المرحلة الاولى


المرحلة الاولى


المرحلة الاولى


المرحلة الاولى

من
المحاور المقامية

2008






محاور في المقام العراقي

دراسة بحثية متسلسلة لمحاور تخص شأن
غناء وموسقى المقام العراقي

يـكـتبها في حلقات

مطرب المقام العراقي
حسين اسماعيل الاعظمي
















الاردن / عمـَّان
2008 نيسان April







اليكم أعزتي القراء في الصفحات التالية
المحور رقم (16) بجزأين ، من المرحلة الاولى ، مذكــِّراً ، في حال فقدان أية حلقة من حلقات المحور رقم (1) بأجزائه الخمسة والمحاور الاخرى التي تم نشرها في الايام القليلة الماضية ، أن تكتبوا إليَّ لأرسلها إليكم
*************
أو الذهاب الى موقع كوكل google والبحث عن (محاور في المقام العراقي) حيث تجدون كل المحاور منشورة في المواقع والشبكات الالكترونية مع الشكر والتقدير لكل اخوتنا في هذه المواقع والشبكات

وهذا هو المحور
رقم (16)
بجزأيه

Hussain_alaadhamy@yahoo.com

00962795820112



المحور رقم
(16)
بجزأيه

********

1 - المرأة في حقبة التحول
2 - حال الاداء
3 - اعماق التعابير المقامية
4 - محاولات المرأة
5 - رفض الرجل لفنون المرأة
6 - امكانيات المرأة

(1)
المرأة في حقبة التحول
مرة أخرى عزيزي القارىء اتجول معك لنتأمل موضوعاً آخر يخص تراثنا الغناسيقي – المقام العراقي - بعـد أن كنتَ معي وأنت تقرأ ما تم نشره من هذه السلسلة – محاور في المقام العراقي – منذ نيسان April من هذا العام 2008 .. اكتب إليك في الجزء الاول هذا من محور رقم (16) عن المرأة وعالم المقامات العراقية ، ودنيا الاداء المقامي … كما لو كانت اصداء بعيدة لقرون الفترة الوسيطة التي أطلق عليها المؤرخون بـ (الفترة المظلمة) ، التي عاشها العراقيون من آبائنا واجدادنا وعشناها نحن بخيالاتنا وتأملاتنا من خلال مؤدي المقام العراقي على مر الزمن الماضي وكلهم من الرجال ..! تبدو كما لو كانت عودة إلى الشباب وحيويته …
إن عالم المقام العراقي ، بل عالم الموسيقى التراثية ، ريفية ، بدوية ، صحراوية ، جبلية ، مدنية .. عالم أصيل ، فما انقطعتُ يوماً عن هذا العالم وعن هذه الحقبة الاصيلة من تراث امتنا الذي يحمل في اسمه وشكله ومضمونه ، الشموخ والرفعة … في هذه الأرض ، ضمائر آلاف الموروثات .. وفي احلام ابنائها الف أمل وأمل .. المقام العراقي .. نبض هذه الامة .. ماوقع في يدي كتاب يخصه إلا قرأته أكثر من مرة ، ولا تسجيل صوتي أو مرئي إلا سمعته أو شاهدته .. ولا مقال في جريدة أو مجلة أو كتاب إلا قرأته وتلذذت بقراءته .. جمعت الكثير من هذه المدونات ، حباً بها ، وفائدة لاهميتها التوثيقية .. تماماً كانت الفائدة كبيرة بالنسبة لي عندما درست الموسيقى والمقام العراقي ثم قمت بتدريسهما في نفس المعهد الذي تخرجت منه ( معهد الراسات النغمية العراقي ) ونفس الكلية التي تخرجت منها ( كلية الفنون الجميلة ) جامعة بغداد …
فـي البـدء كانت التأثيرات المباشرة ، كان ذلك بعد سنة 656هـ – 1258م .. نهاية عصر العباسييـن .. المغول التتـر .. الجلائريين .. تيمور لنك .. دولة الخروف الاسود ( القرقوينلو) .. دولة الخروف الابيض ( الاق قوينلو ) .. الصفويين .. العثمانيين .. الإنكليز .. قرون سبعة تناوب فيها الغزاة احتلال العراق .. كتبت فيها آلاف بعد آلاف من قصص المأساة والرعب .. و .. و ..
هكذا انقضت مائة بعد ثانية بعد ثالثة من السنين في غزو بلد الحضارات .. لم يكن فيها الإنسان العراقي لوحده يقاوم الغزاة .. كان العمق العربي بكل ممتلكاته يقاوم .. وبه جابه العراق كل محتليه بسلاح .. الدين .. اللغة .. التاريخ وهكذا بقي العراق رغم قساوة الظروف طيلة هذه القرون واقفاً على رجليه دون يأس أو قنوط .. أثّر وتأثـَّر ..
استمع عزيزي القارىء إلى لغة معظم الاقوام التي احتلت العراق ترى بصورة واضحة الكم الهائل من المفردات العربية في عمق لغتهم .. هذه المرحلة من تاريخ العراق التي امتدت فيها الفترة المظلمة لسبعة قرون .. يقابلها في التاريخ الفني من الاداء المقامي مرحلة من مثلها ..
زلزلت الظروف زلزالها وأمست المرأة بعيدة .. ففي كل عمق عراقي وفي كل جبين .. وكل قلب ، نما شعور حر يتمرد على كل ظواهر الظلم .. بعد ان غدت الحياة حزينة حتى الاعماق وأمست المرأة بعيدة كل البعد عن مسرح الحياة وعلى الأخص بعيدة عن الموسيقى .. ومع ان العراق لم يكن قادراً على مواجهة المحتلين بصورة عملية فعالة .. إلا أنه كان مشعاً بثقافته ولم يتوقف وظل يسعى والله يقوده.
مرت القرون والمراة بعيدة عن مسرح الاحداث خاصة الفنية منها.. والمرأة عالم.. ذو آفاق لا تنتهي ، امكانيات ، مفاجئآت ، جمال يورث الجمال ، تعابير ادائية ذات غنىً وثراء ، رقة ، عذوبة ، تفاؤل ، وانهار تنساب بانسيابية رقراقة وشفافية معبرة , تعبر عن جلال قيمة المرأة .. ورجال اتعبتهم انانيتهم وقد اجبرهم العصر على فسح المجال لمشاركة المرأة وعطائها خارج البيت..!

(2)
حـــال الاداء
لنتأمل جميعاً ، كيف حال الاداء المقامي وأخيلة الناس المستمعين ..؟ وماذا يمكن ان يكون عليه من الخصب ..؟ ومايمكن ان تبنى عليه من تعابير مقامية ادائية جديدة ، وماقد تبتكر وتصاغ مـن عوالم جماليـة بولـوج المرأة عالم الاداء المقامي لاول مرة في تاريخها ..!؟ من المؤكد ان هذه الصفحات لاتفي للاحاطة بكل الغنى والثراء بفن المرأة ، خاصة وهي تغني تراثاً سمته التعابير الرجولية والانفعالات الحادة ، حد الخشونة .. صدق – امانه – اخلاق – مبادىء – قيم – شجاعة – نبل – رجوله – بطوله .. حيث يمكننا ان نطــلق عليه ( الفن الرجولي ..! ) .
لم ابدأ بكتابة هذه المحاور لألقي الضوء على آفاق دخول المرأة عالم الاداء المقامي ولا لفنـِّها لذاتهما … ولا عن الجماليات الجديدة التي ظهرت من خلالها في الاداء المقامي فحسب … ولكن ، بالاضافة إلى كل ذلك يجب أن تطلع عزيزي القارىء على هذا الحدث الجمالي والاجتماعي والفني ، إطلاع قارىء محب له ، اذ يبدو لي انني اقتربت من تكوين فكرة لابأس بها حول الموضوع قدر استطاعتي وماسمح لي من وقت .. بحيث اردت ان يكون مدخلاً إلى فهم حدث مشاركة المرأة للرجل لا فنـِّها فقط .. أريد ان اثير فضولك عزيزي القارىء الكريم وتحفيزك في التعرف على عوالم اخرى تخص الاداء المقامي غير مااعتدت عليها .. اردتُ ان تطلع على اجواء التعابير النسوية وهي تؤدي تراثاً احتكره الرجل لوحده طيلة القرون الماضية … بدون هذه الاضواء لا نستطيع فهم الحدث ولا نستطيع فهم المرأة ولا نفوذ تعابيرها المقامية .. بصورة تفي بحقيقة امكانياتها وتفي بقيمة الحدث وبقيمة الاداء المقامي بصوت المرأة في القرن العشرين . لأن في هذا الاداء الذي اتسم لاول مرة برقة المرأة ، نماذج مدهشة وجريئة من الابداع ، وبالطبع ، فقد تُقبلْ هذه النماذج كلاً أو بعضاً أو قد ننكرها كل الانكار ..! ولكن في حقيقة الامر اننا في كل الحالات معترفون بأصالتها .. معترفون بأنها نسوية تستحق الاهتمام والتوقف .. والموقف التاريخي يقضي .. بأن الرجل لايجب ان يلعب الدور وحده في غناء المقام العراقي وموسيقاه ، بل يجب مشاركة نصفه الآخر ..
ان المرأة ومنذ زمن قارب المائة عام ادركت انها يجب ان تعيش حياتها اسوة بنصفها الأخر .. وليس هذا الموقف نتيجة تخيلات اسطورية ولكن حقبة التحول التي عمّت المنطقة .. والنهضة الجديدة لغناسيقى العراق الحديث مطلع القرن العشرين .. ومن ذلك أيضاً الموقف الفني والثقافي في الاداء المقامي وموقف الابداع الفني ونماذجه فيه .. خاصة وأننا منذ حقبة التحول هذه ، التي تميزت بدخول المرأة العراقية عالم الموسيقى من جديد .. وفنانو المقام العراقي هم منه في شأن وطريقة وابتكار وصراع … فالظروف قد ساعدت والوسائل قد تيسرت .. وعلى هذا الحال استمرت .. وما تزال .

(3)
اعماق التعابير المقامية
ان الاداء المقامي برجاله ونسائه من المؤدين والمؤديات يحمل في أعماقه خزائن عظيمة من حياة الشعب العراقي … يحمل في صياح اخرس ، كل شقاء الآباء والأجداد ، كل محنهم .. كل استغاثاتهم .. كل احتجاجاتهم .. كل مصائبهم .. كل تمردهم من ظلم المحتلين في مجاهل القرون السبعة التي عاشها العراقيون منذ نهاية العباسيين … ان الاداء النسوي في المقام العراقي ، جنباً إلى جنب مع الرجل .. أداء مخلص .. وهو حقيقة الرجل العراقي والمرأة العراقية .. وسواء أثـَّرت التكنولوجيا سلباً في بعض جوانبها أم لم تؤثر .. فان الاداء المقامي التراثي لايمكن ان يعبر بغير الصدق والامانة ..

(4)


من ناحية اخرى موجبة لهذا البحث .. ان فن الاداء المقامي بأصوات النساء .. فن مجهول بالنسبة للتجربة المقامية .. وقد نعرف ونعلم الكثير عن المرأة .. في الادب والشعر أو جوانب أخرى ، ولكننا في غيبة مطلقة عن مشاركاتها في الفنون الموسيقية الغناسيقية طيلة الفترة المظلمة .. التي مربها العراق ، عبثاً حاولت المرأة في هذه الفترة كما يبدو ان تفك قيودها وظلت محـاولاتها دون جدوى … لقد وضع الرجل نفسه سيداً دون منافس وصم آذانه لا يسمع إلا نفسه ! لا يعير اهتماماً لمواهب المرأة ابداً .. وفي القرن العشرين اختلف الامر .. فنحن نرى ان الثقافة الادائية في المقام العراقي رجالها ونسائها تعانقت في تيار مقامي جامع رغم بعض الاختلافات والتنافرات … انها محاولة لمعرفة امكانيات المرأة في فن الاداء المقامي من خلال ممارستها له منذ عشرينات القرن العشرين .. ومن خلال خواصها كامرأة .. ومن خلال تاريخ الاداء المقامي بصورة عامة .. إنها تحسس للفن الغناسيقي التراثي الذي برز منه فن الاداء المقامي .. ذلك الفن ذو المذاق الخاص والعمق التاريخي .. وكما لم يهتم عموم الوسط المقامي منذ البداية باعطاء اهمية لدخول المرأة عالم التراث الغناسيقي والمقام العراقي على وجه التخصيص ، كذلك مااهتم احد بدعم هذه المحاولات النسوية ، وندر منهم من اهتم بهذا الجانب الحيوي ، ولذلك لم يعرف تاريخنا في العراق الشيء الكثير عن هذا الاندماج والممارسة النسوية لفن الاداء المقامي .. وفي الكتابات النادرة حول هذا الموضوع هنا وهناك .. لم يتوغل احد في الحديث عن اعماق هذه المحاولة وهذا الحدث المهم .. فبقيت اكثر الكتابات سطحية في مضامينها .. ورغم ذلك فقد مضت حقبة طويلة من الزمن قبل ان يكتب عن المرأة الفنانة في الأداء المقامي ..

(5)
رفض الرجل لفنون المرأة
من ناحية اخرى ، مضت السنون .. وممارسة المرأة لفن الاداء المقامي بغنائها لبعض المقامات العراقية . اهون من ان تكون ضمن اهتمامات اهل المقام الذين رفضوا هذه المحاولات منذ البداية .. والغريب في الامر ، انها بقيت مرفوضة طيلة عقود عديدة من القرن العشرين على وجه التقريب وعليها الكثير من التحفظ ، خاصة من قبل المؤدين التقليديين من الرجال ..!! فهم واقفون لها بالمرصاد ، يرصدون ما تقع فيه من اخطاء فنية دون أن يحاولوا التماس العذر لها على خطواتها الاولى .. ولذلك لم تحتل المرأة مكانها الطبيعي وبما تستحقه إلا في العقود الأخيرة من القرن العشرين حيث بدأت المرأة تمارس حقها في الفن والحياة أكثر من أي وقت مضى .. وهذا يدل أيضاً بأن الوسط المقامي ما يزال يعيش بقية من جهالة القرون الماضية ..

(6)
امكانيات المرأة
في الواقع انك حين تتحدث عن المرأة ، أدباً أو فناً أو امكانية أو فكر … فانك انما تتحدث عن بعض ماتمتلكه المرأة .. اما الامتداد الاكبر فيما يخص موضوعنا فله شأن اخر خارج الحساب وخارج الوصف .. لانه عالم اخر قائم بذاته ، كان حتى الامس القريب وإلى ماقبل القرن العشرين تقريباً ، العالم المجهول الحاوي على الاسرار .. انه عالم التعابير الرقيقة الحالمة الخلابة التي تتميز بها المرأة .. معاناة خاصة .. مشكلات خاصة.. اسرار خاصة .. كل ذلك بدا ظهوره مطلع القرن العشرين .. عهد غير بعيد .. لم تكن تأوي إلى هذا المحيط الغناسيقي إلا من تنشد تلبية طموحاتها في التعبير عن مكنوناتها ، في الظهور ، في الشهرة ، في الاستمتاع .. كانت ملاهي بغداد وملاهي المدن الاخرى تضم العدد الكبير من هؤلاءِ المطربات من النساء حتى جاءت الشركات بعد ظهور اجهزة التسجيل والمذياع .. فاتيحت الفرص الكثيرة لهن مما سهل عليهن مهماتهن .. ومع ذلك فكثير منهن قد ضعن ولم يواصلن فنونهن والاسباب مختلفة ليس نحن بصددها الان .. على كل حال .. ان المفاجئة والدهشة من هذا الحدث ، اخذتا بالزوال ومن ثم الاعتياد عليه.. وبدأت اسرار التعابير النسوية بالظهور ، واخذ جبروت الرجل يضمحل رويداً رويداً بالرغم منه وقد استسلم للامر الواقع .. وامتزجت فنون الرجل مع فنون المرأة وازدادت تعابير الاداء المقامي حلاوة لم يذقها المتلقي من قبل .. واليوم امست الحالة في اوج نضوجها فظهرت في العقود الاخيرة من القرن العشرين بعض المؤديات المقاميات اللواتي يشارلهن بالبنان مثل مائده نزهت فنانة القرن العشرين والمطربة فريده من الجيل المتأخر .. فكانت الاولى اول مؤدية مقامية تؤدي المقامات كاملة بأصولها التقليدية والثانية كانت اول مؤدية مقامية تنال شهادة دراسية في الموسيقى والمقام العراقي وهي تؤدي المقامات بأصولها التقليدية أيضاً .. وبذلك يعتبر هذا الحدث.. حدث دخول المرأة عالم المقام العراقي والغناسيقى بصورة عامة من اهم واضخم الانجازات الفنية لغناسيقى العراق في حقبة التحول مطلع القرن العشرين .















المحور رقم
(16)
الجزء الثاني

1 - تجاهل الرجل لنتاجات المرأة
2 - بداية كبيرة
3 - نجاحات اولى للمرأة
4 - صدِّيقة الملاية
5 - مطربات معاصرات للمرحلة
6 - زهور حسين
7 - مائدة نزهت
8 - فريدة محمد علي
9 - مطربات اخريات

(1)
تجاهل الرجل لنتاجات المرأة
من الخطأ ان نتصور أن المرأة خلال مائة عام تقريباً من مشاركتها وظهورها مع الرجل في الغناء والموسيقى ، قد اعطت كل ماعندها من امكانيات ، يمكن ان تخدم الاداء المقامي خدمة كبيرة .. لان التيار التقليدي للتعابير الرجولية ورفضه للمرأة بتأدية المقامات لم يزل بعضه موجود إلى الان .. الامر الذي ابقى الكثير من امكاناتها مقوضة بسبب الاذواق والجماليات التقليدية الرجالية وعدم فهمهم لقيمة هذا الحدث التاريخي واستيعاب ابعاده الفنية والجمالية الانية والمستقبلية .
قد تشكل هذه الحقيقة مفاجئة حتى للمقاميين من الرجال انفسهم .. فالكثيرون منهم ما يزالون يتجاهلون النتاجات النسوية في الأداء المقامي ، او يتغافلون الاعتراف بالدور الجمالي والحضاري الذي تقوم به المرأة في ممارستها الاداء المقامي ، ولكنه الواقع التاريخي الذي يتحدى ..
استمع عزيزي القارىء إلى مقام الحكيمي لصديقه الملايه وجمل من مقام البنجكاه لسليمه مراد ومقام البهيرزاوي لسلطانه يوسف ومقام الدشت لزهور حسين ومقام الحويزاوي لمائده نزهت وجمل اخرى من مقام البنجكاه لانوار عبد الوهاب ومقام الاورفه لفريده محمد علي ومقام اللامي لسحر طه .
ان الابداعات تظهر بعد صراع مرير ، هكذا أظهرت المرأة ابداعاتها ، وهكذا لعبت المرأة دوراً حضارياً محسوباً .. لقد كانت عنصراً مهماً جداً في حقبة التحول .. فلم تمارس الاداء المقامي عبثاُ .. هذا الاداء الذي اخصب مشاعرها وحرك آمالها من جديد .. لقد قدمت لـه تجربة جديـدة في طرح المشاعر والعواطف ، والاذواق والرقة ونعومة الاداء .. و .. و .. وبالمقابل فقـد عبرت عن كل هذه التجارب بواسطة الاداء المقامي الذي وصل اليها وهـو في قمـة نضوجه واكتماله في شكله ومضمونه . من هنا كانت علاقـة المرأة بمحيطها وبحقبتها الزمنية .. علاقة زاهية .. علاقة اندماج ، انسجاماً مع المتغيرات والمتحولات التي كان وقعها اسرع من ذي قبل , وهكذا كلما مضى زمن اخر .

(2)
بداية كبيرة
ورغـم ان النتاجـات الاولى التي جـاءت بصوت المطربة صدِّيقه الملايه التي نستطيع ان نقـول عنها انهـا تمشي الهوينا على استحياء في دقة الاصول المقامية التقليديـة والتاريخية وهذا ينطبق ليس فقط على جرأتها في اقتحامها مضمار المقام فقط بل فيما يخص تمكنها وامتلاكها ( ناصية الاصول المقامية التقليدية والتاريخية ) فانها الخطوات الاولى .. على اعتبـار انهـا بداية .. ولكنها كانت بدايـة كبيـرة حقـاً ومفاجئة ومدهشة .. وهـي التي غنت مقام المحمودي ومقام الحكيمي ومقام البهيرزاوي وغيرها ..
ولكـن الغريب في الامر ان معاصراتها من المطربات مثل جليله أم سامي وبدريه انور وغيرهما لم يؤدين مقامات مكتملة ، واكتفوا بممارسة اداء قطع صغيرة من المقامات قبل الاغنية أو بعدها وفي وسطها .. ومر هذا الجيل وتلاه الجيل الثاني حتى ظهرت بعض المطربات اللواتي حاولن تكرار تجربة المطربة صديقه الملايه من حيث محاولة الاقتراب من تأدية المقامات كاملة الاصول التقليدية ما استطعن الى ذلك سبيلا ومن هؤلاء المطربات المطربة سلطانه يوسف التي ادت مقام الحكيمي بصورة جيدة ومقام البهيرزاوي وكذلك كانت المطربه سليمه مراد التي ادت شيئا من البنجكاه ضمن الاغنية الشهيرة ( هذا مو إنصاف منك ) ثم جاء الجيل الثالث بظهور المطربة زهور حسين التي ادت مقام الدشت والهمايون بصورة رائعة حتى ظهور مائدة نزهت فنانة القرن العشرين كمؤدية للمقامات العراقية التي قدر لي ان اعلمها المقامات العراقية التي غنتها وسجلتها بصوتها في إذاعة وتلفزيون العراق وهي مكتملة الاصول التقليدية ( الشكل - Form ) ومن بعدها جاءت المطربة فريدة محمد علي التي عكفتُ على تدريسها هي الاخرى لاربعين مقاماً ، وهو عدد المقامات لمنهاج ست سنوات دراسية في الغناء والموسيقى بمعهد الدراسات الموسيقية وقد ادتها بوجه اصولي … وهناك بعض المؤديات الاخريات من طلبة وخريجات المعهد قدر لهن ان يتعلمن اصول المقامات العراقية عن طريق الدراسة الاكاديمية وهناك بعض المطربات ظهرن في الستينات والسبعينات أدين بعض الجمل المقامية والاغاني مثل المطربة خالدة والمطربة هناء والمطربة انوار عبد الوهاب والمطربة أنيسة وغيرهن.

(3)
نجاحات اولى للمرأة
صديقي القارىء العزيز ، ان هذه المحاور المقامية لا تطرح على أنها اكتشاف الإمكانية الفنية لدى المرأة .. في هذه الحقبة على وجه الخصوص .. سواء في الأداء المقامي أو ألاغاني الاخرى بكل تنوعاتها ومراجعها البيئية .. وعلى الصعيد المقامي فالرجل ينظر للمرأة على أنها اضعف من ان تغني المقامات العراقية !! ولكن حقبة التحول فاجئته واسقط في يده ، وأمست الحاجة ملحة وضرورة للتحرر من القيود القديمة ، أما الرجل نفسه في هذه الحقبة وفي قضية تحرر المرأة بالذات فله الله …! وليقطع اصابعه من الغيظ ..! إذ يجب أن نتذكر انا وانت عزيزي القارىء ونضيف إلى معلوماتنا وافكارنا وثقافتنا أسماء كثيرة من أسماء المطربات من الرعيل الاول اللواتي ظهرن اواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين واللواتي ظهرن عند حقبة التحول هذه ، مثل صديقه الملايه وسلطانه يوسف وبدريه انور وجليله ام سامي وسليمه مراد وزكيه جورج ومنيره الهوزوز وعفيفه اسكندر و .. و .. حتى يومنا الحاضر .. هذه الاسماء بما تتمتع من ملكات كبيرة تتسم بالحيوية لها ثقافة متحضرة وواقعية وافكار قابلة للتبلور وعلى الدوام ، على الرغم من ان الحواجز الاجتماعية فيها بقية ولو قليلة من قيود الماضي .. هذه الحواجز التي ابقت المرأة في مجاهل المجاهل طيلة قرون ماضية لا نعرف عنها الشيء الكثير .
كل شيء في حقبة التحول إذن .. يظهر وينمو ويترعرع .. وكل شيء في الاداء المقامي أيضاً يتبلور ويتطور ويتجدد .. وفي امكانيات المرأة يكمن أداء الغد ، على الاقل أن هذا لسان حالها ، رأت أن التحدي يتأتى من مجالات عدة ومن بينها التغيير والتطور ، فلمَ لا تلج عالم الفن الرجولي ، من هذا المنطلق رأت من جانبها ان بمقدورها ان تقول للرجل - أنا هنا- اسمح لي قليلاً . ولا ذنب لها في ان تكون حتى الان لم تعط كل مالديها من امكانات .. فهي خزائن من الاسرار المطوية .. ما تنفك تنبض وتنبض .. وفي هذه الحقبة .. وعلى أرض العراق رويت حكايات وحكايات عن الدراما الكثيرة بين الرجل والمرأة وفي كل جوانب الحياة … والمرأة التي لم تتح لها فرصة الاختلاط ومشاركة الحياة خارج البيت ومساهمتها في الاداء المقامي طيلة قرون مضت .. إلا أنها كانت في الحسبان ومن المتوقع أو في الانتظار مشاركتها في غناء المقامات , ذلك ان حضورها اقتصر على الاغنية الدارجة التي لم يمل اليها مجتمع القرون الماضية .. وأصبح الامر كذلك في هذه الحقبة من بدايات القرن العشرين . وإذا كانت الاتجاهات الادائية والجمالية الكلاسيكية قد وجدت لها عوامل بقاء في الاداء المقامي لفترة طويلة حتى وصلت ذروتها في النصف الثاني من القرن التاسع عشر .. فقد وجدت عوامل اخرى منذ بداية القرن العشرين زعزعت هذه الكلاسيكية في الاداء والذوق واوجدت مبررات منطقية لاتجاهات جمالية اخرى جنحت إلى الفردية والتعبير عن الذات وإلى العاطفة المشوبة بالكابه احياناً وإلى القلق من زعزعة تماسك الحلقات الزمنية لتسلسل تاريخ الأداء المقامي جراء طموحات الذات وغموض الرؤيه المستقبلية .. يضاف إلى كل ذلك الثورة على القديم والتبشير بحياة جديدة مع استمرار التحولات التي طرأت على الحياة برمتها في هذه الحقبة وبسرعة متزايدة على الدوام .. وبذلك كانت هذه الظروف من الأسباب الموجبة لظهور الاتجاهات الجمالية الرومانتيكية .. واضمحلال الاتجاهات الكلاسيكية..

(4)
صدِّيقة الملاية
كما مر بنا ، الظاهرة الابرز في حقبة التحول كانت المرأة .. ان لم تكن هي المبدعة الاولى .. فكانت الرائدة صديقه الملايه التي تتفق معظم الاراء على انها اول من غنت المقامات العراقية في بغداد في حقبة التحول من النساء – أو بالاحرى أول من سجلت المقامات بصوتها من النساء.. مقام المحمودي.. مقام البهيرزاوي.. مقام الحكيمي.. الابوذية المقامية بواسطة جهاز التسجيل الصوتي.. كانت بداية لغناء جديد في الاداء المقامي.. اجمع المتخصصون على انه عهد جديد في المقام العراقي.. لان التعابير الادائية قد تنوعت لاول مرة واصبحت أكثر حرية وأوسع خيالاً..

(5)
مطربات معاصرات للمرحلة
كذلك الامر كان مع معاصراتها من المغنيات اللواتي أدّين اغنيات هي من صلب التعابير المقامية مثل بدريه انور وسلطانه يوسف وجليله أم سامي حتى زكيه جورج التي جاءت من حلب منذ فتوّتها.. وإلى اخر الاسماء.. انهن ليس بفخامة علاقة صديقه الملايه وسلطانه يوسف بالمقام العراقي .. ولكنهن أدّين اغانِ عراقية مقامية مستقاة من المضمون التعبيري للغناء المقامي ولهذا السبب نتحدث عن هؤلاء المطربات الكثيرات اللواتي لم يغنين المقامات بصورة مباشرة ولكنهن غنين المقامات بواسطة تعابيرهن المقامية في اغانيهن المستقاة تعابيرها من روح المقامات البغدادية والعراقية مع تشخيصنا لمن غنت المقامات العراقية او بعضا منها.. ثم ظهرت مؤديات اخريات سرن على نفس المنحى .. من الجيل الثاني الذي وصلت فيه التعابير البغدادية النسوية أوج عظمتها في أغاني المطربة سليمه مراد منذ ثلاثينات القرن العشرين حتى ستيناته يانبعة الريحان.. الهجر موعادة غريبه.. وغيرها ورغم انها أغانِ وليست مقامات، لكنها اقرب إلى المقامات من حيث تعابيرها المملوءة بكل مضامين الغناء المقامي البغدادي .

(6)
زهور حسين
بلغت المطربة زهور حسين في مقام الدشت ومقام الهمايون الذروة في حقبتها من النساء في أداء المقام العراقي … وهي من الجيل الثالث لمطربات الاداء المقامي النسوي في بغداد .. أنها لم تؤدِ الشكل فحسب .. بل قدر لمطربة متمكنة ان تقترب كثيراً من تأدية شكل ومضمون هذين المقامين بصورة لم يسبقها إليها احد من حيث مستوى التعابير البيئية والعاطفية التي عبرت عن شجون وهموم المرأة العراقية في حقبتها بصورة تثير الاعجاب. وقد اوجدت جسوراً قوية بين المقام العراقي كمادة غنائية وبين نجاح تجربة الاداء النسوي لهذا اللون من الغناء في بغداد على وجه الخصوص .. اثبتت المرأة إذن وجودها في هذا الاداء بين الرجال من المؤدين في هذه المرحلة من خلال الاسلوب الادائي المقامي لزهور حسين ، ففي اسلوبها تعميم لاذواق المجتمع بمشاعرها اليافعة المنتزعة من كيانها الشخصي .. فلم تعطِ زهور حسين الفرصة للاداء المقامي ، الفرار من تجربتها وبدأت الابداعات النسوية تظهر بصورة جليه وواضحه أكثر من الماضي .. .. بدأت بدموع العين .. وصمدت امام الرفض والسخرية .. ووصلت إلى شيء من ثبات موقعها الفني ومناصرة الجماهير …
ان المقام العراقي لاينمو ..! ولكنه يُنَمّى .. وهكذا كان نموه في هذه الحقبة من تاريخه الطويل من خلال قيمة المؤدين رجالاً ونساءً .

(7)
مائدة نزهت
ولجت المطربة الكبيرة مائدة نزهت عالم الاداء المقامي كالشهاب الذي يشع ضوءاً ولمعاناً وهو يحترق .. ورغم انها بدأت هذه التجربة في مرحلة شبه متأخرة من مسيرتها الفنية ، إلا أن ذلك يعني من زاوية اخرى انها جاءت إلى عالم الاداء المقامي وهي تمتلك تجربة كبيرة في فن غناء الاغنية التراثية والحديثة .. وفي هذه الحقبة وجد الاداء المقامي النسوي في امكانيات مائده نزهت صورة جديدة ، وتحددت ملامح ابتكارات ادائية للمستقبل لم تكن قبلها ثمة اكثر من محاولات نسوية مبعثرة بين وقت وآخر ، منذ ان بدأت الرائدة صديقه الملايه والاخريات يقتحمن هذا العالم بصعوبة كبيرة واصرار نادر … غنت مائده نزهت عدة مقامات بأصولها التقليدية المتقنة وهي المرة الاولى التي تؤدي المرأة فيها المقامات باتقان اصولي تقليدي بصورة فنية لم يسبق لها مثيل على اساس اعتبار الغناء المقامي كعمل فني وليس اداءاً مجرداً .

(8)
فريدة محمد علي
بدأت المطربة الفريده , فريده محمد علي سيرتها الفنية منذ اواخر السبعينات ، وبدأت شهرتها تتسع منتصف الثمانينات ، وهي من الاجيال المقامية النسوية المتأخرة ، ولكنها اختصت منذ البداية بغناء المقامات العراقية وبلغت ذروتها الادائية بمقام الاورفه الذي نالت بواسطته الشهرة الكبيرة ، وكان ذلك منتصف العقد الثمانيني ، ثم توالت نجاحاتها الادائية في المقام العراقي .. وقد قدر لهذه المطربة المقامية القديرة أن تدرس الموسيقى ، وصقلت موهبتها بتعلمها لتكون أول مؤدية مقامية دارسة للموسيقى من النساء .. ويمكن أن نشير إلى ان التعابير المقامية التي تمتعت بها فريده كانت اقرب من سابقاتها الى التعابير المقامية البغدادية التي تمتاز بزخارف وتحليات دقيقة امتاز في تأديتها الرجال من المؤدين وبهذه الخاصية استطاعت ان تشق طريقها وتثبِّت لها وجوداً بين مؤدي المقام العراقي .

هناك مغنيات مقاميات من طلبتنا في معهد الدراسات الموسيقية العراقي ايضا ظهرن في السبعينات والثمانينات والتسعينات .. بعضهن يمتلكن أصوات جيدة ، ولكن لم تتح لهن فرص الاستمرار في هذا اللون من الأداء على الأقل ، او اعتزلن الغناء تماماً لظروفهن .

(9)
مطربات اخريات
هناك مطربات أخريات حاولن الولوج إلى غناء هذا اللون من الغناء عن طريق الابوذية المقامية أو بعض الجوابات الغنائية العالية المقامية داخل أغانيهن أو محاولات اخرى لم تشأ ان تستمر حتى يتسنى لنا الحديث عنها بصورة واسعة امثال بدريه انور ومنيره الهوزوز وغيرهن ، واخيرأ المطربة الكبيره أنوار عبد الوهاب التي سجلت بصوتها حوالي 60 اغنية من أغاني المطربات الاوائل مثل صديقه الملايه وسليمه مراد وسلطانه يوسف وبدريه انور وجليله العراقية أم سامي بتقنيات تسجيلية ارفع مستوىً بطبيعة الزمن وتطور الاجهزة التسجيلية وذلك منذ سبعينات القرن العشرين والتي تعد من أجمل تسجيلات ألاغاني القديمة أن لم تكن أجملها حقاً شاركتها في نفس المنحى المطربة هناء بصوتها الجميل وغنائها لبعض من هذه ألاغاني أيضاً . وممن حاولن تادية المقامات في الوقت الحاضر الفنانة رند دريد.