المرحلة الاولى


المرحلة الاولى


المرحلة الاولى



المرحلة الاولى

من

المحاور المقامية

2008






محاور في المقام العراقي

دراسة بحثية متسلسلة لمحاور تخص شأن
غناء وموسقى المقام العراقي

يـكـتبها في حلقات

مطرب المقام العراقي
حسين اسماعيل الاعـظمي
















الاردن / عمـَّان
2008 نيسان April




اليكم أعزتي القراء في الصفحات التالية
المحور رقم (19) ، من المرحلة الاولى ، مذكــِّراً ، في حال فقدان أية حلقة من حلقات المحور رقم (1) بأجزائه الخمسة والمحاور الاخرى التي تم نشرها في الايام القليلة الماضية ، أن تكتبوا إليَّ لأرسلها إليكم

*************
أو الذهاب الى موقع كوكل google والبحث عن (محاور في المقام العراقي) حيث تجدون كل المحاور منشورة في المواقع والشبكات الالكترونية مع الشكر والتقدير لكل اخوتنا في هذه المواقع والشبكات


وهذا هو المحور
(19)

Hussain_alaadhamy@yahoo.com

00962795820112

ملاحظة
اعزتي القراء الافاضل .. لقد اتعبتكم معي في كتابة وقراءة هذه المحاور المقامية التي بدأتُ بنشرها منذ نيسان April من هذا العام 2008 .. حيث وصل عدد المحاور المنشورة الى تسعة عشر محوراً حتى الآن .. ولكنني سأتوقف حالياً عن الاستمرار في كتابة محاور اخرى في الفترة القادمة ، لاسباب فنية تتعلق بعملي الفني والثقافي وامور اخرى .. وساعاود الكتابة ثانية في اي فرصة تسنح لي ان شاء الله .. ولا يسعني هنا إلا ان اشكر جميع الاخوة الافاضل العاملين في المواقع والشبكات الالكترونية الذي ساهموا مساهمة فعَّالة في نشر هذه المحاور المقامية الى كل بقاع العالم عبر شبكات ومواقع الانترنيت ، كذلك اشكر الصحف العراقية والعربية التي عكفت على نشرها ايضا ، وستبقى هذه المساهمة موقفا مشرفا وكبيرا في نشر الثقافة الفنية وارشفة وتوثيق موروثاتنا وحفظها من الضياع ونحن نعيش اتعس ظروف الانسانية ..
كذلك اشكر جميع الاخوة القراء الافاضل الذين تجشموا عناء المتابعة والقراءة والمساهمة من خلال نقدهم واضافاتهم ومديحهم وكل تعقيباتهم المفيدة جدا من خلال رسائلهم المستمرة التي تصلني باستمرار ..
في هذه الرسالة اهديكم مقام الجهاركاه ، وهو التراك رقم (6) من اسطوانة (مقامات في العشق الالهي) التي سبق لي ان سجلتها يوم 19/1/2004 في احد ستوديوهات مدينة اوترخت الهولندية ، وصدرت اواخر عام 2006 عن مؤسسة (رازا) العالمية بالتعاون مع مؤسسة المقام العراقي التي اسسها الفنان الكبير محمد حسين قمر في هولندة ، ومعذرة على تجشمكم عناء التحميل الذي لن يستغرق اكثر من خمسة دقائق ..
والى محاور اخرى بعونه تعالى ارجو ان تكونوا جميعا بكل خير ..

ودمتم لأخيكم
حسين الاعظمي
عمَّـان ، كانون اول December 2008
المحور رقم
(19)

1 - خفايا الطريقة الغنائية
2 - التصميم وروابط الجمل اللحنية
3 - تفاعلات البناء اللحني
4 - اهمية تماسك البناء اللحني

(1)
خفايا الطريقة الغنائية
الطريقة الغناسيقية , عملية أبداعية يمكنها الظهور في المجتمع .. فهي لاتهيِّأ الافكار فقط بل تهيِّأ الخيال والتأملات والصور وتخلق جوا من الابداع .. لأن الانسان يستطيع أن يفهم نفسه عندما يدرك إمكانية فهم الآخرين له .. فعندما يؤدي المغني مثلما يفكر , فذلك يعني أنه يفكر على الصور التي يغني فيها .. وان ما يفهم بوضوح يعبر عنه بوضوح ..
قد نستطيع أن نفلسف الطريقة الغنائية ونتحدث عن فحواها , إذ نعتبرها نشاط الروح المستمر .. وعليه فإن مفردات مثل .. أغني , أعرض , أعبر .. عبارة عن مظاهر مختلفة لشيء واحد .. والفنان المغني الطموح , يكتشف أنه يمتلك من العناد والاصرار مايكفي للوصول بعملية التفكير والشعور التي يعانيها والتي يطمح إليها حتى نهايتها , هذا هو الغناء الحقيقي .. لأن المغني الحقيقي هذا .. هو الذي يأخذ على عاتقه تنظيم موقف العناد والاصرار وتماسكه حتى عندما يضعف أمله في أستماع الآخرين له .. أن النشاط الروحي , من شأنه ان يأخذ على عاتقه ايضا خلق النتاجات الفنية التي تتوضح فيها الاساليب والطرق الغنائية واكتمال الفكرة .. فالفورم form المقامي ليس مجرد اسس وقواعد واصول للمسارات اللحنية المقامية ، ولكنه تاريخ وتقاليد تشترك جميعها في كمال المضامين التعبيرية واظهارها .
في هذه الحالة يفيدنا الاستماع الى التسجيلات الصوتية ذات الحبكة المتقنة في اصولها المقامية التاريخية كمواد اولية للمقام العراقي ومضامينها التعبيرية ، وعلى الاخص في التسجيلات الصوتية المسجلة بأصوات المغنين الكبار امثال مطربنا الكبير موضوع البحث رشيد القندرجي ، وليكن مثلا مقام السيكاه فاستمع اليه عزيزي القاريء بهدوء في قصيدة شهيرة هذا مطلعها ..

نضت عنها القميص لصـب ماء
فورَّد خدها فرطُ الــــحياء
وقابلت الهواء وقد تــــعرت
بمعتدل ارق من الهــــواء
ومدت راحة كالــــماء منها
الى ماء معد في انـــــاء
ولما ان قضت وطراً وهمـَّـتْ
على عجل لتأخذ بالــــرداء
رأت شخص الرقيب على التداني
فاسبلت الظــلام على الضياء
وغاب الصبح منها تحت لــيل
وظل الماء يجــري فوق ماء
فسبحان الاله وقد بــــراها
كاحسن ما تكون من النســاء

ان هذه المقامات المسجلة بصوت المطرب المخضرم رشيد القندرجي ، وما يقول عنها النقاد والمستمعون بصورة عامة ، تفيدنا ، إذ يعبَّر عنها ، بأنها الاداة التي تتجلى بواسطتها الفكرة والمشاعر وتصبح واضحة .. ونضيف الى ذلك ، انها نشاط الروح .. ولكن الاسلوب العملي للطريقة الغنائية التي انجزها رشيد القندرجي ذات طابع اوسع ، أي ان نشاط الروح هو الطريقة ذاتها .. والطريقة هذه يمكنها الوصول الى مستمع واحد او الى مجموعة من الجماهير او الى الانسان اينما وجد ..

(2)
التصميم وروابط الجمل اللحنية
يعتمد الغناء من الناحية الاستاتيكية , على تنسيق الجمل اللحنية للمواد الاولية التي يتكون منها الشكل المقامي ، وعلى تصميم داخلي معقَّد ينطوي بناؤه اللحني والفكري والاسلوبي على معانٍ مختلفة تنبثق من روابط الجمل اللحنية مع بعضها ممتزجة مع الفطرة والامكانية الخفية التي يمتلكها المغني والتي يشوبها الغموض حتى على المغني نفسه .. فهذه الخليَّة من العمل والتفاعل هي التي تلهب نضوج الشكل الداخلي للمسار اللحــــني في المقام العراقي عند الشروع بعملية غنائه ..
كان اهتمامي الشخصي واضحا حين انصب مباشرة على الطابع الفكري للشكل المقامي الداخلي المتكون منه المقام العراقي , عندما شرعت بغناء أي من المقامات العراقية حتى وانا في بدايات مسيرتي الفنية ، ولنتأمل واحدا من هذه المقامات وليكن مقام الحجاز ديوان الذي سبق لي وقمت بغنائه في بداياتي مطلع السبعينات من القرن العشرين وقد سجَّلته بصوتي في اذاعة وتلفزيون بغداد بقصيدة الشاعر البهاء زهير (1)* مع اغنية – مروا بينا من تمشون -

نهاك عن الغوايــة ما نــــها كا
وذقت من الصـــــبابة ما كفاكا
وطال سراك في ليل التصـــابي
وقد اصبحت لم تحمد ســـــراكا
فلا تجزع لحادثة الليــــــالي
وقل لي ان جزعت فما عســـاكا
وكيف تلوم حادثـــة وفيـــــها
تبيـــن من احبـــك او قـــلاكا
بروحي من تذوب علـــيه روحي
وذق يا قلب ما صــــــنعت يداكا
لعمري كنت عن هذا غـــــنيا
ولم تعرف ضلالك من هــــــداكا
ضنيت من الهوى وشقيـــت منه
وانت تجيــــــب كل هوى دعاكا
فدع يا قلب ما قد كنـــــت فيه
الست ترى حبيــــــبك قد جفاكا
لقد بلغت به روحي التــــراقي
وقد نــــــظرت به عيني الهلاكا
حبيبي كيف حتى غبـــت عنــي
اتعلم ان لي احــــــــدا سواكا
اراك هجرتني هجرا طـــويلا
وما عودتني من قبـــــــل ذاكا
عهدتك لا تطـــيق الصبر عني
وتعصي في ودادي من نهــــــاكا
فكيف تغيرت تلك السجــــــايا
ومن هذا الذي عني ثنــــــــاكا
فلا والله ما حاولت غــــــدرا
فكل الــــــناس تغدر ما خلاكا
وما فارقتــــــني طوعا ولكن
دهاك من المــــــــنية ما دهاكا
لقد حكمت بفرقــــــتنا الليالي
ولم يك عن رضــــاي ولا رضاكا
فليتك لو بقـــــيت لضعف حالي
وكان الناس كلهـــــــــم فداكا
يعز علي حين اديــــــر عيني
افتش في مكانــــــــك لا اراكا
فيا من غاب عني وهو روحـــي
وكيف اطـــــيق من روحي انفكاكا
ولم ار في ســــــواك ولا اراه
شمائلك المليـــــــحة ام حلاكا
ختمت علي ودادك في ضــميري
وليس يزال مخــــــــتوما هناكا
فيا من قد نـــــوى سفرا بعيدا
متى قل لي رجوعـــــك من نواكا

فقد حاولت في هذا المقام الرئيسي , إن اضمِّن غنائي له , على مدلول خاص يعمل على تنمية معناه العام الذي ينبعث منه داخليا ومن صلب المسارات اللحنية الاصيلة لمقام الحجاز ديوان .. و قد كان هذا المدلول خفيا .. قد يصعب عليَّ شرحه او الحديث عن كوامنه .. ثم اصبح مسموعا لكل المتلقين من الجماهير ... و عليه نلاحظ ان الشكل الداخلي التقليدي لمقام الحجاز ديوان , يتجلَّى , اما من الناحية المسموعة او من الناحية الفكرية .. و لكنه يستحوذ على بناء المسار اللحني لمقام بكامله , و من ثم يطغى المعنى العام على المقام المذكور بكل تفاصيله ..

(3)
تفاعلات البناء اللحني
ان كل هذه التفاعلات الفنية الغنائية داخل المقام المغنى , تتجسد في النشاط الروحي بصورة قوية في كشف اللحن الداخلي و التعابير الخفية واستخدامها له .. فالقوة تتجلى في طبيعة وجودة اظهار شكل الغناء اللحني التقليدي المعبر عن كل المتطلبات ..
تلك مهام طبيعية يتطلبها العمل الغناسيقي , حيث يتفق الجميع في غاية واحدة ..هي فتح ابواب في امكانية استحداث الاساليب الغنائية في المقام العراقي .. و فتح نوافذها على مصراعيها , و ادخال المستمع في اعماقها الذوقية و الثقافية , ان المطرب القدير حسن خيوكة يبدو اوفر حظا من المغنين الآخرين في طرح اسلوبه الغنائي الجميل الخفي بالرغم من انه مستقى من الطريقتين القندرجية و القبانجية .. فلم يمر على سمعي مغنيا عراقيا او غير عراقي , اكثر هدوءا و تأدبا و تهذيبا و ثقة و شجنا وصدقا , من حسن خيوكة عند غنائه , الذي يجعلنا نتحسس بقوة الخلق الرفيع والادب العميق في مضامين تعابيره في شكواه وعتبه وهمومه المذلَّة .. فصفة ادب , تكفي لوحدها لان تصف بها , الحكيم و المفكر الواثق بقوته ..

(4)
اهمية تماسك البناء اللحني
كلما كان شأن الطريقة الغنائية و اسلوبها الادائي متماسكا في بناء لحني محكم .. ازدادت القوة الداخلية التي تنطوي عليها المسارات اللحنية التي لا تنبثق عنها الخيارات الحالمة و الصور الجميلة فحسب .. و انما محور المقام العراقي المغنى برمته , فالطريقة والاسلوب المحكم و الجيد هو اداة التفكير السليم ..
والاسلوب الداخلي هذا ينطوي ايضا على لوحة معقدة مما تراكم في المتطلبات المنظورة و غير المنظورة في امكانية المغني الفطرية و العقلية الواعية من ثقافة الحياة , ولا سيما في الطريقة الغنائية ككل .. اضافة الى فردية المغني .. فنضوج اسس الطريقة الغنائية و اسلوبها الداخلي و بلورته .. من شأنه ان يحدد اهمية العمل الفني و قيمته . .
هكذا يكون الشكل المقامي الداخلي الهيكلي للمقام العراقي و ظاهره المتكامل .. أي المقام بشكله و مضمونه , هما البارزان في العمل الفني الغنائي حيث نعثر على أمتن الروابط في كل هذا البناء الاسلوبي في الطرق الغنائية و منها الطريقة القندرجية المخضرمة .. اذ تنطوي قيمتها في صورتها النهائية عندما تؤدى من قــــــبل مؤسسها رشيد القــــــندرجي اومن
اتباعه المقتدرين من المغنين المقاميين , عندها نتلمس في كل ذلك طريقة التفكير التي تخلق الصورة و الخيال العاطفي و الفكري , و في نهاية الامر ينتهي بنا المطاف الى التصميم و كشف العمل المقامي برمته .. و بها تكتسب الطريقة القندرجية ركائز قوية في اسلوبها و بنائها اللحني و تعابيرها الوطنية , تتوضح فيها الافكار و تتوصل اليها , بالرغم من كل الخفايا في بناء هذه الاعمال الفنية الناجحة ..
ان حديثنا هذا عن الجانب الخفي او غير المنظور في بناء الاعمال الغناسيقيــــة و نجاحها .. ذو فائدة عملية اكثر مما هي نظرية , فإدراك الاعمال الفـنية في الغناء و الموسيقى و الاستماع اليها .. تعتبر قضــية اكثر تعقيدا مما يتصوره البعض احيانا و بالتالي فإن دراسة الاعمال الفنية الناجحة بكل جوانبها المتــــوقدة , يضع امام الفنان مهمة خلق اعمالا فنية اخرى حقيقية . .
*******************
الهوامش
1*غنيت هذا المقام الكبير امام مطرب العصور المقامية محمد القبانجي عند زيارته الشهيرة الى معهد الدراسات النغمية العراقي وقد كنت طالبا حينها وذلك يوم 11 / 11 / 1974 حيث فوجىء واشاد بغنائي , وامسى هذا اليوم انعطافة كبيرة في حياتي الفنية , ثم غنيته مرة اخرى في المتحف البغدادي بإلحاحٍ من الجمهور يوم 13 / 12 / 1974 وفي منتصف عام 1975 سجلته في تلفزيون بغداد .. – المؤلف –