بســــم الله الرحمن الرحيم
الأربعـــاء : الأول من يوليو 2009 م
من أدب الأطفال
قصــة الصـــرة والـحـجـر
تأليف: حسن عبدالحميد الدراوي
كَانَ أَحَدُ أَغْنِيَاءِ الرِّيفِ يُحِبُّ أَهْلَ قَرْيتِهِ كَثِيراً، وَيُسَاعِدُهُمْ مُسَاعَدَاتٍ كَبِيرَةً، وَيَتَصَدَّقُ كَثِيرًا عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ فِي الأَعْيَادِ وَالْمُنَاسَبَاتِ، وَيَعْطِفُ عَلَى الْمَرْضَى مِنْهُمْ بِالْعَمَلِ عَلَى مُعَالَجَتِهِمْ فِي الْمُسْتَشْفَيَاتِ، وَمَعَ هَذَا كَانَ أَهْلُ قَرْيتِهِ يَحْسُدُونَهُ لِغِنَاهُ .
وَفِي يَوْمٍ مِنَ الأَيَّامِ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ لَهُمْ أَنَّ الْعَمَلَ سَبِيلُ النَّجَاحِ لِتَحْقِيقِ الثَّرْوَةِ فَاسْتَيْقَظَ مُبَكِّرًا وَوَضَعَ حَجَرًا كَبِيرًا فِي الطَّرِيقِ بِالْقُرْبِ مِنْ بَيْتِهِ وَوَضَعَ تَحْتَ الْحَجَرِ صُرَّةً فِيهَا ذَهَبٌ، هَدِيَّةً لِمَنْ يُتْعِبُ نَفْسَهُ وَيُبْعِدُ الْحَجَرَ عَنِ الطَّرِيقِ .
ثُمَّ اخْتَفَى هَذَا الْغَنِيُّ فِي بَيْتِهِ وَأَخَذَ يَنْظُرُ مِنْ نَافِذَةِ بَيْتِهِ لِيَرَى مَا يَحْدُثُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَبَعْدَ مُدَّةٍ قَصِيرَةٍ مَرَّ رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَتَهُ فَوَجَدَ الْحَجَرَ فِي مُنْتَصَفِ الطَّرِيقِ يَعُوقُ سَيْرَهُ فَغَضِبَ وَأَخَذَ يَسْخَطُ وَيَلُومُ، ثُمَّ سَارَ بِبَقَرَتِهِ وَابْتَعَدَ عَنِ الْحَجَرِ وَتَرَكَهُ وَذَهَبَ فِي طَرِيقِهِ .
ثُمَّ أَتَى فَلاحٌ آخَرُ يَسِيرُ فِي الطَّرِيقِ يَسُوقُ حِمَارَهُ ذَاهِبًا لِلطَّاحُونَةِ، فَرَأَى الْحَجَرَ فَتَرَكَهُ وَأَخَذَ يَشْكُو وَيَسْخَطُ، وَفِي النِّهَايَةِ سَاقَ حِمَارَهُ بَعِيدًا عَنِ الْحَجَرِ وَتَرَكَهُ وَانْصَرَفَ.
أَخَذَ الْمَارَّةُ فِي الطَّرِيقِ طُوَالَ الْيَوْمِ يَسْخَطُونَ وَيَلُومُونَ وَيَشْتَكُونَ كُلَّمَا مَرُّوا بِالْحَجَرِ وَوَجَدُوهُ فِي طَرِيقِهِمْ، وَلِشِدَّةِ كَسَلِهِمْ لَمْ يُفَكِّرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ فِي رَفْعِ الْحَجَرِ عَنِ الطَّرِيقِ وَرَمْيِهِ بَعِيدًا .
وَأَخِيرًا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، وَجَاءَ شَابٌّ يَظْهَرُ عَلَيْهِ التَّعَبُ الشَّدِيدُ مِنْ كَثْرَةِ الْعَمَلِ طُوالَ النَّهَارِ فِي الْحَقْلِ، فَقَالَ لِنَفْسِهِ: إِنَّ الطَّرِيقَ الآنَ مُظْلِمٌ، وَلَوْ تَرَكْتُ هَذَا الْحَجَرَ فِيهِ فَقَدْ يَتَعَثَّرُ بِهِ أَحَدُ الْمَارَّةِ فِي الظَّلامِ فَيَقَعُ عَلَى الأَرْضِ وَيُصِيبُهُ مَكْرُوهٌ مِنْ أَثَرِ السُّقُوطِ .وَتَذَكَّرَ الشَّابُّ حَدِيثَ الرَّسُولِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ) فَصَمَّمَ عَلَى أَنْ يُبْعِدَ الْحَجَرَ عَنِ الطَّرِيقِ .
وَحَاوَلَ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَقْدِرْ لأَنَّهُ مُتْعَبٌ وَمُرْهَقٌ مِنْ كَثْرَةِ الْعَمَلِ طُوَالَ النَّهَارِ وَلَكِّنَهُ حَاوَلَ وَصَمَّمَ عَلَى إِزَاحَةِ الْحَجَرِ مِنَ الطَّرِيقِ .
وَظَلَّ الشَّابُّ عَلَى هَذِهِ الْحَالُ وَاللَّيْلُ أَرْخَى سُدُولَهُ، وَلَكِنَّهُ بَعْدَ تَعَبٍ شَدِيدٍ وَمُحَاوَلاتٍ كَثِيرَةٍ دَحْرَجَ الْحَجَرَ مِنْ مَكَانِهِ، وَظَلَّ يُدَحْرِجُهُ حَتَّى أَبْعَدَهُ إِلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ .
وَأَثْنَاءَ دَحْرَجَتِهِ تَعَثَّرَتْ قَدَمَاهُ بِالصُّرَّةِ، فَحَمَلَهَا وَفَتَحَهَا فَوَجَدَهَا مَمْلُوءَةً بِالذَّهَبِ فَأَخَذَهَا وَذَهَبَ إِلَى بَيْتِهِ، كُلُّ هَذَا وَالثَّرِيُّ مَا زَالَ يَنْظُرُ مِنَ النَّافِذَةِ يُتَابِعُ مَا يَحْدُثُ، وَيَقُولُ فِي نَفْسِهِ : سَأَنْتَظِرُ لأَرَى مَا سَيَفْعَلُ هَذَا الشَّابُّ .
وَفِي الصَّبَاحِ ذَهَبَ لِصَلاةِ الْفَجْرِ مَعَ أَهْلِ الْقَرْيَةِ فِي الْمَسْجِدِ، وَبَعْدَ أَنْ فَرَغَ الْمُصَلُّونَ مِنْ أَدَاءِ الصَّلاةِ قَامَ الْفَتَى وَقَالَ لِلْمُصَلِّينَ : عَثَرْتُ عَلَى صُرَّةٍ بِالأَمْسِ، فَمَنْ يَأْتِنِي بِعَلامَةٍ لَهَا تَكُنْ لَهُ .
فَلَمَّا سَمِعَ الثَّرِيُّ هَذَا الْكَلامَ قَامَ وَقَالَ لأَهْلِ الْقَرْيةِ : هَذِهِ صُرَّتِي، وَعِنْدِي عَلامَةٌ لَهَا، وَعِنْدَ الظُّهْرِ نَجْتَمِعُ مَعًا فِي سَاحَةِ الْقَرْيةِ وَأَذْكُرُ لَكُم الْعَلامَةَ، وَغَادَرَ الثَّرِيُّ الْمَسْجِدَ .
أَهْلُ الْقَرْيةِ كُلُّهُمْ يَهْمِسُونَ مُتَعَجِّبِينَ : أَهَذِهِ الصُّرَّةُ لِهَذَا الثَّرِيِّ الْبَخِيلِ ؟! فَكَيْفَ أُتِيَ بِهَا تَحْتَ الْحَجَرِ ؟!
يَقُولُ بَعْضُهُمْ : رُبَّمَا سُرِقَتْ مِنْ بَيْتِهِ وَخَبَّأَهَا السَّارِقُ تَحْتَ الْحَجَرِ . وَيَقُولُ آخَرُونَ : نَنْتَظِرُ لِلظُّهْرِ فَلَيْسَ الظُّهْرُ بِبَعِيدٍ، وَكَانَ الْكُلُّ مُتَحَمِّسِينَ لِيَعْرِفُوا قِصَّةَ الصُّرَّةِ وَالْحَجَرِ .
وَجَاءَ الظُّهْرُ وَاجْتَمَعَ أَهْلُ الْقَرْيةِ فِي السَّاحَةِ، وَقَامَ الثَّرِيُّ وَقَالَ لِلْفَتَى : يَا فَتَى، هَذِهِ الصُّرَّةُ لَكَ . تَعَجَّبَ النَّاسُ مِنْ هَذَا الْكَلامِ وَقَالُوا لِلثَّرِيِّ : كَيْفَ تُهْدِي الصُّرَّةَ لِلْفَتَى وَلَمْ نَتَأَكَّدْ بَعْدُ أَنَّهَا لَكَ ؟!
رَدَّ عَلَيْهِمْ قَائِلا : يَا أَهْلَ قَرْيَتِي، أَنَا صَاحِبُ هَذِهِ الصُّرَّةِ وَسَأَذْكُرُ لَكُمْ الْعَلامَةَ لِتَطْمَئِنُّوا، الصُّرَّةُ مَمْلُوءَةٌ بِالذَّهَبِ، وَكَتَبْتُ بِوَرَقَةٍ بِدَاخِلِهَا : هَذِهِ هَدِيَّةٌ مِنِّي لِمَنْ يُبْعِدُ هَذَا الْحَجَرَ عَنِ الطَّرِيقِ لأَنَّنِي رَأَيْتُكُمْ فِي الْفَتْرَةِ الأَخِيرَةِ لا تَهْتَمُّونَ بِالطَّرِيقِ وَأَصْبَحْتُمْ تَرْمُونَ الْقِمَامَةَ فِيهِ وَتُلْقُونَ بِالْقَشِّ وَالْحَشَائِشِ فِيهِ، فَحَزِنْتُ عَلَى سُلُوكِ أَهْلِ قَرْيَتِنَا . ثُمَّ قَالَ لِلشَّابِّ : افْتَحْ يَا فَتَى الصُّرَّةَ وَسَتَجِدُ الرِّسَالَةَ وَمَا ذَكَرْتُهُ لَكُمْ صَحِيحًا .
فَتَحَ الشَّابُّ الصُّرَّةَ عَلَى أَعْيُنِ الْجَمِيعِ فَوَجَدَ مَا قَالَهُ الثَّرِيُّ صَحِيحًا . حَمَلَ الْفَتَى الصُّرَّةَ شَاكِرًا حَامِدًا الله عَلَى صَنِيعِهِ، وَأَهْلُ الْقَرْيةِ يُبَارِكُونَ لَهُ وَيَقُولُونَ: لَقَدْ فُزْتَ بِجَائِزَةِ الثَّرِيِّ لأَنَّكَ رَفَعْتَ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ .
انْصَرَفَ أَهْلُ الْقَرْيةِ مِنَ السَّاحَةِ وَمَا عَادُوا يَصِفُونَ الثَّرِيَّ بِالْبُخْلِ وَصَمَّمُوا عَلَى أَنْ تَكُونَ كُلُّ الطُّرُقِ فِي الْقَرْيَةِ نَظِيفَةً، وَاسْتَمَرُّوا يَرْفَعُونَ أَيَّ أَذًى مِنْ طُرُقَاتِهَا .
قراءة ممتعة ومحببة
مـحـبـكم
حســــــــــــن عبدالحميد الدراوي