيوي كما مر بنا.. توحي لنا بأن بيئتها الحقيقية جبلية وذلك كما هو واضح في الانتقالات الغنائية التي تبدو في البعض من المقامات ، انها انفعالية سريعة الانتقال بين القرار والجواب ولا تحتمل المرونة والانسيابية ، وهي انعكاس حقيقي لخشونة الحياة الجبلية .. وعليه فإن هذه الحالة الانفعالية في غناء المقامات يمكن ان تكون سبباً من اسباب اطلاق صفة (الفن الرجالي) الذي يعني الفن الذكوري تحديدا ..! وهو غير ما يعني طبعا صفة (الفن الرجولي) ..! على هذا الفن المقامي في بغداد والعراق عموماً.. وبسبب ذلك كما يبدو أيضاً ، كان بعض من اسباب رفض الرجل البغدادي للممارسات الغنائية المقامية النسوية كتجربة جديدة رائدة في غناء المقامات العراقية .. هي رقة الصوت النسوي وليونته.. ان كان ذلك وعياً عقلياً من قبل الرجل ، أم وعياً عفوياً تلقائياً لا تأكيد عليه , لذلك نجد ان الصوت النسوي الرقيق عندما ولج إلى عالم الفنالمقامي .. اخذ يعاني من وسيلة التعبير المضنية المتعبة ، ذلك التعبير الانفعالي الذي لا يتميز به الصوت النسائي ولا تتميز به تعابيره.. وعليه فالمرأة حاولت الإجادة , لكنها في كل مرة تواجه رفض الرجل لها ، الذي يختبئ خلف (الانا) ، وعليه وقعت في البداية في مشكلة التصنع في التعبير ، ذلك ان الرقة تحاول ابعاد ذاتها عن خشونة التعبير المقامي ما استطاعت ما استطاعت الى ذلك .. وهذا نداء الطبيعة..
من ناحية اخرى نلاحظ من خلال ذلك ان بغداد متأثرة بهذه الممارسات الغنائية وليست اصلاً لها ..! هذا إذا سلـَّمنا بمرجعية المقام العراقي الى المناطق المرتفعة , مع أن هذا الطرح بحاجة الى تمحيص , غير انه لا يغادر المنطق إلا ليعود اليه , فالكثير يرى ان مدن شمال العراق كركوك ، والموصل ، واربيل ، والسليمانية ، ودهوك.. تعتبر اصلاً جغرافياً لهذه الممارسات الغنائية المقامية ، فكما ان الظرف المكاني وضح تأثيره فان ثمة عامل آخر لايقل اهمية عن الاول ، واقصد به عامل الحدث الذي بمقدوره احداث منعطف نوعي في المجتمع .. وبغداد تعرضت مع الاسف إلى كثير من المآسي والنكبات من خلال الغزو المغولي وتعدد الاقوام المختلفة التي حكمت العراق .
ان الفترة الوسيطة ( الفترة المظلمة ) بقرونها السبعة ، هي الفترة التي كانت فيها التأثيرات الغنائية المقامية ، مباشرة ومؤثرة بصورة تبدو مهيمنة على بغداد ، وباعتقادي ان بغداد لو لم تكن عاصمة .. لما وصلت اليها التأثيرات الغنائية المقامية .. ولبقيت على حالها التعبيري العباسي الذي تتسم به اليوم ، تعابير الموسيقى العربية في عصرنا الراهن التي اطلق عليها – الموسيقى الشرقية – أو الموسيقى العربية . وعلى هذا الاساس ، فـان الحكومات التي تعاقبت علـى حكـم العراق طيلـة الفتـرة المظلمة كان مركزها بطبيعة الحال في بغداد ، ومن هنا نجد سبباً آخر في اطلاق المصطلح المحدد - المقام العراقي – على هذه الممارسات الغنائية في بغداد ، على اعتبار ان العاصمة من حيث المبدأ .. أي عاصمة .. هي مركز الدولة ومركز الحكومة ومركز دوائرها وجامعاتها ومركز الفكر والثقافة والحضارة .. فهي تمثل إذن كل كيان البلد .

(6)
تاثر وتاثير المقامات
من المهم جداً قوله .. بأن تجربة الاداء المقامي في بغداد تعتبر تجربة رائدة في كل جغرافية الاداء المقامي الواسعة الاطراف من غرب وأواسط آسيا .. لأننا إذا اتفقنا على ان هذه الاداءات تعود لبيئة جبلية وهو ما أميل إليه .. فان نقل هذه التأثيرات عن طريق الاقوام التي حكمت العراق في بغداد وبقائها لفترة طويلة جداً من ( 1258 حتى 1958م ) أي سبعة قرون ميلادية بالكمال والتمام بما فيها سنوات الحكم الاستعماري الانكليزي ( 1917 – 1958م ) ، يعني ان الممارسات الادائية المقامية تكون قد انتقلت إلى بيئة مدنية ، ربما لأول مرة ، وهذا ما اعتقده ، فاذا كان هذا التفسير وارداً ، فهذا يعني ان الامر اختلف اختلافاً كبيراً من حيث المبدأ ومن حيث المفهوم الفولكلوري العلمي .. وهو الانتقال من بيئة تتسم بثبات الحياة فيها وهي البيئة الجبلية ومميزاتها الحياتية المعينة ، إلى بيئة مدنية تتسم بتطور وتغير اساليب الحياة فيها باستمرار ، على اعتبار ان المدينة هي البيئة الوحيدة التي تتسم بهذا المضمون الحركي ، الامر الذي يمكن القول فيه ان الاداء المقامي الغنائي في بغداد قد تقنن وتهذب وتبلور وتطور اكثر من أي مكان آخر من كل غرب وأواسط آسيا ، بالرغم من أننا غير مطلعين بشكل دقيق على كل إنجازات البلدان الفنية في هذا الشأن ، لكنني استمعت إلى الكثير من هذه الاداءات وامعنت السمع فيها ، فوجدتها تؤدى بأصوات غاية في الجمال وغاية فـي الاعداد الفني ، ولكن اشكالها الاصولية كقالب ( Form ) لم تصل إلى ما وصلت اليه هذه الأشكال الأصولية في بغداد من حيث انها (شكل فورم) ، والسبب العلمي الاجتماعي يدعم هذا القول ، إذ نرى الامر واضحاً .. فبغداد مدينة وعاصمة تتسم بديناميكية الحياة ، في حين ان الاداءات الاخرى في البلدان الاخرى اتسمت بثبات اصولها التقليدية ، وعليه نرى ان هذه الاداءات المقامية في العراق .. ( المقام العراقي ) .. بادائها واصولها ، بشكلها ومضمونها ، والتي وصلت إلى ذروة كلاسيكيتها مطلع القرن العشرين ، قد اضيف لها الشيء الكثير .. سمات تقنية امتازت بالوعي الفكري .. فهناك مقامات مقيدة الاصول تكونت من تراكم التجارب الادائية طيلة القرون الماضية ، وهناك مقامات حرة تتيح فرصة للمغني ان يبدع ويظهر إمكانيته فيها ، وهناك مقامات رئيسة كبيرة وهي نفسها السلالم الرئيسة المعروفة في الوطن العربي والشرق ، تمتاز بالتنوع السُلّمي .. ومقامات أخرى صغيرة متفرعة من المقامات الرئيسة الكبيرة .. ولعل أكثر الملاحظات أهمية هي المساحة الصوتية الموجودة في معظم المقامات التي تتسع لأكثر من أوكتافين يؤديها المغني الحاذق الذي يمتلك صوتاً قادراً على أدائها .. مساحات صوتية لمسارات لحنية مقامية مقننة وليست قرارات أو صيحات في مسارات لحنية موسيقية وغنائية كيفما اتفق ، أي انها ليست ارتجالاً بالمعنى الحرْفي للكلمة … وفي النتيجة يكون المقام العراقي المؤدى في بغداد .. في شكله ومضمونه ، مزيجاً من أصل شكله ومضمونه الجبلي مع اشكال ومضامين غناء موسيقى عراقية وعربية مدنية متحركة على الدوام . وهكذا اتسم المقام العراقي بأدائه في بغداد بتطورات جمالية وتأملات رومانسية املتها عليه التجربة المدنية وثقافتها ، تختلف بطبيعة الحال عن تلك التأملات الموجودة خارج حدود المدنية .

(7)

تبلور الشكل المقامي
ولو عدنا مرة اخرى إلى آراء المؤرخين والنقاد والمتخصصين في شأن تاريخية المقام العراقي فان ماورد منها بعض الآثار الطينية التي ذكرت فيها أسماء لبعض المقامات منذ العهد السومري والبابلي أو غيرها من تتابع الحضارات ، أو ماذكر من أسماء لبعض من أسماء المقامات في أراجيز الشعراء أو رسائل علماء الموسيقى كالفارابي والكندي والارموي وغير ذلك الكثير من الآراء … إلا أن كل هذا لايعني بالضرورة ان ما ذكر من الاسماء المقامية ، هي نفسها المقامات العراقية التي نؤديها اليوم ، لأن هذه الاسماء المذكورة .. هي أسماء السلالم الموسيقية ودرجاتها ، المستعملة في كل علوم الموسيقى العربية والشرقية .. وهي موجودة لحد الآن ولا علاقة لها بموضوع الفورم الخاص ببيئة معينة .. انها اسماء لسلالم ، واسماء لدرجات نغمية تتكون منها السلالم .. وليس لها شكلاً ادائياً محدداً .. انها استخدامات موسيقية موجودة منذ القدم ، في الموسيقى العراقية والعربية .. أما مانعنيه بغناء المقام العراقي فهو شيء آخر تماماً يدخل ضمن علم الفورم الغناسيقي ( Form ) أي علم الاشكال والقوالب والصيغ الغناسيقية المحددة المعالم والاصول والمضامين التعبيرية.
إضافة إلى ما ذكره المؤرخون لأسماء بعض المقامات في الرُقم الآثارية ، حيث لـم يذكر على انها مقامات ، بل لم يذكر أي أسم لمقامات محلية نستعملها ضمن مقامات اليوم .. ولكن ما ذكر أسماء لدرجات موسيقية عربية لا تزال تستعمل في الوطن العربي كله ومن ضمنه العراق كما مر بنا قبل قليل .. فهي ليست أسماء لدرجات موسيقية أو لمقامات عربية اختص بها العراق لوحده .. وعليه فانها لا تعني محتويات الفورم المقامي الموجود في العراق فحسب .. بل أنها تسميات موسيقية عامة تدخل ضمن نظريات الموسيقى العربية والشرقية..
ان تقنين غناءنا وموسيقانا على مدى تاريخ العراق ليصبح شكلاً ومضموناً عراقياً وفي فترة كالفترة المظلمة .. يعني من جانب آخر التمسك بالهوية التعبيرية والمضمون الادائي الخصوصي لغناء وموسيقى العراقيين .. وعدم انصهار كيانهم بكيان الاقوام الحاكمة .. وهكذا حافظ العراقيون على تاريخهم وثقافتهم وخصوصيتهم وكيانهم الاجتماعي وموسيقاهم العربية .
انه لمن المستحيل النظر إلى المقامات العراقية التي تؤدى حالياً ، كشكل ومضمون …على انها نفس هذا الشكل وهذا المضمون منذ أقدم الأزمنة ، ولكن يمكن أن نقول إنها امتداد لنفس موسيقانا وغنائنـا في تطورها وتبلورهـا التاريخي عبر عمق هذا الزمن الطويل . ان الأشكال والمضامين تتغير وتتطور تبعاً لتغير وتطور الشعوب على مدى التتابع الزمني ، فلكل ظرف ثقافي وزمني شكله ومضمونه في كل ظواهر الحياة .. وهكذا الموسيقى والغناء ، وفي العراق الذي عاش محنة الفترة المظلمة ، تأثرت من ظواهر حياته الكثير ، فقد كانت هذه الفترة منعطفاً كبيراً جداً في حياة العراقيين . فلو أمعنا التدقيق والبحث في محتويات الأداء المقامي الحالي فإننا سنجد الكثير من الاختلافات التاريخية والفنية من حيث الشكل ، التي لم تكن تخص غناءنا وموسيقانا قبل هذه الفترة رغم أننا محتفظون بموسيقانا العربية ونظرياتها العلمية وهذا الأمر لا يستغرب شأنه ، لاننا مع ذلك سنعثر على الخيوط الواضحة المشتركة التي تشير إلى الجذور . أي ان موسيقانا لم تعرف هذه المقامات كفورم في عصورها القديمة ، فالغناء والموسيقى في بلدنا ، وصلتنا كمدونات تاريخية تصف جانب من حياة العراقيين على مدى تاريخهم ، وهي وثائق تاريخية يرجع إليها في ذات الوقت عند دراسة تاريخنا الموسيقي والبحث فيه لمعرفة التغيرات والتطورات التي مرت منذ أقدم الأزمنة على بلدنا حتى يوم الناس هذا .
وفي هـذه المدونات ، نجد ان الآثاريين او المؤرخين يتناولون شؤون الموسيقى والغناء ، على انها مقطوعات أو صوت مؤلف يؤدى في جلسات الطرب ، ليس له حدود شكلية تعبر على ان هذه المدونات واضحة المعالم ، بل إنها حرة التعابير ودون تقييد لمساراتها اللحنية .. وفي العصر العباسي ، اخذ الغناء العراقي يهتم تدريجياً ، اكثر من أي وقت مضى بتصوير مشاعر الانسان وخلجات نفسه .. ففي هذا العصر بدأت نهضة جديدة من الثقافة الموسيقية تمثلت بعلماء الموسيقى ومغنيها وعازفيها وباحثيها ..
وما ان حل الغزو المغولي لبغداد .. منتصف القرن السابع الهجري حتى تم ادماج اساليب ادائية غناسيقية شديدة الانفعالات اكثر مباشرة من السابق ، جاءت بها الاقوام الغازية ، بأساليب الاداءات الغناسيقية العراقية العباسية .. فقد حصل الاندماج ونتج عن ذلك اداء وصف بالاداء المقامي ، فأخذ يتبلور رويداً رويدأ حتى أصبح شكله يتحدد بمرور الزمن , ليصبح له شكلاً ومضموناً محددين ، خلاصة لتجربة التأثر والتأثير المتبادل بين الاقوام من جهة والعراقيين اصحاب الأرض من جهة اخرى التي ظهرت في هذا العصر اكثر من أي زمن مضى , وبمرور الزمن اطلق على غنائنا الذي اصبح مزيجاً من هذه الاداءات مصطلح ( المقام العراقي ) ربما تمييزاً عن مقامات اخرى خارج هذه الحدود الاقليمية كما مر بنا . وهكذا اصبح لغنائنا وموسيقانا قالباً وشكلاً واضحاً ازداد في تقنيته بمرور السنين والاجيال لتتسع دائرة تعدد المقامات إلى رئيسة وفرعية ، مقيدة وغير مقيدة ، كبيرة وصغيرة ، حتى امتلك هذا الفورم ( المقام العراقي ) زمام امره .. فتبلورت السلالم الموسيقية حتى ازدادت المقامات عدداً في غناء السلالم والانغام المستعملة فيها .