المرحلة الاولى


المرحلة الاولى


المرحلة الاولى


المرحلة الاولى

من
المحاور المقامية

2008






محاور في المقام العراقي

دراسة بحثية متسلسلة لمحاور تخص شأن
غناء وموسقى المقام العراقي

يـكـتبها في حلقات

مطرب المقام العراقي
حسين اسماعيل الاعظمي
















الاردن / عمـَّان
2008 نيسان April







اليكم أعزتي القراء في الصفحات التالية
المحور رقم (15) بجزأين ، من المرحلة الاولى ، مذكــِّراً ، في حال فقدان أية حلقة من حلقات المحور رقم (1) بأجزائه الخمسة والمحاور الاخرى التي تم نشرها في الايام القليلة الماضية ، أن تكتبوا إليَّ لأرسلها إليكم
*************
أو الذهاب الى موقع كوكل google والبحث عن (محاور في المقام العراقي) حيث تجدون كل المحاور منشورة في المواقع والشبكات الالكترونية مع الشكر والتقدير لكل اخوتنا في هذه المواقع والشبكات

وهذا هو المحور
رقم (15)

Hussain_alaadhamy@yahoo.com

00962795820112



المحور رقم
(15)

********
1 - نظرة عامة لحقبة التحول
2 - الانفتاح بين المعارضة والتاييد
3 - بعض سمات حقبة التحول
4 - الطريقة القبانجية والحداثة
5 - اصالة القبانجي

(1)
نظرة عامة لحقبة التحول

عند حلول القرن العشرين .. كان العالم يعيش حالة الاضطراب والقلق نتيجة ادراكه للتحولات والتغيرات واحساسه بأن شيئاً ما قد حدث أو يحدث ..! هذه الحالة اخذت تتسارع في حياة الشعوب .. فقد عاش العالم كابوس الدم الذي أهرق في الحرب العالمية الاولى .. ولم تتوقف هذه الحالات من الاضطراب والقلق عند هذا الحد … بل تسربت إلى اعماق كيان كل انسان وكل شعب من شعوب الارض .. ولحقت بها سلاسل من الثورات في كل مكان من الارض .. ثورات صامته وثورات صارخة .. وفي العراق كانت اولى النتائج التي تمخضت عن هذا الواقع .. سقوط الدولة العثمانية التي احتلت العراق والوطن العربي طيلة اربعة قرون من قرون الفترة المظلمة . وحل محلها الاستعمار الانكليزي 1917 في خضم الحرب العالمية الاولى الذي تم سقوط العثمانيين على يده في العراق .. ومن هذا المصير الذي آل إليه العراق كانت ثورة العشرين الصرخة الاولى في وجه المستعمر الانكليزي ومن ثم قيام الدولة العراقية الحديثة والحكم الملكي . جوٌ محموم بالاستياء الملح كان يعتصر فكر ومشاعر الشعب العراقي .. مفاهيم ومشاكل واحزاب .. ثم جاءت انتفاضة 1932 وتبعتها ثورة الضباط الاحرار في مايس عام 1941 … ومر العراق بعد ذلك في جو من الحذر والتوقعات عبر الحرب الكونية الثانية حتى قامت ثورة 14 تموز 1958 التي أنهت الاستعمار الإنكليزي ومن ثم نهاية الحكم الملكي وقيام الحكم الجمهوري لأول مرة في العراق . وطيلة سنوات عدة ، بقيت المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية دون استقرار حتى عام 1968 فخططوا الاعداء للإيقاع به وبجاره ايران في أول فرصة تسنح لهم ، فكانت الحرب العراقية الإيرانية سنة 1980 – 1988 ، ولم تمر اكثر من سنتين حتى رتبت أمريكا وبريطانيا عدواناً عالمياً جمعت فيه جيوش أكثر من ثلاثين دولة ..!!! وضربت العراق في كانون الثاني 1991 ضربة عسكرية استمرت شهراً ونصف الشهر تقريباً في أبشع جريمة وعدوان ارهابي عرفته البشرية ، تمخض عنه فرض الحصار الظالم على العراق طيلة ثلاثة عشر عاما عجاف ، انتهى باحتلال العراق مرة اخرى عام 2003 !!! على شعب صامت ليس له يد في كل ما حصل ويحصل , كتب عليه أن يتحمل عن رضا المواجع من القريب والغريب دون أدنى مصلحة أو فائدة ...!
هل من المعقول لهذه الظروف التي مر بها العراق والتي لم تزل مستمرة ، أن لا يتمخض عنها تأثيرات هنا وهناك فتترك بصمتها الفكرية والجمالية سلبا وإيجابا ..!؟ سواء في الاداء المقامي أو الغناسيقي ككل أو في الحياة برمتها .. وبمضي الوقت سنرى بعدئذ ان اللون الرمادي غلف بعض الألحان وان كان الصمود من متطلبات الظرف الآني .

(2)
الانفتاح بين المعارضة والتأييد
نعود إلى بدايات القرن العشرين حيث اخذت حقبة التحول تقترب من ذروتها .. كانت هناك تحولات كثيرة تنمو .. وكان ابرز هذه التحولات ورمزها .. المرأة .. التي قادت هذه الحقبة إلى الانفتاح في شتى مجالات الحياة .. وطبيعي كانت المجابهة عنيفة خاصة من قبل الرجل .. وامست هناك حالة من الضجيج اخترقت المجتمع العراقي بين مؤيد لهذا الانفتاح الاجتماعي ومعارض له ، هذه الحالة من الدراما التي ذاع صيتها في كتابات الادباء خاصة ، كما ذاع صيت الحجاب .. حجاب المرأة .. بين ان تتركه أو تتمسك به حتى كانت كلمات الشاعر جميل صدقي الزهاوي 1) 6) التي عبر بها عن تأييده المطلق للسفور وخلع الحجاب حين قال .

اسفري فالحجابُ ياابنه فـــــهرٍ
كل شيءٍ إلى التجديدِ مـــــاضٍ
اسفري فالسفورُ للناسِ صـــبحٌ
لم يقـل في الحجابِ في شكـــلهِ
هو في الشرع والطــــبيعةِ والاذ
هو داء في الاجتماع وخــــــــيمُ
فلماذا يقــــــــرّ هذا القـــديم
زاهــــــرٌ والحجابُ ليــلٌ بهـيم
هذا نبيء ولا ارتضــاهُ حـــــكيم
واقِ والعقل والضمــــــير ذميـم


وزادت هـذه الحقبـة مـن شـدة النقاشات وطرح الاراء بين المؤيدين والمعارضين لمختلف التغييـرات والتحولات التي كانت مـن ابرز ظواهرها ولـوج المرأة عالم الاداء المقامي والغناسيقى التراثية بصورة عامـة ، ومـن هنـا التقت النهضة الجديدة للغناء والموسيقى فـي العراق مـع الافكار الوطنيـة والقومية لعموم البلـد ، كما في كـل بلـد بـدأ يعيـد تكوينه مـن جديـد .. وامتزجت الطـرق فـي طريق واحد .. وتطلعت القلوب إلـى الامـل الجديـد والتفاؤل .. نحـو محاولات تطوير الاداء المقامي بصورة عامة … أليس مـن كبار هـذه الحقبة الفنان المقامي جميل البغدادي ورشيد القندرجي ويوسف كربلائي ونجم الشيخلي وجميل الاعظمي ومحمد القبانجي وغيرهم .. وهؤلاء وأولئك على السواء ساهموا في نهضة الغناء المقامي من جديد .. كل من موقعه .. على الرغم من ان هذه النظرة الإجمالية السريعة لا تحجب التفاصيل الخطيرة الهامة التي حدثت في العراق طيلة القرون السابقة والقرن العشرين .. لأن وراء تلك الكلمات الخاطفة التي المحنا اليها .. تاريخ منوع .. واحداث مروعة اهتزت لها الجباه ورعدت لها الأقلام .. وما نذكره ألان إلاّ بعضا من هذا التاريخ ..

(3)
بعض سمات حقبة التحول
أصبح العراق في هذه الحقبة من التحولات المستمرة .. يبلور ويكشف ويبتكر في غنائه وموسيقاه وفنونه كلها … واستحضرت البلاد اصالتها الجمالية الخاصة بها من جديد .. من خلال إرهاصات كثيرة .. لعل من أهمها موقع المرأة في المجتمع .. هذه الخصوصية التي مثلت تجاوزاً للاستعمار السياسي والثقافي أيضاً … والسبب في كل ذلك هو القوة الملهمة في طبيعة العراقيين .. ومنـذ ان وضعت الحرب العالمية الاولى اوزارها ، وصلت حقبة التحول هذه إلى ذروة كبيرة من خلال ثورات ذاتية متعددة .. ثورات جماعية تمثلت بثورة العشرين … حركات سياسية واجتماعية وجمالية عديدة ، قادت الذوق الفني الغناسيقي في العراق … فقد كانت المرأة محوراً مهما في هذه التحولات والاتجاهات .. والمرأة التي جابهت القطيعة والتوقف بالتطلع إلى الامام والغد فمن مرحلة تعطيل نصف المجتمع والنظر اليه بازدراء واستعلاء إلى مرحلة تجنح نحو الاعتراف بكامل حقوقها وبحرية العمل وابداء الرأي و .. و .. وهكذا تكون المجابهة الحقيقية والتطورات والتغيرات المستمرة من سمات الفكر الحي والذوق المنفتح ، وقانون من قوانين الحياة …
إن حقبة التحول اتسمت ببعض السمات التي يمكننا ان نشير اليها باعتبارها حقبة زخرت بالاحداث الكثيرة والمفاجئة , وفي العراق كانت هذه السمات قد هزت الفكر والذوق والمجتمع ككل ومن هذه السمات :

1- ولوج المرأة معترك الحياة وعلى كل الاصعدة .
2- ان التحولات والتغيرات والتطورات كانت سريعة .. أسرع من قبل بسبب التطور التكنولوجي والصناعي وآثار الحرب العالمية الاولى وثورة العشرين .
3- ان هذه التحولات بمجالات الحياة كافة ، جاءت مع ألازمة الثقافية في الذوق والجمال والمعرفة التي اثارتها ظروف الحرب الدولية والثورات المحلية .
4- دخول المرأة عالم الاداء المقامي لاول مرة .
5- رافقت هذه الحقبة اقصى ظواهر الدراما الذوقية والجمالية بين طرق الاداء المقامية ، خاصة بين ما أسميته بالطريقة الرشيدية التي هي خلاصة الطرق القديمة وبين ما أسميته بالطريقة القبانجية .
6- سيطرت الطريقة القبانجية في الاداء المقامي وفي الذوق والجمال الذي لائم توجهات الذوق في هذه الحقبة ، وتربع مؤسسها محمد القبانجي على عرش الغناء في العراق بصورة مطلقة طيلة النصف الاول من القرن العشرين . ومن ثم تقهقر الطريقة الرشيدية وايقاف مدها .
7- ظهور جهاز التسجيل الصوتي وكذلك المذياع لاول مرة اللذان كانا أهم وسائل انتشار الموسيقى إضافة إلى تأسيس معهد الفنون الجميلة لتدريس فنون الموسيقى والفنون الاخرى .
8- بدأت حركة جديدة من النقد الموسيقي تظهر على السطح بواسطة انتشار الصحف .
9- التوسع الكبير في الاغاني العقلية المقصودة – أي الاغاني التي يعرف مؤديها وكاتبها وملحنها .. بعد الجمود الذي اصابها طيلة الفترة المظلمة .
10- انتشار الاتجاهات الجمالية الرومانتيكية واضمحلال الاتجاهات الكلاسيكية .

(4)
الطريقة القبانجية والحداثة
كان لامر نجاح الطريقة القبانجية في ذروة حقبة التحول ، قد قادت حركة التحديث الغناسيقي بصورة عامة والاداء المقامي بصورة خاصة ، إلى سلسلة من الابداعات الاخرى ظهرت على الساحة المقامية من قبل مؤدين مبدعين اخرين ساهموا في هذه النهضة اهمهم عبد الهادي البياتي وحسن خيوكه ويوسف عمر وناظم الغزالي وعبد الرحمن العزاوي . وكانت الطريقة القبانجية التي استقى منها معظم المبدعين طرقهم الادائية الخاصة بهم .. هي الانعطاف الابداعي الاول في تاريخ الابداع المقامي من حيث نوعية الابداع والتجديد ، وذلك بالخروج من طوق المحلية لاول مرة في الاداء المقامي الذي مر قبل ذلك بالاتجاهات الجمالية الكلاسيكية .. وكانت لهذه الحقبة بظواهرها التحديثية في العراق .. قد انتجت الكثير من المؤدين المقاميين تحت لواء الاتجاهات الجمالية الرومانتيكية الجديدة .. وبلغت الذروة في نتاجات فنان القرن العشرين ناظم الغزالي منتصف القرن الذي اتسم اداؤه الغنائي بشاعرية وعواطف قل نظيرها وفنون من دقة الاداء التعبيري لم يسبقه اليها احد .. ان ماطرحه ناظم الغزالي وبقية اقرانه المبدعين التحديثيين كان خطيراً . إذ يستند إلى رؤية مستقبلية في هذا المجال .
قاد حركة التحديث الاولى في المقام العراقي المطرب الفذ محمد عبد الرزاق القبانجي .. حيث قدم اسهامات كثيرة لفتت الانظار بما احتوته طريقته الادائية من قوة ابتكارية كبيرة وجريئة ، في الاداء واختيار القصائد واللفظ الواضح في مفردات القصائد وكذلك جعل الغناء في الاتجاه الجمالي الجديد الذي امتاز بتعابير رومانسية خلابة تأملية إضافة إلى كل ذلك وغيره ، صوته الجميل الذي بلغ فيه مراميه وامكانيته الفذة التي قل نظيرها.. وبه استطاع ان يجسد جزء كبير من مبادىء الحركة التحديثية التي عمت عموم الوطن وفي كل نواحي الحياة … كمـا استطاع القبانجي بطريقته الفـذة أن يؤثـر على مستقبل الاداء المقامـي وتجـدد مساره واتجاهه .. فقـد سجل الكثير من المقامات العراقية لصالح الشركات الاجنبية التـي بيّنت بواسطة اجهزة التسجيل كل هـذه الميزات الجديـدة فـي الاداء .. ومـن هـذه المقامات مقام الابراهيمي ومقام المنصوري ومقـام الحجاز ديـوان ومقـام البيـات ومقـام السيكاه ومقام المحمودي ومقام الناري ومقام النوى ومقام الافشـار ومقام الكرد ومقام الحجاز كار وغيرها الكثير .. حتى اكمل تسجيل معظم أو ربما كل المقامات المتداولة في الاوساط المقامية العراقية .. ومع ان احتجاجات التقليديين ضد التحديثيين ومناصرة جمهور كبير لهم لايستهان به في البداية .. إلا ان الكثير من هذا الجمهور انظم بعدئذ إلى مناصرة الحركة التحديثية .. ويمكن ان نذكر بعض الاسماء من الذين مالو إلى الحداثة النسبية جميل الاعظمي ومجيد رشيد وعبد الهادي البياتي ويونس يوسف وغيرهم .

(5)
أصالة القبانجي
بالرغم من أصالة محمد القبانجي وأصالة أتباع طريقته وبراعتهم الفنية التي لاجدال فيها .. فإننا نستطيع أن نرى في موقفهم الفني للأداء ملامح التأثر بالاجواء الطليعية من الانفتاح الفكري والفني والجمالي الذي عم الحقبة هذه .. فإذا كان القبانجي قد فهم اعماق مختلف الاساليب الادائية المقامية التي سبقته التي كانت قد وصلت إلى ذروة كلاسيكيتها .. وهو أرجح الظن بما كانت تمتلىء به الساحة المقامية .. فأن ذلك يعني ان القبانجي قد انطلق من أسس فنية رصينة بحيث استوعب كل الماضي وانطلق بهذه القوة الابتكارية في الابداع والتجديد ليكون حلقة الوصل القوية بين حقبة سابقة وأخرى لاحقة ، قادها بنفسه إلى آفاق أخرى في الخيال والمعرفة والفن .. على ان هذا التألق الذي أصاب الحركة التحديثية التي استمرت حتى يومنا هذا في ديناميكية تطورية لا تعرف الكلل ، ماانفكت تثمر عن ظهور قابليات ادائية جديدة في الاداء المقامي طيلة القرن العشرين .. هذا التألق الذي استمد قوته من أقطاب الاداء المقامي ومن التقائه مع النزوع العام إلى تأكيد الهوية الوطنية العراقية من جهة أخرى ، هذا التألق أيضاً مالبث ان اعلن تدريجياً عن ظهور المرأة في مسرح الغناء والموسيقى والمقام العراقي لأول مرة .. وأن كان انتاجها في البداية قليلاً ، لكنها اوضحت أن المرأة لم تمت ولم تنتهي وأنما عادت كأحد التيارات الجمالية والفنية المتوغلة في الفكر العراقي القديم والحديث والمعاصر .